إسرائيل تواصل هدم مأثرة عمرانية إسلامية بالقدس
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
أسامة العيسة من القدس: في مكان يبدو انه ابعد ما يكون عن الصراع والتقاتل الفلسطيني الداخلي، في حي ماميلا بالقدس الغربية، تواصل السلطات الإسرائيلية هدم إحدى أهم المآثر العمرانية في المنطقة، بعد نحو 60 عاما، من الاستيلاء عليها.
وبدأت السلطات الإسرائيلية بعمليات هدم في الجزء الداخلي من البناية التي تعتبر إحدى درر العمارة الإسلامية في غرب المدينة المقدسة، بينما أبقت واجهات البناية المثيرة للاهتمام، كنوع من الأسوار التي تخفي ما يدور في الداخل.
وليس لدى الفرقاء الفلسطينيين المنشغلين بالاقتتال، وقتا للانتباه لخطوة هدم هذه البناية، التي تعتبر خطوة متقدمة على طريق إزالة كل اثر عربي في القدس الغربية.
وكان المجلس الإسلامي الأعلى بنى هذه البناية عام 1929، ويفصلها عن مقبرة مأمن الله، شارع إسفلتي عريض، وهي المقبرة المهمة التي تضم رفات قادة وفاتحين وعلماء ومؤرخين وقادة جيوش، وبعد عام 1948، ووقوعها تحت سيطرة إسرائيل، تم تحويل جزءا من المقبرة إلى حديقة للمثليين اليهود، وقسم آخر لموقف سيارات، والآن يتم بناء ما يطلق عليه (متحف التسامح) على ما تبقى من المقبرة.
وصاحب فكرة مشروع إقامة بناية في المكان، كان الحاج أمين الحسيني، مفتي فلسطين في زمن الانتداب البريطاني، الذي أراد تشييد مبنى على الطراز المعماري الإسلامي، في الوقت الذي كانت فيه الحركة الصهيونية تبني مشروعها وتشيّد أحياء يهودية بدعم من الانتداب، خصوصا فيما كان يعرف بالقدس الجديدة، أي القسم الغربي من المدينة المقدسة.
وفي تلك الفترة كان أثرياء من اليهود يبنون فندق الملك داود في تلك المنطقة، فبدأ الحاج أمين باسم المجلس الإسلامي الأعلى بناء فندق في منطقة ماميلا، ذات العمق الإسلامي، والتي تحولت إلى منطقة تجارية هامة في القدس الجديدة، تضم بنوك ومخازن تجارية ومكاتب حكومية.
وعلى أرض أهدتها البطريركية الأرمنية لحكومة الانتداب البريطاني، بنت الأخيرة دائرة عامة للبريد في الحي، الذي كان فيه أيضا محلّ كبير لشركة سبينيس لبيع الملابس واللحوم والبضائع البريطانية المستوردة، ووجد في الحي مستشفى حكومي للحيوانات، وسوق الجمعة لبيع المواشي، ودور للسينما.
وانتهى العمل في المبنى يوم 22 كانون الأول (ديسمبر) 1929، ونقش على واجهة المبنى من الأعلى بحروف بارزة "مثلما بنى آباؤنا وفعلوا نبني ونفعل"، في إشارة واضحة إلى الاستمرارية والحفاظ على الهوية الوطنية والحضارية، ورأى البعض في هذا النقش الذي أمر به المفتي إشارة إلى التشابه المعماري بين هذا البناء والمباني الإسلامية في الوطن العربي والأندلس.
وأصبح المبنى يُشار له كأحد أهم المباني في المدينة المقدسة، ودعا المجلس الإسلامي الأعلى لحفل افتتاح له، حضره وجهاء وسياسيون وأعيان.
وتحول المبنى بطوابقه الأربعة إلى شاهد سياسي جديد، كما أراده المفتي، وتميز الفندق بفخامته، وضم 140 غرفة، 45 منها تشبه الأجنحة مع حمامات، وخصصت ثلاثة مصاعد لاستخدام النزلاء، تمتعوا بتدفئة الفندق المركزية في أيام الشتاء، وبالمطعم الفخم.
وكل هذه المزايا اعتبرت في حينها، نوعا من الرفاهية الفائقة، التي ميزت هذا الفندق الفلسطيني الذي لفت الانتباه بعمارته الإسلامية الواضحة، والذي شبهه البعض بقصر الحمراء في غرناطة.
واحتوى الطابق الأول على ممر طويل محاط بأعمدة على الجانبين، وسقف مقوس يفضي إلى الداخل المغطى بالسجاد الفاخر والنادر الذي كان يعطي مع الثريا الطويلة المعلقة في السقف رونقا مميزا، وتميز الشكل الخارجي للفندق بالنوافذ المقنطرة وبأحجاره وتصميمه الهندسي اللافت.
واستولى البريطانيون في عام 1936، على المبنى، وحوّلوه إلى مقرٍّ حكوميٍّ، وتطورت الأوضاع في فلسطين بشكل سريع ودراماتيكي، وأصبح الحاج أمين مطلوبا للبريطانيين، وخرج إلى لبنان، ووسعت العصابات الصهيونية، من عملها باستهداف مصالح بريطانية، خصوصا مع القرارات البريطانية بترشيد الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وتحسبت بريطانيا وأغلقت مدخل الفندق لكونه أصبح مبنى حكوميا مهددا، وتم وضع أسلاك شائكة حول الفندق، للحيلولة دون وضع أفراد العصابات الصهيونية المتفجرات، وما زالت بقايا هذه الأسلاك موجودة.
وفي عام 1948، استولت دولة إسرائيل التي نشأت حينها على الفندق، وحولت قسما منه مقرا لوزارة التجارة والصناعة، ولكن هذا لم يمنع حيرة الدولة العبرية حول هذا المبنى، لا تدري ماذا تفعل به، وقبل سنوات تمت الموافقة على إضافة طابقين للبناء القديم، وتحويله إلى فندق من جديد مكون من 330 غرفة، ولكن المشروع لم ير النور.
وفي كل مرة، كانت تفشل الخطط الإسرائيلية تجاه المبنى الفلسطيني الهام، حتى حسم الأمر كما تشير صحيفة يديعوت احرنوت، وتقرر تحويل القسم الذي لا تشغله الوزارة الإسرائيلية إلى شقق فخمة لأثرياء اليهود، فيما تعتبره مصادر فلسطينية اعتداء جديدا على الأملاك الفلسطينية في القدس، وهو اعتداء تغطي عليه اعتداءات الفلسطينيين على بعضهم البعض، والتي تبرر من كل طرف بأنها تجري من اجل القدس، التي يقول البعض انها تتسرب، مثل حبات الرمال، من بين الأصابع الفلسطينية التي لا تعرف شيئا الان غير الضغط على الزناد.