فرنسا تمضي بخطى واثقة على طريق سياسة التشارك النووي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
ساركوزي أكد استعداد بلاده لبناء مفاعلات نووية سلمية في العالم العربي
فرنسا تمضي بخطى واثقة على طريق سياسة التشارك النووي
باريس: تمضي فرنسا بثقة حاليا على طريق ترويج الطاقة النووية للاغراض السلمية وخاصة في البلدان النامية وذلك على الرغم من مخاطر الحوادث والهجمات الارهابية وسرقة النظائر والمواد المشعة وباقي سيناريوهات المخاطر الممكنة. ومنذ توليه الرئاسة جعل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي من هذا الترويج النووي حجر زاوية في سياسة الطاقة التي ينتهجها بهدف التشارك في الطاقة النووية للاغراض السلمية مع البلدان المحتاجة لها شريطة ان تلبي تلك البلدان معايير وشروط مشددة مفروضة من قبل فرنسا ومنظمة المعاهدة النووية الاوروبية ( يوراتوم ) على حد سواء. ويتعين ان تصادق هذه الهيئة الاوروبية المتخصصة على اي اتفاقية تبرمها فرنسا لتزويد اي دولة في العالم بالطاقة النووية وملحقاتها في اجراء يستغرق زمنا ليس بالقصير غير ان الانتظار يساوى ثمنه بالنظر الى ارتفاع قيمة الخبرات النوية النادرة التي تستعد فرنسا لتوفيرها الى " المحتاجين نوويا " .
وردا على المخاوف والتساؤلات حول حكمة ساركوزي في انتهاج هذه السياسة في زمن عدم اليقين الامني الذي اشاعه الارهاب وتوجهه للتشارك في المعارف والخبرات والمواد النووية مع بلدان من خارج النادي النووي..يشدد المسؤولون الفرنسيون على ان هناك العديد من العوامل الاخرى التي تدخل في معادلة توفير مستلزمات الطاقة النووية.
جا ذلك في جلسة صحافية عقدها مجموعة من المسؤولين والدبلوماسيين الفرنسيين مع مجموعة من الصحافيين بعد ان طلبوا حجب هوياتهم وقالوا فيها ان سياسة التعاون النووي هذه "عملية طويلة الامد فمتوسط المدى الزمني بين ابرام اتفاقية مع دولة ما وبناء وتركيب منشأة نووية بها تصل بين 12 الى 25 عاما بالنظر الى ان اغلب المفاعلات النووية لتوليد الطاقة الكهربائية تتطلب نحو 20 عاما لبنائها".
ويضيفون القول ان "العديد من الامور يمكن ان تحدث خلال هذه الفترة الزمنية ويجب ان يكون المزيج السياسي-الفني مفهوم جيدا في اي قرار ببناء مفاعل" بمعنى ان تكون الجوانب السياسية والفنية معا مفهومة ومغطاة قبل ابرام واثناء تنفيذ اي اتفاق.
وسياسيا اكد الرئيس ساركوزي استعداد بلاده لبناء مفاعلات نووية سلمية في العالم العربي غير ان هذ العملية ليست نشطة وسلسلة كما قد يتبادر للذهن عند الوهلة الاولى. والى جانب اتفاق بقيمة ستة مليارات دولار ابرمه ساركوزي مؤخرا خلال زيارته دولة الامارات العربية المتحدة لبناء مفاعل نووي تطوري ذي وحدتين (اي.بي.آر) في ابو ظبي..لا تظهر فرنسا تحمسا كبيرا لتزويد اي دولة عربية اخرى بمفاعلات نووية سلمية في الوقت الراهن.
ويقول المسؤولون ان افتقاد التحمس هذا لا يعود لاسباب امنية مشيرين الى ان المفاعلات من النمط المذكور لا يتم تزويدها سوى بيورانيوم خفيف التخصيب للغاية بنسبة 5ر3 الى 4 في المائة ولا يصلح لاستخدامه في صنع سلاح نووي..فالمسألة كذلك تتعلق بوجود اشخاص مؤهلين لادارة منشأة نووية بعد تشييدها والعديد من العوامل الفنية الشائكة.
والحقيقة هي ان دولة مثل الجزائر لن تتمكن في المدى المنظور من شراء مفاعل نووي فرنسي على الرغم من جهود ساركوزي وشركة (آريفا) النووية الفرنسية في هذا الاتجاه اما الاسباب فبدى من الواضح ان المسؤولين الفرنسيين لا يرغبون في التطرق لها مكتفين بالقول ان هذا قد يحدث في وقت ما مستقبلا.
اما دولة مثل ليبيا فاحتمال تزويد فرنسا بمفاعل لها "بعيدة للغاية عن الحدوث" بحسب المسؤولين الذين يقولون انها في آخر القائمة من حيث اولويات التوريد الفرنسية على الرغم من الزوبعة التي اثيرت مؤخرا لمجرد طرح ساركوزي فكرة تزويد الجماهيرية بمفاعل. والمغرب من المرشحين القدامى للدخول في مشروع نووي مشترك مع فرنسا لكن بعد التغلب على صعوبات فنية ومالية وتشغيلة تقف الان حائلا دون المضي في هذا الاتجاه. وتقول المصادر الفرنسية ان المغرب سيكون سعيدا بقيام فرنسا ببناء وتشغيل مفاعل سلمي "لكن هذا يحتاج لتمويلات طائلة لا تزال غير متاحة لدى المغرب على الرغم من مضي 10 سنوات منذ بدأ التباحث حول الموضوع".
غير انه مع تنامي الطلب على "الكهرباء النووية" هناك مشاكل تواجه الصناعة النووية عموما وهي متاعب ترتبط بالعنصر البشري وخاصة النقص في الكوادر المتخصصة المدربة والمؤهلة لادارة المحطات والمراكز والمفاعلات النووية. ويقول الدبلوماسي المطلع ان "هذه البنية التحتية البشرية غير متوفرة وتلك مشكلة كبرى عند الحديث عن بلدان لا يوجد بها تدريب او حتى قوانين منظمة" مشيرا الى ان فرنسا نفسها تواجه هذه المشكلة مما اضطرها للاستعانة بالخبرات المتقاعدة لعدم وجود ما يكفي من المؤهلين المتوفرين.
واوضح ان شركة آريفا الفرنسية استحدثت برامج تدريب لكافة البلدان التي تبني فيها مفاعلات نووية سواء كانت بلدان من اوروبية او اسيوية "او حتى عربية فنحن لا نستطع حرمان اشخاص من التدرب لانهم ببساطة من العرب فهذا ليس ممكنا". وشدد على ان عدم وجود تدريب كاف لخبرات محلية في البلد الذي يبني مفاعلا نوويا "يخلق مخاطر جمة".
وخلصت مجموعة الدبلوماسيين والمسؤولين الفرنسيين من حديثها للمجموعة الصحفية الى القول انه "لن يسمح لعميل جديد بحيازة دورة نووية كاملة فهذا سيظل تحت سيطرة فرنسا او سيتم ادماج المشروع المعني في بنكي الوقود النووي الاوروبي والعالمي بحسب كيفية تطور السوق". ويقصد بالدورة النووية الكاملة او دورة الوقود النووي معالجة اليورانيوم من الصفر كمادة خام وانتهاء بتركيبه في المفاعلات وتوليد الطاقة منه ثم اعادة معالجته او التخلص منه مرورا بتخصيبه بالطبع. وبذلك ستتم معالجة اليورانيوم خفيف التخصيب في فرنسا قبل توريده الى عملاء صناعتها النووية على ان يعاد الى فرنسا فور نضوبه من اجل عمليات اعادة التدوير او التخلص وبالتالي تجنب اي سوء استخدام له او اي محاولات سرية لتخصيبه الى المستوى العسكري.
ويشير المسؤولون الى انه عند توفر رؤوس الاموال اللازمة تصبح المفاعلات النووية خيارا اقل تكلفة من باقي خيارات الطاقة كما انها تتمتع بميزة استقرار الامدادات. واوضحوا في هذا الصدد ان فرنسا اختارت قبل اعوام عدة تبني ما اسموه "مسارا نوويا للطاقة" اصبحت البلاد بفضله مكتفية ذاتيا من الطاقة بنسبة 50 في المائة وهي نسبة لا تتعدى 15 في المائة عند بلدان متقدمة اخرى مثل ايطاليا التي لا تعتمد استراتيجية نووية لتامين احتياجاتها من الكهرباء.
ويشهد سوق المحطات والمفاعلات النووية توسعا كبيرا حاليا خاصة وان بلدان مثل بريطانيا قررت استئناف تشييد تركيب مفاعلات نووية كانت قد توقفت عنها او جمدت مشاريعها في السابق فيما توشك الولايات المتحدة بدورها على دخول حقبة "توسع نووي".وقال الدبلوماسي الفرنسي "اذا ما حصلنا على حصة في السوق الاميركي فسيكون ذلك بمثابة الدورادو بالنسبة لنا" في اشارة لمدينة الذهب الاسطورية اي ان الولايات المتحدة ستصبح وقتها الدجاجة التي تبيض ذهبا لباريس.
ويضيف قوله ان الطلب على الطاقة النووية يرتفع ايضا في روسيا والصين والهند والبرازيل وكندا والارجنتين وجنوب افريقيا واليابان وكوريا الجنوبية وفيتنام وتايلاند وبريطانيا وفنلندا وكلها اسواق محتملة امام فرنسا التي تتمتع بخبرة وامكانات كبيرة في مجال المفاعلات النووية للاغراض السلمية. ويشير الى ان ما سبق "لا يتضمن حسبة تحديث واستبدال المفاعلات الروسية الصنع المتقادمة في بلدان وسط اوروبا".
اما فيما يتعلق بباقي المنطقة الخليجية بخلاف الامارات فلا يوجد في الافق اي حديث حول مشاريع مشتركة حاليا فيما يقال ان طموحات مصر في هذا المجال تميل باتجاه "حل روسي". وبعيدا عن العالم العربي ترى فرنسا سوقا متعطشة للطاقة النووية وطلبا مرتفعا على منشآتها. ومن بين المفاعلات ال 440 الموجودة في العالم حاليا تمتلك فرنسا 50 منها تنتج 360 ميغاواط تورد فرنسا منها امدادات كهربية لنحو 30 دولة.
وقال دبلوماسي مطلع على الجوانب المالية للصناعة النووية ان هناك "احياءا نوويا" حول العالم وهو ما يقود الى ازدياد الطلب" بمعنى وجود زيادة كبرى في القبول العالمي للطاقة النووية وبالتالي ارتفاع الطلب على المفاعلات النووية بالنظر لارتفاع اسعار النفط واوضاع الطاقة في العالم.
والطاقة النووية مسؤولة حاليا عن تزويد العالم قاطبة بنحو 17 في المائة من احتياجاته الكهربية وهي نسبة ترتفع الى 21 في المائة لدى بلدان النادي النووي السلمي المنتجة للطاقة النووية وبينها الثلاثي روسيا والصين والهند التي تمتلك مجتمعة 30 مفاعلا نوويا.
ويضيف الدبلوماسي ان التوقعات لعام 2050 تشير الى ان السعة النووية ستتضاعف ثلاث مرات لتصل الى اكثر من 1200 ميغاواط من الكهرباء المولدة من مفاعلات نووية. ومن المرجح ان تتجه كبريات البلدان المنتجة للنفط بدورها الى الخيار النووي لتلبية احتياجاتها من الطاقة وذلك لاسباب متعددة من ابرزها المحافظة على مصدر طاقة ناضب كالنفط وتنويع مصادر الطاقة.