أخبار

الحوار الداخلي يراوح مكانه في لحظة انسداد

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك


لبنان أمام اتفاق قاهرة جديد؟
الحوار الداخلي يراوح مكانه في لحظة انسداد

الجولة الرابعة للحوار اللبناني :وقف التسريبات وتجديد التكتم بلال خبيز من بيروت : كان المتوقع، نظراً إلى بعد الشقة بين الفئات اللبنانية المتحاورة، ان يصل الحوار الداخلي المنعقد إلى عقد مستعصية على الحل. هذا ما يحصل في أي حوار. فالحوارات دائماً وأبداً، تعقد في القاعات وخارجها. بين المؤتمرين انفسهم، وفي الميدان، وتترافق المداخلات السياسية مع ضغوط ميدانية وتسريبات من كل حدب وصوب، فضلاً عن تدخلات خارجية وداخلية للتأثير في مجرى الحوار وعلى النتائج التي يمكن ان يخلص إليها.
وفي أي حال، لم يكن مستغرباً ان يدلي الرئيس السوري بشار الأسد بمداخلة ساخنة في مؤتمر الأحزاب العربية الذي تنعقد اعماله في دمشق. المداخلة الساخنة بدت كما لو انها تريد التدخل المباشر، وتنبيه من لم يكن منتبهاً، إلى ان سورية ما زالت طرفاً فاعلاً في الحوار، ومقرراً، وان الإدارة السورية لن ترضى بأقل من تنفيذ كامل توجهاتها حرفياً ومن دون تعديل على الصعيد اللبناني. لكن تلك المداخلة لم تحل دون استمرار المتحاورين بحوارهم، أملاً في الوصول إلى قواسم مشتركة، لا تنهي الأزمة المستعصية ولا تبتكر لها حلولاً سحرية، لكنها قد تفتح باباً لحل ما في المقبل من الأيام.

بناء على هذا التقدير المفرط في حذره، لم يتردد الزعيم الدرزي وليد جنبلاط في السفر إلى الولايات المتحدة وفق الموعد المقرر سلفاً لهذه الزيارة، ولم يجد في تضارب موعد الزيارة مع موعد الحوار ما يستحق التضحية بالمواعيد الأميركية لمصلحة مواعيد لبنانية داهمة. ذلك يعني، بالنسبة إلى الزعيم الدرزي، بحسب مصادر قريبة منه، انه لا يعلق اهمية كبيرة على مجريات الحوار وما يمكن ان ينتج منه، ويضيف قريبون من الدائرة الضيقة المحيطة بالزعيم جنبلاط، ان جل ما حققه الحوار هو كسر جليد العلاقات الشخصية بين المتحاورين، ودخول "حزب الله" طرفاً في الحوار بعدما كان لسنوات طوال يترفع عن الدخول في زواريب السياسة اللبنانية، ويعتبر سياسته منزهة عن الاغراض والمقاصد الضيقة بوصف المقاومة "عمل مقدس لا يرقى إليه الباطل" من أي جهة أتى.
هذه الإيجابية التي يشير إليها الزعيم الدرزي، بالغة الأهمية لجهة ضرورة ان ينضوي "حزب الله" ويستقيم طرفاً داخل المعادلة اللبنانية مثله مثل أي طرف آخر، لا يستطيع تخوين الآخرين، ولا يمكنه ان يدعي صحة سياساته دون سياسات الآخرين. لكن هذه الإيجابية لا تلغي واقع ان البلد يعيش طوراً من أطوار أزماته المستعصية، وان امكان تقريب وجهات النظر يكاد أن يكون بالغ الصعوبة إن لم يكن مستحيلاً. إذ ليس ثمة ما يجعل الحوار متكافئاً بين طرفين أحدهما مسلح حتى أسنانه، والآخر يعطل الحوار بعض أهم موارده الإقتصادية، ودرة تاج مشروعه في الوسط التجاري لمدينة بيروت. فضلاً عن ان الفارق بين حامل السلاح، وإن كان موجهاً ضد العدو الإسرائيلي ولم يدخل طرفاً مباشراً في أي حرب لبنانية داخلية، وحامل الخطاب السياسي، حتى لو كان الخطاب عنيفاً وعصبياً، كبير ولا يمكن ردم هوته بالنيات الطيبة وحدها.

وبحسب المصادر القريبة من الزعيم الدرزي، فإن التخوف كبير من ان ينتج الحوار، عملاً بمقتضى موازين القوى المحلية والعربية، نوعاً من اتفاق قاهرة جديد، ينظم السلاح الفلسطيني وسلاح "حزب الله"، لكنه تحت لافتة التنظيم ولبنانية مزارع شبعا، يستطيع أن يقضم سياسياً وأمنياً كل ما حوله وصولاً إلى نوع من الاختلال الساحق بين الطرفين لمصلحة السلاح المقاوم، وتقديم المقاومة على كل ما عداها، وتعليق الاجتماع والسياسة في لبنان لمصلحة دور مقاوم لم تعد ثمة مقومات فعلية للاضطلاع بموجباته.

والحق أن الفارق كبير بين لبنان المنقسم على نفسه في ستينات القرن الماضي حيال العمل الفدائي الفسطيني من جنوب لبنان والوضع الذي يعيشه لبنان اليوم. ففي تلك الحقبة لم يكن أمراً مستغرباً ولا مستهجناً ان ينخرط لبنان في مواجهة اسرائيل فعلياً في وسط منطقة عربية تغلي من محيطها إلى خليجها، وتتحضر لصراع عربي - اسرائيلي داعم للمقاومة الفلطسينية في كل أرجاء الوطن العربي، وبين وضع اليوم الذي يكاد فيه اللبنانيون لا يتحملون وجود مقر للمقاتلين الفلسطينيين في منطقة الناعمة جنوب بيروت. في الستينات كان فتح البلاد امام صراع لا محدود ضد اسرائيل يمتلك الكثير من المبررات المنطقية، لكننا اليوم امام تراجع عربي عام في هذا الصعيد، وتصعيد حزب اللهي لا أمل يحدوه في استنهاض نوع من التضامن العربي الفاعل.

في أي حال، وتحت شعارات من قبيل دعم الانتفاضة الفلسطينية، لم تتوقف خطابات "حزب الله" والنظام السوري ابان الانتفاضة الثانية عن دعوة الفلسطينيين للاستمرار في الانتفاضة. لكن الفلسطينيين انتفضوا وحدهم طوال اكثر من ثلاث سنوات وبقي شلال الدم الفلسطيني نازفاً من دون ان يلقى الفلسطينيون تحت الاحتلال اي دعم فعلي يمكن ان يمتن صمودهم او يجعل انتفاضتهم قابلة للاستمرار.

لهذه الاعتبارات كلها، ينظر الزعيم الدرزي إلى نتائج الحوار نظرة فيها الكثير من السواد. ويرى ان ما يحوط الوضع اللبناني من تدخلات اقليمية تصب كلها في خانة ابتزاز الاستقلال والحركة الاستقلالية. فيصرح وزير الخارجية السوري وليد المعلم من القاهرة ان تبادل السفراء بين لبنان وسورية يمكن ان يتحقق حالما ترتقي العلاقات بين البلدين إلى المستوى المرغوب، كذا! اي المستوى الذي تحدث عنه الرئيس بشار الأسد في خطابه الأخير، بمعنى عودتها إلى سابق عهدها من تحكم سوري في مفاصل لبنان جميعاً، بوصف ما جرى منذ عام حتى اليوم عابراً ويكاد يكون غير ذي صلة. لهذا يرى الزعيم الدرزي، أيضاً، ان اي تغييير لم يطرأ على السياسة السورية حيال لبنان، بل على العكس من ذلك، ثمة انخراط سوري متماد في حلف، يصر الزعيم الدرزي على تسميته ب"الفارسي"، يجعل من دمشق عاصمة ايرانية من عواصم التدخل التي تملكها إيران الملالي في منطقة الشرق الأوسط. مما يعني ان الحصار الإيراني الذي يشتد على عنق منطقة الخليج تهديداً نووياً وتدخلاً واضحاً في العراق، يملك ذراعاً سورية ولبنانية فاعلة ويمكنها ان تعطل اي اجماع او توافق. وأخشى ما يمكن ان يخشاه المرء، ان تُحشر حركة "حماس" في الزاوية نفسها عبر محاصرتها سياسياً فلا تعود تجد منفذاً غير الدعم الإيراني يعينها على الصمود في وجه العواصف الكبرى التي تعصف بالوضع الفلسطيني من كل ناحية.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف