أخبار

محكمة صدام : تراشق اتهامات بين المدعي العام ومحامي المتهمين

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك



أسامة مهدي من لندن : شهدت المحكمة الجنائية العراقية الثانية في جلستها التاسعة في بغداد صباح اليوم في قضية اتهام الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين وستة من كبار مساعديه السابقين الذين يحاكمون بتهمة ارتكاب جرائم ابادة جماعية ضد الاكراد فيما عرف بحملة الانفال خلال عامي 1987 و1988 تبادل اتهامات بين المدعي العام جعفر الموسوي ومحامي المتهمين بديع عارف انتهى بتوجيه القاضي عبد الله العامري انذارا نهائيا الى المحامي بعدم الاساءة الى المحكمة فيما استمعت المحكمة الى مشتكيين جديدين قبل رفع الجلسة للاستراحة لمدة ساعة .

وفي بداية جلسة اليوم طلب محامي المتهمين بديع عارف باحالة المدعي العام جعفر الموسوي الى المحكمة لتقديمه مشتك قدم وثائق ومستندات مزورة الى المحكمة امس ما يعني انه مشتك مزور كما دعا الى اخراجه من المحكمة لحين البت في القضية . لكن الموسوي رفض بعصبية المس بهيئة الادعاء العام وطالب باتخاذ الاجراءات القانونية بحق المحامي لتهجمه على الادعاء بشكل لاينسجم مع اصول المحاكمات . فرد المحامي انه يشتكي من جديد على المدعي العام لاهانته له وتهديده . وحسم القاضي عبد الله العامري الجدل باصدار انذار نهائي الى المحامي بديع عارف بعدم التجاوز على أي شخص في المحكمة والا فانها ستتخذ الاجراءات القانونية ضده اذا اساء الى جلسات المحاكمة مرة اخرى .

المشتكي الاول في جلسة اليوم
وقد بدات المحكمة جلستها بحضور جميع المتهمين وباشرت بالاستماع الى المشتكي الاول في جلسة اليوم وهو الثاني والعشرين منذ بدء المحاكمة في الحادي والعشرين من الشهر الماضي وهو رؤوف فرج عبد الله (مواليد 1950) ويعمل فلاحا ويسكن منطقة السليمانية حيث قال انه
في احد ايام عام 1988 هاجمت القوات العراقية قرية قلنباشا وكان هو يسكن قرانجيا واستمرت المعارك بين هذه القوات وعناصر البيشمركة الكردية المسلحة حيث تم قصف قريته بالسلاح الكيمياوي الامر الذي ادى الى هروب السكان . وقال انه شاهد ثلاثة اشخاص قتلى على الارض هما رجل وامراتان موضحا ان سكان قريته وست قرى اخرى تجمعوا في منطقة بعيدة لكن الطائرات العراقية لاحقتهم وقصفتهم من جديد الى ان وصلوا الى مدينة بانة الايرانية في حالة مرثية حيث ظلوا فيها وتوجهوا الى بلدة سردشت الايرانية وبعد 12 يوما القت طائرة منشورات تقول ان صدام حسين قد اصدر عفوا عن الاشخاص الذين هربوا من قراهم وانه سيقوم بتعويضهم ومنحهم قطع من الاراضي ليعودوا الى موطن ابائهم . واضاف ان الهاربين عادوا الى قراهم فوجدوا القوات العراقية قد دخلتها وعاملوا العائدين بقسوة واقتادوهم شاحناتعسكرية بعد الاستيلاء على موجوداتهم ثم اخذوهم الى فرقة جوارقرنة ومنها الى دائرة الامن في مدينة اربيل . بعد ذلك نقلوا الى معسكر يقع بين مدينتي اربيل والموصل وعزلوا النساء عن الاطفال وحجزوا بقاعات فيها بقايا دم .

واشار الى انه في صباح اليوم التالي وعندما فتحوا القاعات لم يجد زوجته مريم ومعها ابنه هيمن وعمرة سنتين وكانا محتجزين في قاعة اخرى ولما سال عنها قريبة اخرى ابلغته هذه ان زوجته رزقت طفلا في قاعة حجزها لكنه وجد ان الطفل كان ميتا . ثم تم نقلها مع سبعة اخرين من المسنين الى المستشفى العسكري لكن الاطباء رفضوا معالجتهم لانهم من المدنيين ولذلك نقلوا الى مستشفى مدني اخر في اربيل وهناك علم ان المحتجزين نقلوا الى معتقل نقرة السلمان الصحراوي كما تم دفن طفله الميت في مقبرة بالمدينة .

