جدران العزل بين العراقيين تنتقل إلى خارج بغداد
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
أسامة مهدي من لندن : بالرغم منتطمينات عسكرية ورسمية عراقية وأميركية بأن جدران الفصل بين أحياء بغداد التي ستنتقل إلى مدن أخرى خارجها هي لإسباب أمنية وليست طائفية، فإن المواطنين العراقيين ونوابهم متخوفون من أن تشكل هذه بداية لفصل طائفي وعنصري يمهد للتقسيم في هذا البلد الذي يطحنه العنف منذ أربع سنوات.
وبالرغم من إعتراضات سياسيين ومواطنين على غقامة هذه الجدران، فقد أعلن قائد خطة أمن بغداد اليوم عن إقامة جدران إسمنتية أخرى حول أحياء في العاصمة، إضافة إلى الأعظمية وسط إستياء ومخاوف شعبية من فصل طائفي، لكنه نفى بشدة أن يكون هذا الإجراء كذلك .
نفي رسمي لطائفية الجدران
وأشار الفريق الركن عبود كنبر أن هناك خططًا لإقامة جدران وفواصل بين أحياء جديدة في بغداد ومدن أخرى خارجها لحمايتها أمنيًا. وأضاف أن كل منظقة سيتم تطهيرها من المسلحين وستجري إقامة حواجز حولها. وأوضح أن هذه الحواجز ستكون إما على شكل جدران كونكريتيةأو أسلاك شائكة أو خنادق محفورة . وأكد أن هذه الحواجز لن تجري أي تغييرات في المدن التي ستبقى محافظة على معالمها وشوارعها الرئيسة والفرعية . ووصف إنتقادات برلمانية بأن هذه الجدران ستكون لفصل طائفي، بأنها غير واقعية وتبعث الألم . وقال كنبر في تصريحه لقناة "العراقية" الرسمية، إن جدار الأعظمية كانت قد سبقته حواجز أخرى في مناطق من العاصمة مثل الشعلة والغزالية . وشدد على أن خطة إقامة هذه الحواجز عراقية الهدف لتوفير الأمن للمواطنين والحفاظ على أرواحهم .
وكان سكان حي الأعظمية البغدادي قد أكدوا رفضهم للجدار الذي تقيمه القوات الأميركية حول حيهم للفصل بين السنة والشيعة شرق نهر دجلة وسط مخاوف من أن تكون هذه الجدران بداية تقسيم طائفي ذات صبغة سياسية.
واكد ضابط أميركي أن القوات الأميركية بدأت في العاشر من الشهر الحالي ببناء جدار حول حي الأعظمية الذي تقطنه غالبية من العرب السنة في مسعى لوقف الهجمات والهجمات المضادة مع المناطق المجاورة التي تقطنها غالبية شيعية.
وسيصل طول الجدار الخرساني إلى خمسة كيلومترات بإرتفاع يصل إلى 3 و5 أمتار. وبدأ مظليون تابعون للفرقة 82 الأميركية المجولة وضع الكتل الإسمنتية الأولى للجدار وسيستمرون بنصب المزيد منها خلال الليل إلى حين إكمال الجدار وفقًا لبيان عسكري لقوات التحالف.
بداية الجدران في الأعظمية
وتحيط بالأعظمية ثلاثة أحياء شيعية وكغيرها من المناطق المقسمة على أساس طائفي شهدت المنطقة عنفًا مذهبي الطابع وأعمالاً إنتقامية. وقال الكابتن سكوت ماكليرن ضابط العمليات المساعد "يشن مسلحون شيعة هجمات على السنة فينتقم السنة منهم في الشوارع.
والجدار أحد ركائز الإستراتيجية الجديدة التي تنتهجها قوات التحالف والقوات العراقية لوقف دوامة العنف المذهبي. ويأمل المخططون أن يشكل طريقة تسمح لسكان المنطقة معرفة الداخلين والخارجين كما أنها تصد فرق الموت والميليشيات.
ونسب البيان إلى أحد مخططي المشروع الكابتن مارك سانبورن قوله إنه ستوضع كتل الجدار على منطقة تفصل بين السنة والشيعة لكبح جماح بعض العنف عن طريق ضبط حركة المرور من وإلى المناطق. وأضاف: "عندما ننتهي من الجدار ستقيم قوات عراقية نقاط تفتيش تسيطر وحدها على حركة الدخول والخروج من المنطقة الأمن سيحل على الجانبين بإنتهاء المشروع، فهو يصب في صالح سكان الأعظمية". وقال إنه لن يكون السنة وحدهم المستفيد فحسب بل الشيعة في الجانب الآخر أيضًا. وعندما تنصب الجدران في مواضعها لن يتمكن الإرهابيون السنة من إتخاذ المنطقة قاعدة لمهاجمة الأحياء الشيعية.
وسيمنع الجدار المسلحين من زرع العبوات الناسفة في الطريق الذي تسلكه قوات التحالف والقوات العراقية في المنطقة. يذكر أن الجدران الإسمنتية تغطي جزءًا من شوراع بغداد الرئيسة وخصوصًا قرب مقرات الوزرات والمباني الحكومية.
ومن جهته أعلن الجيش الأميركي عزمه الإستمرار بخطته الرامية إلى تشييد جدران إسمنتية حول مناطق بغداد المضطربة رغم الإنتقادات الموجهة إلى تجربة أولى جارية حاليًا في الأعظمية شمال بغداد.
وقال الجنرال جون كامبل في بيان إن الهدف من تشييد هذه الجدران هو لحماية الناس من الإرهابيين وليست هناك نوايا لتقسيم المدينة طائفيًا. وأشار كامبل إلى أن هذا الإجراء الموقت سيضمن السلامة لسكان المنطقة، موضحًا أن الهدف من ذلك هو جعل المنطقة أكثر أمانًا. وقال إن بعض الذين تحدثت إليهم عبروا عن إرتياحهم للفكرة ويرغبون في تسريع عملية البناء. وأوضح قائلاً: "إن جدرانا كهذه ستشيد حول الأسواق طالما أنها مستهدفة بالسيارات المخففة مشيرًا إلى إتخاذ قرار تشييد الجدار (يتم) بعد إستشارة القوات العراقية والمسؤولين المحليين.
واضاف: "إنقرارات كهذه تتخذ على أساس العمل المشترك مع قوات الأمن العراقية، وكذلك مع السكان في مختلف المناطق فقد وقع إختيارنا على تجمعات شهدت دوامة عنف وها نحن نقدم الحماية لهم بوساطة هذه الجدران".
الجدران إلى خارج العاصمة... أيضًا
وفي تطور آخر على عدم إقتصار الجدران على العاصمة، وإنما نقلها إلى خارجها، قال مصدر رسمي إن القوات الأمنية في قضاء المقدادية (85 كم شمال شرق بغداد) باشرت بوضع جدار عازل في وسط القضاء ضمن إجراءات أمنية تتخذها السلطات هناك .
وأوضح المصدر أن القوات الأمنية باشرت اليوم بوضع جدار كونكريتي وسط قضاء المقدادية ضمن إجراءت أمنية إتخذتها السلطات الأمنية في القضاء إلى جانب حماية عدد من الأحياء في القضاء.
وأضاف أن الجدار سيمكن من وضع منافذ محددة لقضاء المقدادية الأمر الذي يفرض سيطرة كاملة على مداخل المدينة ومخارجها، للحد من الهجمات المسلحة التي تشن في القضاء إلى جانب فرض نقاط سيطرة على تلك المداخل ضمن إجراءات أمنية جديدة تفرض في قضاء المقدادية.
وسخرت مصادر سياسية من سياسة بناء الجدران العازلة قائلة إنها تعيد إلى الأذهان القلاع التي كان معمولاً بها في العصور القديمة. كما اعتبرت أنها محاكاة لجدار الفصل العنصري الذي تقيمه إسرائيل في فلسطين.
كما عبر المواطنين الذين شاهدوا القوات الأميركية تبني السور عن استيائهم من سياسة العزل هذه.
وعلى الرغم من أن بغداد تغص بالأسوار ونقاط التفتيش وبالموانع الموقتة الأخرى من ضمنهاأسوار الكتل الكونكريتية الكبيرة التي تحيط بالمنطقة الخضراء فإنّ المانع الذي يُبنى حول "حي الأعظمية" سيكون السور الأول من نوعه في التاريخ العربي الإسلامي كحائط يُبنى لأعتبارات طائفية.
ويأتي هذا السور الذي وصفته الصحف الأميركية بأنه "المشروع الطموح" مؤشرًا جديدًا على أبعاد السياسة التي ستتبعها القوات الأميركية لإنهاء "حمام الدم" في العراق. لكنّ المسؤولين الأميركيين أنكروا أن تكون أسوار الأعظمية، تكتيكًا مركزيًا في مفردات الخطة الأمنية التي بدأت في الثالث عشر من شباط (فبراير) الماضي .
توحد شعبي عراقي ضد الجدران العازلة
توحد العرب السنة والشيعة الذين يعيشون في ظلال هذه الأسواروالموانع في إحتقارهم لهذا "التركيب الغريب" الجديد كما تقول صيحفة "لوس أنجلوس تايمز" التي نقلت عن "أبو أحمد" السني الذي يملك صيدلية في الأعظمية قوله: "هل يريدون تقسيمنا لنعيش في كانتونات طائفية؟..إنّ هذا الأمر سيعمـِّق النزاع الطائفي، ويخدم فقط في إجهاض الجهود الهادفة إلى المصالحة". إنّ بعض زبائن "أبو أحمد 44 سنة" الذين يأتون من مناطق شيعية أو أحياء مختلطة منقطعون عنه الآن بسبب الموانع الكبيرة الحالية على طول الطريق السريع الرئيس. إنّ الزبائن والناس الآخرين الذين يريدون المجئ الى الأعظمية لا بد أن يتركوا سياراتهم خارج المدينة ليمشوا على أقدامهم في أزقة ضيقة داخل الأسوار ثم يستأجرون سيارة تاكسي لنقلهم. وشبَّه عدد من السكان الذين إلتقاهم مراسل صحيفة "لو أنجلوس تايمز" الموانع الجديدة
وتساءل صيدلي آخر، أبو قصي (48 سنة) قائلاً: "هل نحن في الضفة الغربية؟" وأكد للصحيفة أنه لن يستطيع الوصول إلى مطعم الكباب المفضل عنده في الأعظمية.
ويشكو السكان من أن بغداد قد فصلت بمئات الموانع التي تسبب التشابك اليومي لحركة المرور. وقالت الصحيفة إنّ بعضهم يتوقع أنْ يكون الجدار هدفًا للمسلحين من كلا الطرفين. وفي الأسبوع الماضي تعرّضت طواقم البناء لزخات من رصاص البنادق الخفيفة. وقال سكان آخرون إن الموانع الموجودة في الشوارع وجوانب الطرقات قد قسمت حتى البيوت والحارات.
وفي اتصال هاتفي مع "ايلاف" من بغداد يقول عبد الله عبد القادر وهو مدرس في إحدى مدارس العاصمة الثانوية، إن المواطنين متخوفون من تقييد حركة التواصل بين سكان الأحياء البغدادية وإبعادهم عن بعضهم وتمييزهم طائفيًا.
وأضاف أن الجدار يهدف بالدرجة الأساس إلى محاولة السيطرة على أحياء بعينها وليس حمايتها. وأوضح أن أفضل طريقة لحماية الأحياء السكنية هو البدء بعملية إصلاح سياسي وعملية تطهير للأجهزة الأمنية .
مواقف النواب من الجدران
إلى ذلك قال محمود عثمان النائب البارز عن التحالف الكردستاني (53 مقعدًا)، إن بناء الجدار حول منطقة الأعظمية هو قمة الفشل وخطوة سيئة ومعيبة وخرقًا لحقوق الإنسان. وأكد أنه دليل واضح على فشل السياسة الأميركية والحكومية في حفظالأمن.
وناشد عثمان في تصريح نقلته وكالة الصحافة الفرنسية القيادات السنية والشيعية الدينية والسياسية بأن تعي أن هذه الخطوة هي آخر المطاف وإنذار للإتفاق في ما بينهم.
من جهته قال اياد السامرائي النائب عن الحزب الإسلامي أبرز أحزاب العرب السنة المنضوية في قائمة "جبهة التوافق" (44 مقعدًا) إن بناء الجدار بذريعة الحماية الأمنية ليس كافيًا لإتخاذ إجراء يعزل المناطق عن بعضها.
وتساءل السامرائي: "هل سيكون هذا الجدار هو الأخير في بغداد؟". وقال: "مع الأسف، لم تخضع مسألة بناء الجدار للنقاش بين الحكومة والكتل السياسية ونخشى أن ينعكس ذلك على تأييد الإجراءات الأمنية الحكومية مستقبلاً من قبل هذه الكتل".
بدوره وصف نصار الربيعي رئيس الكتلة الصدرية في مجلس النواب (30 مقعدًا) الجدار بأنه خطوة أولى لقوات الإحتلال على طريق بناء أكثر من جدار برلين في العراق . وقال: "نرفض أي عملية عزل لأن مشكلتنا الأمنية ليست الإحتقان الطائفي بين أبناء العراق، وإنما بتغذية أجنبية لإقتتال طائفي".
لكن النائب الشيعي الذي يتمتع بنفوذ داخل المجلس الأعلى للثورة الإسلامية الشيخ جلال الدين الصغير والإئتلاف الشيعي (128 مقعدًا) قال إن فكرة بناء الجدار تتضمن جوانب إيجابية وأخرى سلبية.
وأضافأن الفكرة مفيدة من حيث منع التدخل في شؤون الأعظمية خصوصًا وأن جبهة التوافق تردد أن هناك تدخلات شيعية في المنطق، أما الناحية السلبية فهي المس بحقوق الإنسان وما يترتب على الجدار من تبعات.
أما عزت الشاهبندر النائب عن قائمة "العراقية" (25 مقعدًا) بزعامة رئيس الوزراء الأسبق اياد علاوي فقال إن العملية دليل عجز السلطات العراقية وقوات الإحتلالفي وضع السبل الناجحة والمقبولة للدفاع عن الناس. وأوضح أنه إذا كان الأمر بهدف الدفاع عن المنطقة فقد ينتقل ذلك إلى مناطقأخرى وعلى سكان الأعظمية أن يرفضوا بناء الجدار قبل غيرهم.
ومن جهته إنتقد النائب السني عن جبهة الحوار الوطني (11 مقعدًا) محمد الدايني بناء الجدار، وقال إنه يستهدف المناطق التي تشهد مقاومة ضد الإحتلال.
وأضاف أن مثل هذه الإجراءات الأميركية والحكومية إستهدفت مناطق واسعة من بغداد حيث جرى على سبيل المثال محاصرة منطقة عرب الجبور الواقعة جنوب بغداد منذ عامين حيث تمت محاصرة المنطقة بأسلاك شائكة وحواجز كونكريتية وتم قصفها والآن أصبحت المنطقة مقفرة بعد أن هجرها أهلها. وتخوف الدايني من أن يكون هذا الجدار بداية لعزل مناطق السنة عن الشيعة في بغداد، وقال إن ما جرى لجسر الصرافية من تدمير بطريقة مهنية علمية جاء ليكمل هذا المخطط لعزل منطقة الرصافة عن الكرخ، وهذا الأسلوب إستخدم في إسرائيل لعزل بعض الأراضي الفلسطينية عندما أقامت الجدار العازل بينها وبين الفلسطينيين واليوم تطبق على مناطق العاصمة بغداد.