اغتصاب التاريخ
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
ترجمة- سامية المصري من الرياض: إن الخطأ العظيم الذي يمكن أن ترتكبه إسرائيل حتى اللحظة هو أنها نسيت أن دولة إسرائيل خطأ بحد ذاتها. إنها خطأ صريح، خطأ بنيّة حسنة، خطأ لا يستحق أحد اللوم عليه، لكن فكرة إنشاء دولة لليهود الأوروبيين في منطقة للعرب المسلمين (وبعض المسيحيين) تسببت في قرنٍ من الحرب والإرهاب من النوع الذي نراه الآن. إسرائيل تحارب حزب الله في الشمال وحماس في الجنوب، لكن عدوها الأكثر خطراً هو التاريخ نفسه.
ويرى كاتب المقال ريتشارد كوهين من صحيفة الواشنطن بوست أن هذا هو السبب الذي يجعل الحرب العربية الإسرائيلية (التي تحولت الآن إلى حرب إسلامية إسرائيلية، إذ أن إيران ليست دولة عربية) تستمر وتتسع. إنه السبب الذي يجعل الصراع يتغير ويفسد. وهو السبب الذي من أجله تحارب إسرائيل الآن منظمة حزب الله التي لم تكن موجودة منذ 30 عاماً، وهو السبب الذي من أجله يُدعم حزب الله من قبل إيران التي كانت يوماً حليفاً ضمنياً لحلفاء إسرائيل الحاليين. إن الكراهية المتعمقة للدولة اليهودية في العالم الإسلامي تظهر آثارها على السطح. قد يُدين قادة السعودية ومصر والأردن وبعض البلاد العربية الأخرى حزب اللهن ولكني أشك في أن الرجل العربي يشاركهم ذلك.
ليست هناك أي فائدة من إدانة حزب الله، فالمتطرفون لا ينقادون إلى هذا المنطق. وبالتالي ليست هناك أي فائدة أيضاً من إدانة حماس. إنهم جماعة معادية للساميّة، مبدؤهم هو كراهية إسرائيل. ومع ذلك، تبقى هناك أهمية لتحذير إسرائيل لتمارس ضبط النفس، ليس من أجل أعدائها بل لمصلحتها هي. فمهما يحدث، لا يجدر بإسرائيل أن تستخدم جيشها لاستعادة ما كانت قد اختارت أن تخسره: جنوب لبنان وقطاع غزة.
ويضيف كوهين أن النقاد المتشددين الذين انتقدوا أرئيل شارون، القائد الإسرائيلي الفاقد الوعي الآن الذي بادر بالانسحاب من غزة، قالوا دائماً أن هذا ما سيحصل: غزة ستصبح ملاذاً للإرهابيين. لقد قالوا أن السلطة الفلسطينية المعتدلة لن تكون قادرة على ضبط المقاتلين، وأن غزة ستُستخدم لتوجيه الصواريخ نحو إسرائيل وإطلاق الهجمات الإرهابية. وهذا بالضبط ما حصل.
وكذلك كانت تحذيرات بعض النقاد صحيحة من أن انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان سيعتبره أعداؤها - وادعاه حزب الله - إلحاق الهزيمة بالدولة اليهودية المقتدرة. ونسب حزب الله الفضل إليه في ذلك كما ينبغي له أن يفعل. فقد استنزفت هجماته المستمرة إسرائيل. وفي النهاية ولت إسرائيل أدبارها ووعدت الأمم المتحدة بتأمين الحدود.
إن كل ما حذر منه النقاد أصبح حقيقة. لكن أسوأ مما هو حاصل الآن هو إعادة الاستيلاء على تلك المناطق، مما قد يعيد إسرائيل مباشرة إلى حيث كانت، مخضعة السكان الغاضبين والمضطربين وجاعلة العالم ينظر إليها وكأنها ترتكب الذنوب الحتمية لسلطة الاحتلال. ويكمن الاختيار الذكي الآن في الانسحاب إلى الحدود الدولية. و هذا يتضمن الخروج من معظم أراضي الضفة الغربية والانتظار (بأمل) إلى أن يصرف التاريخ انتباهه وأن ينتقل إلى شؤونٍ أخرى. سيتطلب هذا بعض الوقت، وفي هذه الأثناء سيتواصل الإرهاب وهجمات الصواريخ.
في كتابه القادم "حرب العالم" يفرّغ المؤرخ البريطاني نيل فيرجسون مساحة معتبرة لتاريخ اليهود الفظيع في أوروبا القرن التاسع عشر والعشرين. في عام 1905 كانت هناك مذابح مدبرة في 660 مكاناً مختلفاً في روسيا وأكثر من 800 يهودي قُتِلوا، وهذا كله في فترةٍ أقل من أسبوعين. لقد كانت هذه حقيقة الحياة لعديد من يهود أوروبا.
ولذلك لا يتعجب سوى القلة من هجرة كثير منهم إلى الولايات المتحدة وكندا والأرجنتين وجنوب أفريقيا. ولا يتعجب سوى القلة من معانقة الآخرين منهم لحلم الصهيونية والرحيل إلى فلسطين, التي كانت جزءاً من تركيا ثم أصبحت مستعمرة بريطانية. لقد كانوا في حقيقة الأمر يهربون بحياتهم. وكان معظم الذين بقوا - 97.5% من يهود بولندا على سبيل المثال - قُتِلوا في المحرقة.
ختم المؤرخ البريطاني توني جت كتابه الأخير "ما بعد الحرب" بخاتمة يذكر فيها كيف يكون الاعتراف بالمحرقة هو الشرط الضروري للدولة المتحضرة الحديثة. إن كثيراً من دول العالم الإسلامي، وخصوصاً إيران بقيادة رئيسها محمود أحمدي نجاد المنكر للمحرقة، تقف خارج هذه الدائرة، رافضة أن تترك مكاناً صغيراً لليهود الأوروبيين ولأولئك الذين يعيشون ضمن العالم الإسلامي. إنهم لا يرون إسرائيل كخطأ، وإنما كجريمة. وإلى أن يغيروا نظرتهم، ستواصل الحرب الأطول في القرن العشرين ضرب جذورها في القرن الحادي والعشرين.