أخبار

مشرف ومستقبل باكستان مهددان

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

في ظل ترحيب دولي وإسرائيلي باعادة إنتخابه
مشرف ومستقبل باكستان مهددان

عبد الخالق همدرد من اسلام اباد: فرح العالم الخارجي وحتى إسرائيل بإعادة انتخاب الجنرال برويز مشرف رئيسًا لباكستان لولاية أخرى، حيث هنأ الرئيس الإسرائيليمشرف في سابقة هي الأولى من نوعها، حسب إذاعة الـ بي بي سي، وذلك على الرغم من عدم وجود أي نوع من العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين، كما وأن الجواز الباكستاني يمنع المواطن من السفر الى إسرائيل. أما على الصعيد الداخلي، فلم يرحب عدد هائل من الشعب الباكستاني باعادة انتخاب مشرف كمارحّب العالم الخارجي ولا سيما القوى الكبرى التي لا تفوتها أي فرصة للتدخل في شؤون الآخرين، حيث إن تأييدها لكل زعيم يحافظ على مصالحها دون اعتبار لكونه "عسكريًا" أو مدنيًا، على الرغم من تبويقها لنشر الديمقراطية. هناك ثلاثة محاور أساسية يدور حولها نجاح مشرف على المستوى الداخلي: الوضع الداخلي من ناحية الأمن والإستقرار والوضع السياسي في البلاد والسياسة الخارجية لباكستان.

وإذا نظرنا إلى وضع الأمن الداخلي، فهو حتما سينحدر من سيئ إلى أسوأ مع كل يوم يمضي من فترة حكمه، حيث كسب سمعة زعيم علماني وبالتالي معارض للإسلام، كما أنه يبدو للشعب في إقليم الحدود الشمالية الغربية وبلوشستان ممثلاً للغرب العلماني. والتبرير لذلكعمليات دهمهالمدارس الإسلامية، وإجراءاته الصارمة ضد المجتمع الملتزم، ودوره كمراقب للمصالح الأميركية. كما أن استخدامه للقوة الهمجية ضد القبائل في حرب الولايات المتحدة على الإرهاب يدفع إلى عدم القبول به هناك. وكل تلك العمليات التي أجريت في مناطق القبائل قد أدت إلى كراهية للجيش الباكستاني لأول مرة فبدأت عمليات عسكرية عليه. وتعرضت القوات المسلحة للهجمات بالصواريخ ونصب الكمائن لها وعمليات انتحارية ضدها، وحتى داخل ثكنات عكسرية ذات حراسة مكثفة، ويبدو كأنها تفقد سمعتها كحامية البلاد.

ومن جهة أخرى، فإن التمرد على الجيش أخذ يتوسع من منطقة إلى أخرى حيث وصل إلى منطقة سوات وبعض مناطق السلطة الكاملة لإقليم الحدود الشمالية الغربية، بعد أن كان منحصرًا في بعض المناطق القبلية السبع التي تتاخم الحدود الأفغانية. وهذا ما دفع القوى المعارضة لمشرف لبث نفوذها في كثير من مناطق الإقليم. وبالتالي أخذ دور الأجهزة الأمنية وهيبة الحكومة تتضاعف، ما ترك المواطن يتكبد المشاكل لوحده.

أما في إقليم بلوشستان، فإن استخدام القوة الهمجية ضد البلوش واغتيال رئيس قبيلة بكتي نواب محمد أكبر خان في هجوم مستهدف قد منح رصيفًا لاحتشاد العناصر التي تشعر بالحرمان. وقد أخذ بعضهم يفكر في الانفصال عن باكستان كخيار مستقبلي. وهكذا تورطوا في مواصلة نضال مسلح ضد الفدرالية والجيش الباكستاني مدعومين من القوى الخارجية.

ولا يخفى على أحد دور أفغانستان والهند في هذا الصدد، حيث اعترف حاكم ولاية قندهار أقرب الولايات الأفغانية إلى بلوشستان بإيواء عدد من اللاجئين البلوش. وبعضهم من المطلوبين لدى باكستان في قضايا التمرد على القوات المسلحة. وقد بلغ وضع بلوشستان إلى حد لم يعد يستطع معه مشرف كسب قلوب شعبه مع تفضيله لذلك الإقليم على الأقاليم الأخرى في التطوير الاقتصادي بصرف 124 بليون روبية على مشاريع عملاقة للتنمية هناك. وهذا المبلغ الهائل لم تصرفه أي حكومة باكستانية سابقة في ذلك الإقليم.

ويبدو من سياسة مشرف أن لبلوشستان مساحة واسعة وسكانا قليلين ومتوزعين على قبائل في مناطق لا تربط بينها صلة؛ وبذلك لن يتمكنوا من بدء حركة للانفصال عن باكستان؛ بيد أن تلك السياسة تصادف الفشل. وهنا لا تفوتنا الإشارة إلى أن عددًا قليلاً من السكان في منطقة دارفور الشاسعة قد حوّل مشكلة سودانية داخلية إلى قضية دولية بالدعم الأميركي. ومن هذا المنطلق من الممكن جدًا أن تشعل التحالف الهندي الأميركي حركة انفصالية في بلوشستان مستفيدًا بتواجده على التراب الأفغاني.

أما من الناحية السياسية، فإن الحكومة قد عاملت القانون والدستور معاملة دفع المواطن العادي غير السياسي وغير الحزبي إلى التفكير بأن هذه البلاد لا يستطيع ان يحكمها إلا الحكام العسكريون. ويدل ذلك الانقلاب، على حكم نواز شريف ثم ترحيله إلى الخارج وأخيرًا إعادة ترحيله. وأضف إلى ذلك الإجراءات القانونية والدستورية التي اتخذت لتفيد شخصية واحدة. ويمكن أن نشير إلى إقالة قاضي القضاة وإدخال التعديلات في ضوابط الانتخابات وإصدار مرسوم المصالحة الوطنية المزعومة التي تعفو الفساد عن الكثيرين بينهم بينظير بوتو وآخرين؛ لكنه يستثني منه نواز شريف وأسرته. وبذلك لم تمنح حكومة مشرف هيبة ولا احترامًا للقانون ولا للدستور، بل جعلت منهما ورقة يلعب بها الجنرال كما يشاء دون أي رقيب أخلاقي.

والنقطة الثالثة هي السياسة الخارجية والدفاع عن البلد، وفي هذا الصدد يرى بعض المراقبين أن دفاع باكستان لم يكن أشد ضعفًا منه في عهد مشرف، حيث انتهج طريق المساومة مع الهند على حساب القضايا الوطنية، بدءًا بقضية جامو وكشمير إلى قضية سياتشن وحرب كارجل. وقد اعترف بنفسه خسارة "بعض القمم وبعض المناطق" في حق الهند خلال تلك الحرب. كما أنه عرض على الهند أن تحل قضية كشمير بغض النظر عن الاستفتاء الشعبي الذي ضمنته الأمم المتحدة؛ لكن الهند لم تقدم خطوة واحدة بل تمكنت من إقامة سياج على طول خط وقف إطلاق النار في جامو وكشمير مستفيدة من الأوضاع الراهنة. وكأن الهنود يعرفون أن سياسة مشرف لينة حول القضايا الوطنية.

ومن جهة أخرى، بدأ اختبار مشرف على جبهة أخرى لا حاجة إلى بيان التهديدات الأميركية لباكستان - على الرغم من قيامها بحرب بلا هوادة ضد المسلحين على أراضيها - إما تحت شعار الحرب على "الإرهاب " أم تحت تبرير احتمال وصول "الإرهابيين " إلى حيازة الأسلحة النووية الباكستانية.

اما من الناحية الاقتصادية فإن العجز التجاري وصل إلى 13 بليون دولار والغلاء تجاوز كل الحدود والديون المحلية والأجنبية تتراكم يومًا بعد يوم، والفقر يزيد مع مرور كل وقت كما أن البطالة لا تعرف التوقف حيث يشير ذلك الى اقتراب كارثة اقتصادية حقيقية.

ففي هذه الأوضاع، إلى أين ستتجه باكستان إذا ما دام حكم مشرف؟ يبدو أن البلاد لن تتحمل مشرف رئيسًا لولاية أخرى حيث إن بقاءه في الحكم يزيد من مخاطر تمزق البلاد بسبب العمليات العسكرية في إقليم بلوشستان وإقليم الحدود الشمالية الغربية. وهو يساوم على السياسة الدفاعية للبلاد، وإذا لم يتمكن من إصلاح شيء في الثماني سنوات الماضية، فإنه لن يتمكن من انجاز الاصلاحات في السنوات الخمس المقبلة، جراء سياساته التي لا ترضي سوى أميركا، كما يرى المراقبون.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف