أخبار

قضايا الهجرة بين المرشحين الجمهوريين والديموقراطيين

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك



واشنطن: يتسم المجتمع الاميركي بالتنوع الثقافي والحضاري؛ لضمه أقليات ومهاجرين من كافة دول العالم، والتي ساهمت بصورة كبيرة في التقدم الاميركي. وعلي الرغم من تراجع صورة الولايات المتحدة الاميركية في معظم دول العالم ( الغربي والعربي)؛ للسياسة التي تتبعها الإدارة الحالية، والتي تقوم علي التفرد بالسياسة الدولية، وشن حروب فاشلة ومكلفة، ولاسيما الحرب الاميركية في العراق منذ مارس 2003 .

فاستطلاعات الرأي والدراسات الأكاديمية، تؤكد علي أنه رغم تراجع المكانة الاميركية عالمياً، إلا أن واشنطن مازالت هي الدول الأولي للهجرة، لآي مواطن عربي أو أفريقي., حيث أن هناك انفصال بين النظر إلي السياسة الخارجية الاميركية ونتائجها، وبين التقدم والرقي الاميركي على كافة الأصعدة، الدافعين للهجرة، التي تتنوع بين شرعية وعير شرعية للولايات المتحدة.

ولكن بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر2001، ارتبطت قضية الهجرة بالأمن القومي الاميركي، فأصبحت مناقشة قضايا الأخيرة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالأولي؛ بعد أن أظهرت التحقيقات في تلك الأحداث الإرهابية، أن مرتكبيها كانوا يقيمون علي الأراضي الاميركية. وتتزايد خطورة تلك القضية لتزايد عدد المهاجرين أو المقيمين بالولايات المتحدة بصورة غير شرعية، فيقدرون بحوالي 12 مليون شخص، حسب إحصاءات العديد من المؤسسات الاميركية، معظمهم من المكسيك واميركا اللاتينية وبعض الدول الأفريقية والأسيوية وكذلك الأوربية. وقد تضاعف هذا العدد خلال السنوات العشرة الماضية، ويمثل هؤلاء المقيمون بصورة غير قانونية علي الأراضي الاميركية نسبة كبيرة من الأيدي العاملة، ولاسيما في قطاع الزراعة والنظافة والبناء والتشييد.
ولخطورة تلك القضية وارتباطها بقضية الأمن القومي الاميركي، أضحت قضية الهجرة غير الشرعية، وإصلاح السياسات الاميركية في هذا الصدد من القضايا الرئيسية في الانتخابات الرئاسية القادمة (2008) بين المتنافسين للوصول إلي البيت الأبيض. إذ تثير تلك القضية قلق الناخب الاميركي بشكل كبير. فلا تجد خطاب أو مناظرة أو حوار للمتنافسين علي المنصب الرئاسي يخلو من الحديث عن رؤيتهم لقضايا الهجرة، وكيف سيتعاملون معها في حال وصولهم إلي المكتب البيضاوي، بل أنها أصبحت تُنافس قضايا جوهرية علي الأجندة الرئاسية، بداية من القضية العراقية والإخفاق الاميركي وتصاعد الخسائر الاميركية هناك، وكيفية استعادة مكانة الولايات المتحدة دولياً مرة ثانية بعد تراجعها؛ لسياسات الإدارة الحالية، وقضايا الإجهاض، وحقوق المثليين، والرعاية الصحية والضرائب. وغيرها من القضايا.

فإصدار قانون جديد للهجرة يُعتبر واحداً من الركائز الأساسية في السياسة الداخلية للرئيس الاميركي، ولذا سعي المتنافسون إلي إصلاح نظام الهجرة؛ لضمان كونه قانونياً ومأموناً ومنهجياً وإنسانياً.والمقال التالي يسعى إلي الوقوف علي رؤية أربعة من المرشحين عن الحزب الجمهوري لقضية الهجرة، وكيفية إصلاح السياسات الاميركية المتبعة في هذا الصدد.

رودي جولياني

أنتقد "رودي جولياني"، عمدة ولاية نيويورك السابق خلال أحداث الحادي عشر من سبتمبر2001، الإجراءات والسياسات الاميركية؛ المتبعة للتعامل مع قضية الهجرة غير الشرعية، والتي يري أنها بلا هدف. وشكك في قدرة الحكومة الفيدرالية على مواجهة تلك القضية، التي تؤرق الاميركيين؛ ولذا فقد طرح آليات تعمل على الحد من سلبيات تلك قضية. فدعا إلي أن تكون هناك قاعدة بيانات حكومية، تضم من دخل الولايات المتحدة الاميركية، ومن خرج منها، ولماذا هم في الولايات المتحدة؛ للتأكد من أنهم لا يهدفون إلي الإضرار بالأمن والمصلحة القومية الاميركية.

وظهرت أهمية وجود قاعدة بيانات بعد أحداث سبتمبر 2001، فعندما أرادت السلطات معرفة من دخل الولايات المتحدة الاميركية خلال تلك الفترة، اتخذت أسابيع لمعرفة من لهم الحق في الإقامة ومن ليس لهم الحق. ويري "جولياني" أن السلطات الاميركية قادرة على أن يكون لديها قاعدة بيانات بشأن المهاجرين الشرعيين وغير الشرعيين، بالمقارنة بشركات الائتمان التي تصدر كروت الائتمان التي تهتم بمعلومات أكثر من تلك التي ينادي بها.

وتشير سارة ويتون (Sarah Wheaton) في تقرير لها بعنوان "جولياني علي خط حدود الهجرة" "Giuliani On The Immigration Borderline"، بصحيفة نيويورك تايمز، في الأول من مايو الماضي، إلي قناعة جولياني التي عبر عنها خلال "المؤتمر الاقتصادي للتحالف اللاتيني للأعمال الصغيرة" (Latino Coalitionrsquo;s Small Business Economic Conference) من أن المهاجرين غير الشرعيين قد يشكلون بيئة مواتية لتخفي العناصر الإرهابية، وتجار المخدرات بينهم؛ ولذلك فهو يدعو إلي قاعدة بيانات للمهاجرين. فاميركا ترحل حالياً 14% من 300.000 مهاجر يرتكب جرائم بالولايات المتحدة.

ولضمان الإقامة والعمل بصورة قانونية، دعا "جولياني" إلي أن يكون لكل مهاجر بطاقة هوية "Tamper-Proof Biometric ID Card"، تمكنه من التنقل وممارسة عمله بالولايات الاميركية. وللحفاظ على وحدة المجتمع الاميركي، ولمنع تكوين جيوب أو (كاتونات)، للمهاجرين كما هو الحال في العديد من المجتمعات الأوروبية؛ دعا إلى (أمركة) المهاجرين، وصهرهم في البوتقة الاميركية. فحث علي أن يكون المهاجرين قادرين علي القراءة والتحدث باللغة الانجليزية. ويجب أن يتعلموا الثقافة الاميركية حتى تكون هناك ثقافة واحدة ولغة واحدة؛ للحماية من مشاكل الأقليات الرافضة للاندماج في المجتمع الجديد.
وفي الوقت الذي لم تنفذ فيه الحكومة الفيدرالية السياج الأمن علي الحدود مع المكسيك، الذي أقره الكونجرس في 2006، الذي خصص 1.1 مليار دولار لتشييد 700 ميل سياج أمني على الحدود مع المكسيك، أعلن "جولياني" أنه في حالة وصوله إلي البيت الأبيض فإنه سيعمل علي استكمال بناء هذا السياج، وزيادة عدد قوات حرس الحدود إلي حوالي 20 إلف جندي، للعمل علي وضع حد للهجرة غير الشرعية. وفي المقابل حماية وتوسيع الهجرة الشرعية.

جون ماكين

يُعد جون ماكين (John McCain)، المرشح الجمهوري الذي أخذ خط وسط في قضية الهجرة، ما بين تعزيز الحدود الاميركية وتمتع بعض المهاجرين غير الشرعيين ببعض الحقوق والواجبات. ويرى أن السلطات الفيدرالية أخفقت في تأمين الحدود الاميركية، ويرفض الحفاظ علي الوضع القائم (Status Quo)، ويدعو إلي ضرورة إيجاد حل لحوالي 12 مليون مهاجر غير شرعي يقيم علي الأراضي الاميركية.

ويربط بين قضية الهجرة غير الشرعية والآمن القومي الاميركي. فيري أن القضيتين متلازمتين، ولا يمكن فصلهما عن بعضهما البعض . وانطلاقاً من حاجة الولايات المتحدة إلي العمالة الوافدة التي تُساهم في التقدم الاميركي، دعا إلي أن يكون هناك برنامج خاص "بالعامل الزائر"، ويتم إعطائه فيزا مؤقتة متى توافر أن العمل لا يقوم به مواطن أمريكي. ودعم قانون "التنمية والإغاثة والتعليم للمهاجرين القصر" ((DREAM Development, Relief and Education for Alien) Minors Act)، والذي يعطي المهاجرين غير الشرعيين بالولايات المتحدة الحق في التعليم العالي، وكذلك إعطاء الحق لوزير الأمن الداخلي لمنح حق الإقامة القانونية للمهاجرين الطلاب، الذين جاءوا إلي واشنطن بطريقة غير قانونية.

وأيد "ماكين" قانون الهجرة الذي أصدره مجلس الشيوخ في عام 2006 (Comprehensive Immigration Reform Act)، والذي هدف إلى إنشاء برنامج للعاملين الزائرين، فضلاً عن، منح بعض الحقوق التي يتمتع بها المواطن الاميركي للمهاجرين غير الشرعيين، وصوت بالموافقة على قانون تشيد سياج أمني بمسافة 700 ميل على الحدود الاميركية ـ المكسيكية، وتزويد قوات مراقبة الحدود بأحدث التقنيات والتكنولوجيا؛ لتسهيل مهام المراقبة، والتي ستكون على أولويات أجندته في حال وصله إلى المكتب البيضاوي. ويدعو إلى صياغة تشريع يعمل على حل القضية بصورة متكاملة, فيري أنه في حال عدم إقراره هذا العام، فإنه سوف يُؤجل لعام 2009؛ نظراً لأن الأجندة الاميركية بها قضايا حيوية، لا تقل أهمية عن القضية العراقية التي ستشغل الفصل التشريعي الحالي للكونجرس.

ويعلن أنه سيعمل علي استعادة ثقة المواطن الاميركي في حكومته، انطلاقاً من أن تأمين الحدود يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالأمن القومي الاميركي، وتأمين الحدود لا يعني من وجهه نظره، تأمين منافذ الدخول والخروج الخاصة بالأفراد فقط، ولكن أيضا الحمولات والشاحنات والمواني, وأي منفذ لدخول السلع والبضائع.
ويتفرد "ماكين" عن باقي منافسيه في أنه ذهب لحل الأسباب الكامنة وراء تزايد الهجرة إلى الولايات المتحدة الاميركية. فقد دعا إلى إقامة حكومات صديقة في المكسيك ودول اميركا اللاتينية لكي تتعاون مع واشنطن في مكافحة الهجرة غير الشرعية. ويطرح أيضاً مساعدة تلك الدول ولاسيما دول اميركا اللاتينية؛ للقيام بإصلاحات سياسية واقتصادية لتعزيز الحريات والديمقراطية، وأن تمتلك اقتصاداً قوياً يوفر فرص عمل لمواطنيها، واقتصاداً حراً يقوم على المنافسة. ويتفق مع "جولياني" في العمل علي صهر هؤلاء المهاجرين في البوتقة الاميركية؛ بتعليمهم اللغة الانجليزية والثقافة والتاريخ الاميركي.

ميت روميني

يأخذ ميت روميني (Mitt Romney)، حاكم ولاية ماساشوستيس السابق (2003-2007)، موقفا متشدداً في قضية الهجرة، ويُعارض الحلول التي تطرحها مشروعات القوانين التي عُرضت على مجلس الشيوخ، ولاسيما مشروع القانون الذي عُرض في يونيو الماضي، والذي يدعو إلى الإعفاء عن المهاجرين غير الشرعيين.

ويدعو "روميني" إلى ضرورة تعزيز قوات الولايات للقبض علي المهاجرين غير الشرعيين. ويذكر أنه وقع مع السلطات الفيدرالية في ديسمبر 2006 اتفاقية، تسمح لقوات من ولاية ماساتشوستس للبحث والقبض على المهاجرين غير الشرعيين. ويتفق مع "جولياني" في ضرورة وجود بطاقات هوية لهؤلاء؛ لمعرفة من دخل الولايات المتحدة، وما سبب وجودهم، والتي تضمن كافة المعلومات عنهم، والتي لا يحصل عليها المهاجرين غير الشرعيين.
ويُعارض خطة بوش بشأن خطة عمل للمهاجرين، والتي يري أنها ستعمل على زيادة حدة المشكلة في المستقبل، ودعا إلى نظام خاص بالعاملين في الولايات المتحدة؛ للحد من العمالة غير القانونية. ويُعارض أن يتمتع هؤلاء المهاجرين غير الشرعيين بما يتمتع به غير الاميركيين، الذين جاءوا ويقيمون بالولايات المتحدة بصورة شرعية. إلا أنه في الوقت ذاته، وافق على مشروع القانون الذي يسمح للمهاجرين الشرعيين، بأن يتمتعوا بفرص التعليم في كافة المراحل. هذا، ويؤكد على أهمية تعزيز الحدود الاميركية المكسيكية.

فرد تومسون

لا يختلف فرد تومسون (Frep Thompson)، السيناتور السابق في مجلس الشيوخ عن ولاية "تينسي" من عام 1994 إلى 2003 والممثل المشهور، عن باقي مرشحي الحزب الجمهوري في اتخاذ موقف معارض للهجرة غير الشرعية. فيقول على موقعه الالكتروني الخاص بحملته الانتخابية، إن الولايات المتحدة الاميركية بلد جاذب للهجرة، وأن الهجرة القانونية أفادتها كقوة عمل، وفي خلق أفكار جديدة، وتعزيز دورها عالمياً، وكذلك إثراء التنوع الثقافي الاميركي، وهو ما يجب التركز عليه من وجهة نظره. ولكن أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، حسب فريد، جعلت تلك القضية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بقضية الأمن القومي الاميركي، بحيث أصبح من الصعوبة بمكان الفصل بينهما، وأن تلك الأحداث أظهرت أيضا العجز الاميركي لتأمين الحدود الاميركية, وتحديد من يحق له أن يدخل الولايات المحتدة ومن لا يحق له.

ولهذا فقد أكد على ضرورة تعزيز الحدود الاميركية، ولاسيما الحدود الاميركية ـ المكسيكية، حيث أغلب المهاجرين غير الشرعيين يأتون من المكسيك. وتجديد قوانين الهجرة، بحيث تكون أكثر صارمة؛ لضمان وحماية الأمن والمصلحة القومية الاميركية. والترحيب بالمهاجرين الشرعيين الراغبين في تعلم اللغة الانجليزية، والثقافة والتاريخ الاميركي، والاندماج في المجتمع الاميركي، وأن يصبح المهاجر مواطن فعال ومنتج ومضيف للتقدم الاميركي.
ويُعارض أيضاً العفو بأي شكل من الأشكال عن المهاجرين غير الشرعيين، ويقول أن هناك ما يقرب من 12 إلى 20 مليون شخص، يدخلون الولايات المتحدة بصورة غير قانونية في ظل غياب الرقابة الاميركية للحدود.

وفي النهاية، يتفق مرشحي الحزب الجمهوري على أن قضية الهجرة، وتحسين السياسات المتبعة لحل تلك القضية، ستكون على أجندتهم في حال ووصلهم إلى البيت الأبيض، وأنهم يتفقون على أهمية تعزيز الحدود الاميركية ـ المكسيكية؛ باعتبار أن الأخيرة هي المصدر الأول للمهاجرين غير الشرعيين. ولتجنب ما تشهده العديد من المجتمعات الأوروبية من مشاكل الأقليات، الرافضة للاندماج والانصهار في المجتمع الأوروبي، يتفق المرشحون على أهمية "أمركة" المهاجرين، والعمل على صهرهم في (البوتقة الاميركية)، من خلال تعليمهم الثقافة الاميركية، واللغة الإنجليزية. وقد نجحت الولايات المتحدة في الاستفادة من هؤلاء المهاجرين، ليكونوا القوة الدافعة بها على كافة الأصعدة، وهو ما يُميزها عن غيرها من الدول الأوروبية، التي تعاني من مشكلات المهاجرين والأقليات. ولهذا فلا يمكن التقليل من أهمية ومكانة قضية الهجرة في الأجندة الانتخابية للمرشحين بالتوازي مع قضايا أخري ذات أهمية والتي تتنوع بين الانسحاب الاميركي من العراق، العلاقات الاميركية ـ الشرق أوسطية، الإجهاض، حقوق المثليين، الرعاية الصحية وكذلك العلاقات الاميركية ـ الإسرائيلية والدعم الاميركي لإسرائيل.


قضايا الهجرة على أجندة الديمقراطيين
عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، ارتبطت قضية الهجرة بشقيها القانوني وغير القانوني بمفهوم الأمن القومي الاميركي، بحيث أصبح من الصعوبة بمكان الفصل بين القضيتين اللتين أصبحتا متلازمتين. فقد أفادت الهجرة الولايات المتحدة كقوة عمل وفي خلق أفكار جديدة، وكذلك إثراء المجتمع الاميركي، وكانت القوة الدافعة بها إلى الساحة الدولية، وتعزيز مكانتها عالمياً، ولاسيما في المجال الاقتصادي.
وانطلاقا من تلك الأهمية، أضحت قضية الهجرة على أجندة المتنافسين للوصول إلى المكتب البيضاوي. وفي المقال السابق تناولنا مكانة تلك القضية على أجندة المتنافسين الجمهوريين، وفي هذا المقال سوف نسعى إلى كسف مكانتها على أجندة ثلاثة من المتنافسين الديمقراطيين، والذي يتوقع أن يُحسم الصراع والتنافس الانتخابي إلى أحدهم.

باراك أوباما

ينطلق "باراك أوباما"، السيناتور عن ولاية " إلينوي "، والذي صعد نجمه في الآونة الأخيرة، من أن قضية الهجرة أضحت من أحد القضايا التي تؤرق الناخب الاميركي، والأوساط الرسمية. ويقول على موقعه الإلكتروني الخاص بحملته الانتخابية، أن السياسيين نجحوا في استخدام قضية الهجرة في شرذمة الرأي العام الاميركي، وليس من أجل البحث عن حل لتلك القضية، التي ازدادت حدتها في الآونة الأخيرة، في الوقت الذي يقيم على الأراضي الاميركية ما يقرب من 12 مليون مهاجر غير شرعي، لا يحملون وثائق قانونية تمنحهم الإقامة القانونية.وما يزيد من خطورة تلك القضية من وجهه نظره، أنه يدخل الولايات المتحدة الاميركية سنوياً ما يقرب من 500 ألف إلى 800 ألف بصورة غير قانونية، فضلاً عن، مليون شخص بصورة قانونية. وأن هؤلاء المهاجرين يأتون بعائلاتهم ليعيشوا في الظل داخل اميركا، كما أن بعض أطفالهم يولدون على الأرض الاميركية.

ولهذا دعا أوباما إلى ضرورة الترفع عن تلك الانقسامات الداخلية؛ من أجل تعزيز الأمن القومي الاميركي، بل والاقتصادي، حيث يعتمد الاقتصاد الاميركي بصورة كبيرة على هؤلاء المهاجرين الذين يعملون في الظل. ومن أولي الخطوات التي يُؤكد عليها "أوباما" لمواجهه تلك الظاهرة، تعزيز الحدود الاميركية أمنياً، باعتبارها الوسيلة المثلي للتحكم ولمعرفة من يدخل ويخرج من الأراضي الاميركية، والتي ترتبط بصورة قوية بمبدأ السيادة الوطنية الاميركية. ولذلك فقد دعم قانون تشييد سياج أمني على الحدود الاميركية (Secure Fence Act 2006)، والذي بمقتضاه خصص الكونجرس 1.1 مليار دولار لتشييد ما يقرب من 700 ميل سياج أمني على الحدود الاميركية - المكسيكية. ويؤيد أيضاً زيادة عدد أفراد خفر الحدود، وتزويدهم بكافة الوسائل التكنولوجية الحديثة، وكذلك تطوير أبنيتها التحتية؛ لتحسين عملية الإشراف والمراقبة الحدودية.

وعلي الرغم من زيادة عدد أفراد حراسة (خفر) الحدود بمعدل الثلاثة أضعاف ما بين عامي 1990 و 2005، إلا أنه في الوقت ذاته ازداد عدد المهاجرين غير الشرعيين بمعدل الضعف، وثلاثة أضعاف بالنسبة للمتوفين خلال عبور الصحراء الاميركية، وذلك حسب تقديرات مركز التقدم الاميركي (Center For American Progress).

ويدعو لنظام صارم للعمالة بالولايات المتحدة، انطلاقاً من رؤيته من عدم وجود مثل هذا النظام، والذي يحدد من يحق له العمل بصورة قانونية، وكذلك فرض عقوبات صارمة على أصحاب العمل الذي يسمحون بعمل المهاجرين غير الشرعيين؛ لانخفاض أجورهم وعدم مطالبتهم بحقوقهم.
وبمساندة عدد من زملائه بمجلس الشيوخ، أمثال السيناتور الجمهوري عن ولاية "أيوا" " تشارلز جراسلي " "Charles Grassley"، والسيناتور الديمقراطي عن ولاية "ماساتشوستس" "تيد كينيدي" "Ted Kennedy"، والسيناتور الديمقراطي عن ولاية "مونتانا" "ماكس بوكوس" "Max Baucus"، قدم مشروع قانون لمجلس الشيوخ لفرض المزيد من العقوبات والقيود على أصحاب العمل؛ للتأكد من أنهم يعينون من يملكون الحق القانوني للعمل بالولايات المتحدة.وفي إطار السعي لتأكيد تمتع بعض المهاجرين بالحماية الاجتماعية، صوت "أوباما" بالموافقة على "قانون التنمية والإغاثة والتعليم للمهاجرين القصر" "Development, Relief and Education For Alien Minors Act"، والذي يعطي المهاجرين غير الشرعيين بالولايات المتحدة الحق في التعليم العالي، وكذلك إعطاء الحق لوزير الأمن الداخلي لمنح حق الإقامة القانونية للمهاجرين الطلاب الذين جاءوا إلى واشنطن بطرق غير قانونية.

هيلاري كلينتون

تُعتبر "هيلاري كلينتون"، من أشد منافسي أوباما على تسمية الحزب الديمقراطي للمنافسة على المكتب البيضاوي، وفيما يتعلق بقضية الهجرة، تري "هيلاري" أنه بعد الأحداث الإرهابية التي تعرضت لها واشنطن ونيويورك، ظهر إخفاق السلطات الاميركية في تحديد من دخل وخرج من الولايات المتحدة خلال تلك الفترة.

ولمواجهة تنامي عدد المهاجرين غير الشرعيين، أكدت على أهمية معالجة تلك القضية من كافة جوانبها، التي ترتبط بصورة أساسية بتأمين الحدود الاميركية، ولاسيما المشتركة مع المكسيك باعتبار أن الأخيرة هي المصدر الأساسي للمهاجرين غير الشرعيين.

ولهذا فقد صوتت بالموافقة علي قانون السياج الأمني لعام 2006، وكذلك على قانون الإصلاح الشامل للهجرة لعام 2006 أيضاً "Comprehensive Immigration Reform Act 2006"، والذي يدعو إلى أن يكون هناك برنامج عمل للعاملين الزائرين "Guest Workers Program"، والذي يُعد الطريق لتمتع المهاجر الذي قضي ما يقرب من خمس سنوات عمل بالولايات المتحدة بحقوق المواطنة.

وتدعو أيضا إلى صياغة تشريع لحل قضية الهجرة هذا العام؛ لأنه في حال عدم النجاح في صياغته هذا العام، فإنه سوف يؤجل إلى عام 2009 نظراً لانشغال الكونجرس بعدد من القضايا الحيوية، والتي لا تقل أهمية عن قضية الانسحاب الاميركي من العراق في ظل التأزم الاميركي هناك. وأن العام القادم (2008) سوف يكون عام انتخابي تنافسي بين المرشحين للبيت الأبيض.

وفي 26 ابريل الماضي صوتت "هيلاري" بالموافقة على قانون تحسين الأحوال الصحية لأطفال المهاجرين الشرعيين "Legal Immigration Children's Health Improvement Act "، والذي يعمل على التأكيد على ضرورة الاستفادة من الخدمات الصحية خلال فترات الانتظار للحصول على حقوق المواطنة الاميركية، والتي تصل في بعض الأوقات إلى خمس سنوات. وضرورة استفادة المهاجرين من نظام الأمن الاجتماعي المعمول به في الولايات المتحدة.

ولمواجهة تزوير وثائق الإقامة والهجرة، دعت "هيلاري" إلى فرض عقوبات وإجراءات صارمة على من يمنحون المهاجرين غير الشرعيين وثائق مزورة؛ للإقامة بالولايات المتحدة الاميركية. وتدعو أيضاً إلى بذل المزيد من الجهود لإنجاح تعامل المجتمع مع تحديات تلك الظاهرة، التي أصبحت منتشرة في المجتمع الاميركي، والتعامل مع هؤلاء كمسلمة قائمة، تفرض العديد من التحديات، والذين وصل عددهم على أقل تقدير إلى 12 مليون مهاجر غير شرعي.

بيل ريتشاردسون

يتميز "بيل ريتشاردسون"، حاكم ولاية "نيو مكسيكو"، عن باقي المتنافسين الديمقراطيين، بأنه قد تعامل مع قضية الهجرة بصورة عملية وواقعية خلال فترة عمله كحاكم لولاية "نيو مكسيكو" المتاخمة للحدود المكسيكية. ولذا يقول على موقعه الانتخابي الالكتروني، أنه الأجدر بالتعامل مع تلك القضية، وأنه ليس في حاجة إلى تعلم كيف يتعامل مع القضايا الحيوية التي تؤرق الناخب الاميركي؛ لأنه تعامل معها أثناء فترة حكمه للولاية. ويضيف أنه سيسعى للبحث عن حل شامل لقضية الهجرة والعمل على صياغة سياسة لحلها على درجة عالية من الكفاءة والفاعلية، آخذة بعين الاعتبار البعد الإنساني في تلك القضية.
ويري أن تشيد سياج أمني ليس الحل الأمثل لقضية الهجرة، ولذلك عارض قانون السياج الأمني المزمع إنشائه على الحدود الاميركية - المكسيكية.
قضايا الهجرة على أجندة الديمقراطيين

ويُطالب بتوعية أصحاب العمل بمخاطر العمالة التي لا تحمل أوراقاً قانونية، وفرض عقوبات صارمة على من يسمح بتشغيل العاملين غير القانونيين، وهو ما أكد عليه منافسه "أوباما"، وصياغة تشريع صارم للتعامل مع كافة أوجه الظاهرة كما دعت "هيلاري". وعلى الرغم من معارضته للسياج الأمني إلا أنه يدعو إلى زيادة عدد أفراد حرس الحدود الاميركية، وتزويدهم بأحدث الأجهزة والتكنولوجيا الحديثة في مجال المراقبة والإشراف. فضلاً عن، الفحوصات الطبية ومراجعة خلفيات المهاجرين الراغبين في العمل قبل السماح لهم بالإقامة بالولايات المتحدة، وأن تكون مدة العمل ثلاث سنوات والتي يمكن مدها إلى ثلاثة أخري. وإذا لم يجد العامل عملاً في غضون 45 يوماً يتوجب عليه العودة إلى وطنه الأصلي، وأن عدد العاملين الزائرين المسموح بهم يتحدد وفقا لاحتياجات الاقتصاد الاميركي، وأن يتم تشغيلهم في الوظائف التي لا يرغب فيها الاميركيون.

ويُطالب بالعمل مع المكسيك ودول اميركا اللاتينية من خلال منظمة الدول الاميركية "Organization Of American States "؛ للبحث عن الأسباب الكامنة وراء تصدير تلك الدول للمهاجرين غير الشرعيين، وهو ما أكد علية "جون مكين" "John McCain" المنافس الجمهوري في السابق الانتخابي. ويري "ريتشاردسون" أن المكسيك قد تعاونت معه في وقف تجار المخدرات والمهاجرين غير الشرعيين إلى ولاية "نيو مكسيكو" التي يحكمها.

في التحليل الأخير نخلص إلي، أنه رغم السياسة التي تتبعها الإدارة الحالية التي أدت إلى تراجع المكانة الاميركية دولياً، وتزايد الغضب الشعبي العربي والغربي بل والعالمي لواشنطن، إلا أنها ستظل مصدراً لجذب المهاجرين. ولذا أصبحت تلك القضية على أولويات الأجندة الانتخابية للمتنافسين على المنصب الرئاسي في ظل ارتباطها بقضية الأمن القومي الاميركي، والاتفاق بين المتنافسين الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء، على أهمية تعزيز الحدود الاميركية، والعمل على صهر المهاجرين في البوتقة الاميركية، من خلال تعليمهم اللغة الإنجليزية، والثقافة والتاريخ الاميركيين؛ لتجنب مشاكل الأقليات التي تعاني منها الدول الأوربية. فإصدار قانون جديد للهجرة يُعتبر واحداً من الركائز الأساسية في السياسة الداخلية لأي رئيس أمريكي بصرف النظر عن انتمائه الحزبي.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف