مؤتمر للسلام أو لخريف غضب جديد؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
أسامة العيسة من القدس
بعد نحو عشرة أيام سيلتقي محمود عباس (أبو مازن) رئيس السلطة الفلسطينية، وايهود اولمرت رئيس الوزراء الإسرائيلي، ضمن سعيهما للاتفاق بشأن القضايا التي سيبحثها مؤتمر الخريف الذي دعا إليه الرئيس الأميركي جورج بوش، ولكن التصريحات والتسريبات التي تخرج من المعسكرين تشير إلى أن الغموض ما زال يلف المؤتمر وهدفه واجندته، وان لكل من الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني توقعات مختلفة من المؤتمر.
ورغم ذلك بدأت طواقم من الجانبين اجتماعات، لبلورة مسودة اتفاق إسرائيلي-فلسطيني، كما يريد الفلسطينيون، واعلانا عاما كما يريد الإسرائيليون، ليتبناه أبو مازن واولمرت، رغم ما يحيط من غموض بشأن المؤتمر، خصوصا بالنسبة إلى الفلسطينيين واطراف عربية فاعلة على الأقل. وقال أبو مازن، ان الجانب الفلسطيني يسعى إلى وضع وثيقة تعالج القضايا الرئيسة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وذلك من أجل إنجاح المؤتمر.
واضاف أبو مازن انه "يجب وضع الأمور في صورة تفاؤلية أو إيجابية، وهي اننا نسعى إلى معالجة القضايا العالقة، لأنها مهمة لنجاح مؤتمر السلام". وحسب أبي مازن، فان اللجنة المشتركة الفلسطينية الإسرائيلية، ستعمل على "وضع مسودة لما يمكن أن نسميه وثيقة، أو ما يسميه الإسرائيليون إعلانا، والمفروض أن تشتمل هذه الوثيقة القضايا الكبيرة، التي يجب أن نعالجها في المؤتمر أو بعده".
ولكن أبا مازن، يدرك اكثر من غيره، وهو الذي التقى اولمرت ست مرات، لم تفض إلى شيء، غير تمتعه بالضيافة الدافئة لعيلزا اولمرت، زوجة رئيس الوزراء الإسرائيلي اليسارية، انه يحتاج إلى دعم دولي، لمطالبه من المؤتمر الدولي، وهو ما طلبه من توني بلير، مبعوث اللجنة الرباعية لعملية السلام.
وقال نبيل أبو ردينة، الناطق باسم أبي مازن، ان رئيسه يرى بأنه يجب تحديد جدول زمني، والحفاظ على مرجعية عملية السلام، والدخول في مفاوضات جدية حول قضايا الحل النهائي.
واضاف أن إنجاح مؤتمر الخريف "يتطلب الوصول إلى وثيقة أو إطار، يمكن تفسيره بأنه الخطوات الأولى نحو عملية السلام، ويجب الإسراع في مفاوضات جدية لأنه لم يتبق الكثير أمام مؤتمر الخريف الذي يشكل امتحانا لمصداقية الإدارة الأميركية والمجتمع الدولي".
وقال الدكتور صائب عريقات، رئيس دائرة المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية، ان السلطة الفلسطينية لم تتلق دعوة رسمية للمشاركة في المؤتمر العتيد، ولا تعرف ما هي الدول التي ستشارك فيه، وهو ما كان صرح به أيضا الرئيس المصري حسني مبارك، الذي قال ان دولته لم تدع حتى الان للمشاركة في المؤتمر ولا تعرف جدول أعماله، وهو ما حدث أيضا بالنسبة إلى دول عربية أخرى لم تتلق حتى الان أي دعوات لحضور المؤتمر، واعرب عن استغرابه من استمرار اسرائيل في اجراءاتها كالاستيطان ومصادرة الاراضي، معتبرا ان هذا يشكل تناقضا مع اهداف مؤتمر الخريف.
ولكن يبدو أن الدكتور رياض المالكي، وزير الإعلام في الحكومة الفلسطينية، لديه معلومات اكثر حول المؤتمر، وتحدث المالكي، عن خطوات عملية ستنتج من المؤتمر، ومفاوضات جدية ستنطلق بعده للوصول إلى اتفاق فلسطيني-إسرائيلي، خلال ستة اشهر.
وبدا ما صرح به المالكي، غريبا للمتابعين، خصوصا وان الراعي الأميركي للمؤتمر، لم يعلن حتى الان أي تفاصيل أو حتى جدولا لأعماله، وهو ما جعل الفلسطينيون يعبرون عن خشيتهم من فشل متوقع للمؤتمر على غرار ما حدث في مؤتمر كامب ديفيد 2 عام 2000، وفي عهد سلف بوش، الرئيس الأميركي الاسبق بيل كلينتون.
أما احمد قريع (أبو العلاء) رئيس الطاقم الفلسطيني التفاوضي، فقال ان الهدف من اجتماعات الوفدين الفلسطيني والإسرائيلي، هو بحث قضايا الوضع النهائي، كما حددها اتفاق أوسلو، وهي القدس، واللاجئين، والحدود، والاستيطان.
واوضح أبو العلاء، انه في حالة عدم نجاح الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، في التوصل إلى صيغة نهائية لبيان مشترك بين الجانبين، قبل موعد المؤتمر في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، فانه من المحتمل أن لا يشارك الفلسطينيون في هذا المؤتمر.
وحث ابو العلاء، اسرائيل، على التراجع عن قرارها بمصادرة 1100 دونم من اراضي ثلاث قرى محيطة بالقدس، معتبرا ان ذلك يقوض فرص نجاح مؤتمر الخريف.
أما الطيب عبد الرحيم أمين عام الرئاسة الفلسطينية، فقال ان الجانب الفلسطيني سيبذل كل جهده من اجل إنجاح المؤتمر، وان على الجانب الإسرائيلي أن يبذل أيضا هذه الجدية، مؤكدا أن المؤتمر يجب أن يرتكز إلى الشرعية الدولية، والمبادرة العربية، وخارطة الطريق.
والتخوفات التي تطل من بين السطور في تصريحات قيادات السلطة الفلسطينية، عبر عنها بشكل واضح حافظ البرغوثي، رئيس تحرير صحيفة الحياة الجديدة اليومية، المقربة من أبي مازن.
وكتب البرغوثي تحت عنوان (مؤتمر الخراريف) بأنه توجد رغبة إسرائيلية في أن لا يتمخض المؤتمر "عن شيء عملي لأن وجهة نظر ايهود اولمرت انه يريد من مؤتمر الخريف أن يكون مؤتمر الخراريف والعلاقات العامة ليس إلا دون أي التزامات".
وقال البرغوثي إنه توجد "رغبة فلسطينية في إنجاح مؤتمر الخريف لأن فشله يعني فشلا دوليا يليه خريف من الغضب وزمهرير الشتاء. وحتى الآن لم نر أي بادرة إسرائيلية جادة في التعامل مع المؤتمر بجدية حقيقية بل هناك محاولات لتخفيض سقف التوقعات من المؤتمر بحجة أن الوضع الداخلي الإسرائيلي غير مهيأ وان ثمة قوى من اليمين تهدد بالانسحاب من الحكومة... الخ من الأعذار الأقبح من ذنب. وهذا كله ليس مبررا للهروب من العملية السلمية وتجريدها من مضمونها الشامل ومن مرجعياتها وجدول أعمالها".
وتتخذ حركة المقاومة الإسلامية (حماس) موقفا حادا من مؤتمر الخريف الذي تطلق عليه صفة "لقاء الخريف" للتقليل من شأنه. وفي حين حذر إسماعيل هنية، رئيس الوزراء الفلسطيني المقال، الدول العربية التي ستشارك في المؤتمر من إعطاء تغطية لما اسماها تنازلات فلسطينية جديدة لإسرائيل، دعا سامي أبو زهري، الناطق باسم الحركة الأطراف العربية إلى مقاطعة المؤتمر و"اتخاذ مواقف حاسمة لحماية القضية الفلسطينية من التصفية والشطب".
وقال أبو زهري، مشيرا الى تصريحات لاولمرت قلل فيها من اهمية المؤتمر "إننا في حركة حماس في ظل هذه التصريحات الصريحة حول عدم جدية الاحتلال واستمراره في المراوغة والمناورة، ندعو قيادة السلطة إلى إعادة تقويم موقفها حول المشاركة في لقاء الخريف، لأن الذهاب إلى هذا اللقاء في ظل هذه التصريحات والمواقف الإسرائيلية يمثل مساهمة في تصفية القضية الفلسطينية".
وستصل وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس، التي تلعب دور عراب المؤتمر، إلى إسرائيل والأراضي الفلسطينية في وقت لاحق، يسبقها مساعدها ديفيد وولش، لتقليل الفجوات في المواقف بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.
وفي حين يبدو ان الفلسطينيين حائرون بشأن المؤتمر، من الرغبة في أن يكون مؤتمرا حقيقيا للسلام، مع عدم الثقة من ذلك، أو رفضه كما هو موقف حركة حماس والقوى الحليفة لها، فان إسرائيل تسعى إلى خفض ما تسميه سقف التوقعات من المؤتمر.
وحسب المصادر الصحافية الإسرائيلية، فان إسرائيل تسعى للتوصل إلى بيان عام، وليس إلى وثيقة مفصلة كما يأمل الفلسطينيون. وبعد هذا البيان العام، ترى إسرائيل انه سيكون من الممكن الخوض في مفاوضات سياسية مكثفة حول المواضيع الجوهرية بما فيها الحدود، واللاجئين، والقدس، وغيرها.
وتتخذ إسرائيل موقفا من مشاركة سوريا في المؤتمر، الذي لا يعرف أحد إذا كانت ستدعى إليه أم لا، وقال اولمرت، ان موضوع الجولان لن يطرح في المؤتمر.
ويتابع اولمرت، التحضيرات للمؤتمر، بينما يخضع لتحقيق شرطي يتعلق بضغط مارسه في عطاء بيع بنك لئومي الاسرائيلي، وهو ما يمكن ان يكون مؤشرا على المكانة التي توصف بانها ضعيفة لاولمرت داخل اسرائيل، وهو ما يزيد من التشاؤم الفلسطيني حول عدم قدرة رئيس الوزراء الاسرائيلي من اتخاذ قرارات حاسمة وجدية في مسيرة السلام.
ورغم أن المبعوثين الأميركيين إلى المنطقة قدموا تطمينات إلى الفلسطينيين وأطراف عربية، بان الرئيس الأميركي اكثر جدية من أي وقت مضى، لان يشكل المؤتمر رافعة لطرحه حول الدولتين، إلا أن ايا من المراقبين ليس لديه الثقة للحسم إذا كان المؤتمر العتيد، سيشكل انطلاقة حقيقية لعملية سلام حقيقة، أم أن الفشل سيكون بانتظاره، ما سيجعل تكرار السيناريو الذي أعقب مؤتمر كامب ديفيد، أمرا ليس بعيد الحدوث، وتكون المنطقة على موعد مع عواصف جديدة.