أخبار

تاريخ العلاقات التطبيعية بين موريتانيا وإسرائيل

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

سكينة اصنيب من نواكشوط: في عام 1967 قطع أول رئيس لموريتانيا المختار ولد داداه علاقة بلاده مع الولايات المتحدة الأمريكية ردا على العدوان الثلاثي على مصر، وبعد سنتين رفض رد التحية لرئيسة وزراء إسرائيل قائلا "أنا لا أصافح الأيدي الملطخة بدماء إخواني"، هكذا كان موقف موريتانيا وموقف صانع استقلالها المختار ولد داداه. وكانت هذه المواقف المساندة لقضايا الأمة العربية تثير استهجان البعض الذين لم يستطيعوا أن يفهموا كيف يرفض العرب الاعتراف بموريتانيا، ويظل المختار ولد داداه متشبثا بمواقفه تلك.

وفي عام 1999 ضرب ولد الطايع بمقاطعة العرب "الشكلية" لإسرائيل عرض الحائط وأقام علاقات دبلوماسية كاملة معها، واليوم وبعد أن دمر الكيان الصهيوني لبنان وفلسطين وقتل المئات وشرد الآلاف لا تزال السلطة الانتقالية متمسكة بهذه العلاقة الشاذة، رافضة قطعها أو تجميدها، وطوال السبعة سنوات الماضية وهي عمر التطبيع الموريتاني مع اسرائيل لم تتأثر هذه العلاقة بأوضاع الشرق الأوسط، ولم تفلح موريتانيا قط في استغلال علاقتها مع إسرائيل لتسجيل موقف مشرف عكس مثيلاتها من الدول التي تقيم علاقات كاملة مع إسرائيل كالأردن ومصر والتي أجبرت تحت ضغط جماهيري على الاحتجاج برفض استقبال المسؤولين الإسرائيليين أو حتى استدعاء السفير.

ومنذ توقيع موريتانيا على اتفاقية تطبيع العلاقات مع إسرائيل سنة 1999 ممثلة بوزير خارجيتها الحالي أحمد ولد سيدي أحمد وبرعاية مادلين أولبرايت ظلت زيارات المسؤولين الاسرائليين لنواكشوط تتزامن مع أقذر نشاط تقوم بها الآلة العسكرية الإسرائيلية.

ويتعلل المجلس العسكري الذي قاد انقلابا في 3 أغسطس (آب) الماضي بعدم قدرته على قطع العلاقات مع إسرائيل أو حتى تجميدها خوفا من الضغط الأمريكي تاركا الأمر للرئيس المنتخب مستقبلا، ويرى المحللون ان المرشحين للرئاسة الذين سيتنافسون في مارس (آذار) القادم سيضعون قطع العلاقات مع اسرائيل على قائمة برامجهم وقراراتهم للفوز بأصوات الناخبين، فيما يؤكد بعض المترشحين أنهم سيعرضون هذا القرار "باستمرار أو قطع العلاقة" على مجلس النواب للتصويت عليه حتى تكون إرادة الشعب هي الحكم.

ومنذ الضربة الأولى التي تلقاها لبنان لم تنفك الأحزاب والقوى السياسية الموريتانية عن مطالبة السلطات بقطع العلاقات وطرد السفير الاسرائيلي بوعز بوسميث، متهمة إياها بالمشاركة في المجازر المرتكبة إن هي أصرت على استمرار العلاقة، وكان أبرز هذه المواقف موقف الحزب الجمهوري للديموقراطية والتجديد الذي كان يرأسه ولد الطايع، ففي بيان شديد اللهجة استنكار الحزب "صمت العالم إزاء ما يجري في فلسطين ولبنان من هدم وقتل وانتهاكات صارخة لحقوق الإنسان على يد الجيش الاسرائيلي".

وأدان البيان بشدة ما اسماه "سياسات اسرائيل المتهورة في الشرق الأوسط وتصرفات جيشها البربرية في فلسطين ولبنان، مستغربا إقدام الولايات المتحدة الأميركية على استخدام الفيتو في مجلس الأمن ضد قرار إدانة العدوان الاسرائيلي، مناقضة بذلك مكانتها ودورها كراعية للسلم في العالم".

ودعا البيان حكومات العالم وشعوبه الى ممارسة كافة أشكال الضغط على اسرائيل كي تكف عن عدوانها وتقبل التعايش السلمي مع جيرانها". وجدد الحزب ما اسماه "دعوته الحكومة الموريتانية الى قطع العلاقات الدبلوماسية مع اسرائيل، مطالبا الاحزاب الوطنية ومنظمات المجتمع المدني والرأي العام الوطني، التعبير بالطرق المناسبة عن التضامن مع الشعبين الفلسطيني واللبناني في محنتهما وصمودهما".

وكان موقف حزب التحالف الشعبي لفتا حين اعتبر أن استمرار العلاقات مع اسرائيل في هذا الظرف الخطير يمثل مشاركة معلنة في العدوان على الشعبين الشقيقين، داعيا الحكومة الموريتانية إلى قطع علاقاتها الدبلوماسية فورا مع الكيان الصهيوني. واستنكر الحزب "موقف الحكام العرب المتمالئ مع العدو والذي يحاول التمهيد للضغط على حزب الله وتجريده من سلاحه وتهديد وحدة لبنان وذلك عبر تحميل المقاومة مسؤولية ما يجري، وقال الحزب "أنه من المخزي حقا أن يكون الخروج على الصمت الذي أعقب الهجمات بمواقف يطالعنا بها بعض هؤلاء الحكام في محاولة مكشوفة لتعزيز الذرائع الصهيونية بتحميل المقاومة اللبنانية المسؤولية ما يجري".

وندد التحالف الشعبي بالحملة الصهيونية الهمجية على لبنان وفلسطين كما ندد بموقف الولايات المتحدة الأمريكية الداعم للعدوان والذي يحول دون إدانة هذه الجرائم من طرف مجلس الأمن الدولي. وحيى المقاومة الباسلة للشعبين اللبناني والفلسطيني وصمودهما في وجه العدوان الغاشم، داعيا كافة الشعوب العربية والإفريقية والإسلامية لتهب لنجدة الشعبين اللبناني والفلسطيني ودعمهما في مواجهة العدوان.

كما ندد حزب الاتحاد الاجتماعي الديمقراطي "بجميع الاعتداءات التي يوجهها الجيش الاسرائيلي ضد الشعبين اللبناني والفلسطيني" وطالب الحزب الحكومة الأمريكية "تحمل مسؤوليتها بوصفها دولة كبرى ومؤثرة وراعية لخارطة الطريق من اجل إعادة الأمور الى ما كانت عليه سابقا".

وجاء في بيان الحزب "اننا نطالب حكومة الجمهورية الإسلامية الموريتانية ان لم يكن باستطاعتهم طرد سفير اسرائيل في نواكشوط ان يستدعوه ليعبروا له عن غضب واستياء الشعب الموريتاني إزاء ما يجرى لإخواننا في الشرق الأوسط".

مرفوضة شعبيا مدعومة رسميا

ويرجع تاريخ التطبيع مع اسرائيل الى السنوات العشر الماضية حيث كانت للأحداث الدامية التي نشبت بين موريتانيا والسنغال سنة 1989، الأثر الكبير في علاقة نواكشوط بشريكها الاستراتيجي فرنسا بسبب دعم الأخير للموقف السنغالي. وبعد اتهامات بعض المنظمات الدولية لموريتانيا بممارسة العبودية وانتهاك حقوق الإنسان تدهورت العلاقات الموريتانية الفرنسية، مما حدا بموريتانيا الى إجراء اتصالات سرية بإسرائيل عن طريق اسبانيا توجت بفتح مكتبين لدعم المصالح في 1992. وقد ربط المحللون ذلك التطور بأزمة ديبلوماسية عميقة بين نواكشوط وباريس اثر اعتقال احد الضباط المقربين من الرئيس الموريتاني ولد الطايع بتهمة تعذيب السجناء السياسيين، فردت السلطات الموريتانية بقرارات غير مسبوقة تمثلت بطرد الخبراء العسكريين الغربيين وفرض تأشيرة دخول على جميع الفرنسيين.

وعليه فقد رأى المحللون في الخطوة النوعية الجديدة اتجاها للتحول عن علاقات الصداقة التقليدية بفرنسا الى علاقات بأمريكا من الباب التقليدي أي الباب الإسرائيلي، فتم تطبيع العلاقات سنة 1999. وقد شكلت هذا التطبيع مأخذا رئيسا للمعارضة الموريتانية على توجهات نظام ولد الطايع سيما أن هذه العلاقات لا تتأثر بكل التطورات المأساوية التي تشهدها الأراضي المحتلة.

وتعتبر علاقات موريتانيا مع اسرائيل واحدة من المفارقات التي تعددت اجتهادات المحللين في تفسيرها وتقديم الأسباب المنطقية لها، فهذا البلد من يكن يوما في موقع التأثر أو التأثير في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وعليه فالعلاقات مع اسرائيل تشكل استثناء لهذه القاعدة ذلك أنها لم تكن مخالفة لتوجهات القسم الأعظم من الشعب الموريتاني فقط بل تجاوزت حد الذرائع التي عللت بها دول عربية وإسلامية مسألة إقدامها على إقامة هذه العلاقات.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف