علاقة حذر بين القوات الدولية وحزب الله
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
إيلي الحاج من بيروت: تحول الجنوب اللبناني الذي كان أكثر المناطق توترا مدى سنوات طويلة، أكثر المناطق هدوءا منذ مجيء القوات الدولية إليه تطبيقا للقرار١٧٠١ والانكفاء القسري في الدور العسكري ل"حزب الله" الذي تحول الى الداخل وأصبح طرفا رئيسيا في الصراع السياسي الدائرعلى الساحة المحلية.
لكن الهدوء الجنوبي تعرض لخرقين في المدة الأخيرة: الأول أمني محدود عندما وقع اشتباك مسلح بين الجيش اللبناني وفصيل فلسطيني مسلح متطرف (جند الشام) في محلة تعمير عين الحلوة، ولن تنتهي مضاعفاته الا بتسليم مطلقي النار على الجيش او بدخول الجيش الى منطقة التعمير التي تعد منطقة عازلة وفاصلة بين صيدا ومخيم عين الحلوة. أما الخرق الثاني فإنه "سياسي الطابع" وتمثل "برسائل ـ تلميحات" من "حزب الله" في اتجاه القوات الدولية، وذلك للمرة الأولى منذ وصول "اليونيفيل المعززة" إلى لبنان.
هذا التطور بدأت ملامحه بالظهور مطلع العام بعدما تحدث نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم عن "دور مشبوه تقوم به بعض وحدات اليونيفيل في الجنوب لمصلحة اسرائيل متخطية بذلك المهمة الموكلة اليها في اطار القرار١٧٠١" . كذلك تحدث الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله في حديث صحافي قبل أيام عن جدية تحذيرات "حزب الله" إلى قوات اليونيفيل ربطا بمعلومات تلقاها الحزب ونفاها الفرنسيون، وأعيد الحديث عنها حول فكرة قيام طائرات استطلاع فرنسية بالتحليق في الأجواء اللبنانية كبديل من تحليق طائرات الاستطلاع الاسرائيلية. وقال "اذا كان هذا الأمر جديا فهو خطير وله مضاعفات خطيرة".
وكانت فرنسا أعربت عن استعدادها لنشر طائرات من غير طيار من أجل توفير رقابة جوية لجنوب لبنان وفوق الحدود اللبنانية السورية، لضمان التطبيق الكامل للقرار الدولي الرقم ١٧٠١ ، خصوصا الفقرة المتعلقة بوقف تدفق الأسلحة الى" حزب الله" ووقف تحليق الطيران الإسرائيلي في الأجواء اللبنانية على السواء، لا سيما ان التقرير الأخير للأمانة العامة للأمم المتحدة حول تطبيق القرار يفيد بتوافر معلومات تشير الى تدفق أسلحة عبر الحدود السورية اللبنانية. ومن شأن توفير هذه الرقابة الجوية ان تعزز قدرات الرقابة الخاصة بقوة" اليونيفيل" في المنطقة.
وفي تسلسل الأحداث تتهم أوساط قريبة من "حزب الله" القوة الفرنسية بأنها تقوم بأعمال تثير الشكوك، من قبيل تصوير أماكن ومنازل وتجميع معلومات تتعلق بالحزب، وبأنها تثير استفزاز المواطنين من خلال حالة الاستنفار والتوجس التي تثيرها الدوريات المؤللة داخل الأحياء السكنية في ساعات متأخرة من الليل.
وفي المقابل يقوم "حزب الله" في شكل غير معلن بتعزيز حالة اللاثقة لدى الجمهور تجاه الفرنسيين، ووصل الأمر الى حد "تشجيع" رؤساء البلديات على عدم لقاء قيادة القوة الفرنسية، الأمر الذي يأتي في سياق الحد من "طموحات الفرنسيين في توسيع دائرة نفوذهم الأمني والاجتماعي" بحسب ما يؤكد قريبون من "حزب الله".
وترى مصادر سياسية مراقبة ترى ان هذا المناخ لا يعني ان "حزب الله" يستعد لخوض مواجهة مع القوة الفرنسية، بل مجرد خطوة في اطار التحذير والرسائل السياسية الى الفرنسيين الذين يتبنون مواقف قوى 14 آذار/مارس المناهضة لسورية وإيران واشعارهم بكلفة موقفهم غير الحيادي في الأزمة اللبنانية.
لكن هذه المصادر تحذر من استمرار "حزب الله" وتماديه في مثل هذه المواقف التي يمكن ان تتخذ منها قوى متطرفة وارهابية غطاء لتنفيذ عمليات ضد القوات الدولية والصاقها بالحزب وتحميله تبعاتها ، وذلك في اشارة الى بيان أيمن الظواهري الرجل الثاني في تنظيم "القاعدة" وتهديده بشن عمليات في لبنان ضد القوات الدولية.
ويبدو جلياً اهتمام المانيا التي تترأس الاتحاد الاوروبي حاليا بتحذيرات "حزب الله"، وهي حذرت رعاياها من التوجه الى لبنان. وأوردت مجة "دير شبيغل" الالمانية، نقلا عن رسالة دورية أصدرتها السفارة الالمانية في بيروت، انه من غير المستبعد ان تقع أحداث فردية او حتى أعمال عنف ضد الالمان في لبنان، رابطة ذلك بالدور الذي تضطلع به القوة البحرية الالمانية التي تنتشر أمام السواحل اللبنانية بعد صدور القرار 1701، من أجل منع وصول أسلحة الى حزب الله. ويشار في السياق الى ما سبق ان أعلنته المستشارة الالمانية أنجيلا ميركيل عندما اتخذت حكومتها قرارا بالمشاركة في اليونيفيل من ان الهدف من انتداب القوات الالمانية الى لبنان هو لحماية أمن اسرائيل، وأثارت تلك التصريحات يومها ردود فعل مستنكرة.
وتذكر اوساط سياسية في بيروت ان وحدات من "اليونيفيل" أوكلت اليها مهمات اضافية بعد سحب العديد من عناصر الجيش اللبناني من الجنوب الى الداخل وتكليفه مهمات أمنية واسعة في العاصمة بيروت، وتلك المهمات الاضافية ربما أفسحت اطارا أوسع للتحرك. ولكن مصادر أخرى تقول ان ثمة تطورا ايجابيا تعكسه العلاقة التي تتوثق بين الجيش اللبناني والقوات الدولية، فبعدما كانت هذه العلاقة مشوبة بعدم الثقة، انتقلت الى مرحلة التنسيق الذي بدأ يترجم باعتماد ضباط ارتباط من الجيش يتمركزون في مقار قيادة كل دولة مشاركة، وتحوّل وجود الجيش اللبناني حاجة ملحة للقوة الدولية و"حزب الله" كقوة ارتباط وتواصل ما يعزز من حضور الجيش جنوبا.
وكان رئيس "اللقاء الديمقراطي" النائب وليد جنبلاط لاحظ "بداية تحريض وتوتير ضد القوات الدولية في الجنوب والقرار 1701 . وهذه أيضا مفارقة أخرى خصوصا انهم ( حزب الله) هم من وافق على القرار وشارك في صياغة كل فاصلة فيه وكل نقطة وكل عبارة لما لهم من قدرات الهية، على ما يبدو، في اللغة العربية واستخداماتها الغنية. وهذا من شأنه كذلك ان يؤثر على صاحب الهالة المقدسة (أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله) في كل أنحاء العالم العربي والإسلامي".
من جهته يبدو رئيس مجلس النواب وحركة "أمل" نبيه بري الأكثر حرصاً على حسن العلاقات مع القوات الدولية، وعلمت "إيلاف" أنه استدعى أخيراً عددا من رجال الدين الشيعة القريبين منه ، وبعضهم يشغل مناصب عالية وطلب إليهم الإمتناع عن أي شكل من التحريض على هذه القوات وإلصاق التهم بها، محذرا من مغبة التعرض لها.
الرؤية من إسرائيل
يذكر أن الاذاعة الاسرائيلية نقلت مراراً عن مصدر كبير في اسرائيل قوله ان التطورات في لبنان قد تشكل "تهديدا على أمن اسرائيل". وأضاف ان اسرائيل تنظر "بقلق بالغ" الى عمق التدخل الايراني في لبنان، معتبرا الاعتصام الذي يقوده "حزب الله" نوعا من" رد جميل لسورية على دعمها المتواصل له، وان التظاهرات في بيروت تبغي أساسا منع تشكيل المحكمة الدولية في قضية اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية رفيق الحريري". وقال ان سقوط الحكومة اللبنانية الحالية قد يمهد لجعل لبنان يدور في فلك "محور الشر" الايراني- السوري وسيتيح لإيران اعادة بناء موقعها الأمامي على الحدود مع اسرائيل فتخلق بالتالي توازن رعب تجاه اسرائيل والولايات المتحدة يحبط محاولاتهما للتعرض الى منشآتها النووية". وزاد المصدر ان "أكثر ما تخشاه اسرائيل هو ان تضطر الحكومة اللبنانية الى استقدام قوات كبيرة من جيشها المنتشر في جنوب لبنان للحفاظ على النظام".
ومن جهتها شددت "يديعوت احرونوت" على الخشية الاسرائيلية من سيطرة ايران وسورية على لبنان، وقالت ان اسرائيل تعتقد منذ زمن بعيد ان ايران وسورية وضعتا لنفسيهما هدفا هو اسقاط حكومةالرئيس فؤاد السنيورة بكل ثمن. والخشية هي انه اذا ما نجحتا في ذلك فسيتعزز كثيرا دور "حزب الله" في السياسة اللبنانية، وستتشكل في لبنان حكومة جديدة تتنكر للقرار ١٧٠١ ." وبحسب التقديرات الاسرائيلية، "حتى لو لم تسقط حكومة السنيورة في نهاية المطاف، فإنها ستضعف جدا وسيتمكن مؤيدو ايران وسوريا من ان يفرضوا عليها قيودا مثل منع حرية العمل في تنفيذ القرار 1701".
ونقلت الصحيفة عن مصادر سياسية في اسرائيل قولها انه في حال حدوث ذلك فإن "حظر إرسال الأسلحة إلى حزب الله سيتحوّل عملياً موضوعاً من دون قيمة "، وان "احتمال خروج اليونيفيل من جنوب لبنان في غضون نصف سنة حتى سنة سيصبحفي هذه الحال احتمالاً عملياً". وأضافت: "من الصعب ان تصر القوات الاوروبية على البقاء في جنوب لبنان اذا لمّح السيد نصرالله إلى انه ينوي شن هجمات ضدها على غرار تلك التي شنها الحزب ضد الاميركيين والفرنسيين عام ١٩٨٣ ".