هل يمكن أن تصل امرأة عربية إلى سدة السلطة؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
دبي: في أواخر شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي انتخبت سيدة الأرجنتين الأولى رئيسة للبلاد، في حين أخفقت المرأة العُمانية في الفوز بأي مقعد من مقاعد مجلس الشورى. وتزامن ذلك الحدثان مع إصدار البرنامج السياسي لحزب الإخوان المسلين في مصر، الذي حظر على المرأة تولي رئاسة البلاد.
وبينما ترتقي المرأة في مختلف أنحاء العالم سلَّم المناصب السياسية العليا، نجد أن المرأة العربية تغيب عن مواقع صنع القرار.
فحتى اللحظة لم تصل امرأة عربية إلى منصب الرئاسة أو رئاسة الحكومة في أي بلد عربي.
وعالميا، وبالتحديد إلى الأرجنتين، حيث انتخب الشعب في 28 أكتوبر/تشرين الأول الماضي كريستينا فرنانديس دي كيرشنر رئيسة لبلادهم، في الجولة الأولى للانتخابات، وبذلك تكون أول رئيسة منتخبة للبلاد.
وكريستينا ليست الوحيدة التي تتولى هذا المنصب في العالم، فهناك عدد من النساء اللائي يشغلن حالياً سدة السلطة في بلادهن، وهنَّ:
bull; ميشال باشليه، التي انتخبت رئيسة لتشيلي بأميركا اللاتينية، في العام 2006.
bull; إيلين جونسون سيرليف، التي فازت بالانتخابات الرئاسية التي عقدت في ليبيريا بأفريقيا في العام 2005.
bull; براتيبها باتيل، التي انتخبت رئيسة للهند في يوليو/تموز 2007، لتغدو أول امرأة تشغل هذا المنصب في تاريخ الهند.
bull; غلوريا أرويو، التي انتخبت رئيسة للفلبين عام 2004، وكانت عينت في العام 2001 نائب للرئيس.
bull; أنجيلا ميركل، التي انتخبت في العام 2005 مستشارة لألمانيا لأول مرة في تاريخ ألمانيا المعاصر.
bull; تاريا هالونين، التي كانت أول امرأة تنتخب رئيسة لجمهورية فنلندا عام 2000، وأعيد انتخابها مرة ثانية في العام 2006.
bull; ماري ماكليز، التي أعيد انتخابها رئيسة لجمهورية أيرلندا في العام 2004، وكانت قد انتخبت لأول مرة عام 1997.
bull; ميشيلين كالمي راي، التي انتخبها البرلمان الفيدرالي رئيسة للاتحاد السويسري عام 2006.
bull; لويزا ديوغو، التي تشغل رئاسة الوزراء في موزمبيق منذ العام 2004.
bull; هيلين كلارك، التي تتولى منصب رئيسة الحكومة النيوزيلندية منذ العام 1999.
ضعف التمكين السياسي للمرأة العربية
وعربيا، سجل شهر شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي حالة من التراجع في المكتسبات السياسية للمرأة في إحدى الدول العربية.
ففي السابع والعشرين منه، جرت انتخابات مجلس الشورى العُماني، ورغم أن 21 امرأة ترشحت في هذه الانتخابات، فلم تفز أي منهن بأي مقعد من مقاعد المجلس الـ 84، خلافاً للانتخابات السابقة التي فازت فيها سيدتان بعضوية المجلس.
وليست الحالة العُمانية هي الوحيدة في هذا السياق، إذ كانت دول خليجية أخرى قد شهدت انتخابات تشريعية، وكان نصيب المرأة فيها مماثلاً.
فلم تصل المرأة الكويتية إلى عضوية مجلس الأمة الكويتي في الانتخابات التي جرت في العام 2006، وهي أول انتخابات يسمح فيها للمرأة بالترشح، في حين فازت نائب واحدة بالتزكية في انتخابات مجلس النواب التي جرت في العام نفسه، ومثلها في الانتخابات الجزئية التي جرت للمجلس الوطني الاتحادي في دولة الإمارات العربية المتحدة.
ونظراً إلى سطوة العادات والتقاليد في الدول العربية بصفة عامة، والخليجية بصفة خاصة، وغلبة السلطة الذكورية على هذه المجتمعات، فإن حظوظ المرأة بالفوز في أي انتخابات قائمة على التنافس تكون ضئيلة.
ومن هنا ألفينا نزوع قوانين الانتخاب في عدد من النظم البرلمانية العربية نحو تطبيق نظام "الكوتا النسائية" حتى تضمن تمثيل المرأة في البرلمان. فالأردن -على سبيل المثال- خصص 6 مقاعد للمرأة في الانتخابات النيابية التي ستجري في العشرين من الشهر الجاري.
ويؤكد تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2005، الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أن نسبة تمثيل النساء العربيات في البرلمانات العربية بقيت أقل من المعدل العالمي، بما يقرب من 10 في المائة.
وبينما تسلمت المرأة في عدد من دول العالم سدة السلطة، سواء كرئيسات للبلاد أو رئيسات للوزراء، فإنه حتى اللحظة لم تصل المرأة في الدول العربية جمعاء، إلى أي من هذين المنصبين، مع أن "توزير" النساء أصبح ظاهرة مطردة في أغلب الحكومات العربية منذ تسعينيات القرن الماضي على الأقل.
وأرفع منصب حكومي شغلته امرأة عربية هو منصب نائب رئيس الوزراء في الأردن عام 1999، والذي شغلته الدكتورة ريما خلف، ومنصب وكيل الجمهورية في تونس والذي عينت فيه السيدة سعاد معمر عام 2004.
الفكر الديني والمرأة
وعدا عن دور العادات والأعراف المجتمعية السائدة في ضعف التمكين السياسي للمرأة العربية، يلعب الفكر الديني التقليدي دوراً كذلك، بحسب كثير من المفكرين والدارسين.
وكان لافتاً في هذا الصدد، تزامن إنجاز المرأة في الأرجنتين مع صدور مسودة البرنامج السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، وهي كبرى حركات الإسلام السياسي في مصر، ولها امتداداتها التنظيمية والفكرية في مختلف الأنحاء العربية، والتي حظر البرنامج على المرأة تولي رئاسة الدولة.
إذ نص البرنامج على أنه "للمرأة الحق في كافة الوظائف الإدارية في الدولة، ما عدا رئاسة الدولة، التي اتفق الفقهاء على عدم جواز توليها لها"، مفسراً هذا الموقف في موضع آخر من البرنامج، بأن "الواجبات المفروضة على رئيس الدولة، وهو له مسؤوليات في الولاية وقيادة الجيش، تعد من الواجبات التي لا تفرض على المرأة القيام بها، لأنها تتعارض مع طبيعتها وأدوارها الاجتماعية والإنسانية الأخرى."
علماً أن هذه القضية، وقضايا أخرى في البرنامج، أثارت لغطاً واسعاً بين الإسلاميين أنفسهم، إذ انتقد عدد من المفكرين والسياسيين الإسلاميين ما نص عليه البرنامج بخصوص المرأة، وذلك في المؤتمر الذي نظمه مركز أبرار الإسلامي بلندن، في 28 أكتوبر/ تشرين الأول، لمناقشة البرنامج.
فراشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة الإسلامية التونسية والمنفي في لندن، أبدى اعتراضه على منع المرأة من تولي منصبي رئيس الدولة، ورئيس الحكومة، قائلاً: "ليس هناك نص شرعي حول حرمان المرأة من أية وظيفة أياً تكن."
واتفق علي صدر الدين البيانوني، المراقب العام للإخوان المسلمين في سوريا، واللاجئ في لندن، مع الغنوشي، وأيد حق المرأة في رئاسة الحكومة أو الدولة على اعتبار أن كلتيهما ليست ولاية عظمى، معتبراً أن النص الوارد في برنامج الجماعة المصرية ينطوي على "شبهة التمييز بين المواطنين على أساس النوع."
على أي حال، كان الباحث في مؤسسة كارنيغي للسلام العالمي، عمرو حمزاوي قد أشار في دراسة صادرة عن المؤسسة في مارس/آذار من العام المنصرم، بعنوان "الحركات الإسلامية والعملية الديمقراطية في العالم العربي: استكشاف المناطق الرمادية"، إلى أن حقوق المرأة المدنية والسياسية، ودورها الاجتماعي/السياسي تندرج ضمن المناطق الرمادية في فكر الحركات الإسلامية، أي أن موقف هذه الحركات من المرأة مازال غامضاً ومحل اختلاف واسع في الآراء.
لماذا لم تصل المرأة العربية إلى سدة السلطة؟
يُحيل دارسون ضعف التمكين السياسي للمرأة العربية إلى الغلبة الذكورية على المجتمعات العربية، وسيادة العادات والنزعة القبلية، التي تبخس المرأة أدوارها وحقوقها.
ويذكر أن تقرير التنمية الإنسانية العربية نفسه، الصادر بعنوان "نحو نهوض المرأة في الوطن العربي"، قد نظم مسحاً لرأي الجمهور في أربع دول عربية، هي لبنان والمغرب والأردن ومصر، فأقر 55 في المائة من المستجوبين حق المرأة في تبوء منصب رئيس الوزراء، مقابل رفض 44 في المائة، بينما أقر 51 في المائة حقها في تولي منصب رئيس الدولة، مقابل اعتراض 47 في المائة.
إلا أن المفارقة هي أن عدداً من المجتمعات الإسلامية التي تشبه تلك العربية في غلبة التقاليد والنزعة الذكورية، وصلت فيها المرأة إلى سدة السلطة.
ففي بنغلاديش، شغلت سيدتان في السابق منصب رئاسة الوزراء، وهما البيغوم خالدة ضياء، والشيخة حسينة واجد، والأمر نفسه في باكستان، حيث شغلت المنصب نفسه سابقاً الزعيمة السياسية بنظير بوتو.
فلماذا تقدمت المرأة على طريق تسلم المناصب السيادية العليا في تلك المجتمعات القريبة إلى العربية، من حيث منظومة القيم التي تحكم النظرة إلى المرأة، ولم تحرز المرأة العربية أي اختراقات في هذا السبيل؟
يرى محللون أنه فضلاً عن الأسباب المجتمعية، فإن ثمة سبباً رئيسياً يكمن في الاستبداد السياسي الذي يطغى على المجتمعات العربية كلها، بشكل أو بآخر.
فمنصب رئيس الدولة مغلق على فئة معينة في معظم الدول العربية: العائلة الحاكمة في الأنظمة الملكية والمشيخية، وعائلة الرئيس في الأنظمة الجمهورية، التي تحولت إلى وراثية، ونخبة الحزب الحاكم في الجمهوريات الأخرى.
ومن ثم، فإن هذا المنصب لا يخضع بالمجمل للانتخاب الحقيقي أو التداول السلمي، وهكذا فإن أفراد الشعب كلهم، وليس المرأة فقط، محرومون من تولي هذا المنصب.
ويذكر أن المنطقة العربية شهدت حالتين فقط لدخول نساء معترك التنافس الانتخابي على منصب الرئاسة، وفي كلتيهما لم تفز المرشحة بالانتخابات.
الحالة الأولى هي السيدة سميحة خليل، التي كانت المرشحة الوحيدة أمام الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات في انتخابات رئاسة السلطة الفلسطينية، التي جرت عام 1996.
والثانية هي السيدة لويزا حنون التي ترشحت أمام الرئيس الجزائري الحالي عبدالعزيز بوتفليقة في الانتخابات الرئاسية التي جرت عامي 1999 و2004.
أما منصب رئيس الوزراء، فإن شاغله يُعين تعييناً من طرف الرئيس أو الأمير أو الملك، ولا يتم انتخابه انتخاباً مباشراً.
وحتى في الدول العربية التي تأخذ بالنظام البرلماني، فإنه لا يتم اختيار رئيس الوزراء في معظمها من الأغلبية البرلمانية، بل يعين تعييناً.
وتتبدى أهمية هذه النقطة، إذا علمنا أن النسوة اللائي وصلن إلى رئاسة الوزراء في كل من بنغلاديش وباكستان، كن يتربعن على زعامة أحزابهن السياسية، التي إما حصلت على أغلبية برلمانية، أو شكلت ائتلافاً حزبياً مسيطراً، مما أهَّلهن لتشكيل الحكومة.
هذا إلى جانب، أن محللين آخرون يشيرون إلى عامل ضعف إقبال المرأة في الدول العربية عامة على العمل السياسي، فالنشاط السياسي محصور إلى حد بعيد بالرجال.
ويدعم هذا الرأي قلة انتساب النسوة العرب إلى الأحزاب السياسية، كما أن المرأة تغيب عن قيادة الأحزاب الرئيسية في الدول العربية، عدا استثناءين، هما لويزا حنون زعيمة حزب العمال في الجزائر، ومايا الجريني، الأمين العام للحزب الديمقراطي التقدمي بتونس.
فهل ستكسر إحدى الدول العربية الحظر المفروض على المرأة بتكليفها تشكيل الحكومة، أم أنه سيبقى أملاً بعيد المنال؟