واضاف ان ممرضة في المستشفى عرضت اخذ زوجته وابنه هيمن الى دارها للاعتناء بهما واعطته العنوان وطلبت منه الذهاب الى المنزل لانها لاتستطيع مرافقتهم خوفا من مشاهدة السلطات لها معهم .. لكنه قام بعد ذلك بنقلهما الى منزل اقارب فيما بقي هو مختفيا في بلدة رانيا حتى انتفاضة عام 1991 . واوضح انه لا يعرف لحد الان مصير 28 شخصا من سكان قريته الذين تم ترحيلهم الى نقرة السلمان . وقدم شكوى ضد صدام حسين وعلي حسن المجيد ومن اشترك معهما في عمليات الانفال طالبا التعويض عن وفاة ابنه ومصادرة ممتلكاته .

المشتكي الثاني

اما المشتكي الثاني في جلسة اليوم وهو الثالث والعشرين فكان اسكندر محمود عبد الرحمن من مواليد 1965 ويقيم في السليمانية فقال انه في اواخر عام 1987 قام الجيش العراقي بهجوم على قيادة الاتحاد الديمقراطي الكردستاني وقوات البيشمركة في منطقة سورداشت لمدة عدة اشهر .. ولان قوات العدو (وهنا قاطعه القاضي بانه ليس عدوا) كانت كبيرة فقد قررت قيادة الاتحاد الانسحاب الى المناطق الحدودية مع ايران وكان هذا في 17 اذار (مارس) عام 1988 وفي العشرين من الشهر وصلنا الى منطقة شانقشة لكنه بعد يومين حلقت طائرات عراقية في سماء المنطقة وبدات بقصفها بنوعين من المتفجرات التي كان بعضها بصوت خافت والاخر بصوت مدو .

واشار الى انه نتيجة هذا القصف ظهر دخان ابيض ذو رائحة كريهة مما دفعنا الى الهروب الى منطقة قريبة لكن الدخان نفسه كان يغطيها مما اضطرهم الى اللجوء الى منطقة مرتفعة حيث تدهورت حالته الصحية وبدا بالتقيؤ مع احمرار في العينين وعدم القدرة على الوقوف .
ثم حضرت باصات من الهلال الاحمر الايراني فاخذ الى مستشفى مدينة بانة الايرانية ولكن لسوء حالته الصحية تم نقله الى مستشفى في مدينة سونا ومنها نقل بالطائرة الى مستشفى اخر حيث بقي فاقد الوعي لمدة 12 يوما وحين افاق وجد جسمه مليئا بانتفاخات وجروح نتيجة التاثر بالقصف الكيمياوي ثم اجريت له عملية لازالة جلده المتاثر بهذه الاسلحة .. وعرض على المحكمة عرض الاصابات على جسده من دون تصويرها مؤكدا انه مازال يعاني من اصاباته وضعف بصره (وقد تم عرض الاصابات على المحكمة من دون تصويرها) حيث اشار القاضي الى ان المحكمة لاحظت اصابات واحمرارا على جسد المشتكي .
واشار الى انه كانت هناك في ايران عوائل مهجرة من جنوب العراق وكان افرادها يعتنون بالمصابين الاكراد .. وبعد ستة اشهر احضرت المستفى ادوية جديدة دهن بها اجساد المصابين فبدات حالتهم الصحية بالتحسن وفعلا غادر المستشفى وعاد الى مدينة صقز في ايران الى ان عاد الى العراق عام 1991 . واوضح ان اسلحة البيشمركة كانوا يستولون عليها من الربايا العسكرية العراقية التي يسيطرون عليها .. ثم قدم شكوى ضد صدام حسين وعلي حسن المجيد وقال ان والديه حجزوا في صحراء السماوة من عام 1985 وحتى عام 1988 حين صدر عفو عن الاكراد فعادا الى السليمانية .

وقد شكك المتهم علي حسن المجيد بكلام المشتكي متسائلا "كيف تدخل الطائرات العراقية الى عمق الاراضي الايرانية وتقذف المنشورات ونحن في حالة حرب مع ايران وكان من المستحيل ان تدخل طائراتنا العمق الايراني؟". فرد المشتكي ان "الطائرات العراقية جاءت الى ايران وقذفت المنشورات التي تؤكد العفو عن الاكراد". لكن المجيد اشار الى ان "المشتكي ملقن ومهيأ للافادة".
ثم وجه المحامي خليل الدليمي الذي ظهر في المحكمة للمرة الاولى منذ بدئها قبل شهر مدافعا عن صدام حسين سائلا المشتكي فيما اذاكان هناك قوات ايرانية في منطقتهم عندما قصفتهم الطائرات العراقية ولما اشار بالنفي قال المحامي ان هذا يعني ان البيشمركة كانت راس حربة للقوات الايرانية التي كانت في حرب مع العراق . وطلب احالة المشتكي الى هيئة طبية لانه قال انه لم ير على جسده اصابات .

الحكومة العراقية لاتتدخل في مجريات المحكمة
قال الناطق الرسمي للحكومة العراقية الدكتور علي الدباغ حول ما ورد من وصف رئيس المحكمة لصدام حسين بأنه ليس دكتاتورا،ً ان الحكومة العراقية لا تتدخل في عمل المحكمة الجنائية العليا الخاصة بجرائم النظام السابق وهي تتمتع بكامل الأستقلالية في عملها وتسعى للحفاظ على حيادية ومهنية هذه المحكمة سعياً لتحقيق دولة القانون وان يكون القضاء بعيداً عن التأثيرات السياسية وكذلك لكي يرى العالم حجم جريمة الدكتاتور وابعادها من خلال حيادية واستقلالية هذه المحكمة.
وأضاف في بيان صادر عن مجلس الوزراء اليوم ان وصف رئيس المحكمة للمتهم صدام حسين بانه ليس دكتاتوراً هو وصف لا يبريء ولا يعطي حقاً للمتهم . واكد ان صدام حسين هو اسوأ دكتاتوشهده تاريخ العراق وقال "لقد مارس هذا الدكتاتور المدعو صدام حسين ابشع انواع القتل والأجرام" .
وكان كلام القاضي اثار ردود فعل غاضبة خاصة من عوائل ضحايا عمليات الانفال الامر الذي دفع كبير القضاة في المحكمة رائد جوحي الى وصف كلام القاضي بانه "سقطة كلام" .

جلسة الاثنين الثامنة
وقد شهدت جلسة امس الاثنين التي استمعت الى اقوال مشتكيين اثنين هما رجل وامراة مسنة بتاكيد صدام حسين في رده على اقوال المشتكي الاول ان نظامه لم يكن يقطع رؤوس العراقيين ويرميها في الشوارع كما يجري حاليا مؤكدا القول "ان الاكراد هم شعبنا" . كما شكك في اقوال المشتكي حين اشار الى ان القنابل الكيمياوية سقطت على بعد مترين منه فقتل اخرون ولم يقتل هو .. وطلب عدم قبول اقواله لان القانون العراقي يعتبره ليس عراقيا لانه اكتسب جنسية اجنبية هي الهولندية . وسال عن سبب وجود اطفال ونساء في مناطق عسكرية ردا على قوله انه شاهد جثث نساء واطفال حرقوا بالاسلحة الكيمياوية العراقية .
وشكك محامي المتهمين بديع عارف بصحة اقوال المشتكي مبينا ان من يقدم جواز سفر مزور فان اقواله مزورة ايضا طالبا تحريك دعوى قضائية ضده لتزويره الجواز ودخوله العراق من دون تاشيرة طالبا اعتبار جميع اقواله باطلة .

