أخبار

حزب الله ومسألة إعادة الإعمار

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

ايلاف: لم يتوقف رنين الهواتف في مكتب أبي أحمد. وفي حين يمعن رجل الأعمال اللبناني, ذو الخمسة وأربعين عاماً, النظر في خريطة كبيرة لجنوب بيروت يدفنون موتاهم ممتدة على مكتبه, يمسك بهاتف نقال على كلٍ من أذنيه. الخريطة أمامه تظهر عشرات المباني التي وضعت عليها إشارة حمراء. يقول: "هذه هي المباني التي هُدّمت بالكامل." بينما يحضر له أحد المساعدين هاتفاً آخراً ليجيب عليه.

أبو أحمد هو أحد قادة حزب الله الذين يعملون لإعادة إعمار الضاحية, المنطقة ذات الغالبية الشيعية جنوب العاصمة اللبنانية التي تؤوي مكاتب حزب الله والمحطة التلفزيونية التي ضُرِبت بشدة من قبل الهجمات الإسرائيلية الأسابيع الماضية. وفي خارج مكتبه, وقف كثير من المقيمين في الجوار يحملون سندات الملكية وغيرها من الأوراق الرسمية مطالبين بالتعويض. يدعي أبو أحمد أن حزب الله يدفع ما معدله 12000 دولار, ما يساوي تقريباً إيجار منزل لسنة واحدة لتلك العائلات التي خسرت منازلها أثناء الحرب. الطور الثاني من النشاط سيكون تركيزه على المحال والأعمال التي تضررت, وذلك حسب المقال الذي أوردته صحيفة نيوزويك الإخبارية.

وفي حين يأخذ وقف إطلاق النار مع إسرائيل فترةً تجريبية, أثبتت التحركات السياسية لحزب الله أنها بمهارة الإستراتيجية العسكرية التي حرمت الجيش الإسرائيلي الأسطوري من انتصار حاسم. تحرك قائد حزب الله حسن نصر الله بسرعة فائقة لتولي عملية إعادة الإعمار, أو على الأقل ترك الانطباع بذلك. ففي خطاب النصر مساء الاثنين, عرض أموال الإيجار والأثاث لأيٍ من اللبنانيين الذين خسروا منازلهم في الحرب. ومع حماس المؤيدين في بيروت وفي الجنوب المحطم لبدء إعادة الإعمار, كان مؤكداً أن هذه الخطوة ستعزز دعم الجماعة بين اللبنانيين المعجبين بمقاومة الحزب إسرائيل وشبكته القوية من الخدمات الاجتماعية. يقول باتريك هايني, المحلل في مجموعة الأزمة الدولية ICG: "قضية حزب الله الآن هي أن يثبت أنه فعال في حال السلم كما هو كذلك في حال الحرب."

لقد ترأس حزب الله حالياً جهود إعادة الإعمار في المناطق الشيعية المتضررة جنوب بيروت, إذ بدأت الرافعات بتنظيف الطرق من حطام المباني, وبدأ المتطوعون بقمصانهم الحمراء وقبعاتهم التي كُتب عليها (النصر من عند الله) بإزاحة الأنقاض من المناطق السكنية. وفي أحد التقاطعات كان أحد المتطوعين يسكب كميات كبيرة من الزجاج المُهشم من نافذة الطابق الثاني لأحد المحلات. وُضع على الكثير من المباني المتهدمة في الجوار لافتة بلاستيكية. تشير اللافتة إلى أي مكتب يجدر بالمالك أن يذهب إليه للتعويض, ساعات العمل (من التاسعة صباحاً حتى الخامسة مساءً) ووُقعَت بـ : حزب الله.

يعتقد معظم المحللين أن الأموال المبذولة في هذه الجهود آتية من إيران, أحد داعمي حزب الله. أبو أحمد, الذي يضع نظارات مذهبة الإطار ويلبس خاتماً فضياً, أصر على أن المال لم يأت من طهران ولا من الحكومة اللبنانية, لكن الأمر يبقى غامضاً حول أصول هذه الأموال. يقول: "لدينا أزمة طوارئ هنا. لا يمكننا أن ننتظر الحكومة. إذا أرسلت الحكومة أحداً لتقييم الضرر قد يستغرق هذا شهرين, ولا يمكنني أن أترك شعبي ينتظر لشهرين."

قلة من السياسيين اللبنانيين يعارضون الحاجة إلى جهود إعادة إعمار عاجلة. لكن البعض يقولون أن برنامج حزب الله, الذي ترافقه الملصقات واللافتات, كان فيه أثر الانتهازية السياسية. وحسب قول وزيرة الشؤون الخارجية نائلة معوض فإن منظمة حزب الله نالت المصداقية حتى في أعمالها لإعادة الإعمار التي تمولها الحكومة. وتقول: "يستثمر حزب الله كثيراً الأشياء التي تمولها الحكومة. إنهم يأخذونها لصالحهم." وكانت معوض تشعر بالإحباط لأنها اشتكت إلى اثنين من أعضاء حزب الله في البرلمان.

