لا عودة للعبيد المنسيين في السودان
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
لقد كان ابنه، دنج، في الثالثة من عمره آنذاك غير أن أرول متأكد أنهما ما زالا على قيد الحياة، بعد أن استغلا كعبيد في الشمال.
ويقول أرول لبي بي سي وهو يعرب عن حزنه العميق في داره في قرية مالوالباي التي تبعد بضعة ساعات على متن الجياد عن نهر بحر العرب الذي يقسم السودان بين شمال مسلم وجنوب مسيحي ويدين بديانات تقليدية: "أفتقدهما كثيرًا جدًا. آمل يومًا أن يرجعا".
ويعتقد أن نحو ثمانية آلاف شخص يعيشون تحت نير العبودية في السودان، بعد 200 عام من حظر بريطانيا لتجارة الرقيق عبر الأطلسي وبعد 153 عامًا من محاولتها إلغاء العبودية في السودان.
ولكن الخلافات على المال تعني أن أحدًا لن يحرك ساكنًا لتحرير المستعبدين.
وفي العام نفسه الذي إختطفت فيه أسرة أرول، إختطفت آريك آنييل دنج، وهي في العاشرة، من بيتها، على مسافة ليست ببعيدة عن مالوالباي.
فقد إمتطت ميليشيات عربية صهوة الجياد وأغارت على قريتها، وأطلقوا النيران. وحينما فر الكبار، تم تجميع الصغار والماشية حيث أجبروا على المشي شمالاً لخمسة أيام قبل أن تقسم الغنائم والأسلاب بين المغيرين.
عمليات تحويل قسري
وعادت آنييل إلى بيتها في ظل خطة حكومية العام الماضي.
وتقول آنييل: "قال لي مختطفي إنني عبدة له وعلي أن أفعل كل ما يأمرني به - أحضر له الماء والحطب، وأرعى ماشيته وأزرع أرضه".
وتابعت قائلةً: "حينما بلغت الثانية عشرة، قال إنه يريد أن ينام معي. ولم استطع أن أرفض لأنني كنت عبدة، كان علي أن أفعل كما أمرت، وإلا قتلني".
لقد كانت مثل تلك الغارات بين الأشياء الشائعة خلال حرب الشمال والجنوب والتي استمرت 21 عامًا، وانتهت عام 2005.
ويعتقد على نطاق واسع أن حكومة الشمال سلحت الميليشيات العربية حتى تروع السكان الجنوبيين وتشتت إنتباه المتمردين الجنوبيين بعيدًا عن مهاجمة الأهداف الحكومية.
وبحسب دراسة نفذها معهد الوادي المتصدع الذي يتخذ من كينيا مقرًا له، فقد إختطف نحو 11 ألف صبي وفتاة ونقلوا عبر الحدود الداخلية إلى السودان - حيث نقل العديدون إلى ولايات جنوب دارفور وغرب كردفان.
وعادة ما كان الأولاد يؤمرون برعاية الماشية، بينما توكل إلى الفتيات المهام المنزلية قبل أن يتم تزويجهن، عادة في سن الثانية عشرة.
وأجبر أغلبهم على التحول إلى الإسلام، وتم تغيير أسمائهم إلى أسماء إسلامية وأمروا بعدم الحديث بلغاتهم الأصلية.
حرب كلامية
وطالما رفضت حكومة السودان المزاعم بوجود أشخاص يعيشون تحت نير الرق، غير أنها إعترفت بأن الآلاف تعرضوا للإختطاف خلال الحرب. وتقول الحكومة السودانية إن هذا تقليد قديم يتمثل في أخذ رهائن بين الجماعات العرقية المتناحرة.
ونفى مسؤول حكومي بارز بشدة وجود أي رق في السودان، ولكن كان من الغرابة أنه إعترف بالقول إن الأمرلم يختلف عن نقل الناس من غرب أفريقيا إلى أميركا.
وتعرف الأمم المتحدة العبودية بأنها وضع أو ظروف يتعرض لها شخص يتم بمقتضاه ممارسة حقوق الملكية له كليًا أو جزئيًا.
ولا شك في أن آنيل والعديد غيرها ممن تحدثنا إليهم يبدو أنهم يعيشون في ظروف عبودية - حيث إختطفوا، وتعرضوا للعمل القسري، وكثيرًا ما ضربوا.
ولكي يمكن العمل مع برنامج الإعادة الذي أقرته الحكومة السودانية عام 1999 تحت ضغوط دولية شديدة، فقد وافقت الجهات المانحة على إستخدام التعبير التجميلي "مختطف"، بدلاً من كلمة عبد.
وقد تم إعادة نحو ثلاثة آلاف شخص إلى ديارهم قبل أن ينفذ ما كان لدى البرنامج من أموال عام 2005.
وانسحب المانحون، إذ قالوا إن بعض من شملهم البرنامج لم يكونوا عبيدًا حقيقيين، وبعضهم تم إرجاعه رغمًا عنه وتركوا لا حول لهم في أماكن مقفرة متخلفة إقتصاديًا في الجنوب.
ثم قامت الحكومة السودانية بتمويل عمليات الإعادة لبعض الوقت ولكن، للغرابة، يبدو أن نهاية الحرب بين الشمال والجنوب جعلت أهمية المشروع تتراجع.
ويبدو أن الحكومتين، سواء في الشمال، أو الجنوب المتمتع الآن بوضع حكم ذاتي، أكثر إهتمامًا بإنفاق الثروة التي إكتشفت مؤخرًا من النفط.
ويقول مسؤولو الحكومة السودانية، ومسؤولو إدارة الجنوب إنهم ما زالوا يعملون على التوصل إلى سياستهم الجديدة بشأن "ملف المختطفين".
يأس
ويقول أحمد مفتي من اللجنة الحكومية للقضاء على خطف النساء والأطفال، إن زعماء القبائل العربية أكثر من مستعدين الآن لإطلاق سراح مخطوفيهم غير أن مجموعته ليست لديها ثلاثة ملايين دولار وهو المبلغ الذي يقدر أنه سيكون مطلوبًا لترتيب عمليات النقل ودفع المال للمسؤولين لتنظيم العملية.
وبمواجهة عدم حدوث جديد، بدأ اليأس يدخل جيمس أجور بشكل متزايد، وهو رجل في طليعة الحملة لتحرير العبيد في السودان، وذلك بعد أن أمضى نحو 20 عامًا يخاطر بحياته من أجل هذه القضية.
ويقول أجور بمرارة: "مع حلول السلام، إعتقدت أنهم سيحررون الآن".
ويضيف أن لديه أسماء وأماكن لثمانية آلاف شخص، يمكن بسهولة تحريرهم من مخيمات الماشية التي يملكها زعماء قبائل عربية، ما إن تتوافر الإرادة السياسية لذلك.
ويقول إن الرقم الحقيقي لمن يجبرون على العمل رغمًا عنهم ودون تلقي أجر عن العمل القسري في السودان يتجاوز 200 ألف شخص، وإن كانت غالبية الجهات المانحة تعتقد أن في ذلك مبالغة.
وتشعر آنييل بالسعادة وهي تجلس على الأرض خارج الكوخ الطيني القديم الذي تعيش فيه الآن هي وأولادها الخمسة، إذ إنها إستعادت أخيرًا حريتها وأصبحت قادرة على أن تقرر مصيرها.
ولكن الحرية ليست بالضرورة أمرًا سهلاً - إذ يتعين عليها الآن إعالة الأولاد بمفردها، دون دعم من المانحين أو الحكومة.
وتقول آنييل إنها رزقت بأولادها بعد أن أجبرها سيدها العربي السابق على أن تمارس الجنس معه.
ويأتي دخلها الوحيد من جمع الحطب وبيعه في سوق محلي.
وتشتكي قائلة: "الأمر شبيه بوضعي في المخيم، إنه الوضع نفسه كما في الشمال".
علامات قبلية
وتستشهد غادة كججي من منظمة اليونيسيف التابعة للأمم المتحدة والمسؤولة عن رعاية الأطفال، بحالة آنييل لإيضاح كيف توقف التمويل الكافي لبرنامج الإعادة.
وتقول إن الذين يتم تحريرهم ينبغي مساعدتهم حينما يعودون لموطنهم - إقتصاديًا وإجتماعيًا، إذ إنهم ينتقلون من مجتمع عربي إلى مجتمع الدنكا الذي تركه بعضهم قبل 20 عامًا.
ولكن النشطاء يقولون إن الأولوية الأولى لا بد أن تكون تحريرهم من الإسترقاق ثم النظر في تفاصيل عودتهم.
كما تشير كججي إلى أنه قد يكون من الصعب إقتفاء أثر آباء الأطفال الذين إختطفوا في منطقة الحرب قبل ما يصل إلى عقدين.
فبعضهم نسوا أسماءهم الحقيقية وموطنهم الأصلي والأماكن التي أتوا منها، وإن كان يمكن أحيانًا التعرف عليهم من علامات التشريط التي تحملها وجوههم منذ الطفولة - وهي جزء من تراث قبائل الدنكا بجنوب السودان.
وما زالت منظمة "أنقذوا الأطفال" البريطانية تساعد المتبنين، ولو عن بعد، على رعاية الأطفال بعد عدة أعوام من عودتهم إلى "البيت".
وفيما يتباحث المسؤولون في ما هي أفضل السبل لتنظيم عمليات الإعادة، فإن أرول وغيره من الكثيرين لا يقوون على الإنتظار حتى يروا أحباءهم مرة أخرى.
لقد توجه إلى الإجتماع بأربع قوافل مختلفة من المختطفين العائدين على أمل لمّ شمل أسرته، ولكن خاب أمله في كل مرة.
ويتساءل أرول قائلا: "أسأل الرب، لماذا يا رب يعود أولاد آخرون وليس أولادي! ماذا فعلت حتى أستحق هذا؟". بي بي سي
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف