أميركا تقايض منظومة الدفاع المضاد للصواريخ بإيران
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
واشنطن: بوسع الولايات المتحدة تغيير موقفها من نشر الدرع المضاد للصواريخ في أوروبا لو كفت إيران عن تخصيب اليورانيوم. أدلى بهذا التصريح المثير في بروكسل مؤخرا نائب وزيرة الخارجية الأميركية دانيال فريد. وأوضح فريد في غضون ذلك أنه يتعين على إيران وقف كافة أنواع العمل المتعلق بتخصيب اليورانيوم وبدء التعاون مع المجتمع الدولي و"تغيير اللهجة".
ومن الممكن اعتبار خطوة الدبلوماسية الأميركية هذه من صنف "الخطوات الهادئة". ففي حركة الجندي على رقعة الشطرنج من حيث أخذ مصطلح "الخطوة الهادئة" (أو "المهدئة") أو تراجع أي حجر آخر (بالعودة إلى الموقع السابق، مثلا، التي تبدو للوهلة الأولى اعترافًا بالخطأ) على الرغم من طابعها "المهدئ" تكمن كمية من السم. وهذا موجود في مقترح نائب وزيرة الخارجية الأميركية أيضًا.
ذلك أن رد الفعل الطبيعي عليه لا بد أن يبدأ بالتشكيك في آفاق المبادرة الأميركية وحيويتها وبالتالي في جديتها لأن الولايات المتحدة ستضطر إلى التعامل مع نظام آية الله الإيراني الذي لا يزال يعتبر البيض الأبيض وسياسته "شيطانًا كبيرًا"، ولذلك لا بد أن ينتظر مصير المبادرة الفشل مسبقًا.
لكن يكمن بيت القصيد في حقيقة الأمر في أن روسيا وليست الولايات المتحدة سيتعين عليها التعامل مع نظام آية الله في هذه الحالة. ذلك أن الحديث يدور من حيث الجوهر حول صفقة مقايضة يعرضها البيت الأبيض على الكرملين. وسيتوجب على روسيا إقناع طهران بالتخلي عن تخصيب اليورانيوم باستخدام ما لدى موسكو من وسائل وأدوات لممارسة الضغط على طهران (لا يوجد لدى البيت الأبيض أدنى شك في وجود مثل هذه الإمكانية لدى الكرملين، كما يبدو).
وتوجد مثل هذه الوسائل والأدوات من وجهة النظر الأميركية بالمرتبة الأولي في مجال التعاون الذري ـ إكمال بناء محطة "بوشهر" الكهرذرية بمساعدة روسيا، والمسألة المبدئية المتعلقة بمساهمة إيران الممكنة في نشاط المركز الدولي لتحضير الوقود النووي، ومشكلة تجهيز الوقود النووي نفسه إلى بوشهر وألخ، بما في ذلك العلاقات المبنية على الثقة التي تمتنت بصورة ملموسة إبان زيارة فلاديمير بوتين إلى طهران.
إن مقترح فريد خطوة لا خسارة فيها بالنسبة لواشنطن. فبغض النظر عن موافقة موسكو أو عدم موافقتها على هذه الصفقة أعلنت الولايات المتحدة مرة أخرى أن المنطقة الثالثة لمواقع منظومة الدفاع المضاد للصواريخ التي تنوي إقامتها في أوروبا تستهدف إيران فقط. وتتوفر لدى واشنطن بهذه الصورة حجة إضافية في الحوار مع موسكو. ويوجد هناك في الحقيقة جانب هام آخر نشأ في القضية النووية الإيرانية مؤخرًا نسبيًا.
يميل الخبراء الروس والأميركيون والأوروبيون أكثر فأكثر الآن إلى إمكان إيجاد حل للمشكلة الإيرانية في ظل تعاون روسيا والولايات المتحدة فقط. ويفهم بهذا التعاون ضرورة صياغة روسيا والولايات المتحدة موقفًا مشتركًا. وتمنح روسيا في غضون ذلك الدور الرئيس، ويكاد يكون شبيهًا بدور الصين في حل القضية الكورية الشمالية. ولذلك لا يستبعد أن تكون المبادرة الأميركية التي طرحها فريد عبارة عن وسيلة لجس نبض موسكو ومعرفة رد فعلها المحتمل ومدى استعدادها للتعاون مع واشنطن.
وهل ستوافق موسكو على المقترح المفاجئ وغير الرسمي حاليا؟ يستحق الاهتمام بهذا الصدد تعليق وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الأخير على نتائج المشاورات الروسية الأميركية بصيغة "2+2" مؤخرًا. فقال إن "واشنطن غالبًا ما تربط قضايا نشر منظومة الدفاع المضاد للصواريخ في أوروبا بتسوية مشكلة البرنامج النووي الإيراني". ومن هنا ينبع منطقيًا أن خطة نشر قسم المنظومة الأميركية للدفاع المضاد للصواريخ في أوروبا "يستهدف حقا التصدي للخطر من جانب إيران".
ومع ذلك أن روسيا على ثقة في الحقيقة بأنه لا توجد لدى إيران أي صواريخ بوسعها تهديد أوروبا والولايات المتحدة. وهذا يكسب القضية لهجة جديدة هامة. وأن موسكو انطلاقا من كل الشواهد مستعدة للنظر في مبادرة الولايات المتحدة ولديها مقترحات إلى إيران وواشنطن. ومن الطريف بماذا ستجيب الولايات المتحدة في هذه المرة؟ فهل ستقدم مقترحًا خطيًا كما تود موسكو؟