فرسان الطاولة المستديرة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
قادة يأتون من أمكنة وحسابات سياسية متناقضة
فرسان الطاولة المستديرة في لبنان
إيلي الحاج - بيروت: أثبت قادة الطوائف اللبنانية أنهم قادرون على الإلتقاء والتحاور، إلا أن الاتفاق في ما بينهم يبقى شأنا آخر، مستبعداً. لا يمنع ذلك أن يحقق
إقرأ أيضا
"إيلاف" تسأل اللبنانيين عن رأيهم بالحوار
اللقاء مهم بحد ذاته حتى لو لم يؤد الى نتيجة
وقت مستقطع لجنبلاط .. من طاولة الحوار الى أميركا
جولة الحوار الثانية بدأت حامية مع القرار1559
كوفي أنان يشيد بالحوار الوطني في لبنان
رئيس الجمهورية إلى خارج الطاولة
مبارك يعرب عن أمله بنجاح الحوار اللبناني
كل منهم مكاسب لمجرد جلوسه إلى الطاولة المستديرة ما دام اعتراضه يعني في شكل أو آخر استخدام حق النقض "الفيتو" استناداً إلى التحالفات المتينة التي نسجوها في ما بينهم، سواء بحكم اجتماع المصالح أو الاقتناعات. والفرسان الكبار الذين صُنفوا "باب أول"، وهي منزلة الأقطاب يبلغ عددهم 13، هنا لمحات عن أبرزهم:
كرسي رئاسة حركة "أمل" بين كراسي الزعماء أهم لنبيه بري من الكرسي رقم 2 في دولة لبنان، لذلك يجلس إلى طاولة الحوار طرفاً محاوراً باسم الشق الذي يواليه من طائفة الشيعة المتوجسة من ضمور نفوذها بعد خروج القوات السورية من البلاد. طوال عقود كانت حركة المحرومين سابقاً وخلفها جمهورها المدللة والمميزة لدى نظام "البعث" الذي حكم لبنان، فحكّمها في الوظائف والخدمات والانتفاعات كافة لتغرف من الخزينة العامة ما استطاعت باعتبار وجوب تعويض غبن مزمن تحت شعار عن حق أو خطأ "حَكَم الموارنة خمسين عاماً وجاء دورنا". لكن الحركة التي كانت في كل مواقفها السياسية الماضية سورية جداً لم تبنِ على صخر، فاضطر رئيسها عند أول ريح إلى الالتحاف والالتحاق بعباءة قائد التنظيم الآخر للطائفة الأمين العام ل "حزب الله" السيد حسن نصرالله ليتبادلا الحماية. وعندما ضجت البلاد بأزمة رئاسة الجمهورية أعلن بري أنه يقف خلف نصرالله الآخر ( البطريرك الماروني نصرالله صفير). يجيد رئيس "أمل" ومجلس النواب دور الثاني الواقف خلف، فيما هو الأول في الدولة بحكم الوضع الحالي لرئاسة الجمهورية مع شاغلها إميل لحود، وفي جلسات الحوار عرض آنفاً ألا يترأس ولا يدير فلم يقبلوا معه : أنت الرئيس والمدير والمتحدث الوحيد.
رجل دولة من طراز رفيع، اكتشفه اللبنانيون بعد الرحيل الفاجع لصديقه منذ المدرسة رفيق الحريري الذي كان يتقدمه ولم يكُ بين فريقه أنسب من فؤاد السنيورة ليحمل بعده شعلة رئاسة الحكومة. لبق، لا يقطع الشعرة بينه وبين الآخرين ويجيد اختراع المخارج من المآزق التي يفتعلونها في وجهه لتعويق سيره وحكومته وإن على حساب لبنان ومصالح شعبه. لا يترك رئيس الحكومة خياراً لمن يتعاملون معه إلا أن يحترموه، حتى الرئيس السوري بشار الأسد الذي أطلق عليه في لحظة نزق أوصافاً خارجة عن التهذيب تراجع وطلب نسيان الإساءة ولم يخرج السنيورة عن هدوئه. يعبر بالشعر في الظروف الصعبة ولا سيما عندما ينزل به ظلم، وبأمثال رقيقة. السياسي الوحيد في لبنان الذي يعزف العود ويغني. يعرف أن يلاقي من يعادونه في منتصف الطريق من غير أن يتنازل عن الجوهر. لمس ذلك منه مراراً كل الجالسين معه إلى طاولة الحوار.
الرئيس السابق للجمهورية الذي صار الرئيس الأعلى للكتائب محنك مجرب خبير في جلسات المناقشات، فهو آتٍ من تراث حزب، رغم ماضي عسكريته أسهل ما يكون عليه تنظيم الجدل السياسي، المهرجانات والاحتفالات الشعبية أيضاً. من تركيبة الشيخ أمين الطبيعية ألا يصرم خيوطاً يحرص أن تربطه دوماً بمن يظهرون أو يضمرون له العداء لا فرق. بهذا يمكن القول أن الرئيس الأعلى، والرئيس في الكتائب كريم بقرادوني يتكاملان رغم ما يظهر بينهما من اختلاف في الطبيعة، فحزبهما الضامر والمشترك تميز خطابه صلابة وليونة، وما بينهما في آن واحد. هكذا يكون الجميّل الدمث الحديث في الحوار مع "قوى 14 آذار/ مارس" طبعاً، والأكثر انفتاحاً ربما على المختلفين معها. بينه وبين الجميع، إلا من استجد منهم في العمل السياسي، تاريخ من المواجهات السياسية والعسكرية والمفاوضات في ولايته الرئاسية الماضية التي لم يقدر لها أن تكون طبيعية بسبب الحرب. هو اليوم صاحب المقام الأول بين الزعماء الموارنة رتبة وثالثهم قوة. وحتى لو بدت الظروف غير متوافرة كفاية للعودة إلى بعبدا، فلا بأس بتقديم نموذج لما يكون عليه تصرف الرؤساء، خصوصاً أن خلف فخامة الرئيس نجله الشيخ بيار يساعده، وقد صار وزيراً يمثل له المستقبل بالتحالف مع "المستقبل".
لعله أمضي الوقت في اليوم الأول والأخير من الحوار الذي شارك فيه يتساءل لماذا هذا الحوار؟ في أي حال قطع الزعيم الدرزي الشك باليقين وبطاقات السفر إلى الولايات المتحدة قبل وقت، فلم يمهل دعاة الكلام الكلام الكلام كثيراً. سيلتقي هناك كبار القوم في الأدارة الأميركية وأولاهم وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس ثم الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان بصفته الملازمة له منذ اغتيال الرئيس الحريري زعيم قوى الغالبية في البرلمان والحكومة والميدان. ليست جلسات الحوار جديدة عليه لكنه يملّ فهذه طبيعته لذلك يسأل: لماذا هذا الحوار؟ وعندما صافح نصرالله بعد طول جفاء عرّف عن نفسه قائلاً: "أنا رمز الغدر". فأجابه : "وأنا سلاح الغدر"، وكان لقاء طريفاً.. في جلسات جنيف لوزان لإنهاء الحرب ( 1983 و 1984) كان يمضي بعض الوقت في التقاط صور تذكارية للجالسين إلى الطاولة كي لا ينسى. وفي دمشق (1985) قال بعد توقيعه "الاتفاق الثلاثي" مع حليفه اللدود السابق نبيه بري والراحل إيلي حبيقة إن ابنه تيمور سينفذ ذلك الاتفاق، وكان طفلاً. كبر تيمور وحواس والده السياسية باتت أقوى بكثير وأدق.
حسن نصرالله
قوي يدرك أن اشتداد الخصام من حوله ليس لمصلحة حزبه اللهي لأنها الظروف الدولية والداخلية الحاكمة، فينزع إلى اللين ويحاور مستنداً ليس إلى حزبه وأنصاره فحسب بل إلى غالب مجتمع طائفته الذي يواليه ويأتمر بأمره ويرفع راياته. من المفارقات أن "حزب الله" حقق نصراً كبيراً ليجد نفسه بعد خمس سنوات يدافع عن نفسه. لكن هذا لبنان المتعدد حيث لا طائفة تقبل أن تتميز عنها طائفة لا بالسلاح ولا بغيره من أسباب القوة. يريد نصرالله اعترافاً من الآخرين بأن الجزء المتعلق بسلاح حزبه من القرار الدولي رقم 1559 غير قابل للتطبيق، وغير ذلك كل شيء يهون وقابل للحل. مع ذلك أقصى ما يمكن أن يصل إليه كان مع العماد ميشال عون في ورقة تفاهمها، ولا يبدو أن أحدا غير عون من الجانب يقبل الذهاب في هذا المسار، لكن السيد الملتحي المبتسم يعوّل على تفاهم يبدو أنه أرساه مدى سبع ساعات في قريطم مع زعيم "المستقبل" سعد الحريري. تفاهم غير مكتوب أثار تساؤلات لدى فريق الجنرال المحاور وكذلك بقية أطراف 14 /آذار مارس. على ماذا اتفقا؟ أي جنرال سيدفع الثمن؟
يتسلح بعناد يتشارك فيه مع الرئيس الجنرال إميل لحود ويجعل مسألة إسقاط الرئيس المقيم في بعبدا أصعب ربما مما اعتقد خصومه إذا ما أصروا على رفضهم الجنرال عون خليفة له. يتسلح أيضاً بأنه نال أصوات 72 في المئة من المقترعين المسيحيين في الانتخابات النيابية الصيف الماضي، علماً أن بعض من يرفضونه ومن "ينقزون" منه على السواء يقولون إن الظروف اختلفت، وإن الجنرال عون نفسه اختلف. ويتسلح أيضاً بورقة التفاهم مع "حزب الله" التي يفترض أن تجعله المرشح التلقائي للجمهور الشيعي، وكذلك برضا علني من النظام السوري لم يظهر بعد ما إذا كان حقيقياً أم لا. قيل إنه وافق على أن يسمي بطريرك الموارنة رئيساً جديداً، ربما لتأكده أن البطريرك يستحيل أن يقبل. ويعجب الجنرال لاستمرار الأزمة ما دام الجميع يدرك أن مفتاح حلها عنده، فلماذا لا يطلبون المفتاح لينفرج الجميع؟
يحمل زعيم "تيار المستقبل" على منكبيه إرثاً سياسياً ثقيلاً خلفه وراءه والده الشهيد، وأمانة أن يكمل ما كان قد بدأ به، لذا لا مهادنة معه في إيصال التحقيق الدولي إلى خواتيمه أيا يكن الجناة، وأمانة تخليص لبنان من الفريق الأمني الذي ناصب والده العداء وحرض عليه وسامه ألوان الاضطهاد حتى الرمق الأخير. ولا مهادنة عنده أيضاً في السير باتفاق الطائف الذي كان في جزء كبير منه ثمرة تعب رفيق الحريري طوال سنوات تأسيساً لسلم يتيح بناء وطن آمن. فوق ذلك كله يحمل سعد الحريري زعامة شعبية سيكون عليه على مر التحديات أن يثبت قدرته على حملها رغم المطبات والأخطار. وأن يبقى في الوقت نفسه صلة الوصل بين الطوائف والأحزاب الحليفة والمتخاصمة على السواء، مدعوماً بسند عربي ودولي من الرياض إلى القاهرة وباريس وواشنطن قل نظيره لمثله بين القادة.
سمير جعجع
ليس لدى "الحكيم" إلا ما يربحه على الطاولة. لا شيء عنده يعطيه لأحد بل على النقيض، فقد أعطى ما عليه في الطائف وفي أعوام السجن ال 11، واليوم ينطلق في الحوار متحرراً من مطالب أو تطلعات شخصية. إذا اقتنع الآخرون بطروحاته كان به، وإلا فإنه ماضٍ في السعي مع حلفائه في إسقاط رئيس الجمهورية إميل لحود أولاً وإيصال خلف له يرضي المنطق والضمير، أو بتعبير آخر عنده البطريرك صفير. تخففه من أحمال الطلب للذات يساعده في مواجهة يخوضها كأنه يرفع شعاراً "لا لنا، لا لنا...إنما لأجل أبنائنا من بعدنا". مرة أخرى تشاء الأقدار والظروف، أن تقع على كتفيه مهمة نقل لبنان من الدوران في الارتباط إلى ضوء الحياة والفعل البنّاء بدءاً من التغيير في القصر الجمهوري، تماماً كما فعل عندما بموقف منه وقرار أنهى الحرب معلناً حل ميليشياته الأقوى في تلك الحقبة من بداية التسعينات.في افتتاح الحوار حرص وحليفه جنبلاط أن يظهرا دوما للصحافيين يتأبط كل منهما ذراع الآخر. صورة جديدة لرجلين جديدين. من كان ليقول؟ ولكم يتغيّر الإنسان!
عميد الصحافة اللبنانية خاض الكثير في الحوارات، وحضوره يضفي على المناقشات نكهة فكرية وقيمة وبعداً مختلفين. يجيئه المتحاورون للنصح فيعطيهم السابقات والمخارج والاجتهادات، وكما دعا في وداع ابنه الشهيد النائب جبران إلى دفن الأحقاد يحضهم على فتح صفحة جديدة يقدرون عليها. لا نطلب ثأراً قال بل عدالة. غسان تويني أرثوذكسي درزي ماروني مسلم مسيحي فهو علماني، خبير في تدوير الزوايا لا تفوته شاردة ولا واردة فيما ينظر إلى المتحاورين بعيني السياسي والدبلوماسي والأب الذي هو، ملتزماً وهو الصحافي مع الآخرين ألا يسرّب مضمون المناقشات لتنحصر المعلومات في بيان رسمي يدلي به الرئيس بري، وكذلك التسريبات لاحقاً. فلا شيء يجب أن يبقى سراً في لبنان أكثر من ساعات وهذه ميزته.