وكان المشتكي واسمه كروان عبد الله توفيق (مواليد 1960) متقاعد ويسكن مدينة السليمانية الشمالية قال انه في اواخر عام 1987 بدا هجوم واسع للقوات العراقية بمختلف الاسلحة واستمر لاربعة اشهر وكنا في مدينة حلبجة لكنا انسحبنا منها حفاظا على حياة المواطنين . وفي 22 اذار عام 1988 قامت الطائرات العراقية بقصف عدد من القرى بالاسلحة الكيمياوية مما ادى الى استشهاد كثيرين بينهم مقاتلين في البيشمركة واطفال ونساء
اضافة الى اشلاء بشرية متناثرة . واوضح انه كان ينتمي لتنظيمات الاتحاد الوطني الكردستاني فالتحق باحد قواعده هناك ثم بدات تظهر عليه اثار الغازات الكيمياوية السامة ثم فقد وعيه وتم نقله الى مستشفى الامام الخميني في مدينة اصفهان الايرانية للعلاج من اصابات خطيرة في عينيه لمدة ستة اشهر موضحا انه كان هناك 90 مصابا اخرين توفي 20 منهم . واشار الى انه غادر الى هولندا بعد ذلك لمواصلة العلاج فحصل على اللجوء السياسي بعد ان انتحل اسما اخر وقدم جواز سفر مزور فيها موضحا ان الاطباء في هولندا زودوه بتقارير عن عدم امكانية علاجه من الاصابة بالاسلحة الكيمياوية وقدم نسخا منها الى المحكمة مؤكدا انه مازال يعاني من اصاباته .

واضاف انه اشتكى في هولندا على شخص نمساوي زود النظام العراقي السابق بمئات الاطنان من الاسلحة الكيمياوية وقد اصدرت محكمة لاهاي حكما ضده بالسجن لمدة 15 عاما العام الماضي وهو مايؤكد استخدام النظام لهذه الاسلحة . وطلب تعويضا عما اصابه من اضرار لدفع نفقات علاجه الذي جرى له في روسيا واسبانيا والمانيا وقدم شكوى ضد صدام حسين وعلي حسن المجيد وضد كل من ساهم في عملية الانفال ضد الاكراد .

المتهمون والتهم
والمتهمون الستة الاخرين بالاضافة الى صدام حسين هم علي حسن المجيد الملقب بعلي كيمياوي وكان مسؤولا عن المنطقة الشمالية وسلطان هاشم احمد وزير الدفاع السابق وصابر عبد العزيز الدوري رئيس المخابرات العسكرية وحسين رشيد رئيس هيئة الاركان للجيش العراقي السابق وطاهر توفيق العضو القيادي في حزب البعث المنحل والسكرتير العام للجنة الشمال وفرحان مطلك الجبوري الذي كان يشغل منصب مسؤول الاستخبارات العسكرية للمنطقة الشمالية. ويواجه صدام والمجيد تهمة ارتكاب إبادة جماعية فيما يواجه المتهمون الآخرون تهما بارتكاب جرائم حرب ويدفع هؤلاء بأن حملة الانفال رد شرعي على قتال الأكراد العراقيين الى جانب إيران ضد بغداد في الحرب بين البلدين بين عامي 1980 و1988 .

ويتهم الاكراد القوات العراقية بشن هجمات بغاز الخردل وغاز الاعصاب في الحملة التي استمرت سبعة أشهر والتي يقولون ان اكثر من 180 الف شخص قتلوا خلالها فيما نزح عشرات الالاف. وتركزت إفادات شهود العيان الستة خلال الجلسات السابقة على حجم المعاناة التي خلفها استخدام الجيش العراقي لأسلحة "كيمائية" على المدنيين خلال حملة الانفال العسكرية حيث أبلغ قرويون أكراد المحكمة كيف أن عائلات قضت نحبها بعد ان قامت طائرات بقصف القرى الجبلية بأسلحة كيماوية.

وتجري محاكمة الانفال هذه في وقت يواصل قضاة اخرين مشاورات لإصدار حكمهم في القضية الاخرى التي تتعلق بقتل 148 عراقيا من بلدة الدجيل شمال بغداد بعد نجاة صدام من محاولة لاغتياله فيها عام 1982. ومن المقررأن تعلن المحكمة أحكامها النهائية في قضية الدجيل في السادس عشر من الشهر المقبل .
وقد سميت الحملة " الأنفال" نسبة للسورة رقم 8 من القرآن الكريم . و(الأنفال) تعني الغنائم أو الأسلاب ، والسورة الكريمة تتحدث عن تقسيم الغنائم بين المسلمين بعد معركة بدر في العام الثاني من الهجرة . استخدمت البيانات العسكرية خلال الحملة الآية رقم 11 من السورة: " إذ يوحي ربك إلى الملائكة أنى معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان " .

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف