عندما تحسم الفتيات الصغيرات قضايا القتل في باكستان

عبد الخالق همدرد من اسلام اباد: في مناطق مختلفة من باكستان أساليب مختلفة رائجة لحسم القضايا . وهي تختلف من قبيلة إلى قبيلة ومن منطقة إلى منطقة؛ بيد أن ذلك القضاء غير الرسمي يكون أقوى وألزم لقراراته من القضاء الرسمي. ولا أريد هنا التطرق إلى تفاصيل أسباب ذلك إذ إننا بصدد حكاية القضاء غير الرسمي في المناطق الشمالية من باكستان حيث " البنات الصغيرات " يحسمن أكبر القضايا مثل القتل خلال أيام.

طبعا هذا الأمر مثير. كيف يمكن لفتاة صغيرة ان تقوم بذلك الدور الجليل في حين يستعصي البت في تلك القضايا على أكبر المحاكم الدولية ولو بعد مرور عدة سنوات، بل بعض الأحيان حتى بعد مرور عقود من الزمن.

ولمعرفة الدور الذي تلعبه الفتاة الصغيرة ، تابعوا هذه القصة: أدخلت الحكومة خط الكهرباء إلى قرية نائية من قرى المناطق الشمالية قبل سنوات. وقبل نحو شهرين حدث شجار بين بعض أهل القرية على قطعة سلك للكهرباء. وصودف أن يكونوا من قبيلة واحدة. وأدى ذلك الشجار إلى ملاسنة فتراشق بالكلمات ثم إطلاق النار من جانب واحد منهما. فسقط قتيل في صف الجانب الآخر.

وفي الوقت نفسه قرر ذلك الطرف الأخذ بالثأر. وأرسلوا عصبة منهم لقتل أحد من عشيرة الجاني في الحال. ومن سوء الحظ وجدوا أبا الجاني وهو رجل كبير في السن قادم إلى القرية ولا يعرف شيئا عما حدث هناك. فقطعوا عليه الطريق وبدأوا يطلقون عليه النار. وهو بدوره يستعطفهم ويمنعهم من ذلك ... إلا أن الثأر الأعمى تركه مجندلا في التراب ملطخا بدمائه يلتقط أنفاسه الأخيرة في سبيل قتل لم يكن فيه شريكا ولا آمرا به. هذه حكاية حقيقية. فما الذي حدث بعد ذلك؟

بعد بضعة أيام من ذلك الحادث البشع كان ستة أشخاص من الطرفين في السجن؛ لكن حضروا هناك طوعا تفاديا لأن يصيبهم مكروه إذا كانوا أحرارا خارج السجن وهم ينتظرون (الجرغا) -مجلس يتكون من كبار القرية - ليقوم بما سيمهد الطريق لعودتهم إلى القرية أحرارا.

وفعلا حدث ذلك خلال مدة أقل من عشرة أيام حيث توسط بعض الوجهاء من القبيلة بين الطرفين وقرروا الصلح بين الطرفين على أن يقوم كل من الطرفين بتزويج بنت من أحد من الطرف الآخر وقد تمت تسمية بنتين فعلا. وهكذا رجع السجناء من السجن ليعيّدوا مع أسرهم - لأن الحادث حدث في شهر رمضان المبارك -.

ومن هنا تبدأ قصة البنت التي ستبدأ حياتها الزوجية بعد بلوغها عمر الزواج وهو قد يكون أقل من 14 سنة أيضا. وهذا التقليد يوجد في كثير من المناطق الباكستانية التي تتمتع بنوع من الاستقلال الذاتي أو ليس للحكومة هناك سيطرة كاملة على جميع شؤون الحياة.

ويرى من يقوم بتزويج البنات حسما للقضايا أن ذلك الأمر يلعب أهم دور في إصلاح الخلافات حيث إن الأسر المعادية تتناسى ما أصابها من المشاكل وتتعايش سلميا ؛ لأن المصاهرة بين الجانبين لا تدع فرصة لعودة العداء القديم. وقد يكون هذا الأمر صحيحا في معظم الأحيان؛ إلا أن المراقبين والمجموعات الحقوقية ترى أن مثل ذلك القرار يدمر حياة البنت التي يتم تزويجها دون رضاها كما أنها تكون عرضة للعداء الكامن في قلوب أفراد الأسرة التي يتم ٍتزويجها فيها.

وقد يعود العداء لسبب أو لآخر فتكون البنت هي التي تدفع الثمن إذ يمنعونها من زيارة والديها والتحدث معهما إلى جانب جرح مشاعرها بكلمات مسيئة إليها وإلى أسرتها. وهي تواصل حياتها في تلك الحالة لأن الطلاق يعتبر وصمة عار في كثير من المناطق ومن أجل ذلك تفضل البنت التضحية بنفسها على لقب المطلقة.

كما أن العداء القديم بعض الأحيان يؤدي إلى تطليقها دون أي سبب. وهو ما يدمر حياتها وأسرتها إذا كانت لها أطفال. فتتعذب طول حياتها. وهنا تجدر الإشارة إلى أن تطليق البنت قد يثير غضب عشيرتها وينتهي الأمر إلى قتل أحد من أسرة زوجها. ومن هنا تستأنف حكاية المصالحة مرة أخرى.