هل حماس مستعدة للتفاوض؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
ترجمة سامية المصري: مهما تكن نهاية اللعبة بين إسرائيل من جهة وحزب الله وحماس من جهة أخرى, فإن هناك أمراً واحداً مؤكداً, وهو أن آمال إسرائيل في ضمان أمنها بإحاطة نفسها بعيداً عن جيرانها المستائين لن تتحقق. أحد الدروس المستقاة من هجوم إسرائيل على لبنان ومن عمليتها العسكرية في غزة هو أن القذائف تعود أدراجها.
في صحيفة نيو يورك تايمز يقول الكاتب سكوت أتران, الباحث في المركز القومي للأبحاث العلمية في باريس وفي جامعة ميشيغان وفي كلية جون جاي في نيو يورك, أنه بالإمكان أن نبقي على أمل أن التعاون الدولي سيساعد في حماية حدود إسرائيل مع لبنان. ولكن ماذا عن الشأن الفلسطيني, الذي يبدو أنه أُعيد إلى الخلف بسبب الحرب على لبنان؟
إن أي بادرة جريئة تقوم بها إسرائيل الآن ستفاجئ خصومها وستعبر عن قوتها, كما ستفاجئ المعارضة السياسية المحلية. وقد يبدو غريباً القول إنه إذا كانت الولايات المتحدة قادرة على مساعدة إسرائيل فلتساعد حماس, للتقليل من المد المتصاعد من الاستياء الإسلامي العالمي.
من خلال نقاشاتي الأخيرة مع قادة حماس ومؤيديهم حول العالم تبين لي أنه ربما تكون إسرائيل وجدت الشريك العقلاني والمؤثر في عملية التفاوض.
لقد وافق أعلى مسؤول مُنتخَب في حماس, رئيس الوزراء إسماعيل هنية, على أن يوقف عذابات شعبه, وعلى حكومته أن تتخلى عن دعوة (كل شيء أو لا شيء) لتدمير إسرائيل. أخبرني هنية في مكتبه في مدينة غزة, قبل أن تدمره قذيفة إسرائيلية بفترة قصيرة: "ليست لدينا مشكلة في إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة على الأراضي ضمن حدود 1967, تعيش في هدوء. لكننا بحاجة إلى أن يعمل الغرب كشريك في مساعدتنا حتى النهاية."
كانت حكومة حماس قد وافقت على تسوية تاريخية مع فتح وزعيمها الرئيس محمود عباس لتشكيل وحدة وطنية تقبل ضمنياً بالتعايش جنباً إلى جنب مع إسرائيل. لكن سرعان ما ألقى الهجوم الإسرائيلي على غزة بظلاله على هذا الإنجاز, انتقاماً لاختطاف الجندي الإسرائيلي, العريف جلعاد شاليت, من قبل مسلحين فلسطينيين منهم أعضاء من جناح حماس العسكري.
يعتبر معظم الإسرائيليين أن إنقاذ أي جندي "قيمة مقدسة" تستحق غالباً أي تكلفة, من ضمنها تصرف عسكري يودي بحياة جنود إسرائيليين آخرين. لكن الهجوم الإسرائيلي كان له هدف استراتيجي أكبر, وهو تدمير أي إمكانية لحكومة حماس في منع إسرائيل من إعادة رسم الحدود من طرفٍ واحد لتشمل بذلك بعضاً من مستوطنات الضفة الغربية. وكان هذا التصرف أمراً تقصده إسرائيل طالما أنها تستطيع إقناع الولايات المتحدة أنه بعد أن هزمت حماس فتح في الانتخابات لم يعد يوجد شريك فلسطيني شرعي لتتفاوض معه.
وكان خالد مشعل, رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في دمشق, رفض إطلاق سراح العريف جلعاد شاليت إلا إذا أطلقت إسرائيل سراح مئات الأسرى. وعلى الرغم من أن إسرائيل عبّرت عن إرادتها في تحرير مئات المحجوزين الفلسطينيين مقابل عودة إسرائيلي واحد في الماضي, إلا أن موقف مشعل ربما يكون جزءاً من لعبة سياسية أكبر.
من المعروف أن رئيس الوزراء هنية وعدداً من قادة حماس السنيين ليسوا مرتاحين للتحالف الذي عقده مشعل مع شيعة إيران وحزب الله. حسن يوسف, مسؤول حماس المعتقل في سجن كيتزيوت في إسرائيل, لا يعتقد بعملية أو حكمة تصريح الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بأن الحل الوحيد لأزمة الشرق الأوسط هو إزالة "النظام الصهيوني". وكما أخبرني يوسف في نهاية الأسبوع الماضي فإن "النتيجة في لبنان لن تغير من رأينا. نحن نؤمن بدولتين تعيشان جنباً إلى جنب."
كما قال: "إن كل فئات حماس متفقة على وقف إطلاق نار أحادي الجانب, يشمل ذلك وقف إطلاق صواريخ القسام. إن الحركة مستعدة للتقدم إلى ما هو أبعد من ذلك إذا وجدت استجابة مشجعة من إسرائيل والغرب."
لكن حتى الشخصيات المعتدلة في حماس تعتقد أنه طالما إسرائيل والولايات المتحدة وأوروبا تقاطع الحكومة المنتخبة في غزة والضفة الغربية, فليس أمامهم سوى القبول بأي مساعدة تظهر للعيان.
إن هذا يؤسف له كثيراً. ففي حين يقول مشعل أن الإسلام يسمح فقط بهدنة طويلة الأمد مع إسرائيل, يعتقد مسؤولو حماس الأقرب إلى رئيس الوزراء هنية أنه من الممكن الاتفاق على عملية سلامٍ رسمية, وخاصة إذا بدأت المفاوضات من نقطة الاهتمام وتقدمت بعد ذلك بدرجات.
ومن وجهة نظر أتران فإنه على الرغم من أن رئيس الوزراء هنية يحظى بتأييد شعبي كبير, فإن مشعل هو من يتحكم في الميليشيات والمال. فإذا أمكن تمرير التمويل - من الدول العربية المعتدلة - إلى حكومة هنية من أجل الخدمات الاجتماعية كالرواتب والوقود والغذاء وإصلاح المباني وما إلى ذلك, فإن تمويل مشعل (الإيراني في معظمه) سيكون عاملاً أقل تأثيراً وسيساعد الضغط الشعبي في كبح جماح الجناح العسكري في حماس.
أوضح رئيس الوزراء هنية موقفه بالقول: "نحن بحاجة إليكم بقدر ما أنتم بحاجة إلينا." ما تزال الرهانات عالية بالنسبة للولايات المتحدة وأوروبا. يريد هنية أن يدرك الأميركيون والأوروبيون أن المنطقة رحبت بانتخاب حماس للوصول إلى السلطة باعتبارها ممارسة حقيقية للديمقراطية.
ويعتقد أنه لو كانت أميركا ستعمل على جذب حكومته للمشاركة في المفاوضات فإن ذلك سيمثل الفرصة الأفضل للغرب لتغيير الانحدار الحاد في احترام العرب والمسلمين لهم في كل مكان. وقال: "نريد حواراً للحضارات, وليس صراعاً للحضارات."
وفي تقرير أصدره مركز أبحاث بيو الخاص بالمواقف العالمية في يونيو (حزيران) وُجِد أن آراء المسلمين في الغرب ساءت كثيراً خلال السنة الماضية.
وحذر رئيس إندونيسيا, الدولة الإسلامية الأكثر تعداداً في السكان, سوسيلو بامبانج يودويونو من أن الحرب المستمرة في الشرق الأوسط التي تتورط فيها إسرائيل "ستعمل على إذكاء التطرف في العالم الإسلامي, حتى بين أولئك المعتدلين حالياً. ومن هنا, فنحن على بُعد خطوةٍ واحدة من الكابوس النهائي: صراع الحضارات."
كما أخبرني مؤخراً خورشيد أحمد, زعيم المنتدى الإسلامي البريطاني, أنه إذا قبلت حماس بحل على أساس دولتين, "على أن تنال كل من فلسطين وإسرائيل استقلالاً اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً كاملاً على أراضيهم قبل 1967(بالنسبة للفلسطينيين), وأن يُسمح للفلسطينيين بالدخول إلى فلسطين ولليهود إلى إسرائيل, فسأنصح بهذا الحل لجميع المجتمع المسلم."
النتائج الملموسة كتبادل الأسرى مهمة, لكنها تبقى أفعالاً رمزية. لقد أصر مسؤولو حماس على أهمية إدراك الإسرائيليين لمعاناتهم جراء الخسارة الكبيرة للأرض الفلسطينية. وبعد أن أجريت تقييماً مع زملائي للاجئين الفلسطينيين ولحماس, بدعمٍ من مؤسسة العلوم الوطنية, وجدنا بشكلٍ لا يدعو مجالاً للشك أن المعارضة العنيفة لعملية السلام تنخفض إذا كان الخصوم يتفاوضون حول مواقفهم الأخلاقية, حتى لو لم يكن للمفاوضات قيمة جوهرية.
قال المتحدث باسم حكومة حماس غازي أحمد: "إن تحرير إسرائيل لبعضٍ من أسرانا سيساعدنا في وقف عمليات الهجوم التي يقوم بها البعض. لكن على إسرائيل أن تقدم اعتذاراً عن مأساتنا في 1948 قبل أن نتحدث في المفاوضات حول حقنا في العودة إلى فلسطين التاريخية."
وكما أوضح تقرير بيو, فإن القضية الإسرائيلية الفلسطينية أصبحت خط النقص الأساسي في الصراع العالمي. سيكون هناك نوع من الرضا المحزن إذا تم استخدام نزف الدماء في غزة وعلى الحدود اللبنانية كنقطة البداية للتوصل إلى نهاية هذا الصراع الكبير.