حماس تحوّل حزب الله نموذجاً
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
كتب بلال خبيز: يطرح فوز "حماس" بالانتخابات التشريعية الفلسطينية تحديات متجددة في المنطقة وفي لبنان على وجه الخصوص. فهذه النتيجة للانتخابات الفلسطينية تعيد السياق الذي تعبر فيه المنطقة العربية إلى نصابه الاصلي. وفي أي حال لطالما شكلت فلسطين وخصوصاً في ظل قيادة الرئيس الراحل ياسر عرفات استثناء مرغوباً بشدة في شكل التمثيل السياسي وطبيعة الحراك الاجتماعي والسياسي الذي يعتمل في ساحتها. فالحركة الوطنية الفلسطينية، التي تعرضت إلى تطاول مديد من قبل انظمة وحركات سياسية ناشئة، كانت، وما زالت حتى اليوم، رغم كل الضعف والانهاك اللذين اصاباها، آخر معاقل حركات التحرر الوطنية الحاشدة. ففي وقت تجتاح الحركات الإصولية كل مساحة المعارضات في طول المنطقة العربية وعرضها، وحيثما يسمح ويتسنى للمجتمعات التعبير عن نفسها بحرية ولو مشروطة احياناً.
كانت منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة الرئيس الراحل ياسر عرفات تنافس الحركات الإسلامية وتتفوق عليها اقتراعاً ومشروعاً سياسياً قادراً على تميز الآفاق الضيقة المفتوحة امام حركة الشعب الفلسطيني ونضاله المحق. والحق ان الدور الذي أدته الحركة الوطنية الفلسطينية في العقدين الأخيرين كان إلى حد بعيد أحد الاسباب الرئيسية التي جعلت من الحركة الإسلامية في فلسطين المتمثلة بحماس اولاً واساساً، والتي تقع حركة الجهاد الإسلامي في هامشها، اكثر واقعية واقل تهوراً من غيرها من الحركات الإسلامية التي ضربت طول العالم العربي وعرضه، من مصر إلى الجزائر فالعراق فلبنان وصولاً إلى المملكة العربية السعودية التي شنت قيادتها حملة قاسية على الإرهاب الاصولي وعانت ما عانته من ويلات جراء الفكر المرتجل الذي حكم هذه الحركات الاصولية.
وبصرف النظر عما ستؤول إليه احوال الشعب الفلسطيني وحركته النضالية في ظل حكم حماس، فإن الثابت منذ اللحظة ان انتصار هذه الحركة سيشكل على المستوى الإعلامي والتعبوي ضربة قوية إلى السياسات الواقعية التي يعمد إلى ارسائها بعض القادة العرب التاريخيين.
لا شك ان انتصار حماس يعطي دفعاً ملموساً للحلف الإيراني - السوري، ويجعل من حزب الله اللبناني مثالاً يحتذى. فقبل هذا الانتصار لم يكن في وسع قادة حزب الله ان يقنعوا العالم ولا انفسهم انهم يستطيعون تعليم الحركة الوطنية الفلسطينية السبل الأنجع في النضال ضد العدو الإسرائيلي. ذلك ان تلك الحركة التي قادها ابو عمار حتى يوم وفاته، هي الحركة الأم التي تناسلت منها سائر الحركات المناضلة في طول العالم العربي وعرضه طوال عقود الستينات والسبعينات وبعض الثمانينات من القرن الماضي، وهي الحركة التي يحق لحزب الله ان يقول انه ورث ابناءها من اللبنانيين لكنه لا يستطيع الإدعاء انه مرشدها ومعلمها وملهمها، وإن ارتفعت اعلام حزب الله في تظاهرات فلسطينية. لكن الامر يختلف اختلافاً ملموساً مع حركة حماس، فهذه الحركة لها تاريخ مشهود ومعاين، وهي ولدت وشبت عن الطوق في الزمن نفسه الذي شب فيه حزب الله عن طوق الإرهاب الأعمى وتطويع الإجتماع بالقوة العارية، إلى رحاب النضال السياسي والعسكري الناجع والمفيد، وإن كان باهظ الكلفة احياناً. بهذا المعنى يستطيع حزب الله ان يكون سنداً ومرجعاً وصاحب سيرة تحتذى في لدن حركة المقاومة الإسلامية في فلسطين، وبهذا المعنى يصبح الترحيب الإيراني بفوز حماس له وزن يحسب حسابه في موازين المنطقة الدقيقة.
لكن ما يجعل التأثير الإيراني حاسماً في هذا المجال، وقابلاً للتطور والتأثير على مستوى سياسات المنطقة برمتها، يتعلق اولاً واساساً، بالمأزق الذي وجد العالم نفسه مسجوناً في عنق زجاجته ما ان اسفرت الانتخابات الفلسطينية عن نتيجتها المعروفة. ذلك ان العالم اكتشف مع هذه النتيجة كم كان الرئيس محمود عباس ضرورياً، وكم كان يجدر بالمجتمع الدولي دعم سياساته، وتمكينه من تحقيق بعض النتائج المهمة للفلسطينيين والعالم على حد سواء. ففي حين اختار محمود عباس طريق المفاوضات مع اسرائيل طريقاً حاسمة ولا رجعة فيها، بدا كما لو ان العالم ينحاز سلفاً للقمع الإسرائيلي ولدفع المجتمع الفلسطيني إلى تبني خيارات صعبة لم يكن تبنيها خياره الأوحد.
كان الأفق امام الرئيس عباس مسدوداً لكنه لم يتخل عن فكرة ان المفاوضات انجع وأفضل السبل لحماية حقوق الشعب الفلسطيني. لكن المجتمع الدولي الذي شهد بعض التبدل في نظرته إلى الفلسطينيين والنضال الفلسطيني في ما بعد اوسلو، تحول عن دعم نضال الشعب الفلسطيني والنظر إليه بعين التفهم، ليدعم سياسات شارون التي تميزت بالقمع الشديد منذ اللحظة الاولى، وبالضغط على الفلسطينيين، إلى حد انهم وجدوا انفسهم في الشهور الأخيرة أمام واحد من احتمالين: اما تجدد الانتفاضة، مع ما يعنيه ذلك من مآس ومعاناة مضافة إلى معاناة الفلسطينيين، وإما انتخابات تشريعية تسفر عن فوز حماس بالأغلبية البرلمانية مما يضع الوضع الفلسطيني والعربي برمته على مفترق بالغ الخطورة.
وعلى المنوال نفسه الذي لا يعرف كيف يتعظ من الخسارة عاود المجتمع الدولي سيرته السابقة. حيث بدأت طلائع مقاطعة حماس سياسياً وايقاف المساعدات المقررة للسلطة الفلسطينية تغزو السياسة الاوروبية والغربية غزو النار الهشيم. تلك المساعدات التي كانت تقطر على سلطة عباس تقطيراً، ولا يصل منها إلا ما نجا من مصاف سياسية واخلاقية لا أول لها ولا آخر. في وقت كانت الوعود بالمساعدات لا تني تتكاثر ويتبارى الغرب في إطلاقها.
الخلاصة تُرك عباس وحيداً تحت رحمة التعنت الشاروني من جهة اولى والتجاهل الدولي من جهة ثانية، وضغط الوضع الداخلي الفلسطيني من جهة ثالثة. والنتيجة المنطقية لهذا كله وصول حماس إلى السلطة. مما اوجد حجة مناسبة للمجتمع الدولي وجد في وصولها إلى السلطة فرصة سانحة للتخلي عن كل الوعود التي اطلقها في مجال دعم الشعب الفلسطيني وتمكينه من ممارسة حقوقه الطبيعية والشرعية والمشروعة.
امام هذا التخلي الشامل ستجد السلطة الفلسطينية الجديدة في الدعم الإيراني خشبة خلاص اخيرة قد تمكنها من الصمود في فترة حكمها التي ولدت في الحرج والمأزق أصلاً. مما يجعل مقاومة المجتمع الدولي للطموحات النووية الإيرانية اضعف كثيراً، ومما يجعل ايران لاعباً اساسياً على مستوى المنطقة العربية برمتها. فتدخل المنطقة العاجزة عن اعادة استنهاض حركاتها الوطنية مرة أخرى، في اتون المصالح الإيرانية الضيقة، وفي حساباتها الخاصة التي قد تهدر نضال الشعب الفلسطيني برمته على مذبح قضية ايرانية لا تني تحاول ان تبتز العالم لتبقي نظاماً من الماضي على قيد الحياة.
في لبنان سيتنفس المشروع السوري - الإيراني صعداءه الأقوى منذ زمن طويل. وفي لبنان ايضاً، سيجد اللبنانيون انفسهم، امام مخاض صعب في ما يتعلق باستقلالهم ووحدة بلدهم، ومنع التطاول عليه تحت اسماء لا تملك من مقومات المسميات التي تتسمى باسمها ما يستحق النظر او الذكر.