الشكاوى لن تقدم كثيراً من المساعدة, مع ذلك. وكانت معوض وحلفاؤها السياسيين في مجموعة 14 مارس (آذار) - وهي حركة سياسية معادية للسوريين تشكلت بعد اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري في فبراير (شباط) 2005 - قد تضرروا جراء ازدياد شعبية حزب الله في الأسابيع الماضية. أدرك بعض اللبنانيين أن مجموعة 14 آذار لم تكن فاعلة في محاولة وقف النزاع, وأن المتعاطفين معها في واشنطن تخلوا عنها. لكن المجموعة ما تزال تمثل الغالبية في البرلمان, وستلعب دوراً محورياً في مناقشة قضايا حساسة كنزع سلاح حزب الله الذي يمثله وزيران ويشغل 14 مقعداً في المجلس المكون من 128 مقعداً. في هذه اللحظات, لا يبدو أن هذه الفرصة محتملة. يقول هايني من ICG: "لا تمتلك مجموعة 14 آذار أي بطاقات. كيف سيتمكنون من الضغط على حزب الله؟ لا يمكنك القيام بأكثر من ضغط أخلاقي."

في هذه الأثناء يتوجه الجيش اللبناني إلى معاقل حزب الله على طول الجنوب اللبناني هذا الأسبوع لتحقيق جزء من قرار الأمم المتحدة 1701, الذي أُقر الأسبوع الماضي لوقف القتال. لكن أعضاء حزب الله ظلوا مراوغين كعادتهم, إذ أن كثيراً ممن يقومون بأعمال إعادة الإعمار كانوا مقاتلين خرجوا من بين حطام المدن الصغيرة وخبؤوا أسلحتهم وارتدوا الزي المدني. قال أحد المسؤولين العسكريين اللبنانيين الكبار: "من المستحيل نزع سلاح حزب الله بعد هذه الحرب. إن نزع سلاح حزب الله ليس ميسراً للحكومة وليس ميسراً للجيش. ينتمي أعضاء حزب الله إلى هذه المدن والقرى, ولن يرحلوا عنها."

هل ستعد ميليشيا حزب الله المسرح لحربٍ طائفية لبنانية أخرى؟ من المحتمل أن لا. المجموعة الوحيدة التي يمكنها أن تقوم بدور محوري في إقناع حزب الله بأن يلقي سلاحه هي التيار الوطني الحر بقيادة الجنرال ميشيل عون.فقد كان التيار الوطني الحر, الذي يدعي أنه يمثل الغالبية المسيحية في لبنان, وقع على مذكرة تفاهم مع حزب الله. هذا التحالف عمل على تهدئة التوتر بين الشيعة والمسيحيين الذين ألقى كثير منهم اللوم على حزب الله لجرهم إلى حربٍ لا يريدون أن يكونوا طرفاً فيها. "العامل الأساسي هو الجنرال عون. إنها الطريقة الوحيدة لتجنب حرباً أهلية. فإن كان تحول إلى الجانب الآخر لتغير الوضع في لبنان بأكمله." كما يقول المسؤول العسكري اللبناني السابق.

كان التحالف السياسي خطوة ذكية لكلٍ من عون وقائد حزب الله حسن نصر الله. وجدت كل من المجموعتين نتائج ذلك في الصراع الحالي. فقد تم توفير الملاجئ للشيعة النازحين من جنوب لبنان في مدارس المناطق المسيحية في بيروت وحولها بإشراف التيار الوطني الحر. وكان المتطوعون المسيحيون الذين ارتدوا قمصاناً تحمل شعار الحزب, يتفاعلون للمرة الأولى مع الشيعة الذين يسكنون الجزء الجنوبي من البلاد. كما أن بعض هؤلاء المتطوعين يعملون في جنوب بيروت اليوم. كان جبران باسيل, رئيس المكتب السياسي للتيار الوطني الحر, قد قام بمحاولات للحصول على الاتفاق مع حزب الله في مطلع العام الحالي. وقال أن التيار الوطني الحر ساعد في تلطيف وجهات النظر الأكثر تشدداً ضمن عناصر حزب الله. وفي المقابل, فإن هذه الاتفاقية "أمنت الحماية للمسيحيين" في الصراع الحالي, كما يقول باسيل.

في الضاحية الجنوبية من بيروت بعد ظهر اليوم, سار أيمن كريدلي, الذي يدرس علوم الحاسب الآلي ويبلغ من العمر 21 عاماً, من الشقة المحطمة التي يعيش فيها مع عائلته يحمل كيسين بلاستيكيين. الكيس الأول تملؤه ملابس العائلة بينما حمل الكيس الثاني صور العائلة ونسخة من القرآن الكريم, وهو كل ما استطاع إنقاذه. وكان قد قدّم طلب الحصول على مال من حزب الله قبل يومين, لكنه لم يحصل عليه بعد. قال إنه لم يشعر بالأسى إزاء خسارة منزله والكثير من متعلقاته, وأنه لا يتمسك بأمل السلام الدائم. قال دون اكتراث: "ستحصل مرة أخرى. إنها مسألة وقت. اعتدنا على ذلك."

ترجمة: سامية المصري
الرياض
18 أغسطس 2006




التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف