أخبار

مجموعات التكفير تعاود الظهور في مصر

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
أقل الحركات عددًا وأكثرها شراسة وتطرفًا
مجموعات التكفير تعاود الظهور في مصر

نبيل شرف الدين من القاهرة:
أعادت واقعة إلقاء القبض على مجموعة أصولية جديدة في مصر، وصفت بأنها تنتمي إلى تنظيم ''التكفير والهجرة''، وأنها كانت تخطط لتفجير مركز "ابن خلدون للدراسات الإنمائية"، الذي يديره الناشط السياسي المعروف الدكتور سعد الدين إبراهيم بوساطة سيارة مفخخة، أعادت فتح ملف جماعات التكفير في مصر، وقد عاودت الظهور مجددًا، بعد أن ظن كثيرون أنها اندثرت تمامًا. ووفقًا لما تسرب من معلومات عن التحقيقات الأولية التي تجريها نيابة أمن الدولة العليا في مصر، فإن هذه المجموعة سعت إلى إحياء أفكار تنظيمات ''التكفير'' وتأسيس ما أسموه ''جيش محمد'' وتعلم طرق تصنيع متفجرات للقيام بأعمال عنف، وأكدت التحقيقات أن معظم عناصر هذه المجموعة تتلمذوا على يد داعية سلفي شهير في مصر، وهي المسألة التي تفحصها سلطات التحقيق وأجهزة الأمن حاليًا. يأتي هذا في الوقت الذي انحسر فيه دور تنظيم "الجماعة الإسلامية" ـ أكبر الجماعات الأصولية المتطرفة في مصر ـ وتفككت أوصاله وقواعده الشعبية بفعل جهود أمنية متراكمة عبر سنوات وإثر سلسلة من المبادرات أفضت إلى تبني قادته التاريخيين لأفكار تناقض الأسس التي قام عليها التنظيم بداية. كما تراجع أيضًا تنظيم "الجهاد" بعد تضافر الملاحقات المحلية في مصر مع أخرى دولية تصاعدت بعد ارتباط قادة "الجهاد" بشبكة "القاعدة" التي يقودها أسامة بن لادن، لكن جماعة "التكفير والهجرة" عاودت الظهور مجددًا على الساحة المصرية بعد اختفاء دام سنوات، إذ ألقي القبض على هذه المجموعة الجديدة، وهي الثانية التي يقبض عليها من ذات الجماعة في غضون شهور، إذ سبق أن اعتقلت السلطات 15 شخصًا ينتمون الى الجماعة ذاتها. ومن المعروف أن جماعة "التكفير والهجرة" المحظورة أسسها شكري مصطفى في العام 1973 باسم "جماعة المسلمون" وهي أول من أقر ما يسمى "استحلال الاموال"، وخاصة أموال المسيحيين، وتكفير المجتمع بأكمله، كما تدعو هذه الجماعة الى "هجرة المجتمع لأنه ما زال في مرحلته المكية ولم يدخل المرحلة المدنية بعد" في اشارة الى بدايات الإسلام الأولى، على حد تفسيراتهم. التكفير والإخوان
وتشير وثائق أمنية وقضائية مصرية إلى أن تيار التكفير نشأ بداية داخل السجن الحربي عام 1965 على يد الشيخ علي عبده إسماعيل وهو أحد أقطاب جماعة (الإخوان المسلمين) من الرعيل الثاني الذين تحمسوا لأفكار سيد قطب التي تدور في مجملها حول التأصيل الفكري لمفاهيم أصبحت فيما بعد ثوابت وأدبيات هذه التنظيمات والجماعات، ومنها على سبيل المثال مفاهيم مثل: الحاكمية، وجاهلية المجتمع، والمفاصلة الشعورية، وتغيير المنكر بالقوة وغيرها، ثم عدل على عبده إسماعيل، وعاد للإخوان مرة أخرى متأثراً هذه المرة بالآراء المعتدلة لحسن الهضيبي المرشد العام للإخوان المسلمين حينئذ، التي طرحها في كتابه الشهير "دعاة لا قضاة"، فأعلن داخل السجن عدوله عن منهج التكفير حينما خلع جلبابه وأحرقه قائلاً : "أُشهد الله أنني تخليت عن أفكار التكفير كما تخليت عن ثوبي هذا تمامًا"، لكن تلميذه شكري مصطفى لم يقتنع بهذا التحول، وظل على قناعاته بأفكار التكفير وسار في الاتجاه المعاكس لمعلمه، فانشق على جماعة الإخوان، وتشدد في أحكام التكفير، وتوسع في مفهوم (المفاصلة الشعورية) التي تعني الانفصال عمليًا ووجدانيًا عن المجتمع وهجرته، وقد كان بروز هذه الجماعات المتعددة على يديه ومن عباءة جماعته الأم "المسلمون" التي تحولت لاحقًا إلى مدرسة في فكر "التكفير" تظهر وتختفي بين الحين والآخر، لكنها لا تندثر نهائيًا.مدرسة "التكفير" لم يكن مجرد جماعة أو تنظيم بل مدرسة فكرية وحركية قائمة بذاتها، كانت الأولى بين كل الجماعات الأخرى التي تعاقب ظهورها في مصر والمنطقة العربية بأسرها، وقد انشقت ـ وفقًا لعديد من المحللين ـ مباشرة على الجماعة الأم "الإخوان المسلمون" مباشرة ودون المرور بأي حلقات وسطى ، ونشأ على يد الإخواني المنشأ شكري مصطفى الذي تبنى في البداية المنهج الفكري لسيد قطب ثم عمد إلى تأصيل منهجه الفكري الخاص به في مؤلفه الشهير "الخلافة" وما إن خرج من السجن حتى أنشأ جماعته التى أطلق عليها "جماعة المسلمون" التي إشتهرت إعلاميًا بـجماعة "التكفير والهجرة" لكنها ما لبثت أن أجهضت تنظيميا عقب إختطافهم للشيخ حسين الذهبي وزير الأوقاف الأسبق، وقتله بعد محاولة مساومة السلطات على تلبية مطالب لم يكن ممكنًا الرضوخ لها ، وهكذا إنتهت تلك الجماعة واندثرت من على الساحة منذ ذلك الوقت، بينما ظلت أفكارها الفقهية والحركية كمدرسة رائدة للتكفير خرج من بين ثناياها عدة جماعات تحمل مسميات مختلفة وتسلك المنهج الفكري والحركي نفسه الذي يقوم على السرية التامة والمرحلية في النشاط والتدرج في الإنتشار وفقاً لمفاهيمهم المتعلقة بالتحرك على مراحل ثلاث هي : 1- الدعوة :
وتتمثل في نشر دعوتهم بشكل سلمي ومكثف وبطريقة هادئة داخل قطاعات محددة بغرض توسيع قاعدة الجماعة والإنتشار الأفقى لضم من يرونه صالحًا للإنضواء تحت رايتهم بعد أن يجتاز عددًا من الإختبارات الدقيقة الصعبة التي تحتم على العنصر أن يثبت ولاءه التام لأمير الجماعة ولا يناقشه في ما يصدر إليه من تكليفات، فبعد أن يبايع العضو أمير الجماعة على السمع والطاعة يفقد إرادة القبول والرفض ويتحول لمجرد أداة عمياء في يد الأمير الذي يصبح بوسعه التدخل في كل شئونه العامة والخاصة وعليه أن يقاطع أهله ويمتنع عن العمل سواء لدى الدولة أو حتى العمل الحر. 2- الإستضعاف :
وفي هذه المرحلة يعتزلون المجتمع "الكافر" وينسحبون منه تمامًا سواء بالإقامة في الصحراء على النحو الذى حدث مع جماعة شكرى مصطفى فى بداية تكوين التنظيم ، أم داخل المدينة في الشقق المفروشة مع إعتزال كل الناس من الأهل والأقارب والأصدقاء، والانعزال عن المجتمع وعدم الإهتمام بقضاياه، ويرفضون التعامل مع أشخاصه ومؤسساته ويعيشون حياة بدائية للغاية تطبيقًا لمبدأ (المفاصلة الشعورية) الذي استلهمه شكري مصطفى من سيد قطب وقام بتأصيله حركيًا له، وهو يعني في أبسط تعريف له "الانفصال الشعوري" التام عن الوسط المحيط بعضو الجماعة، وخطورة هذه المرحلة أنها بمثابة عملية "غسيل مخ" جماعي لأعضاء التنظيم. 3- التمكين :
وهي المرحلة المرتقبة التي سيعودون فيها من هجرتهم للمجتمع "الكافر" فاتحين ومؤهلين للتصادم مع ذلك المجتمع بعد أن أصبحوا أقوى وأكثر عددًا وعدة وعتادًا، قياسًا على ما حدث مع المهاجرين الأوائل إبان الهجرات الأولى للحبشة ويثرب ثم عودتهم لمكة فاتحين، وفي هذه المرحلة يحدث تحول كبير في سلوك أعضاء الجماعة حيث يبيحون أرواح وأموال وأعراض كل من يخالفهم في ما يعرف داخل هذه الجماعة بفتوى الاستحلال. وعقب تفتت جماعة المسلمين - التكفير والهجرة - تفرق أعضاؤها في دروب شتى بين الإنخراط في صفوف السلفيين أو الجماعة الإسلامية أو الإخوان أو حتى الكف عن النشاط الحركي تمامًا، إلا أن مدرسة التكفير عادت للظهور مرة أخرى عام 1987 على يد كل من : مجدي الصفتي ومحمد كاظم ويسري عبد المنعم، الذين إستطاعوا تجنيد عشرات الأعضاء الجدد فيما عرف آنذاك بجماعة "التوقف والتبين" التي أشتهرت إعلامياً باسم "الناجون من النار". ويعتمد فكر هذه الجماعة منهج التكفير بأسلوب يتسم بالإمعان في السرية وتوخي الحذر والتحرك في دوائر مغلقة، ونتيجة لذلك لم تتمكن أجهزة الأمن آنذاك أن ترصد وجود أو نشاط هذه الجماعة إلا بعد قيام أعضائها بتنفيذ عدة عمليات كان أبرزها محاولات إغتيال الصحافي مكرم محمد أحمد، رئيس تحرير مجلة "المصور" سابقًا، ووزيري الداخلية السابقين حسن أبو باشا والنبوي إسماعيل، وتخبطت أجهزة الأمن حينذاك كثيرًا في تحديد هوية مرتكبي تلك الجرائم حتى انكشف أمر تلك الجماعة مصادفة، وتم إلقاء القبض على قادتهم في حادث قرية "الخرقانية" الشهير الذى لقي فيه كاظم مصرعه وتمكن حينئذ مجدي الصفتي من الفرار ولم يضبط إلا بعد ذلك بسنوات.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف