أوروبا حائرة : ماذا نفعل بلبنان؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
إيلي الحاج من بيروت: وضع وزراء خارجية دول الاتحاد الاوروبي بنداً وحيداً في جدول أعمال مؤتمرهم في بروكسل غدا . بند وحيد يتعلق بلبنان والقرار الدولي رقم 1701 وتحديدا القوات الدولية التي سترسل الى جنوب "بلاد الأرز" لرفع عديد القوة الدولية العاملة فيه من ألفي عسكري إلى 15 ألف عسكري معززين بعتاد قتالي . والمتوقع ان يحسم هذا المؤتمر قرار المشاركة الاوروبية في القوة الدولية بعد مناقشة مستفيضة لكل الأمور المتعلقة بصلاحياتها ومهماتها والضمانات المطلوبة لها، ولا بد ان تتخلله أسئلة كثيرة حول من سيشارك من الدول الاوروبية وبأي أعداد ووفق أي آلية ستنشر أي صلاحية؟ وما هي الأولويات التي عليها تنفيذها من القرار١٧٠١، الأولوية الاميركية - الاسرائيلية ( نزع سلاح حزب الله أولاً) ، أم الأولوية اللبنانية (الانسحاب الاسرائيلي وحل قضية مزارع شبعا)؟
وسيكون الموقف الفرنسي، من المشاركة الفاعلة في القوة الدولية ، أساسيا ومحورياً في المؤتمر، خصوصا أن تردد باريس وانكفاءها انعكسا على مواقف بقية الدول الاوروبية وأشاعا إرباكاً وبلبلة فيها.
ووردت إلى بيروت معلومات وتقارير دبلوماسية وصحافية ، يمكن في ضوئها تلخيص الموقف الفرنسي من القرار ١٧٠١ والمشاركة في القوة الدولية خصوصا بأن باريس لا تزال تعتبر الوضع في لبنان هشا، لا بل أنه أصعب حالياً مما كان في الأيام التي تلت وقف العمليات الحربية. وهي تقترح تدابير عاجلة لتحصينه، تتركز على رفع الحصار الذي تفرضه إسرائيل على لبنان، برا وبحرا وجوا، واستكمال انسحاب قواتها بموازاة انتشار الجيش اللبناني، وتحديد اطار تحرك القوة الدولية من أجل مدها بمزيد من التعزيزات.
وتشدد فرنسا على ضرورة توضيح مهمات هذه القوة ووسائلها وقواعد الاشتباك وتسلسل القيادة في شكل عاجل وحيازتها تفويضا واضحا، وكذلك ضرورة المساهمة الاوروبية الواسعة فيها. وهي بخلاف موقف واشنطن ، لا ترى حاجة إلى قرار جديد يصدر عن مجلس الأمن لتحديد مهمات القوات الدولية في صيغتها المعدلة وتضمينه فقرة تدعو الى نزع سلاح حزب الله.
وفي تصور باريس ان مهمات "اليونيفيل" موزعة على مرحلتين: في المرحلة الأولى مساعدة الجيش اللبناني على الانتشار والنازحين على العودة. وفي الثانية صدور قرار دولي ثانٍ، ولكن بعد بلورة أسس للتفاهم السياسي بين لبنان واسرائيل يتم الإرتكاز عليها لإعلان وقف دائم لاطلاق النار. فيكون القرار الجديد لتكريس التفاهم السياسي وتحديد دور القوة الدولية القائم في السهر على احترام وقف النار الدائم والتأكد من احترام البنود السياسية التي سيقوم عليها التفاهم.
وبخلاف موقف الحكومة اللبنانية ، ترغب فرنسا في دور للقوة الدولية على الحدود السورية - اللبنانية، وترى ان مسألة ضبط، ومراقبة، خطوط الامداد والأسلحة الى حزب الله وغيره من المنظمات هو في صلب القرار ١٧٠١ ومن مكوّناته الأساسية. في حين لا تريد حكومة الرئيس فؤاد السنيورة تأزيما جديدا لعلاقتها بسورية ، وتبرر قرار نشر الجيش اللبناني على الحدود المشتركة بين البلدين بالرغبة في الحؤول دون نشر قوة دولية عليها.
وتطرح فرنسا مشاركة قوات من دول اسلامية وعربية لأسباب رمزية وسياسية وطائفية. فهي لا تريد تكرار الخطأ الذي ارتكب في تشكيل القوة المتعددة الجنسية عام ١٩٨٢ عندما اقتصرت على وحدات اميركية وفرنسية وايطالية، وبدت قوات غربية مسيحية سرعان ما تم سحبها بعدما تعرضت لعمليات انتحارية أودت بحياة المئات من عناصرها.
واقترحت باريس أسماء ٤ دول عربية للمشاركة في القوة الدولية المعززة للبنان، هي : المملكة العربية السعودية عن دول الخليج، ومصر عن دول وادي النيل، والأردن عن دول المشرق العربي، والمغرب عن دول المغرب العربي، كما اقترحت مشاركة دول مسلمة وسمّت تركيا وماليزيا وباكستان وأندونيسيا، وذلك انطلاقاً من خلفيات سياسية تتعلق بأهمية هذه الدول واعتدالها و ومن كونها داعمة للقرار ١٧٠١ ومقبولة من اسرائيل.
أما عدم استعداد فرنسا لارسال مزيد من قواتها إلى لبنان في المرحلة الحالية فعائد أساساً الى موقف "حزب الله"، الذي يصر على رفضه تسليم السلاح في الجنوب إلى الدولة اللبنانية، وكذلك إلى احتمالات وأخطار قائمة ومستقبلية ، ويمكن أن تعرض الجنود الفرنسيين لهجمات بقرار من طهران او دمشق. وطبيعي أن تكون الوحدات الفرنسية في طليعة المستهدفين لأن دورها محوري في ملفين، يتعلق أولهما بسورية ، أي التحقيق الدولي في اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية السابق رفيق الحريري، وثانيهما يتعلق بإيران ، أي الملف النووي.
لذلك تريد فرنسا ضمانات أمنية لجنودها لا تقل أهمية عن الضمانات السياسيةالتي تطلبها للقوة الدولية ودورها وصلاحياتها.
لهذا كله باتت باريس التي قادت بنجاح وفاعلية المعركة الدبلوماسية للتوصل إلى القرار ١٧٠١ ، في مواجهة مع ضغوطادولية هائلة للتراجع عن قرارها المشاركة الرمزية في قوة الأمم المتحدة في لبنان. وبعدما كانت تكال لها عبارات الإطراء والمديح على نشاطها الدبلوماسي الكثيف، ها هي تواجه عشية اجتماع بروكسل انتقادات اميركية وأحيانا اوروبية لأنها "أصيبت بالهلع المفاجىء" ولم تعد ثابتة في مواقفها و فقدت اعتبارها وخيّبت أمل عدد كبير من الدول، بعدما كانت الدولة الاوروبية التي أظهرت أكبر قدر من الالتزام لقضية لبنان.
ويلاحظ في هذا الوقت أن الدبلوماسيين الأجانب الذين يتوافدون بكثافة هذه الأيام على بيروت وتل ابيب - آخرهم اليوم وزيرا خارجيتي بلجيكا وقبرص- يحملون إلى المسؤولين في لبنان رسائل ذات اهتمامين: الأول تأكيد الدعم المطلق والكامل للقرار ١٧٠١ وضرورة تنفيذه ، وأسئلة عن نظرة لبنان إلى هذا التطبيق ، فضلا عن الترحيب الشديد ببسط الدولة سلطتها على أراضيها وبخطوة انتشار الجيش في الجنوب. والإهتمام الثاني هو بمحاولة التأكد مباشرة ومن الأفرقاء المعنيين بالحرب الأخيرة، من طبيعة المرحلة المقبلة كي يحسم الأوروبيون مواقفهم ايجابا من موضوع المشاركة في القوة الدولية. اذ يحتاج هؤلاء الدبلوماسيون او غالبيتهم الى ان يحصلوا على ضمانات، ليس فقط من الحكومة اللبنانية بل ايضا من حزب الله مباشرة ان من خلال لقاءات مع وزراء الحزب داخل الحكومة، او عبر لقاءات مع بعض المسؤولين فيه بعيدا من الأضواء.
وينقل في هذا السياق عن موفد الحكومة الايطالي إلى المنطقة ريكاردو سيسا قوله للمسؤولين اللبنانيين الذين التقاهم أمس: "لا نريد ان يموت او يجرح أي جندي من جنودنا. بل نريد ارسالهم الى بيئة سليمة أمنيا محافظة على سلامتهم، ويهمنا ان يكونوا مرحبا بهم. نريد أجوبة واضحة عن أسئلة واضحة، وأي إبهام أو غموض يعني بالنسبة إلينا عدم اطمئنان، وبالتالي عدم إقدام على ارسال أي جندي".