حصيلة سبع سنوات من ولاية بوتين
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
موسكو :يقترب فلاديمير بوتين من نهاية فترة ولايته الثانية والأخيرة، إذ لم يبق له سوى عام واحد من قيادة دفة الحكم في منصبه الرئاسي الحالي. لقد قطع بوتين شوطا بعيدا خلال السنوات السبع المنصرمة. ومما ترك له بوريس يلتسين هو المنصب ولكن ليس السلطة. ذلك أن مركز القيادة الواحد غاب في البلد وجرى فيه صراع ضار على السلطة.
وبات بوتين "رئيس توقعات" - توقعات إحلال النظام في مجال دفع الأجور ومعاشات التقاعد والإطاحة بهيمنة طواغيت المال ومكافحة سرقة ملكية الدولة والتضخم والجريمة وتسوية الوضع في الشيشان. وعكف بوتين بدأب على تحقيق هذه التوقعات.
ليس كل مواطني روسيا راضون اليوم بحياتهم. ومع ذلك يؤيده أكثر من 60 بالمائة من المواطنين. وهم يوجهون شتى أنواع الانتقادات واللوم إلى الحكومة ومجلس الدوما ولكنهم يثقون "بالرئيس". ويعتبر عدم الشعور بخيبة الآمال التي علقوها على بوتين خلال هذه السنوات السبع أمرا عجيبا فعلا يدل على أنه قاد البلد على نحو يروق لمواطنيه.
وقد تمكن من الاحتفاظ بالتوازن بين حالة روسيا الراهنة واحتياجات تطورها وتقدمها. بمعنى آخر هو حقق الميزان بين التقليد والتحديث. لكن لا يجوز نسيان حالة السوق العالمية الملائمة للغاية إذ يصعب على المرء أن يقول كيف كنا سنقيم نشاط بوتين لو كان سعر برميل النفط يتراوح بين 10 دولارات و12 دولارا.
وتقيم المعارضة أحيانا شخصية بوتين وكفاءاته تقييما سلبيا للغاية ولكن المعارضة البناءة تعترف بموهبته السياسية التي لا تقبل الجدال. فقد هيأ بوتين الظروف لاستمرار نهجه الحالي بجعله تبديل النخبة الحاكمة أمرا مستحيلا. فقد هيأ هذه الظروف سواء من الناحية الإيديولوجية أو من ناحية اختيار خلفه. بحيث أدرك البلد بصورة نهائية أين وكيف سيعيش في المستقبل المنظور. وقد جسد بوتين في الواقع فكرة تحكم الدولة الرشيد بقطاعات الاقتصاد المحورية.
وفي الوقت نفسه فإن ثمار نشاطه على صعيد السياسة الخارجية تتصف بطابع متناقض وإن أصبحت روسيا لاعبا أكثر وزنا ونفوذا على المسرح الدولي.
مع ذلك لا يزال هناك عدد من المشاكل التي لن يتمكن بوتين من تسويتها خلال الفترة المتبقية من رئاسته. وفي مقدمتها تباين لا يطاق بين دخول مختلف الفئات من المواطنين وأوضاعها الاجتماعية وعدم اكتمال بناء النظام الحزبي (لم يتم تحديد النظير الكامل المواصفات لحزب "روسيا الموحدة") كما يدخل في عداد تلك المشاكل استمرار روسيا في البحث عن مكانتها في العالم وعوامل نموها الاقتصادي (لا يزال تنويع الاقتصاد وتحديثه شعارا أكثر مما هو مستقبل البلد). أضف إلى ذلك تفشى الفساد (تخسر السلطة حتى الآن المعركة معه) ومكانة المعارضة (تمت اليوم إزاحتها عمليا من أطار النظام السياسي وإجبارها على النزول إلى الشارع).
ولكن ثمة موضوعا يتطلب الحديث عنه بمزيد من التفاصيل. هو موضوع النزعة التسلطية لحكم الرئيس بوتين. إذ ثمة رأي يقول إن في التسعينات تنفس المرء بقدر أكبر من الحرية وتمتع بقدر أكبر من المبادرة والاستقلالية الاقتصادية. فهل النزعة التسلطية شائبة من شوائب النهج أو محوره الرئيسي؟
لا يجوز معالجة موضوع "النزعة التسلطية" بمعزل عن عامل الزمن وعن السياق التاريخي، وخاصة من وجهة النظر الأخلاقية. وتؤكد أمثلة تاريخية عديدة أن في بعض الظروف تمثل الأساليب التسلطية النموذج الأكثر فعالية للحكم. فمن قال أن النموذج المعاصر الفعال للتنمية الاقتصادية والسياسية يجب أن يكون نسخة طبق الأصل عن النهج الأمريكي؟ هناك أكثر من نموذج يتناسب كل منها مع خواص هذا البلد أو ذاك.
ومن البديهي أن نموذج التنمية الاقتصادية والسياسية في روسيا لا بد أن يتصف بمزيد من المركزية وبضوابط سلطوية أشد. وسوف نرى مدى حيوية النموذج الذي أوجده بوتين من خلال نشاط خلفه. وهناك خياران: إما أن تتكيف روسيا مع المعايير الغربية وإما تحرص بالدرجة الأولى على مراعاة مميزاتها وتقاليدها الوطنية. والحديث يدور بالطبع لا عن الاختلافات المبدئية وإنما عن تحديد الأولويات. وطبعا يهم الشعب الروسي اي من الخيارين سيفضل . ومما لا شك فيه أنه لن يقبل الفرض من أي جهة فهو يدرك بوضوح جلي تطلعات الشعب الروسي وسوف يهتدي بإرادة الشعب.