هل يساعد الإنجيليون ماكين في الإنتخابات؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
ساره بايلن تجاوزت حد السلطة في الالسكا واشنطن: أثار اختيار المرشح الجمهوري "جون ماكين" لحاكمة ولاية ألاسكا عديدا من التساؤلات حول هذا الاختيار، لنقص خبرة بالين مقارنة بالمرشح لمنصب نائب الرئيس على بطاقة الحزب الديمقراطي السيناتور "جوزيف بايدن" لاسيما في الشؤون الخارجية والقضايا الدولية. وقد تنوعت الإجابات على هذا الاختيار بين من يرى في اختيار ماكين لـ"بالين" إظهار أنه جمهوري معتدل، لا يُمانع تولي امرأةٍ منصب نائب الرئيس، وإلى رغبته في استقطاب أصوات مؤيدات السناتور هيلاري كلينتون واللاتي صوتن لها في الانتخابات التمهيدية هذا العام، لاسيما بعد خسارتها أمام منافسها باراك أوباما، واللاتي لم يقدرن على تحمل هزيمتها أمام منافسها، وبالتالي فإن اختيار بالين سيشجعهن على التصويت له. ويضيف بعضٌ سببًا آخر لا يقل أهمية عن الأسباب الأخرى والمتمثل في كون بالين امرأة "عادية" تعيش مثل باقي الأميركيين، فقد نشأت نشأة تقليدية، اعتادت خلالها صيد الثيران قبل شروق الشمس وتسلق الجبال في شتاء ألاسكا، إلى جانب أنها أم لخمسة أولاد.
ولكن السبب الرئيس لاختيار بالين، حسبما تشير كثيرٌ من الكتابات والتحليلات الأميركية، يرجع إلى أمل المرشح الجمهوري في أن يؤدي هذا الاختيار إلى استقطاب أصوات الإنجيليين، لاسيما بعد الأداء الانتخابي القوي لهم خلال انتخابات عامي 2000 و2004 ولعبهم الدور الحاسم في فوز بوش بولايتين. وقد كان هذا السبب محل بحث واختبار من قبل كثيرٍ من المحللين منهم "أدريل بيتلهايم Adriel Bettelheim" الذي طرح تساؤلاً حول مدى نجاح ماكين في استقطاب الإنجيليين لصفه، في مقال له بعنوان "الثقة في قوة القواعد" Believing in The Basersquo;s Power نُشر على موقع Congressional Quarterly Politics .
تحول ماكين للمحافظين الاجتماعيين خلال بالين
يوضح الكاتب في بداية مقالته التحول الذي طرأ على موقف ماكين من المحافظين الاجتماعيين social conservatives، المهتمين بالقضايا الاجتماعية كالإجهاض وزواج المثلين والصلاة في المدارس وغيرها، حيث لم يُبْدِ ماكين أي تعاطف تجاههم، أو حتى تجاه الأسباب التي يسوقونها للدفاع عن قضاياهم. فخلال الحملة الانتخابية الرئاسية عام 2000، هاجم "ماكين" الإنجيليين، وخاصة القسِّين بات روبرتسون Pat Robertson وجيري فايلول Jerry Falwell" لـممارستهما النفوذ الفاسد في الدين والسياسة، كما انتقد أيضًا جورج بوش، المرشح المنافس له آنذاك على ترشيح الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية، حيث اتهمه بالعمل كـ"قواد لعملاء التعصب"، والإسهام في إيصالهم إلى قمة السياسة الأميركية.
ولكن ماكين، والذي ظل متحالفًا مع جناح الحزب الجمهوري المنادي بدور أقل للحكومة، وضرائب منخفضة، أدرك الدور الحيوي الذي لعبه الصوت الإنجيلي Evangelical Vote في إيصال الحزب الجمهوري إلى البيت الأبيض، وبالتالي أراد ماكين أن يبعث حياة جديدة في حملته الانتخابية وفي فرصه للفوز بالرئاسة عبر اختيار سارة بالين حاكمة ولاية ألاسكا، الإنجيلية المحافظة ذات الأربعين عامًا والتي تستمد هويتها السياسية من إيمانها الديني واعتقادها في القيم الجمهورية مثل الحق في حمل السلاح، كنائبة له في 29 أغسطس 2008.
ويقدم أدريل عديدًا من الدلائل التي تُشير إلى انتماء بالين للتيار المحافظ، فقد طرحت، في أثناء توليها منصب عمدة لواسيلا Wasilla في ولاية ألاسكا (البالغ عدد سكانها 9.780 في عام 2007)، فكرة فرض حظر على الكتب المرفوضة أخلاقيًّا، وحاولت فصل أمين مكتبة المدينة الذي قاوم جهودها. وعندما كانت حاكمة للولاية استخدمت بالين حق النقض في قطع التمويل عن البرنامج الذي يدعم الأمهات المراهقات Teen Mothers اللواتي لا يجدن مكانًا للعيش، وهو قرار لا يبدو الآن في صالح بالين مع كشفها لخبر حمل ابنتها، ذات السبعة عشر عامًا في أول سبتمبر الماضي.
هل يجني ماكين ثمار اختيار بالين
واختيار ماكين لبالين يثير تساؤلاً مفاده هل ستنجح بالين في جذب أصوات الإنجيليين؟ فطبقًا للمؤيدين لاختيار بالين فإن اختيار ماكين لها يعد اعترافًا بأهمية تيار اليمين المسيحي داخل الحزب الجمهوري، والدليل على ذلك أن الحزب قد حقق عديدًا من النجاحات في الانتخابات الرئاسية في الولايات المحافظة مثل كنتاكي Kentucky وغرب فرجينيا West Virginia، وميسوري Missouri، ما دفع واضعو الاستراتيجيات في الحزب إلى التعويل على تلك المكاسب للتغلب على الأداء الضعيف في الولايات التقليدية مثل بنسلفانيا Pennsylvania وأوهايو Ohio، كما أن الكنائس الإنجيلية أصبحت المحرك التنظيمي الأساسي الذي يستخدمه الحزب لحشد الأصوات الانتخابية.
غير أن اختيار بالين لا يعني تحقيق مكاسب كبيرة للمرشح الجمهوري، فهناك ثمة مشكلات تَحُدُّ من المساعدة التي قد يقدمها الإنجيليون لبالين وماكين، فالانتخابات الحالية تختلف عن نظيرتها في عام 2004، عندما نجحت استراتيجية كارل روف في تعبئة القواعد المحافظة لانتخاب جورج بوش لولاية ثانية، فعديدٌ من الأميركيين يبدون ميلاً تجاه الحزب الديمقراطي في الانتخابات، وهو تحول قد يُعبر عن تنامي خيبة أملهم من إدارة الرئيس جورج بوش.
وحتى تيار الوسط داخل الحزب الجمهوري، الذي كان يؤيد اختيار ماكين لتوم ريدج الداعم لحقوق الإجهاض نائبًا له، لا يؤيد اختيار بالين، حيث أعلن أنه يبحث عن مرشحين جدد وواقعيين بوسعهم أن يزيدوا من جاذبية الحزب بين النساء الشابات غير المتزوجات، واليهود، والمثليين جنسيًّا والكتل التصويتية الأخرى التي تميل للتصويت للديمقراطيين.
كما أن فوز بالين بأصوات النساء ليس أمرًا سهلاً، فقد أظهرت نتائج استطلاع لـ A Greenberg Quinlan Rosner على 1356 سيدة، في الفترة من 2-3 من سبتمبر قبل إلقاء بالين لخطاب القبول، أنه رغم أن غالبية السيدات النساء لديهم نظرة إيجابية عن بالين، فإنهم لم يبدوا إلى الآن تحمسًا تجاه دعمها. ومازال المرشح الديمقراطي "باراك أوباما" متقدمًا بين أصوات النساء، 54% لأوباما مقابل 39% لبالين، طبقًا للاستطلاع، ومع ذلك فإن حملة أوباما تدرك أن بوسع بالين تجاوز هذه الميزة، ولذلك استعان أوباما بمنافسته السابقة هيلاري كلينتون، لجذب أصوات النساء كما حدث في ولاية فلوريدا في 8 من سبتمبر الماضي.
وتمثل التحولات التي طرأت على آراء المحافظين تحديًّا آخر أمام بالين، ففي عام 2004 كان 30% من المحافظين فقط يرون أن الكنائس ودور العبادة الأخرى يجب أن تبقى خارج السياسة، ولكن وصلت نسبتهم الآن إلى 50%، طبقًا لاستطلاع أجرته مؤسسة "بيو"، وتم نشره في 21 من أغسطس الماضي. كما لاحظ الاستطلاع أن التحول الأبرز في التوجهات كان لدى الناخبين الإنجيليين البيض "البروتستانت" ـ يشكلون حوالي 22% من المجمع الانتخابي ـ حيث أعرب 28% منهم فقط عن عزمهم تأييد ماكين، مقارنة بنحو 57% أيدوا بوش الابن بقوة في انتخابات عام 2004.
التحالف المحافظ الجمهوري.هل يضمن الفوز لماكين
يُشير أدريل إلى أنه رغم إسهام بالين، كثاني سيدة بعد ترشيح الحزب الديمقراطي "جيرالدين فيرارو" عام 1984 نائبة للمرشح الرئاسي "والتر مونديل"، وأول عضو من الحركة المحافظة يترشح لمنصب نائب الرئيس، في إضفاء مزيدٍ من الجدية والحيوية على حملة ماكين الانتخابية، فإن الاختيار المفاجئ لبالين يشير أيضًا إلى لحظة فارقة في تاريخ التحالف الهش داخل الحزب الجمهوري، الذي يجمع المحافظين بمختلف تصنيفاتهم، المحافظين الاجتماعيين، أو المحافظين في مجال السياسة الخارجية، أو في مجال الأوضاع الاقتصادية، والذي يجد جذوره في ثورة ريجان المحافظة في عام 1980. وقد لعب هذا التحالف دورًا هاما في الحياة السياسية، حيث استطاع التحالف حشد ما يكفي من الدعم للحزب الجمهوري للفوز في خمسة من الانتخابات الرئاسية السبعة التي أُجريت في السنوات الأخيرة.
وينقل بيتلهايم قول "كيفن فيلبس" Kevin Phillips، أحد المخططين السابقين لحملة الرئيس الأميركي الأسبق نيكسون، في كتاب له تحت عنوان "الثيوقراطية الأميركية" American Theocracy نشر في عام 2006،: إن التنظيم السياسي (الجمهوري) تم إنجازه من خلال المزج بين اللاهوت والثقافة العامة والمفاهيم الدينية للحكم.
ويقول فيلبس، والذي يعتبر من أشد المنتقدين لهيمنة الإنجيليين على الحزب الجمهوري: إن القساوسة ذوي الشخصيات الكاريزمية قد لعبوا دورًا في دعم هذا المزيج السياسي، عبر مطالبتهم الوعظية بخفض الضرائب والحد من التنظيم الاقتصادي، ومواصلة الضغط على القادة السياسيين لنقل السلطة والموارد من الحكومة إلى المؤسسات الدينية.
ولكن "بيتلهايم" يعود ليؤكد أنه في انتخابات "التغيير"، انتخابات 2008، فإنه من غير الواضح ما إذا كان بوسع القاعدة الإنجيلية للحزب الجمهوري أن تحشد عددًا كافيًّا من الأصوات، مثلما فعل كارل روف Karl Rove في استراتيجيته الناجحة عام 2004 حيث استطاع بوش الحصول على أكثر من 80% من أصوات الإنجيليين، يمكنها من التغلب على أصوات الناخبين المستقلين والمعتدلين، وبشكل يمكنها من الوصول بإدارة جمهورية جديدة إلى السلطة.
الشيء الواضح ــ من وجهة نظر بيتلهايم ــ هو أن اختيار بالين على حساب مرشحين أكثر خبرة مثل سكرتير الأمن القومي السابق توم ريدج Tom Ridge، والسيناتور المستقل جوزيف ليبرمان Joseph I. Lieberman، وضع ضغوطًا هائلة على اليمين المحافظ، لحشد أصوات كافية في يوم الانتخابات.
ويبدو هذا السيناريو، (أي) تمكن اليمين الديني من حشد هذا العدد الكافي، مستبعدًا بالنظر إلى ما شهده مؤتمر الحزب الجمهوري الأخير، حيث أبدى كثيرٌ من الإنجيليين البيض قدرًا من النفور تجاه ماكين، بل زاد اعتقادهم في فشل الجمهوريين في تحقيق كثير من القضايا التي يطالبون بها مثل منع زواج المثليين، وإقرار الصلوات في المدارس، فضلاً عن بعض القضايا الأخرى المتعلقة بالقيم.
محافظو الحزب الجمهوري في مفترق الطريق
وفي نهاية مقالته يخلص أدريل إلى أن ما يسميه "مفترق الطرق الإنجيلي" الحالي الذي يتعرض له الحزب الجمهوري، والذي قد يغير من شكل الحزب في المستقبل، بطريقة أو بأخرى، فإذا فشلت الاستراتيجية وراء اختيار بالين كنائبة لماكين، وخسر ماكين الانتخابات الرئاسية، فإن المعتدلين والمحافظين الجدد في الحزب الجمهوري، والذين يركزون على قضايا الأمن القومي على حساب القضايا الاجتماعية الأخرى ساحة "الحروب الثقافية" في الولايات المتحدة، سوف يحكموا من سيطرتهم على قيادة الحزب الجمهوري.
ولكن يذهب مراقبون إلى أن الحزب سيظل حريصًا على صوغ أجندة قريبة من توجهات المحافظين الدينيين، بحكم أن 30% أو أكثر ممن لهم حق التصويت يعرفون أنفسهم كإنجيليين أو بوصفهم مولودين جددًا (تائبين) Born Again.
وقد عبر باتريك ألت Patrick N. Allitt، المؤرخ في جامعة إيموري، عن هذه اللحظة الفارقة التي يواجهها الحزب الجمهوري بالقول: "إنها لحظة رائعة ومثيرة"، وبقوله "أنا أتعاطف مع معضلة ماكين، فقد حرص على إبعاد نفسه عن رئيس فاقد للشعبية، ولكنه اختار لنفسه مرشحًا (سارة بالين) غير متورط مؤسسيًّا مع العصابة الحالية".