الحوار اللبناني الآن في مهب الريح
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
كل العيون على قادة الطوائف المجتمعين
الحوار اللبناني الآن في مهب الريح
إيلي الحاج من بيروت : تتجه أنظار كل اللبنانيين في هذه اللحظات إلى قاعة الحوارالوطني في مجلس النواب، حيث يعاود أركان الطوائف والأحزاب ال 14 مناقشاتهم بعد انقطاع دام أسابيع، والمتوقع أن يكون المناخ أكثر تشنجا وأقل استرخاء مما كان عليه في الجلسات السابقة خصوصا بين زعيم "التيار الوطني الحر" الجنرال ميشال عون ورئيس "تيار المستقبل" النائب سعد الحريري، وبين الأمين العام ل "حزب الله" السيد حسن نصرالله ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط .والمقرر أن يفتتح رئيس مجلس النواب وحركة "أمل" نبيه بري الجلسة بكلمة "وطنية وجدانية" تشدد على أهمية الحوار ومواصلته الى ان يحقق اهدافه لأن الفشل ممنوع ولا بديل من الحوار الا الشارع. بعد ذلك يتحدث رئيسالحكومة فؤاد السنيورة عن زيارته الى واشنطن ونيويورك ملخصا نتائجها وموضحا النقاط والمسائل التي هي موضع تساؤل وانتقاد من حزب الله الذي سيستوضح على طاولة الحوار ويسأل عن مواقف أدلى بها السنيورة هناك مستندا الى نتائج مؤتمر الحوار وعن خلوات عقدها مع مسؤولين أميركيين ودوليين .والأرجح أن الرد على" حزب الله" سيأتي من النائب جنبلاط الذي سيوجه سؤالا الى السيد نصرالله عن موقفه في شأن ترسيم الحدود ومزارع شبعا" مما يتعارض مع ما تم التوصل اليه في هذا المجال على طاولة الحوار وبالاجماع، ويعكس توجها الى التنصل والتراجع عما اتفق عليه.
ومن شأن فتح هذا الملف ان يعيد البحث مجددا الى مسألة ترسيم الحدود واثبات لبنانية مزارع شبعا . وسيبادر نصرالله الى اعادة تركيز موقفه وتوضيحه من موضوع ترسيم الحدود مع سورية الذي يرتبط بأمرين او شرطين: رفض ترسيم الحدود، كموقف مبدئي، في ظل الاحتلال الاسرائيلي لمزارع شبعا، وضرورة تصحيح العلاقات اللبنانية - السورية مقدمة للترسيم الحدودي في المستقبل.
ومع عودة حزب الله الى اثارة "ترسيم الحدود" يعود فريق الأكثرية الى اثارة موضوع سلاح المقاومة، لأن هذا السلاح مربوط باثبات لبنانية مزارع شبعا. وهذا الاثبات غير ممكن من دون ترسيم الحدود مع سورية في شكل موثق ومودع لدى الأمم المتحدة.
ولكن "حزب الله" لا يرى رابطا بين السلاح والترسيم لأن بند السلاح أقر في الجولة الثالثة من الحوار مع اقرار المتحاورين ب "لبنانية مزارع شبعا"، الأمر الذي يعني مشروعية سلاح المقاومة ويبرر استمراره ويحدد إطار اي بحث يدور من الآن فصاعدا حول الاستراتيجية الدفاعية التي أعد "حزب الله" تصورا متكاملا عنها وليس حول سلاح المقاومة.
على وقع هذا التباين الذي يعيد فتح مسائل وملفات يفترض انها محسومة وتم بتها في جلسات سابقة، سيكون الدخول في موضوع رئاسة الجمهورية على انه الموضوع الذي يشكل عنوان الجلسة وهدفها المباشر والبند الأصعب على جدول الحوار. وفي هذا المجال تعيد قوى الأكثرية تأكيد موقفها المتمسك بتنحية الرئيس اميل لحود وتحمل "الطرف الآخر" ، أي التحالف الشيعي والجنرال عون ، مسؤولية بقاء لحود والنتائج التي ستترتب على ذلك. وتتراوح مداخلات
الفريق الأكثري بين الدعوة الى التوافق أولا على مبدأ تغيير لحود والآلية الدستورية لذلك وعلى لائحة أسماء من المرشحين، على ان يترك أمر الاختيار لمجلس النواب ، وبين اشتراط وضع برنامج سياسي او "خريطة طريق استقلالية" للمرحلة المقبلة كي يحكم الرئيس الجديد من ضمنها ولا يكون مقيدا بأوضاع ذات امتدادات وارتباطات اقليمية، ولا يكون أسير معادلة لا تخدم الطائف.
وقد أعلن الجنرال عون الذي يعتبر "نجم جلسة رئاسة الجمهورية" أنه سيدخل الموضوع مباشرة ويطرح نفسه مرشحا للرئاسة، ويمكن ان يحصل ذلك من خلال طرف آخر على الطاولة، حليفه النائب ايلي سكاف، في ظل مباركة ضمنية من الفريق الشيعي الذي لن يعلن موقفا واضحا الا بعد موقف الأكثرية وفي ضوئه. والموقف الأكثري يراوح هنا بين حدين: إما تأييد مشروط وفي المبدأ لترشيح عون، بمعنى الرفض الضمني لهذا الترشيح ، من خلال القول إنعون مرشح بارز وجدي ولكن يجب أن يكون ترشيحه من ضمن آلية متفق عليها لإقالة لحود وانتخاب رئيس جديد في مجلس النواب الذي سيحسم أمر الرئيس البديل. وإما الرفض الصريح لترشيح عون باعتباره طرفا وليس مرشح توافق.
النتيجة ستكون الوصول الى طريق مسدود في الملف الرئاسي وطي هذا الملف على طاولة الحوار، وتثبيت الرئيس اميل لحود في منصبه ومعه حكومة السنيورة ، وفي هذا الوضع ستكون الأولوية ل "صيغة اعلان" إخفاق الجلسة وليس إخفاق مؤتمر الحوار... والاعتقاد السائد سواء انفجرت "جلسة الرئاسة" أم لم تنفجر، ان الرئيس بري استبق أجواء الجلسة ونتائجه وأعد لصيغة "مخرج" لا تشكل نعيا للحوار واعلانا مدويا لفشله.
خياران محتملان
ويسود إجمالاً توقعان في شأن مسارين محتملين بعد الجلسة.
الأول :"مسار التعايش"بين حكومة الأكثرية والرئيس لحود مع ما يعنيه ذلك من استمرار الستاتيكو القائم منذ انتخابات ٢٠٠٥ النيابية حتى انتخابات ٢٠٠٧ الرئاسية. ويقوم هذا التعايش على تسليم ضمني من جانب الأكثرية بأن لحود باقٍ في منصبه بعد فشل محاولة اسقاطه عن طريق الحوار وقبل ذلك من طريق الضغوط السياسية والشعبية، مقابل تسليم من جانب الفريق الشيعي بأن حكومة السنيورة باقية ولا بديل منها طالما لحود باقٍ في سدة الرئاسة.
ويعني "التعايش" عمليا التمديد للوضع القائم بكل سلبياته وتوازناته وتكريس حالة جمود وانتظار باعتبار ان الوقت الحالي هو وقت ضائع حتى انقشاع الرؤية الاقليمية وأهم ما فيها المعادلة الاميركية - الايرانية. وهذه المرحلة من الانتظار تفرضها طبيعة الملفات والاستحقاقات الاقليمية المتدافعة والمتعلقة خصوصا بمسار الضغوط الدولية على سوريا في ضوء تقرير رئيس لجنة التحقيق الدولية سيرج براميرتز ونتائج التحقيق الدولي، وبمصير حكومة حماس التي تواجه ضغوطا متزايدة لمحاصرتها واسقاطها، ومسار المواجهة بين المجتمع الدولي وايران مع ما يترتب عليها من تداعيات اقليمية.
ومن حسنات التعايش انه يكرس هدنة سياسية وهدوءا داخليا يتيح التفرغ لملفات اقتصادية ويعزل الساحة اللبنانية عن المؤثرات والضغوط الاقليمية، ولكن السلبيات موجودة وهي كثيرة وليس أقلها انسداد أفق التغيير وتمديد المرحلة الانتقالية وبقاء عناصر التوتر والأزمات قائمة وكامنة في الوضع اللبناني وعدم التقدم والتطور في الأوضاع الى درجة يصبح معها التساؤل عن مصير مؤتمر بيروت - ١ للدول المانحة للبنانتساؤلا مشروعا، ويصبح ضياع الفرصة الدولية الذهبية واردا.
الثاني: "مسار المواجهة" في ضوء اتساع الفجوة السياسية بسبب فشل الحوار، واشتداد الفرز السياسي بين محورين متقابلين ، فريق الأكثرية مقابل الفريق الشيعي ومعه الجنرال عون، وفي حال قرر الطرفان عدم التسليم بما انتهى اليه الحوار من تعادل سلبي وبأن الحوار لم يكن نهاية المطاف، وقررا السعي كل من جهته لتحقيق أهدافه وخططه خارج طاولة الحوار وبالطرق التي يراها مناسبة وبالأوراق التي يمتلكها في يده. آل ما هو واضح حتى الآن هو ان الجنرال عون عاقد العزم بعد طي صفحة المعركة الرئاسية على فتح "معركة الحكومة"واسقاط الهدنة معها وشن حملة ضغوط متعددة الأوجه والأشكال عبر باب الملفات الاقتصادية والاجتماعية والمالية والاصلاحية.وأيضا تحت عناوين التوازن والمشاركة في الحكم. وأفق هذه المواجهة مفتوح على اسقاط الحكومة الحالية والدفع في اتجاه قيام حكومة جديدة تعكس التوازنات السياسية على طاولة الحوار الذي ينتقل في هذه الحال من كنف البرلمان الى طاولة مجلس الوزراء.
وفي موازاة الضغط على الحكومة، ثمة في حسابات الجنرال عون وذهنه، عملية سياسية في مجال آخر تهدف الى إحداث تغيير في الأكثرية الحالية من دون الحاجة الى انتخابات جديدة وذلك عبر خلط أوراق العلاقات والتحالفات واتباع "سياسة القضم والخرق" في صفوف الأكثرية التي ستواجه احتمال التشتت والتفكك نتيجة من نتائج فشل معركتها الرئاسية.
وستبذل قوى الأكثرية في المقابل ما في وسعها لكسب معركة الحكومة بعد خسارة معركة الرئاسة، ولحفظ وحدة وتماسك فريق الأكثرية وتأمين صموده حتى الانتخابات الرئاسية المقبلة. واذا كان خصومها يراهنون على ورقة الضغط الداخلي، فإنها تراهن على ورقة الدعم الخارجي وتأمل في حصول مفاجآت على صعيد التحقيق الدولي، وفي تصاعد الضغوط الدولية على سورية لحملها على تغيير سياستها واحتواء هجومها المعاكس، وفي دخول تعديلات على المبادرة العربية حيال الملف السورياللبناني وبما يتناسب مع التطورات الأخيرة في المنطقة.
ويتجه فريق الأكثرية إلى السعي الى استعادة زمام المبادرة رغم تجاوز موضوع رئاسة الجمهورية، والى اتباع نمط جديد من التعامل مع لحود وممارسة سلطتها وقرارها داخل الحكومة، والى تنفيذ المسائل التي اتفق عليها على طاولة الحوار بمساعدة دولية وعربية... ولكن الأهم ان هذا الفريق يتوقع مفاجآت يتعلق أبرزهاباعادة فتح الملف الرئاسي. وما يزال مقتنعا بأن الرئيس لحود لن يكمل ولايته الممددة.
وتتوقف وجهة وأرجحية أحد الاتجاهين والمسارين، مسار التعايش ومسار المواجهة والانعكاسات على الوضع الحكومي، الى حد بعيد على الموقف الذي سيتخذه "حزب الله" . والظاهر حتى اليوم أن بقاءه في الحكومة يوفر له مكاسب ليس في وسع الجنرال، إذا طور تفاهمه معه إلى تحالف، أن يعطيه منها شيئاً.