أخبار

العطية: الدول الخليجية ترفض المواجهة العسكرية مع ايران

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

ابو ظبي: اكد الامين العام لمجلس التعاون الخليجي عبد الرحمن العطية ان دول المجلس "ترفض تصعيد ازمة" الملف النووي الايراني بما يؤدي الى نشوب مواجهة عسكرية، مؤكدا ان الحل السياسي "ما زالت امامه فرصة".

وقال العطية في كلمة امام المؤتمر السنوي لمركز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية في ابو ظبي "اننا نرفض تصعيد ازمة هذا الملف الى مرحلة المواجهة العسكرية لما لها من تداعيات سلبية وكوارث محتملة".واضاف "ان الحل السياسي لازمة الملف النووي الايراني ما زالت امامه فرصة تتطلب رؤية جسورة وغير تقليدية".

الى ذلك، جدد العطية تاكيد المجلس الذي يضم السعودية والامارات والكويت والبحرين وقطر وسلطنة عمان، رفضه "من ناحية المبدأ ادخال العامل النووي العسكري من جانب اي طرف في معادلة ميزان القوى الاقليمي لانه سيخلق سباقا جديدا وخطرا نحن جميعا في غنى عنه".

الا انه اعتبر ان الخيار الوحيد امام الخليجيين يبقى "الالتزام الاصيل بسياسة حسن الجوار والندية وحل القضايا الخلافية بالطرق السلمية"، وراى ان ايران "شريك ضروري لتحقيق الامن والاستقرار في منطقة الخليج".

وتخوض ايران مواجهة محتدمة مع المجتمع الدولي على خلفية برنامجها النووي فيما تتهمها واشنطن بانها تسعى تحت غطاء هذا البرنامج الى التسلح النووي.وقد ازدادت الشائعات حول توجيه ضربة اميركية محتملة لايران بعد تعزيز الولايات المتحدة وجودها العسكري بالقرب من منطقة الخليج بارسال حاملة طائرات جديدة، وبعد تاكيد نائب الرئيس الاميركي ديك تشيني ان "جميع الخيارات ممكنة" للتعامل مع الملف الايراني.

و فيما يلي تنشر ايلاف نص الكلمة كاملة


أصحاب المعالي والسعادة..
الحضور الكرام

يطيب لي في البداية أن أرفع لمقام حضرة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، حفظه الله أصدق مشاعر الشكر والتقدير والامتنان، لما تلقاه مسيرة التعاون المشترك لدول مجلس التعاون من لدن سموه الكريم، من الدعم السخي واللامحدود، والمساندة الدائمة والحرص الأكيد لتعزيز هذه المسيرة المباركة، والدفع بها إلى آفاق أرحب، وصولاً للتكامل المنشود.
كما أنه من دواعي سروري أن ألبي الدعوة الكريمة التي تلقيتها من مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.
ومن هنا أجزل للمركز الموقر كل الشكر، إذ أتاح لي هذه الفرصة للتحدث أمام نخبة من القياديين والمتخصصين في الشؤون الخليجية. وأنني بوافر التقدير لجهاز مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، مهنئاً الإخوة القائمين على إدارته، بنجاح المركز في تحقيق أهدافه مستوى مشرف، إقليمياً ودولياً، من خلال إسهاماته الفكرية والبحثية الرفيعة المستوى، وتركيزه على القضايا التي تهم المنطقة.
الإخوة والأخوات:
إننا أمام وضع أمني إقليمي بالغ التعقيد ويشكل عدة تحديات. وأكتفي في هذا الشأن ببعض الملاحظات والتساؤلات:
إن العقد الأول من القرن الحادي والعشرين شهد توسعاً وإفراطاً غير مسبوق في استخدام القوة في العلاقات الدولية، وتطبيقها بصفة خاصة في منطقة الشرق الأوسط، وآخر تجلياته العدوان الإسرائيلي على لبنان (يوليو 2006).
ازدواجية المعايير في التعامل مع القضايا الإقليمية المتشابهة، وهو النهج الذي تبنته - للأسف - الولايات المتحدة الأمريكية تجاه قضايا منطقتنا بصفة خاصة، وما ترتب عليه من انتهاك لقرارات الشرعية الدولية، والتجاوز الصارخ للعديد من مبادئ القانون الدولي المستقرة.
بقاء قضايا إقليمية مزمنة دون حل لعدة عقود، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، نتيجة الممارسات الإسرائيلية لكل أساليب العنف الدموي، والفصل العنصري، والتهجير القسري ومصادرة الممتلكات، وتجاهل قرارات الشرعية الدولية، الأمر الذي أدى إلى زيادة الإحباط واضطراب الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط بأكملها، وانعكس ذلك بشكل سلبي على الوضع الأمني الإقليمي، نتيجة استثمار قوى التطرف لها.

الحضور الكرام..
اسمحوا لي بالانتقال إلى بعض الجوانب المتعلقة بالخصوصية الأمنية لمنطقة الخليج:
ما زالت هذه المنطقة تتسم - كما هو معروف - بحالة من عدم توازن القوى المتأصل، والتداخل المتشابك بين العناصر الإقليمية والدولية، حيث شهدت عدة حروب إقليمية مدمرة في محاولات لفرض السيطرة الإقليمية من طرف أو آخر. وقد أدى احتلال العراق، وحل جيشه، إلى إخراج العراق مرحلياً من معادلة التوازن الإقليمي الحرجة، وحدوث مزيد من اختلالها لصالح بعض دول الجوار.
أصبحت منطقتنا تواجه مخاطر وتهديدات أسوأ مما كان ماثلاً قبل عام 2003. وهو ما يجعلنا نتساءل: أين ذهبت الوعود الأمريكية بجنة الديمقراطية "الانتقائية" التي بشروا بها؟! والتي لم تؤد إلا إلى تحريك النزاعات الطائفية والمذهبية والعرقية التي أصبحت تحصد مئات الأرواح يومياً.
إن معضلة الأمن الإقليمي في المنطقة، ما زالت تتمثل في صعوبة إيجاد نقطة التوازن في علاقات القوى بينها، والتي تجعل مختلف الأطراف تشعر بالأمن والأمان في إطار معادلة أمنية إقليمية تعيد بناء الثقة بين مختلف أطرافها.
لقد وجدت دول مجلس التعاون مرحلياً أن صيغة الشراكة الأمنية الإقليمية المقننة، والمعززة بصداقات وترتيبات أمنية دولية/إقليمية، قائمة على الاحترام والمصالح المتبادلة، توليفة فرضتها ضرورة التعامل مع معطيات خلل علاقات القوى السائد في المنطقة، وطموحات بعض القوى الإقليمية والدولية وتطلعاتها المتعارضة.
إن منطقتنا بحكم مواردها الاقتصادية، ذات ارتباط وثيق بازدهار واستقرار الاقتصاد العالمي. وتزايد كثافة المصالح الدولية فيها، أدى بالضرورة إلى تدويل صيغة الأمن في المنطقة.
إن ما يزيد من تعقيد معضلة الأمن في منطقة الخليج أن سياسات بعض دولها لا تسهل لباقي دول المنطقة البحث عن بديل. فمن المفارقات أن إيران تعارض، ومن قبلها العراق في عهد صدام حسين، توجه دول مجلس التعاون للاستعانة بالقوى الدولية لموازنة معادلة أمن منطقة الخليج، بحجة أنه ينبغي أن تقتصر شؤون أمن الخليج على أبنائه. ولعلنا نتذكر أن دول مجلس التعاون كانت السباقة في الدعوة لذلك، وورد ذلك في بيان قمتها الأولى عام 1981. غير أن هاتين الدولتين لم تقدما رؤى أمنية إقليمية حقيقية بديلة، وكانت مراقبة الفعل لهاتين الدولتين لا يرقى إلى تصديق القول. فقد أظهرت تصرفات هاتين الدولتين على مدى العقود الماضية، نقيض ما تظاهرتا بالدعوة إليه، مما أدى إلى زيادة المكون الدولي في أمن هذه المنطقة وتعقيداتها.

الحضور الكرام..
من المبالغة القول إن العلاقات في إطار هذه الترتيبات سهلة وخالية من الحساسيات والضغوط؛ فلكل علاقة سياسية/أمنية ثمن، وهي علاقة، بلا شك، تضيف أعباء مالية وسياسية. ولكن بالمقابل: أين هو البديل السهل والمضمون؟ ولعلكم تعاونونا في استكشاف معالم الطريق إلى ذلك.
الحضور الكرام..
بعد هذه الملاحظات الأولية، اسمحوا لي بإلقاء نظرة سريعة على وضع إيران والعراق في مجال الأمن الإقليمي. فلهاتين الدولتين وضع خاص في تقويم حسابات المعادلة الأمنية الإقليمية في منطقة الخليج. كما أنهما، بحكم مساحتيهما، وثقلهما الديموغرافي والاقتصادي والعسكري، ومستوى إنتاجهما النفطي، يعتبران طرفين رئيسيين في مجال أمن الطاقة والاستقرار فيها.
ومن جهة أخرى عانت العلاقات الإقليمية في المنطقة بمفهومها الشمولي من عمليات تحريض وإثارة مفتعلة ومبالغات متعمدة من أطراف خارجية بهدف إدخال دول المنطقة في دوامة صراعات خطيرة. وفي تقديري أن جميع دول المنطقة قد أصبح لديها من الوعي واليقظة ما يمكنها من تجنب سياسات الاستدراج إلى هذه الهاوية، ويحثها على تبني صيغ للتعاون الإقليمي تقوم على الالتزام الأصيل بسياسة حسن الجوار والندّية، وحل القضايا الخلافية بالطرق السلمية. ولا بديل أمامنا إلى هذا الخيار وحده إذا ما أردنا إرساء دعائم راسخة للأمن والاستقرار الإقليمي.
أما بالنسبة لإيران فإنها تمثل شريكاً ضرورياً لتحقيق الأمن والاستقرار في منطقة الخليج بحكم الجوار الجغرافي بينها وبين دول مجلس التعاون، ومن الصعوبة على دول هذه المنطقة، التخلص من حتمية الجغرافيا ومتطلباتها، وهو ما يحفزنا للسعي لإيجاد صيغة للتفاهم والتعايش المشترك بين الجانبين. وقد فرضت حقائق ومعطيات الجغرافيا الطبيعية والدين والتراث المشترك على العلاقات بين دول ضفتي الخليج ما يسمى بـ "العلاقات المتداخلة" التي تربط بينهما، فهي علاقة عضوية "جيوبولتيكية" بين الضفتين لا مناص منهما.
وتبقى قضية جزر دولة الإمارات العربية المتحدة الثلاث المعضلة التي لم تجد طريقها للحل، نظراً لعدم إحراز أي تقدم في الاتصالات الإقليمية والدولية المباشرة التي تجري مع إيران للإسهام في حل القضية وتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة. وإذا ما خلصت النوايا لتسوية مثل هذه الخلافات التي طال أمدها وتم إحراز التقدم عبر المفاوضات السلمية أو اللجوء إلى المحكمة الدولية، فإن نتيجة ذلك ستشكل تحولاً نوعياً للعلاقات مع إيران.
وإذا ما انتقلنا إلى العراق، فإن وضعه الراهن الحرج والغامض أصبح يطرح بالضرورة عدة تساؤلات حول انعكاسات ذلك على الأمن الإقليمي الخليجي، لعل في مقدمتها:
أن هناك خياراً أصبح مطروحاً في مختلف الأوساط، وهو البحث عن استراتيجية خروج قوات الاحتلال من العراق وجدولة انسحابها. وعلى ضرورة التزام كافة الدول باحترام وحدة وسيادة واستقلال العراق، ورفض أي محاولات لتكريس الطائفية والانقسام. وأن المطلب الملح هو في التوافق بين مختلف مكونات الشعب العراقي، وتعديل بعض بنود الدستور بما يكفل المساواة بين العراقيين في الحقوق والواجبات، كون ذلك يشكل أساساً وطنياً لتحقيق الأمن والاستقرار. والأهم من هذا نزع سلاح الميليشيات وحلها، وإيجاد حكومة لكل العراقيين، تكون المواطنة والقدرة والكفاءة هي المعايير الأساسية في التعيين وليس الانتماء الطائفي.
ولعل التهويل الأمريكي لا لزوم له بعد تراجع الاستراتيجية الأمريكية في العراق بوجه خاص، وفي الشرق الأوسط بشكل عام. خاصة بعد الانتقال من دعم الديمقراطية إلى دعم الاستقرار، وبالتالي لا نرغب أن نرى تجاذبات تارة تحت بريق الوعود، وتارة أخرى تحت طائلة الوعيد. لذا لا بد من بلورة رؤية مشتركة تبنى على أساس من التفاهم المشترك بين دول المنطقة جميعها، وليس على أساس سياسات تهويل المخاطر.

الحضور الكرام..
إننا في مجلس التعاون نحترم خيارات الشعب العراقي الشقيق فيما يتعلق بنظام حكمه، ونؤكد من جديد أنه ليس من حق أحد التدخل في شؤونه الداخلية. وحينما أتحدث عن الشكل السياسي المستقبلي للعراق كدولة، فإنه من المهم المحافظة على الهوية والانتماء العربي في ظل حكومة لكل العراقيين باعتبارها الضامن لعدم انفراط عقد هذه الدولة.

الحضور الكرام..
لعلكم تتفقون معي في أن البحث في الجوانب المتعددة لأمن الخليج، يتطلب التعرض - في عجالة - لأزمة الملف النووي الإيراني مع المجتمع الدولي، وبعيداً عن تفاصيل هذا الملف وتطوراته، أكتفي بتوضيح بعض العناصر التي يمكن الاسترشاد بها مجلس التعاون:
إننا نعارض - من ناحية المبدأ - إدخال العامل النووي العسكري من جانب أي طرف في معادلة ميزان القوة الإقليمي، لأنه سيخلق سباقاً جديداً، وخطراً نحن جميعاً في غنى عنه.
إن الحل السياسي لأزمة الملف النووي الإيراني ما زالت أمامه فرصة، تتطلب رؤية جسورة وغير تقليدية، ونظرة واقعية وعقلانية لمختلف الخيارات.
كما أننا نرفض تصعيد أزمة هذا الملف إلى مرحلة المواجهة العسكرية؛ لما لها من تداعيات سلبية وكوارث محتملة.

ويجدر بالذكر، في هذا المقام، القول بأن تحقيق موازين العدالة، وضمان الأمن والاستقرار العالمي، يتطلب عدم استثناء أي دولة تسعى لامتلاك أسلحة الدمار الشامل.
ولعلكم تتذكرون، في هذا الشأن، دعوة قادتنا المخلصة لجعل منطقة الشرق الأوسط، بما فيها منطقة الخليج، خالية من أسلحة الدمار الشامل.

الحضور الكرام..
ربما أكون قد أطلت عليكم في حديثي عن بعض التحديات الخارجية لأمن الخليج، واسمحوا لي بإطلالة مختصرة حول بعض التحديات الداخلية.
فبالنسبة لمكافحة الإرهاب والتطرف اتبعت دول مجلس التعاون استراتيجيات متطورة للمواجهة الفكرية الشاملة، وأدى ذلك إلى نتائج إيجابية ومبشرة. ساعد في ذلك تضامن دول المجلس، وتعاونها في مواجهة تحديات الإرهاب بوسائل سياسية واجتماعية وإعلامية من جهة، وتبادل المعلومات وتنسيق الجهود المشتركة من جهة أخرى.

الحضور الكرام..
بناء على ما تقدم فإنني أتساءل: كيف السبيل لمواجهة الإعصار القادم؟ والجواب أن رهاننا لا يتعدى استكشاف المخارج والمساهمة في إبقاء الوصل بيد أن الحراك الجدي شرطه معرفة نوايا الجميع بغية توجيه البوصلة وتحديد نقاط مشتركة مع المجتمع الدولي، ومنها خصوصيات تنبع من تاريخ المنطقة وحاضري أزماتها، ونرى يوماً بعد يوم أن الجميع قد اختار دائرة الظل، وإيكال أمر التباحث للآخرين؛ خشية الدخول كطرف مباشر في نزاعات المنطقة. وربما كان في ذلك حكمة وتروٍّ في الأحكام، ولكنه يفتقر في نظري إلى اليقظة ومسؤولية المواجهة بالموقع الشريك في مصائر المنطقة، وأنه في كل الأحوال لا يعني سوى أن الجهر بمكبوت المخاوف شيمة الصادق في أخلاقه.
وبالتالي، فإننا في منطقة الشرق الأوسط نعيش دوران صراع يتعدى نطاقه المنطقة الإقليمية ويتسم بطابع كوني، والحقيقة المستقاة اليوم أن الدول العربية متحدة أو منفردة آثرت اتخاذ موقف الانتظار، تراقب المجريات بحذر، وتحبذ نجاحاً تفاوضياً يبدو صعب المنال.

الحضور الكرام..
إن حاضر الأمة وأزماتها لا تتناغم مع صرامة النهج الأمريكي وخلفياته، إلا أنه يصعب في نفس الوقت رؤية العالم العربي يقف مكتوف اليدين، مكتفياً بالتطمينات التي قد تدفعه، بعد فوات الأوان، إلى القفز بحثاً عن حماية مفقودة من داخله، باللجوء إلى مظلة واقية، كالمستجير من الرمضاء بالنار.
إنني أضع أمام مؤتمركم الموقر هذه الملاحظات والتساؤلات، متطلعاً أن تشكل وسيلة لحفز التفكير، وجسراً تمتد عليه حواراتنا بموضوعية حول معضلة أمن الخليج من أجل بلورة رؤية واقعية تحصن الحاضر وتدعم المستقبل.

أشكركم على حسن إصغائكم، وأتمنى لمؤتمركم التوفيق والسداد
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف