معهد بروكينجز: خيارات صعبة للخروج من العراق
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
واشنطن: في إطار جهودها المتواصلة لإعادة تقويم السياسة الخارجية الأميركية، وتقديم توصيات قد تفيد الإدارة الأميركية المقبلة في وضع سياسات بديلة، تقوم مؤسسة بروكينجز الأميركية بإصدار سلسلة دراسات أطلقت عليها اسم "فرصة 2008". وقد أصدرت المؤسسة مجموعة من التقارير علي مدار الأشهر القليلة الماضية، قامت بإعدادها نخبة متميزة من أبرز الباحثين والخبراء العاملين في المؤسسة المرموقة.
وقبل أيام قليلة صدرت دراسة حديثة حول تقويم الأوضاع في العراق، وكيفية تقليل التكاليف الأميركية هناك، قام بإعدادها كل من كارلوس باسكوال نائب رئيس مؤسسة بروكينجز ومدير برنامج السياسة الخارجية، وكينيث بولاك. الخبير في معهد سابان التابع لمؤسسة بروكينجز. وقد حملت الدراسة عنوان " فرص ضعيفة للاستقرار. اجتياز الخيارات السيئة في العراق".
العراق في مستنقع الحرب الأهلية
بداية تؤكد الدراسة أن العراق قد وقع بالفعل في فخ الحرب الأهلية، فهناك ما يقرب من 2 مليون لاجئ عراقي فروا من البلاد، فضلاً عن 2.2 مليون لاجئ أخر شردوا داخل العراق. كما أن آلاف الأرواح من الجنود الأميركيين قد أزهقت، ومليارات الدولارات قد أنفقت، ولا تزال، على الحرب في العراق. والأكثر من ذلك أن الدراسة تشير إلى أنه إذا كانت الحرب على العراق قد بدأت ضد عدو معروف، فإنها الآن تسير ضد عدو مجهول، فضلاً عن انتشار الفوضى وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط، وزيادة قوة المتطرفين.
ويشير الباحثان إلى أنه ليس ثمة خيار أمام الولايات المتحدة للخروج من العراق إلا من خلال البحث عن حلول جديدة، واختراع أساليب مغايرة للتفاوض وإنجاز تسوية سياسية بين الأطراف المتناحرة في العراق، وذلك على غرار ما حدث في تجارب عديدة مثل البوسنة وكوسوفو وموزمبيق والكونغو وأيرلندا الشمالية.
وتحدد الدراسة أطراف الحرب الأهلية في العراق بالميليشيات الشيعية والسنية والقاعدة وقوات البيشماركة الكردية. فالنسبة للميليشيات الشيعية هناك "جيش المهدي" التابع للزعيم الشيعي مقتدي الصدر، وقوات بدر التابعة للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية، وكلاهما يسيطر علي الحكومة العراقية "الضعيفة"، حسبما تشير الدراسة.
وتتطرق الدراسة إلي حال الانقسام والتشرذم التي تسيطر علي الكتل السياسية في العراق. فبالنسبة إلى المشهد الشيعي، تشير الدراسة إلى ما يقوم به "جيش المهدي" التابع للزعيم الشيعي مقتدى الصدر، من عمليات انتقامية ضد العرب السنة، كما أنه يعارض تقسيم العراق إلى ثلاث مناطق، ويفضل الحكم المركزي على اللامركزية.
في حين يرى المجلس الأعلى للثورة الإسلامية بزعامة عبد العزيز الحكيم، ضرورة تقسيم العراق وتقليل السلطات الممنوحة للحكومة المركزية في بغداد. ووفقاً للدراسة فقد تمكنت ميليشيات جيش المهدي وقوات بدر من التسلل ضمن قوات الأمن العراقية، وذلك من أجل القيام بعمليات ضد الميليشيات السنية المسلحة.
إدارة بوش . رهانات فاشلة
تشير الدراسة إلى أن الإدارة الأميركية بزعامة الرئيس جورج بوش قد أخطأت في تقويم رهاناتها الفاشلة في العراق، باعتبارها جزءاً من الحرب على الإرهاب. وهنا تعدد الدراسة أهم التداعيات التي حدثت نتيجة لهذه الرهانات الخاطئة. فتشير إلى ارتفاع التكلفة البشرية في العراق، حيث يعاني ملايين اللاجئين من أوضاع إنسانية مأسوية، في حين يمثل هؤلاء اللاجئون معضلة حقيقية للدول المجاورة. في حين توفر هذه الأوضاع تربة خصبة تساهم في تقوية المتمردين، الذين يعملون دائما على إعادة ترتيب صفوفهم بسهولة من خلال دعم ومساعدة هؤلاء اللاجئين، الذين بات معظمهم يمثل وقوداً لعمليات التمرد. وقد نجم عن ذلك زيادة مخاطر عدم الاستقرار في البلدان المجاورة للعراق، مثل الأردن وسوريا والسعودية، والكويت، وزاد من فرص الإرهابيين في تهديد هذه البلدان، وذلك حسبما تقرر الدارسة.
وتحذر الدراسة من احتمالات لجوء الأكراد، في ظل هذا الوضع الأمني والسياسي المتدهور، إلى إعلان دولتهم المستقلة، ما قد يؤدي إلي حدوث تدخلات خارجية من قبل إيران وتركيا، لمنع الأكراد من توسيع نطاق سيطرتهم وامتدادها لحدودهما. وهنا تشير الدراسة إلى احتمالات تدخل حلف الناتو إلى جانب تركيا لحمايتها من أي تداعيات سلبية قد تحدث، وهو ما قد يهدد باندلاع حرب مع إيران.
إنقاذ العراق. الاستفادة من تجارب سابقة
تشير الدراسة إلى أنه يتوجب علي الإدارة الأميركية المقبلة الاستفادة من الدروس والتجارب السابقة المشابهة لحالة العراق، كما كان الحال في البوسنة وكوسوفو وهاييتي ونيكاراجوا والسلفادور والسودان. وتضع الدراسة مجموعة من الاستراتيجيات التي ترى ضرورة الالتفات إليها:
1- التفاوض من أجل حل سياسي
هنا تشير الدراسة إلى أنه في المجتمعات التي تشهد حروباً أهلية، يتوجب على قوات الاحتلال البحث عن حلول سياسية، لا تم فرضها بالقوة وإنما من خلال التفاوض. لذا فلابد من تغيير بوصلة الوضع في العراق من خلال البحث عن اتفاق سياسي يضمن تحقيق السلام بين الأطراف المتنازعة.
2- الاحتفاظ بقوات أمنية كافية
وهنا تؤكد الدراسة ضرورة الاحتفاظ بقوات أمنية أجنبية بعد إنجاز أي اتفاق سياسي في العراق، وذلك من أجل ضمان تنفيذ هذا الاتفاق. وهنا تستحضر الدراسة أرقاماً من التجارب السابقة التي تم الاحتفاظ فيها بقوات أمن تتناسب مع عدد السكان، فتشير إلى أن النسبة في حالتي البوسنة وكوسوفو كانت عشرين فردا لكل ألف مواطن. في حين أن هذه النسبة في العراق وصلت إلى الثلث، أي 7 أفراد لكل ألف مواطن وذلك عام 2003، وفي أفغانستان كانت فردين لكل ألف، وذلك عام 2001. وبالنسبة إلى العراق، وفي ضوء خبرة البلقان، تشير الدراسة إلى أن العراق سوف يكون في حاجة إلي نسبة تتراوح ما بين 250 ألف إلى 450 ألف فرد أمن أجنبي على مدار عشر سنوات.
3- زيادة الدعم الاقتصادي
تؤكد الدراسة ضرورة التزام الولايات المتحدة والمجتمع الدولي بتوفير الدعم الاقتصادي على مدار مدة تتراوح من ثمانية إلى عشرة أعوام، وذلك من أجل ضمان إنجاح أي اتفاق سياسي قد يتم التوصل إليه. وهنا تشير الدراسة إلى أن المجتمع الدولي ظل ملتزماً بتقديم مساعدات لكل من بولندا والمجر وجمهورية التشيك، لمدة ست سنوات كاملة بعد سقوط الجدار الحديدي.
الإدارة المقبلة والخيارات الممكنة
تؤكد الدراسة أن فرص تحقيق السلام والاستقرار في العراق تتآكل يوميا، لذا ترى أن ثمة خيارات يجب على الإدارة الأميركية المقبلة العمل على تحقيقها، تتمثل في ما يلي:
1- خيار النصر
تشير الدراسة إلى ضرورة إعادة تعريف النصر في العراق، ذلك أنه إذا كان النصر في العراق، حسبما يرى الرئيس بوش، يتمثل في إقامة بلد ديمقراطي، يحترم حقوق الإنسان ويحقق الأمن والاستقرار ويقوم بدور في الحرب على الإرهاب، فإن ذلك يتطلب، حسب الدراسة، فترة زمنية تتراوح ما بين ثلاث إلى خمس سنوات، وهو ما يصعب توقع حدوثه في العراق.
2- خيار الاستقرار
تشير الدراسة إلى أن الهدف الآني لتحقيق الاستقرار في العراق يتطلب ضرورة وقف فوضى القتال بين الميليشيات المختلفة، وإحكام السيطرة على مناطق تنظيم "القاعدة"، وعقد هدنة طويلة المدى حين يتم التوصل لوثيقة دستورية جديدة.
3- خيار التفاوض من أجل اتفاق سياسي
تؤكد الدراسة أنه رغم صعوبة إنجاز اتفاق سياسي في العراق، بيد أن ذلك لا يعني عدم وجود فرص للوصول إلى مثل هذا الاتفاق. وهنا تشير الدراسة إلى إمكانية الاستعانة بالأطراف الإقليمية وفي مقدمتها إيران وتركيا وسوريا لإنجاز مثل هذا الاتفاق.
وتقترح الدراسة آلية محددة بإمكانها تسهيل التوصل إلى هذا الاتفاق، وذلك من خلال تكوين ما أسمته الدراسة "مجموعة اتصال" تتشكل من ممثلين عن اللاعبين الرئيسين كالولايات المتحدة والسعودية وسوريا وتركيا والكويت والأردن والاتحاد الأوروبي. كما تشدد الدراسة على ضرورة الاهتمام بإشراك كافة الأطراف العراقية في التوصل لمثل هذا الاتفاق.
4- خيار الانسحاب
وهنا تشير الدراسة إلى ضرورة أن يكون المحدد الرئيس في عملية الانسحاب هو العمل على إعادة نشر ما يقرب من 150 ألف جندي أميركي على مدار ما يقرب من عام ونصف. بينما يتم أثناء ذلك تدريب وتأهيل القوات العراقية كي تتحمل مسؤوليات الأمن والاستقرار في البلاد.
5- خيار الاحتواء
تشير الدراسة إلى أنه إذا فشلت الاستراتيجية الأميركية الجديدة في تحقيق الاستقرار في العراق، فإنه لابد من تطوير استراتيجية بديلة للاحتواء، يكون هدفها الرئيس ضمان عدم انتشار الفوضى في الإقليم، ذلك أن أحد الأهداف الأميركية خلال المرحلة المقبلة، لا يتمثل في وقف الفوضى في العراق فحسب، وإنما أيضا ضمان عدم اهتزاز سوق النفط العالمية، أو تداخل الملفات الاستراتيجية في المنطقة.
العراق ومخاطر التقسيم في نهاية الدراسة يؤكد الباحثان أن الاقتراح الذي يروجه البعض بتقسيم العراق إلى ثلاثة كانتونات شيعية وسنية وكردية، من شأنه زيادة فرص التفكك وإشعال الفوضى الطائفية في البلاد. لذا فإن أي طرح لمسألة التقسيم لا يجب أن تتم قبل حدوث اتفاق سياسي بين مختلف الأطراف، وألا يكون تقسيماً جغرافياً بقدر ما يكون تقسيماً إدارياً فقط، مع ضمان توزيع عادل للعائدات النفطية.