أخبار

ما حاجة إيران إلى اليورانيوم المخصب؟

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

لاريجاني يصف تقرير كروكر - بترايوس بالمسرحية

ليفني تدعو إلى تشديد العقوبات على إيران

موسكو: أكدت إيران من جديد على لسان سكرتير مجلس الأمن القومي الأعلى الإيراني علي لاريجاني أنها ترفض قطعيا إمكانية فرض موراتوريوم على تخصيب اليورانيوم حتى ولو اضطر البلد إلى مواجهة قرار جديد قد يصدر عن مجلس الأمن الدولي بشأن إيران. وتفسر طهران موقفها هذا بحقها المشروع في امتلاك التكنولوجيات النووية السلمية. وقد أعلنت طهران مرارا أنها قادرة بالاعتماد على الذات على توفير الوقود النووي لمحطة بوشهر الكهرذرية الجاري بناؤها بمساعدة روسيا، بالاعتماد على الذات.

ولكن لا بد في المقام الأول من الإشارة إلى أن توريد أي وقود آخر سوى الوقود الروسي لهذا المشروع يعتبر خرقا فظا لشروطه وهو أمر مرفوض تماما بالنسبة إلى روسيا. ومع ذلك يهمنا أن نتناول بالتحليل مدى تطابق الأهداف المطروحة رسميا من جانب إيران مع قدراتها الفنية والاقتصادية الفعلية.

فهل ستتمكن إيران من إنتاج الوقود للمحطات الكهرذرية (من طراز محطة بوشهر) بالاعتماد على قدراتها الذاتية؟ كثيرا ما يقارن إنتاج الوقود النووي لمفاعلات الطاقة بإنتاج اليورانيوم المنخفض التركيز (أقل من 5 بالمئة). وهو ما يتخصص فيه بالذات مصنع يقع بالقرب من مدينة ناتانز. بيد أن الوقود النووي يختلف عن الحطب أو الفحم اللذين يحترقان في الفرن بصورة مباشرة إذ يتطلب استخدامه تطبيق طرائق تكنولوجية معقدة.

ويتمثل لب التركيبة التكنولوجية المستعملة في ما يسمى بـ"خلية الوقود". وخلية الوقود هذه عبارة عن أسطوانة فارغة مغلقة بإحكام تحشى بالمادة الانشطارية (ثاني أكسيد اليورانيوم المنخفض التركيز). ويتم تجميع هذه الخلايا في حزم تحمّل في المفاعل. ويتطلب "المفاعل المائي - 1000" الروسي (المفاعل النووي ذو المهدئ المائي للنيوترونات بقدرة 1000 ميغاوات)، تحميل 151 حزمة تتألف كل منها من 317 خلية وقود.

وتفرض شروط تشغيل المفاعل متطلبات صارمة للغاية على مواصفات تركيبة "الوقود النووي" بينها، خاصة، الإحكام المطلق لغلاف خلية الوقود الذي لا بد وأن يصمد أمام تأثير الدرجات العالية من الحرارة وحقول الإشعاع البالغة القوة. ومن الأهمية بمكان بالنسبة إلى سلامة غلاف خلايا الوقود ألا تتعرض أقراص الوقود للتورم الإشعاعي. كما ينبغي أن يتصف الغلاف بدرجة عالية من المقاومة للحت الناتج من شدة الحرارة مما يتطلب استخدام مواد تصنع على أساس تكنولوجيات متقدمة جدا. وهذا جزء من المتطلبات فقط.

تتصف خلايا الوقود وحزمها المخصصة لمختلف أنماط المفاعلات بطابع فريد يستبعد استبدال بعضها بالآخر. أضف إلى ذلك أن تزويد منشآت الطاقة النووية بالوقود يتطلب الإنتاج الصناعي لا المخبري. فمثلا تتكون شحنة واحدة من الوقود للمفاعل المائي - 1000 من 70 طن من اليورانيوم.

ومن البديهي أن الحديث يدور عن قطاع صناعي متخصص متقدم تكنولوجيا لا وجود له في إيران وهيهات أن يتوفر في المستقبل المنظور. كما لا توجد لها ما عدا الكلام العام نظرية تقنية واضحة الملامح لتنمية صناعة الطاقة الذرية. وتفتقر إيران إلى خبرة "نووية" وقاعدة تكنولوجية وبشرية متطورة تتيح لها النهوض بالمشاريع النووية الوطنية. فلا يزال قطاع الطاقة النووية الإيراني يقتصر على مشروع بوشهر غير الناجز. بل وحتى هذا المشروع سوف يعمل على الوقود الذي ستجهزه له روسيا وهي نفسها سوف تسحب الوقود المستهلك.

وتستبعد الواقعيات السياسية التي تحيط بالبرنامج النووي الإيراني إمكانية بناء محطة كهرذرية جديدة بالمساعدة الأجنبية في هذا البلد. ومع ذلك تصر طهران على عدم المساس بمخططاتها في مجال تخصيب اليورانيوم على الرغم من أن هذا الإصرار لا يسوغه المنطق التكنولوجي ولا الجدوى الاقتصادية. إذ تدل التجربة العالمية على أن الإنتاج الوطني للوقود النووي غير مبرر إلا في حال توفر ما لا يقل عن 10 أو 12 وحدة كبيرة لتوليد الطاقة النووية. ولا يغيب عن البال في هذه الأثناء أن بلدا كهذا ملزم بتحمل كل النفقات المترتبة على إعادة تصنيع الوقود النووي المستهلك (المعرض للإشعاع). ولهذا السبب بالذات تتزود كل منشآت الطاقة النووية في العالم (تعمل 443 وحدة للطاقة النووية في 31 بلدا حاليا) بالوقود الذي تنتجه حفنة من المنتجين الكبار بما في ذلك روسيا الذين يتمتعون بالقدرة الإنتاجية المناسبة والقاعدة التكنولوجية اللازمة بالإضافة إلى ثقافة الأمن النووي والإشعاعي. وتعتبر سوق الوقود النووي شأنها شأن سوق بناء المحطات الكهرذرية جزءا لا يتجزأ من العلاقات التكنولوجية الدولية. ويكفي لإيران في الحساب النهائي أن تتخلى عن تخصيب اليورانيوم على النطاق الصناعي حتى تتمكن من دخول هذه السوق. ولكن طهران لا تقبل بذلك.

وهنا يطرح نفسه السؤال التالي: لماذا تتعنت إيران؟ هل من أجل صنع السلاح النووي؟ لا نستطيع، مع الأسف، أن نستبعد هذه الفرضية وإن كنا نتمنى أن تتحلى القيادة الإيرانية بإدراك الضرر السياسي وعدم الجدوى العسكرية لمثل هذه الطموحات. ذلك أن تحقيقها سيتطلب 7 أو 8 سنوات على أقل تقدير ولكن هيهات أن تحصل إيران على موافقة من قبل "العالم المحيط" في حالة اختيارها لهذا السيناريو.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف