زواج متعة بين نصرالله وعون
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
"الحزب" لا يبلع الجنرال رئيساً والغالبية تفضل لحود
زواج متعة بين نصرالله وعون
إيلي الحاج من بيروت: لم يكن اللقاء - الحدث بين رئيس "التيار الوطني الحر" ميشال عون والأمين العام لـ" حزب الله" السيد حسن نصرالله الاثنين الماضي خطوة نحو فرض الجنرال رئيساً للجمهورية خليفة للرئيس الحالي إميل لحود، أقله ليس الآن قبل تمكين الجانبين من الاتفاق على الموقف من القرار 1559 الذي آثرا تجاهله في ورقتهما المشتركة. وحتى لو توصلا إلى اتفاق في شأنه يظل قرار بدعم ترشيح محفوفاً بالأخطار على "حزب الله"، وخلفه حليفتاه سورية وإيران، لأن عون الشهير بمبدأ "الدولة لا الدويلة" قد لا يمكنه خيانة نفسه طويلاً متى بات في السلطة وتقوّى فيها بعصبية جيشية حوله ، وعليه من ماضيه الذي لا ينكره في هذا السياق كثير شواهد . وفي مطلق الأحوال لم يغير اللقاء شيئاً في موازين القوى البرلمانية ولن، حتى لو ربح تيار عون مقعداً إضافياً في دائرة بعبدا بعد سقوط مساعي التوافق على مرشح يجنب المسيحيين في شكل خاص تشنجات معركة حامية. فالغالبية في مجلس النواب لا تزال الغالبية والأقلية الأقلية، ولن تتغير ما دام الجميع "متخندقين" في مواقعهم، في حين تفضل "قوى 14 آذار/ مارس" المناهضة لسورية بقاء لحود سنتين إذا لزم الأمر، على الإتيان بعون الذي لا ينفك يثير "النقزات" بمرها وحلوها، حسب الناظرين إليها، منذ انتقاله عام 1988 من مقر قيادة الجيش في اليرزة إلى القصر الرئاسي في بعبدا فالعمل السياسي.
ليس اللقاء إذاً لإيصال عون إلى رئاسة لعدم توافر القدرة وربما الرغبة، إنما هو لإسقاط حكومة الغالبية الحاكمة على خط مناهضة سورية في لبنان برئاسة فؤاد السنيورة بتحركات شعبية قاربها "حزب الله" سابقاً أول فصل الشتاء ولم ينجح تحت لافتات مطلبية منها "ثورة المازوت" لافتقاده إلى البعد الوطني الجامع. كان الحزب موعوداً في تلك المرحلة بمدد شعبي وجغرافي وسياسي من الجنرال عون الذي لم يُقدم، وذلك لعدم تهيؤ أنصاره على الأرجح للمواجهة بجانب من يُفترض أنهم نقيض تكوينهم وضد من كان يُفترض أنهم الحلفاء الطبيعيون للعونية لولا عقبة رئاسة الجمهورية التي جعلها عون المحور والقصدله ولجمهوره. كان لا بد من ورقة تفاهم تلك لتقريب الحزب الشيعي المتشدد والمسلًح من صورة الحليف الوطني المقبول في أذهان أنصاره. وفي لبنان لا يحاسب الناس زعماءهم أيا يكونوا على التغيير في خطاباتهم والانحرافات ، وهذه ليست ميزة العونيين أو الحزب اللهيين وحدهم ، فالكل سواسية في هذا المضمار. الإنتماء السياسي في لبنان مسألة عاطفية تتصل بناحية القلب (العاشق لا يرى في محبوبه إلا الجمالات)، وفي العادة، بل دائما تطرد الأحزاب والتيارات من صفوفها القلة التي تفكر وتحاول محاسبة.
"موضوع إنشاء"
ولكن يثبت بعد سنة على غياب رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري الذي أشعل اغتياله سلسلة حرائق لم تخمد بعد، أن النظام السوري الذي تلقى ضربات قوية في لبنان أخرجته منه مترنحاً ، عاد ينجح يوماً بعد يوم ونقطة بعد نقطة في مسعاه إلى تحويل المواجهة على أرض "بلاد الأرز" بين أهل هذه البلاد أنفسهم وليس بينهم وبينه. أولى البوادر كانت لمن يذكر "تظاهرة الشكر والولاء" التي أنزل فيها "حزب الله" متبوعاً بحركة "أمل" الجمهور الشيعي إلى ساحة رياض الصلح في 8 آذار الفائت ولن تكون خاتمتها ورقة التفاهم على عدم التفاهم إلا على استمرار "حزب الله" في حمل السلاح حتى بعد تحرير مزارع شبعا في انتظار الاتفاق على صيغة معالجة الأخطار والتهديدات الإسرائيلية ضد لبنان، على ما ورد في الورقة التي رفعها في كنيسة مار مخايل السيد نصرالله والجنرال عون ،الذي قبل أيضاً بعدم الإتيان على ذكر قرار لمجلس الأمن حمل رقم 1559 ولطالما تباهى بأنه كان وراءه. ولا على ما ورد فيه لناحية نشر الجيش اللبناني والقوى الرسمية وحدها على الحدود تحت طائلة خروج لبنان من تحت مظلة الشرعية الدولية.
وغني عن القول أن استمرار المقاومة وسلاحها يعني استمرار التدابير الأمنية الذاتية في مناطق شاسعة من الجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت، حيث لا وجود للدولة إلا في الشكل. وهي نقطة شديدة التأثير في مستقبل هذه البلاد الواقعة على تقاطع إقليمي متفجر بين إسرائيل ومن وراءها ، والمحور الإيراني- السوري- الفلسطيني الأصولي الذي يشكل "حزب الله" جزءاً منه. ويبدو معبرّا أن ورقة التفاهم على اللا تفاهم لم تتطرق من قريب ولا بعيد للحلف مع إيران وسورية ، في موازاة تبنيها لمقولة الرئيس السوري بشار الأسد أن على لبنان أن يثبت بنفسه لبنانية المزارع "بعدما أعلنت الدولة السورية لبنانيتها الكاملة" ، هكذا بالنص ولم يكلف أحد من جانب العماد عون سؤال نفسه في أي وثيقة رسمية ورد ذلك الإعلان فعلاً.
ويفاقم واقع التسليم العوني بكل مقولات الحزب اللهي أن حتى سلاح المنظمات الفلسطينية خارج المخيمات لم يحظ بموقف ، بل أنه هو أيضاً يخضع للحوار نفسه الذي قال به البيان الوزاري لحكومة الرئيس السنيورة المشارك فيها الحزب الشيعي المتشدد . حوار يبدو ممتداً إلى الأبد . أما بقية البنود مثل المتعلق باللبنانيين اللاجئين إلى إسرائيل فلم تقدم شيئاً جديداً مثل طلب عفو أو تخفيف أحكام أو معالجة استثنائية لأحوالهم ما، بل دعاهم الطرفان للعودة وتسليم أنفسهم إلى القضاء وفي مقدور أي منهم فعل ذلك بغير جميل الحزب والتيار. الأمر نفسه ينطبق على طلبهما من سوريا التعاون الكامل مع الدولة اللبنانية من أجل كشف مصير المعتقلين في السجون السورية "في أجواء بعيدة من الاستفزاز والتوتر من السلبية التي من شأنها إعاقة بحث هذا الملف على نحو إيجابي". وهو شرط قد يستدعي توافره أعواما طويلة بعد.
وتلفت في السياق عملية التبرئة المتبادلة التي مارسها الطرفان بمواكبة إعلان الورقة، فالحزب اللهي بعرف الجنرال لم يوجه سلاحه يوماً إلى لبنانيين، بخلاف بقية الميليشيات. ترى كان الحزب يقاتل جواسيس أوروبيين وأميركيين، حلّل عون سابقاً خطفهم وقتلهم، إبان حروبه أقله مع حركة أمل" التي تخللتها فظاعات في الضاحية والجنوب في حقبة النصف الثاني من الثمانينات؟ أما عن الفساد والمال فلم تتناول الورقة مسألة مصادر تمويل الحزب والتيار على السواء، أم هي من خمس الزكاة فحسب، وفوائد تبرعات المواطنين أيام "قصر الشعب" ؟
أيا يكن، كان الحري بلقاء من هذا النوع بين كتلتين سياسيتين وشعبيتين بهذا الحجم أن يثير اغتباطاً لو لم يقم على الانتهازية والإكتفاء بنصف الكلام مع ترك الباقي مضمراً، بما يجعله لقاء بين عزلتين لم تقررا البوح والصراحة، فالحزب يكسر بمد اليد إلى الجنرال عون عزلة ثقيلة الوطأة عاشها أشهراً على مستوى الوطن وجر إليها الطائفة، وعون يخرج من عزلته خارج الحكومة وفي البرلمان حيث بدا وحده معارضاً والباقون إما ساكتون وإما يردون مستقوين عليه بأكثريتهم.إنما ورقة التفاهم تلك تصلح موضوع إنشاء كما وصفها الرئيس الدكتور سليم الحص. وتعبير "لقاء عزلتين" الأصح منه "زواج المتعة" .