جولة رايس تظهّر ملامح الإستراتيجية الجديدة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
إيلي الحاج من بيروت: بدأت سنة 2007 بتغيير في الاستراتيجية الأميركية بعد خمس سنوات من التجارب المكلفة وغير المكتملة، ظهر معها أن مشروع "الشرق الاوسط الكبير" يواجه التعثر والإرتباك في ضوء النتائج التي ظهرت وتبيّن معها أن الارهاب لم يضرب ويستأصل، بل اتخذ من العراق قاعدة متقدمة له، ليتحوّل هذا البلد إلى مركز لاستنزاف بشري ومالي للولايات المتحدة، كما ان نفوذ الحركات الإسلامية تنامى في المنطقة كلها، في مقابل تراجع "قوى الاعتدال" ومعها عملية السلام التي تعاني الجمود "في انتظار توافر الراعي الأميركي النزيه والعادل" كما تقول دول عربية، او "في انتظار توافر الرغبة الاسرائيلية الفعلية في السلام" كما يقول الفلسطينيون، او "في انتظار توافر الشريك الفلسطيني"، على ما يقول الاسرائيليون.
ويوضح تقرير يتداوله دبلوماسيون في بيروت أن الرئيس الاميركي جورج بوش مهّد لاستراتيجيته الجديدة في المنطقة بإجراء تغييرات واسعة في طاقمه الدبلوماسي ـ العسكري ذي الصلة بالملف العراقي. واتبع الاعلان الرسمي عن استراتيجيته بإيفاد وزيرة خارجيته كوندوليزا رايس الى المنطقة حيث قابلت قادة الدول الحليفة للولايات المتحدة وأطلعتهم على الاستراتيجية الجديدة التي لا تقتصر على العراق، وارتسمت ملامحها الأولية استنادا الى نتائج هذه الجولة وما رافقها وسبقها من تحركات ومواقف.
وستذهب ترجمات الإستراتيجية الجديدة ومفاعيلها التطبيقية في اتجاهات متعددة ، أبرزها رفع درجة المواجهة مع ايران التي تثير قلق الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة بسبب التقدم الكبير الذي أحرزته في الملف النووي وداخل العراق وفي المنطقة، والانتقال الى مرحلة الهجوم من الخليج الى العراق وفلسطين ولبنان، حيث تملك في كل هذه الدول أوراقا مهمة وتوغلت في نسيجها السياسي والاجتماعي، إضافة الى ورقة التحالف الاستراتيجي مع سوريا.
كما تذهب الإستراتيجية الجديدة في اتجاه تحريك عملية السلام وإعادة فتح آفاقها السياسية، وبالتحديد في ما يتعلق بالتوصل إلى حلول موقتة للصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي، والتحرك في اتجاه احتواء "حماس" في اطار حكومة وحدة فلسطينية، او الاستمرار في مواجهتها في حال لم تلتزم بالشروط الدولية، ودعم الرئيس محمود عباس وتعزيز سلطته ومكانته والتعاطي معه وجعله شريكا كامل المواصفات، والعودة الى خطة "خريطة الطريق" وبنودها وفي مقدمها تجريد الفصائل الفلسطينية من السلاح كشرط لأي تقدم في العملية السياسية.
وباتت الولايات المتحدة تدرك في مسعاها الى حشد التأييد العربي لاستراتيجيتها، والى شحن الموقف العربي ضد ايران، أن الثمن أو الشرط للحصول على التأييد العربي لخطتها هو إحراز تقدم في حل القضية الفلسطينية التي تشكل بؤرة توتر دائم في المنطقة وتتغذى منها كل التوترات ومجموعات التطرف والإرهاب، إضافة الى أن الصراع العربي ـ الاسرائيلي يشكل الثغرة التي منها تنفذ ايران الى الشرق الأوسط وقضاياه وتتمدد فيه نفوذا وسيطرة.
إلى ذلك ستواصل الولايات المتحدة الضغوط على سوريا وتربط أي انفتاح عليها وأي مرونة تجاهها في مجالات استئناف الاتصالات المباشرة معها ومنع العزلة الدبلوماسية عنها واستئناف المفاوضات بينها وبين اسرائيل ورفع سيف المحكمة الدولية المسلّط عليها بمدى تلبيتها للشروط الاميركية وأبرزها ما يتعلق بفك ارتباطها وتحالفها مع ايران، ووقف الدعم للمنظمات الفلسطينية واللبنانية التي تعتبرها واشنطن إرهابية، ووقف التدخل في شؤون العراق ولبنان.
وتقضي الإستراتيجية الجديدة بدعم المحور العربي "المعتدل" أي الحليف لأميركا و "استغلال" نقطة ضعفه الحالية المتمثلة في "الهاجس الايراني" لديه. فمع توغل ايران وتغلغلها نفوذا سياسيا وأمنيا ودينيا في العراق، ومع تنفيذها عملية دخول هادئ الى دول خليجية عدة تحتوي على مكوّنات شيعية، ومع دخولها على خط الصراع مع اسرائيل الذي حوّلته من صراع عربي الى صراع اسلامي، تعاظم قلق العرب ازاء الطموحات الايرانية وما اعتبروه "سياسة توسعية"، وسارعت الولايات المتحدة واسرائيل الى تلقف هذا التطور والمعطى الجديد للافادة منه في اقامة علاقات تعاون وتنسيق في مواجهة "الخطر المشترك".
هكذا غيّرت واشنطن في طريقة تعاطيها مع دول هذا المحور ، أي دول الخليج ومصر والاردن والسلطة الفلسطينية والحكومة اللبنانية، في اتجاه رعاية الأنظمة الحليفة وحمايتها والكف عن ممارسة ضغوط عليها لإجراء إصلاحات جذرية وسريعة واعتمادها مرتكزات أساسية للسياسة الاميركية في المنطقة.
وتترافق هذه التوجهات مع تعزيز الحضور العسكري الاميركي في الخليج بحرا وجوا من خلال أكبر حشد لحاملات الطائرات والسفن الحربية، وهذا "التعزيز" الذي يوجه في الدرجة الأولى رسالة تحذير الى ايران ورسالة طمأنة إلى الحلفاء، يؤكد استمرار "استراتيجية الحضور والسيطرة " في الشرق الاوسط والخليج، مع تغيير في التكتيكات والأساليب، مثل إعادة الانتشار في العراق وإقامة قواعد عسكرية خارج المدن، والحضور الدائم في الموانئ والممرات الأمنية والاستراتيجية، ودعم الجيوش والأنظمة الحليفة.