فتوى بـ (إرضاع الكبير) تثير جدالاً واسعًا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
الحديث وارد في الصحيحين
فتوى بـ "إرضاع الكبير" تثير جدالاً واسعًا
إيلاف، المنامة: أثارت فتوى تبيح "إرضاع الكبير" لرئيس قسم الحديث بجامعة الأزهر حالة من اللغط الشديد في الشارع المصري، وجدلاً واسعًا بين علماء دين في مصر، واستفزت الفتوى نحو خمسين نائبًا في البرلمان المصري تدارسوا الموضوع وهددوا بطرحه برلمانيًا.
وكانت الشرارة التي أشعلت الجدل حسب ما نشرته صحيفة الأيام البحرينية في عددها اليوم ما فجره د.عزت عطية رئيس قسم الحديث في كلية أصول الدين في جامعة الأزهر الأسبوع الماضي من مفاجأة حيث أباح للمرأة العاملة أن تقوم بإرضاع زميلها في العمل منعًا للخلوة المحرمة، إذا كان وجودهما في غرفة مغلقة لا يفتح بابها إلا بوساطة أحدهما، وأكد عطية أن إرضاع الكبير يكون خمس رضعات وهو يبيح الخلوة ولا يحرم الزواج، وأن المرأة في العمل يمكنها أن تخلع الحجاب أو تكشف شعرها أمام من أرضعته، مطالبًا توثيق هذا الإرضاع كتابة ورسميًا ويكتب في العقد أن فلانة أرضعت فلانًا!
إلا أن الشيخ السيد عسكر الوكيل الأسبق لمجمع البحوث الإسلامية، وهي أعلى هيئة فقهية بالأزهر والنائب عن جماعة الإخوان المسلمين بالبرلمان، رفض هذا الرأي مؤكدًا أنه خروج على إجماع علماء الأمة، ولا يجوز القياس على حالة خاصة، مطالبًا بالتصدي لذلك، لأنه يسهم في نشر الرذيلة بين المسلمين.
أصل الخلاف
أصل الجدل أثاره كتاب من تأليف أستاذ الحديث في كلية أصول الدين بالأزهر د. عبدالمهدى عبدالقادر عبدالهادى عنوانه " دفع الشبهات عن السنة النبوية" يقوم بتدريسه لطلاب الفرقة الثالثة، ويثبت فيه أن موضوع الرضاع من الكبير حديث صحيح، ولكن الكتاب لم يوضح الأمور جيدًا، وتناول القضية باختصار حيث كان يأتي بالشبهة ثم يرد عليها فقط، وكان الكتاب عبارة عن دراسة نفذها في وقت مبكر من حياته العلمية.
وأكد أن الإرضاع يكون بالتقام الثدي مباشرة، وذلك لأن سالم الذي رضع كان كبيرًا وله لحية، والحديث صحيح ومن يعترض عليه فيكون اعتراضه على رسول الله!
د عزت يؤكد: " إن أحدًا من دارسي الحديث وعلمائه لا يمكنه أن يشك في أن حديث إرضاع الكبير حديث ثابت وصحيح، أما المشكلة في تطبيقه فهي التي انتشرت في كتب الشروح، وكانت خاصة بأم المؤمنين عائشة، وهي التي يحرم نكاحها على أي مسلم لقوله تعالى "النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم" وقوله " وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده ابدًا".
ويشرح ذلك بقوله: مع حرمة النكاح من السيدة عائشة شرعًا، فإن دخول الأجنبي عليها ممنوع وقد استخدمت رخصة الرسول (ص) فكانت تأمر بنات أخيها وبنات أخوتها بإرضاع من تحوج الظروف إلى دخوله عليها ليكون محرمًا لها من جهة الرضاعة، وما فعلته عائشة استثمرت به رخصة الرسول في دخول سالم مولى أبي حذيفة بعد رضاعه وهو كبير من زوجة أبي حذيفة وهذه الرخصة مقيدة بالحاجة أو الضرورة، وشرعها الرسول صلى الله عليه وسلم لإباحة دخول من ترغب الأسرة في دخوله بغير تحرج شرعي.
الحديث صحيح
أو باطل لكن ليس حكمًا
إلا أن الوكيل الأسبق لمجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة د. سيد عسكر قال: إن حديث إرضاع الكبير صحيح ولا يجوز إنكاره، لكن جمهور العلماء اختلف في إعطاء الواقعة حكمًا عامًا أو خاصًا، والرأي الراجح أن هذه حالة خاصة ولا يمكن القياس عليها، وإباحة رضاع الكبير بهذا الشكل هو اجتهاد خاطئ وخروج على الإجماع ويفتح الباب لإنتشار الرذيلة في المجتمع، فليس من المعقول أن نتحدث عن رضاع للكبير في مجتمعنا الحديث إن هذه واقعة متعلقة بأمهات المؤمنين وما يتعلق بهن لا يرتبط ببقية النساء.
من جانبه يؤكد الباحث في التراث الإسلامي عبدالفتاح عساكر وصاحب كتاب " دفع الشبهات" ، ان حديث إرضاع الكبير باطل وأنكره وينكره جميع العقلاء من العلماء وحتى العوام من الناس، وأن ما يقوله الدكتور عبدالمهدي أكبر طعنة توجه للمسلمين.
وتساءل عساكر: "هل يقبل عقل ودين أن تكون عائشة أما للمؤمنين وتفعل ذلك وهي محرمة بنص قرآني؟".
وقال عساكر، إن هذه المرويات لا يزال هناك من يرددها بغير تبصر أو تعقل من بعض أهل الحديث والوعاظ وخطباء المساجد المؤمنين بروايات تخالف كتاب الله.
وأوضح عبدالفتاح عساكر، أن أحاديث رضاعة الكبير الواردة في كتب التراث باطلة لأنها تخالف القرآن الكريم وذلك لثلاثة أسباب أولها قول الحق تبارك وتعالى: (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة)، وأي روايات تخالف النص القرآني باطلة حتى ولو وردت في البخاري ومسلم.
والسبب الثاني هو أن حادثة سالم وسهلة الواردة في كتب الحديث أسطورة من نسج خيال أعداء الإسلام، أما السبب الثالث فهو محاولة الطعن في السيدة عائشة.
وأوضح عساكر أن النبي (ص) لا يقول ما يخالف كتاب الله، ولذلك فالإرضاع في الحولين يحرم الزواج لأسباب تتعلق بعوامل الوراثة، ولكنه يجرم الاختلاط فلا يجوز للراضع بعد الكبر أن يختلي بالمرضعة أو بابنتها بحجة أنها أمه أو أخته فالخلوة حرام.
واستشهد عبدالفتاح عساكر بكلام د. عبدالرحمن العدوي الأستاذ بجامعة الأزهر، وعضو مجمع البحوث الإسلامية الذي فوضه د. محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر في إصدار فتوى الأزهر الرسمية عن موضوع "إرضاع الكبير"، حيث يقول العدوي، إن هذا الموضوع ليس من الشريعة الإسلامية، ولا يقول به شرع الله تعالى ولا يستسيغه عقل مسلم تربى على تعاليم الإسلام، مشيرًا إلى أن إرضاع الكبير لا يحرم النسب مطلقًا، لأن زمن الرضاع حدده المولى عز وجل في قوله تعالى (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة)، وموضحًا أن تمام الرضاعة يكون في حولين كاملين، وما بعد ذلك يكون محرم.
وأشار عساكر إلى الروايات التي ذكرت الواقعة خاصة الرواة المجروحين والمدلسين فيها مثل رضاعة الكبير في كتاب البخاري حيث روي (حدثنا يحيي بن بكير حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي (ص) أن أبا حذيفة وكان ممن شهد بدرًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تبنى سالمًا وانكحه بنت أخيه هند بنت الوليد بن عتبة وهو مولى لامرأة من الأنصار كما تبنى رسول الله (ص) زيدًا وكان من تبنى رجلاً في الجاهلية دعاه الناس إليه، وورث من ميراثه حتى أنزل الله تعالى (ادعوهم لآبائهم) فجاءت سهلة الى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث والراوي هنا مجروح وهو عروة بن الزبير.
أما الشيخ أشرف عبدالمقصود المتخصص في التراث الاسلامي والدفاع عن الأحاديث النبوية وصاحب دار نشر الامام البخاري فقال: إن اثارة هذا الموضوع ليس بغرض الاثارة بل للطعن في الاسلام نفسه، فحديث رضاع الكبير وارد في صحيحي البخاري ومسلم، وقصة الحديث تدور حول شخص اسمه أبو حذيفة كان له ولد بالتبني، وعندما ابطل الاسلام التبني، حصلت مشكلة، فكيف يرى هذا الولد واسمه "سالم" زوجة أبي حذيفة التي ربته وكان يدخل عليها بصورة طبيعية كأنها أمه، وعندما ذهبا للرسول قال لها" أرضعيه تحرمي عليه" هناك من العلماء من رأى أن هذا الحديث خاص بسالم مولى أبي حذيفة، وهناك من قال إن هذه القاعدة على أي شخص في مكانة سالم، وهناك طرف ثالث قال إنه حكم منسوخ.
والخلاصة تتمثل في الرأي الذي تفرد به الشيخ محمد بن صالح العثيمين فهو يقول في كتاب "الشرح الممتع على زاد المستنقع في الفقه الحنبلي" : بعد انتهاء التبني لا يجوز ارضاع الكبير ولا يؤثر ارضاع الكبير أي أنه في الأصل محرم ولا يؤثر، لأن الرضاع لابد أن يكون في الحولين وقبل الفطام.
وأضاف الشيخ عبدالمقصود: من يستدل بقصة سالم فليأت بها من جميع الوجوه وبنفس حالة سالم ويقوم بتطبيقها ونحن نوافقه على ذلك، وهذا غير ممكن لأن قصة سالم جاءت مباشرة بعد حظر التبني وبالتالي فهي قصة نادرة لن تتكرر مرة أخرى، وبالتالي لما انتفى الحال انتفى الحكم، يدل على ذلك حديث الرسول الوارد في البخاري "الحمو الموت" والحمو هو أخ الزوج وفي حاجة لأن يدخل بيته، فلماذا لم يقل الرسول لمنع حرمة خلوته بزوجة أخيه في البيت، إن عليها أن ترضعه؟ هنا يقول الشيخ ابن عثيمين إن هذا يدل أن مطلق الحاجة لا يبيح رضاع الكبير، لأننا لو قلنا بهذا لكان فيه مفسدة عظيمة أي أن تأتي امرأة لزوجها بمن تقول إنه رضع منها وهنا تحصل مشكلة كبيرة جدًا، فلو أبحناها للموظفين والموظفات فلماذا لا نبيحها لأخ الزوج؟
وقال الداعية الإسلامي والنائب الإخواني الشيخ ماهر عقل إن فتوى رضاع الكبير من جانب د.عزت عطية جانبها الصواب، فابن القيم رضي الله عنه عندما ذكر هذا الحديث بين أنها فتوى خاصة بسالم مولى أبي حذيفة، لأن الرضاع مدته عامين ولا رضاع بعد ذلك، ومن شروطه أن ينبت اللحم ويقوى العظم، ورضاع الكبير لا يؤدي إلى ذلك بل يثير الشهوات، لأن كشف المرأة ثديها لغير زوجها يعتبر كشفًا لعورة.