أخبار

رئيس الجمهورية إلى خارج الطاولة

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

بلال خبيز: في اليوم الأول من الحوار بين القوى اللبنانية برزت إلى العلن بعض المشكلات الجانبية. عقدة التمثيل الأرثوذكسي بدت واحدة من هذه المشكلات التي تفصح من دون لبس أو ريب عن طبيعة الاختلال في البنية اللبنانية، على كافة المستويات. سبق هذه العقدة وزامنها على نحو متصل وربما اكثر ايحاء وخطورة بيان المطارنة الموارنة. ذلك البيان الذي ابدى فيه المطارنة قلقهم للحال التي آل إليها

اقرأ أيضا:

middot;بري:الاجواء ايجابية رغم المواقف المتنوعة

اللبنانيون، وبحسب البيان فإن فئة من اللبنانيين تريد اسقاط رئيس الجمهورية بأي ثمن، وفئة أخرى تريد بقاءه في منصبه بأي ثمن، والحل، بحسب البيان، ان يحتكم الرئيس اميل لحود إلى ضميره، ويتصرف وفق ما تمليه مصلحة البلاد.

والحق ان مثل هذا الموقف الذي يصدر عن المطارنة الموارنة، يخالف عادة في المواقف درجت عليها البطريركية المارونية، لجهة الحديث عن اتفاق اللبنانيين، ما ان ترتفع يد التخريب الخارحي عن العبث بأمنهم ومقومات بلدهم. فاللبنانيون بدوا وهم يستعدون لجلسات الحوار مختلفين اختلافات عميقة. والشروخ في ما بينهم تزداد عمقاً كلما اوغلوا في بحث مشكلاتهم.

قد يكون موضوع إقالة رئيس الجمهورية ابرز مثال على ذلك. إذ، وفي واقع الامر لم يأت اهل 14 آذار بجديد حين طالبوا بإقالة رئيس الجمهورية، فالرئيس الذي لم يؤهله وضعه للمشاركة في الحوار، والذي بدا اكثر السياسيين اللبنانيين اعتماداً على الدعم السوري المباشر الذي ما ان انحسر قليلاً حتى بدت رئاسته عارية ومن دون ان تجد ما يغطيها غير بعض الحسابات السياسية التكتيكية التي لا تتعلق بطبيعة الحال بوزن الرئاسة الاولى ودورها. على هذا لا يبدو مطلب أهل 14 آذار غريباً وغير ذي صلة.

فالرئاسة الاولى في لبنان اليوم ليس لديها من يحميها، بمعنى ان هذا المقام لم يعد، بعد رفع الغطاء البطريركي، قادراً على الصمود من تلقائه، بل اصبح اشد اعتماداً على عمق الخلاف بين اللبنانيين لكي يتسنى للرئيس ان يكمل ولايته. والحق ان اي توافق بين اللبنانيين سيكون من نتائجه توجيه ضربة قاضية للرئاسة الأولى تطيح بالزمن المتبقي من ولايته الممددة. ويمكن القول ان موضوع إقالة رئيس الجمهورية وانتخاب بديل له قد يكون من النتائج المتواضعة جداً التي قد تنتج من الحوار بين اللبنانيين.

ذلك ان استمرار الرئيس في منصبه بعد خروج الجيش السوري لم يكن ممكناً لو كان ثمة حد أدنى من الاتفاق بين القوى السياسية اللبنانية على قواسم مشتركة. حيث ان المنصب الأول في الجمهورية اللبنانية تغذى طوال العام الماضي واستمد الدماء المستعارة التي لا زالت تجري في عروقه من الفرقة الحاصلة بين القوى المختلفة. وغني عن القول ان الجنرال ميشال عون المدافع الشرس عن بقاء الرئيس في منصبه، انما ينطلق من دفاعه من محاولة اقناع الأطراف الأخرى بترئيسه بدلاً من الرئيس الحالي، اما حزب الله الذي يندفع في معركة الرئيس لحود، بحجة دعمه للمقاومة، فإنما ينطلق ايضاً من اعتبار يتعلق بشعار الوفاء لسورية، حيث يدفع لها من كيس شركائه اللبنانيين وليس من كيسه الخاص.

فالسيد نصرالله الذي اعلن اكثر من مرة وبالفم الملآن ان المقاومة تعرف كيف تدافع عن نفسها، وان الإجماع اللبناني لم يكن يوماً متوافراً حولها، ليس في حاجة إلى رئيس جمهورية موال للمقاومة حتى يحسن الدفاع عن حدودها. لكن قادة حزب الله يعرفون جيداً ان مقام الرئاسة لا يؤثر على دور الحزب الداخلي والخارجي اي تأثير يذكر. وان التمسك باستمراره في منصبه هو في نهاية المطاف تمسك سوري، حيث تخاض المعركة بين الإدارة السورية وقوى 14 آذار على أرض هؤلاء الأخيرين، وليس في أرض حزب الله او مناطقه الحصينة. هكذا، وبسبب هذه المعادلة جرد وليد جنبلاط حملته على حزب الله لدفعه إلى خيار من اثنين، اما الدفاع عن لحود كما لو انه يدافع عن نفسه ووزنه في البلد، وإما التخلي عنه، وترك الأمور تأخذ مجراها الطبيعي، من دون ان يتأثر دور حزب الله الداخلي وسلاحه بالتغيير في مقام الرئاسة.

بطبيعة الحال استغل اللاعبون الكبار في لبنان بعض التناقضات والمفارقات اللبنانية، من قبيل استغلال حزب الله طموح الجنرال عون إلى الرئاسة الاولى، ومن قبيل الغزل الجنبلاطي مع الجنرال عون تمهيداً للقول او الإعلان من قبل جنبلاط وحلفائه، ان معركة اقالة لحود هي معركة على ارض 14 آذار بهدف تحسين شروط هذه الحركة ووضعيتها، وان تدخل حزب الله السافر فيها هو تدخل خارج حدوده الطائفية والمناطقية. وإذا ما أراد الاستمرار في هذا التدخل فإن الطرف المقابل سيعمد إلى التدخل والضغط داخل حدوده.

على هذا المحمل البالغ الدقة يمكن فهم التباين الواضح بين التصريحات الاميركية التي ما فتئت تكرر التذكير ببنود القرار 1559 وضرورة نزع سلاح الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية، لكنها من جهة أخرى تعاود التأكيد على ضرورة استئخار التنفيذ الفوري لهذا القرار وما تبقى منه، لجهة نزع سلاح حزب الله. هذا السلوك الاميركي حيال القرار 1559 يوحي بأن الإدارة الأميركية تتعامل مع هذا القرار مثل تعاملها مع قرارات أخرى، من القرار 194، إلى القرار 338 وما بينهما. لهذا بدت المفارقة واضحة بين الحاح جنبلاطي على نزع سلاح حزب الله، بوصفه سلاحاً اهلياً والتمهل واستئخار أميركي في هذا الموضوع. حيث بدا في الاسابيع الأخيرة كما لو ان جنبلاط احرص على تنفيذ القرار 1559 بحذافيره من الإدارة الاميركية نفسها.

هذه هي المرة الأولى التي يتحاور فيها اللبنانيون من دون وسطاء خارجيين ومن دون رعاية دولية او عربية مباشرة. وفي هذا ما يمكن المناقشة فيه واستقراء دلالاته المهمة. لكن هذا الحوار ما كان ممكناً ان ينعقد، وليس ممكناً ان يصل إلى نتائج إذا لم يحسم اللبنانيون من كافة الفرقاء موقعهم في السفينة الواحدة المعرضة للرياح وليس على الشاطئ الأمين. وبكلام اكثر وضوحاً يجب الحسم في اعتبار المحاورين انفسهم لبنانيين، مختلفين في التوجهات، لكنهم لا ينفذون سياسات خارجية بوصفهم وكلائها المحليين.

هذا يفترض حكماً الإقلاع المتمادي عن رهانات على خارج، وظيفته اضعاف الخصم الداخلي، فلكل طرف داخلي قدرته على استعداء خارج ما على أطراف داخليين، وفي النتيجة يخرج الجميع خاسرين بحوار او من دونه. ويفترض ايضاً ان نظرة واقعية إلى منطق الأمور وموازين القوى الحالية محلياً والعلاقات تفيد ان ليس ثمة تغييرات كبرى يمكن ان تنتج في الاصطفافات والاحتشادات الحاسمة، وان نتائج الحوار ستكون حكماً لصالح طمس مزيد من القوى الضعيفة او التي اثبتت انها لا تحسن الدفاع عن مواقعها احيانأً لأسباب تتعلق بسوء الأداء، واحياناً لأسباب تتعلق بالوزن الفعلي لهذه القوى ومدى قدرتها على التأثير سلباً وايجاباً في المعادلة الداخلية.

سبق الحوار لقاء ماراتوني بين السيد حسن نصرالله امين عام حزب الله والنائب سعد الحريري رئيس كتلة تيار المستقبل. النتائج التي صدرت عن الاجتماع كانت ذات جو ايجابي. بمعنى ان ايجابيتها تفيد ان هذه المعركة قد تكون حطت رحاها، بعد ان ذرت قرنها في كل مفاصل البلد. لكن اللقاء يوحي من ناحية ثانية، ان الرجلين يمثلان قوتين متعارضتين ومتباينتين في المواقف، لكنهما قوتان رئيستان من قوى البلد. وان حصاد المعركة سينتج خاسرين اقل وزناً، من قبيل الحرج الاورثوذكسي او التشتت الماروني والاستقطابات المتنوعة التي يشهدها البيت الماروني المتصدع، والذي عبر عنه بيان المطارنة بوضوح، وصولاً إلى رئيس الجمهورية ومقامه الذي سيكون امر البت في إقالته وتحديد خلف له، ابرز نتائج الحوار الإيجابية، هذا إذا قيض لهذا الحوار ان ينتج تقدماً، ولو ضئيلاً، على طريق حل أزمة الحكم المستعصية في لبنان.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف