ليس دفاعا عن حزب الله
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
موسكو*: تباينت مواقف الحكومات العربية تجاه الحرب المشتعلة في لبنان والأراضي الفلسطينية، بين فريق معارض لسياسات حزب الله و(مغامراته)، وفريق آخر يدعو لمساندته والتصدي لإسرائيل. وبالنتيجة لم تتجاوز تحركات الفريقين حدود إصدار البيانات والإدلاء بتصريحات قد تكون هامة ومؤثرة في أوساط النخب السياسية، إلا أنها غير مؤثرة أو فاعلة على الأرض - أي في أوساط الشارع العربي.
وتكمن المشكلة الأكثر أهمية في تباين مواقف الشارع العربي تجاه خطط حزب الله بين مؤيد له ورافض لسياساته. ومما لاشك فيه أن وصف حزب الله بالتنظيم الإرهابي أمر مرفوض ومبالغ فيه، لأن هذا الحزب يركز نضاله ضد الاحتلال، وبالذات ضد قوات الاحتلال، ناهيك عن أن إطلاق صفة الإرهاب أصبح مسألة استفزازية لأن المجتمع الدولي حتى الآن لم يتفق على تحديد تعريف وسمات الإرهاب، حيث تعتبر واشنطن على سبيل المثال من يعتدي على جنودها في أي مكان على الأرض إرهابيا (وفق تصريحات وزير دفاعها رامسفيلد).بينما تعتبر أطراف أخرى ضرب المدنيين عملا إرهابيا حتى لم نعد نعرف من هو الإرهابي..!
وبعيدا عن تبادل الاتهامات وإطلاق التصريحات، دعونا نحاول مناقشة ما يحدث في لبنان.
إن الجهود الرامية لإيجاد تسوية جزئية لأزمة الشرق الأوسط وصلت إلى طريق مسدود في الفترة التي سبقت القصف الإسرائيلي للبنان، وقامت إسرائيل بتجميد خطة "خارطة الطريق" بسيل من الاعتراضات، ورفضت الإفراج عن الأسري اللبنانيين، وأوقفت مساعي التوصل لحل مشكلة مزارع شبعا، وبدأت حربا على الفلسطينيين بدعوى اختطاف جنديين إسرائيليين. ولا ندري ماذا كان يفعل هذان الجنديان في الأراضي الفلسطينية. ووصلت الأزمة إلى طريق مسدود ينذر بوقوع انفجار كبير على الرغم من أن حزب الله غير قادر على إيقاف العدوان الإسرائيلي نظرا لاختلاف موازين القوى العسكرية. وبدا واضحا أن حزب الله سيخسر المعركة السياسية لأنه لم يلق دعما من الدول العربية، إلا انه قرر خوض هذه المعركة. ولا بد هنا من طرح السؤال التالي: لماذا أقدم حزب الله على خوض هذه المعركة رغم ذلك؟ ويبدو أن قادة حزب الله أدركوا ضرورة تحريك الوضع الجامد في المنطقة.
مما لاشك فيه أن احتدام الصدام بين حزب الله وإسرائيل سيحرك المياه الراكدة في المنطقة، وسيطلق طاقات الجماهير المنهكة من الاستغلال والاحتلال، وسيفضح خطط واشنطن كمشروع "الشرق الأوسط الكبير"، ناهيك عن تأثيره على الحوار الوطني اللبناني. وسيدفع الصراع الجديد بين حزب الله وإسرائيل أطراف النزاع للبحث عن سبل للتفاوض والوصول إلى تسوية ما بعد أن تجمدت كافة مسارات الحوار واصطدمت بالعنجهية الإسرائيلية التي انتهكت كافة القرارات الدولية.
ويبدو أن الحرب قد تجاوزت توقعات حسن نصر الله الذي بدأ تنفيذ خطة للضغط على إسرائيل لحل قضية الأسرى، وللضغط على المواليين للولايات المتحدة للحد من سيل التنازلات حيث استغلت إسرائيل هذه الشرارة وهي مدركة لأهداف حزب الله، وقررت ضرب "10 عصافير بحجر واحد" فوسعت رقعة الحرب، وأثارت المجتمع الدولي بشعار نزع سلاح حزب الله، وانتزعت موافقة الثمانية الكبار على التأكيد على ضرورة حماية أمنها وإقامة شريط امني على حدودها، وبالتالي ضمنت انتهاء الدور المؤثر لحزب الله وقضت على كل مقاومة مسلحة لأعمالها العدوانية.
وإذا أردنا مناقشة جدوى خطة حزب الله قد نختلف أو نتفق، ولكننا بالتأكيد سنرى بوضوح في ما يحدث ملامح أزمة وطنية حقيقية على الساحة العربية ذلك أن المهمات الوطنية المطروحة منذ عشرات الأعوام، والتي تتمثل في تحقيق الاستقلال السياسي والاقتصادي لدول المنطقة، مازالت معلقة بعد أن فشلت كافة الأنظمة العربية المتعاقبة في إنجازها. كما أن تحقيق هذه المهمات يتطلب أولا حصول الشعب الفلسطيني على حقه في العودة وتقرير المصير وبناء دولته المستقلة على ترابه الوطني، ولجم العدوانية الإسرائيلية، وتحقيق السلام العادل في المنطقة على أساس قرارات الشرعية الدولية.
وفي سياق الأزمة التي بدأت بوادرها منذ منتصف الثمانينيات وأسفرت عن تفتت الحركات السياسية القومية واليسارية والليبرالية وتشتتها في الساحة السياسية العربية، أصبح من البديهي أن يبادر التيار الديني إلى محاولة قيادة حركة الشارع العربي من أجل تحقيق هذه المهام أو على الأقل إنقاذ البلدان العربية من حالة الانهيار التي تمر بها.
لقد أصبح حزب الله اليوم القوة الوحيدة التي انبرت لحل الأزمة الوطنية بالرغم من ضعف إمكانياته لحل الأزمة. وعلى الرغم من أن هزيمة حزب الله أو الحركة الجماهيرية التي يقودها اليوم ستعني خلق حالة إحباط جماهيري مما سيتطلب من القوى السياسية الوطنية جهودا مضاعفة لإعادة تنظيم التحرك لانجاز المهمات الوطنية. ولا بد من القول إن الخلل لا يكمن في حزب الله الذي يعمل على تنفيذ برنامجه السياسي، وإنما في القوى العلمانية التي فشلت في تقديم برنامج لإنجاز المهمات الوطنية للمواطن العربي. وبالتالي لم يجد المواطن العربي أمامه غير برنامج حزب الله.
ولا نستطيع إدانة حزب الله لأنه وضعنا تحت نيران إسرائيل كما يفعل البعض لأننا مازلنا، ويبدو أننا سنظل، تحت النيران الإسرائيلية، ولأن هذا الحزب طرح برنامجا لحل الأزمة الوطنية وفق رؤيته وبأدواته. ويجب أن توجه الإدانة للحركة الوطنية اللبنانية التي تشتتت وتفجرت فيها الصراعات، وفشلت في وضع برنامج إنقاذ وطني يحرر أسراها المعتقلين في السجون الإسرائيلية، ويحرر أراضيها، ويحقق خروج القوات السورية، ويؤدي لإحلال الأمن والاستقرار في ربوع لبنان. كما توجه الإدانة إلى قوى حركة التحرر العربية التي فشلت في تحقيق أي مكسب أو انتصار للمواطن العربي، ورفعت شعارات ضخمة لم تتحقق بسبب ضخامتها وضعف الإمكانات التي حشدت لتحقيقها، فأصيب المواطن العربي بالإحباط، ووجد نفسه مدفوعا إلى مختلف الحركات الإسلامية التي ستلاقي مصير من سبقها نظرا لضخامة شعاراتها التي لا تتوفر في الواقع إمكانيات موضوعية ومادية لتحقيقها.
ويترافق ذلك مع أزمة في الساحة الدولية التي تتمثل في انفراد الولايات المتحدة بالقرارات الحاسمة ابتداء من مكافحة الإرهاب مرورا بضرب العراق واحتلاله، وأخيرا مساندة القصف الإسرائيلي الهمجي للمدنيين في لبنان، والذي كان لابد أن يؤدي لمأساة دامية في قانا وبيروت والعديد من المدن واللبنانية. ويبدو أن إسرائيل لا تضرب مواقع حزب الله بقدر ما تقوم بعملية انتقام لطردها من لبنان بعد عدوانها السافر عليه في 1982. أما بقية أطراف المجتمع الدولي فيبدو أنهم فقدوا القدرة على التأثير. كما يبدو أن إسرائيل تهدف من هجومها الوحشي على لبنان إلى إيصال رسائل لكل الأطراف الدولية، وتحديدا لروسيا وفرنسا تؤكد فيها على أنه لا مكان في المنطقة لهم، وبعبارة أخرى أن من يحاول استعادة نفوذه في المنطقة لابد أن يدرك أن ذلك لن يتم ببساطة. والمثير للدهشة هو أن القوى الدولية استسلمت مرة أخرى، كما حدث في العراق، للمنطق الأمريكي حيث يرى البعض أن عدم وجود حلفاء مضمونين في المنطقة لهذه القوى هو السبب في عدم إقدامها على التدخل بشكل أكثر حزما، إلا أن هذا المنطق غير صحيح لأن الأكثر واقعية هو عدم ضمان مواقف هذه القوى التي تجري حسابات براغماتية عادة حول الموقف الأكثر جدوى دون الاهتمام بمصالح حلفائها.
*مازن عباس - صحافي مصري مقيم في موسكو
(رأي المؤلف قد لا يتطابق مع رأي هيئة التحرير)