المرض يريح الشاباك من مطاردة يوسف حميد
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
أسامة العيسة من القدس : شطبت وحدة الموت في جهاز الأمن العام الإسرائيلي يوم أول من أمس الأحد 23 تموز (يوليو) اسم الفلسطيني يوسف حميد من قوائمها بعد أن سبقها المرض في إنهاء حياته، وهي التي طاردته طوال ست سنوات، من اجل اغتياله ومنيت بفشل كبير. وينظر لحميد (40) عاما، كأحد مؤسسي سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، واحد قادتها، و احزن غيابه زملائه في مختلف الفصائل الفلسطينية.
ويمثل حميد جيلا من الشباب الفلسطيني، الذي نشأ في ظل الاحتلال الإسرائيلي لأرضهم، ووجد نفسه في مواجه اسرائيل مباشرة. ولد حميد في شارع الصف في مدينة بيت لحم، وسط مجموعة من أشقائه وأبناء عمومته، وعرف السجون الإسرائيلية مبكرا، وتمكن، في ظروف الملاحقة المستمرة من مواصلة تعليمه واجيز في الشريعة الإسلامية والفقه الإسلامي، ليصبح إماما وخطيبا لمسجد صلاح الدين في نفس شارع الصف في مدينة بيت لحم الذي لا يبعد كثيرا عن منازل عائلة حميد.
وانخرط في صفوف حركة الجهاد الإسلامي، التي أسسها مثقف فلسطيني منفتح هو الدكتور (فتحي الشقاقي) الذي اغتيل فيما بعد، وأصبح حميد من نشطاء الحركة البارزين، ومثل معظم شبان العائلة على موعد مع السجون الإسرائيلية في مراحل مبكرة من أعمارهم، حيث كانت مداهمة منازل العائلة أمرا طبيعيا، وبعد كل مداهمة كان الإسرائيليون يأخذون معهم من يريدون من شبان العائلة.
وبعد إعلان قيام السلطة الفلسطينية، لم يتغير الأمر كثيرا بالنسبة لشبان العائلة، وكان على عدد منهم أن يقضوا شهورا في سجون وزنازين السلطة الفلسطينية، بتهمة مقاومة الاحتلال، وكانت تلك من أصعب المراحل على شبان العائلة. ويقول كثيرون من الذين يعرفون حميد، بأنه تميز بطيبة قلبه وحنانه، فكان الشيخ يوسف يلعب دور (الأخ الأكبر) بالنسبة لأبناء العائلة الذين كانوا يتغيبون عن منازلهم بسبب ملاحقاتهم المستمرة من قبل الاحتلال، تارة وتارة أخرى من قبل السلطة الفلسطينية.
ومع اندلاع انتفاضة الأقصى لم يعد حميد يمثل (الأخ الأكبر) لابناء عائلته فقط، وإنما للكثيرين من أهل مدينته، وبرز كخطيب مفوه في التظاهرات وفي جنازات التشييع رغم أنه لا يملك ذلك الصوت الجهوري إلا أن نبرة صوته الصادقة كانت تأسر قلوب الجماهير.
ونسج علاقات وثيقة مع الصحافيين المحليين والأجانب، الذين اصبحوا يجدون صعوبة في الاتصال به، بعد أن أُدرج اسمه، على قائمة المطلوبين لسلطات الاحتلال منذ الأشهر الأولى للانتفاضة، التي كان خلالها يودع رفاقه واحدا تلو الاخر وهو يحتفظ بمعنويات مرتفعة وعالية ومصممة "على مواصلة الجهاد مهما كانت التضحيات" كما كان يقول بصوت خفيض واثق.
وبعد توديع كل شهيد، إلى مثواه الأخير، يغيب حميد بجسده النحيل، مواصلا عمله وكانت له طريقته في الاختفاء عن الأعين فأحيانا يمكن أن يفاجيء الجميع بالسير في شوارع رئيسية ومكشوفة، وفي اللحظات المناسبة يختفي فجأة، فلم تستطع قوات الاسرائيلية ومخابراتها النيل منه، واستمرت في مداهمة منازل عائلة حميد وملاحقته في أي مكان تصل معلومات عن وجوده فيه.
وفي إحدى المرات وأثناء هروبه من عملية اقتحام مفاجئة سقط حميد على ظهره وأصيب في نخاعه الشوكي، وعندما نقل سرا إلى المستشفى للعلاج، أخذت عينات من النخاع للفحص بعد أن شك الطبيب بوجود شيء "غير مطمئن". وصدقت شكوك الطبيب عندما تبين إصابة حميد بالسرطان دون أن يدري، ولم يكن ذلك عائقا دون أن يواصل ما يعتبره مشواره وأن تواصل سلطات الاحتلال البحث عنه.
وعاش حميد في حالة صحية حرجة بسبب هذا المرض، وهو يتنقل مطاردا بحاجة دائمة لجرعات من العلاج الكيماوي "حاملا هم الوطن وهم مرضه الخطير" كما قال أحد رفاقه لمراسلنا.
وفجر يوم (15/6/2004) كانت منازل عائلة حميد في شارع الصف على موعد مع مداهمة جديدة وهذه المرة بقيادة مسؤوول جديد في الشاباك الإسرائيلي قدم نفسه باسم (الكابتن جمال)، وكما يقول شقيق حميد "يبدو أن المدعو جمال هذا أعتقد أنه يستطيع النجاح بما فشل فيه من سبقوه من ضباط المخابرات، والقبض على الشيخ يوسف ومطاردين آخرين من عائلتنا"..
اقتحم الكابتن الاسرائيلي جمال منزل عائلة حميد وابن عمه المطارد ثائر حميد، وطلب من أفراد العائلة أن يخبروه عن مكان الاثنين و إلا فإنه سيبهدم المنزل.
وكان موقف العائلة واضحا: لا نعرف أين مكانهما؟، فأمر الكابتن جمال، رجاله بزرع المتفجرات، الذين كانوا ينتظرون تلك الأوامر بفارغ الصبر، فأسرعوا بوضع المواد المتفجرة دون أن يأبهوا بطلبات النساء والأطفال بإخراج أغراضهم من المنزل المكون من طابقين.
وبعد زرع المتفجرات ضغط خبراء المتفجرات على الأزرار فأصبح المنزل أكواما من الركام، وبقي حميد الذي اصبح آنذاك يواجه مرضه والمخابرات حرا طليقا يقاوم على طريقته، وفشل الكابتن جمال في اغتيال حميد، وفشل اخرون تولوا المسؤولية بعده، لكن المرض نجح أخيرا وغيب حميد الذي نعته مختلف الفصائل الفلسطينية باعتباره شكل نموذجا "لمناضل حقيقي مخلص ونظيف اليد".
ورفعت صور حميد في بيت العزاء، وتجمع عشرات من الشبيبة أعلنوا انهم سيكملون طريقه، ووقف أحد أبنائه أمام احدى اليافطات التي تنعى والده وقال "سأتابع طريق والدي، لن ينالوا منا".