أخبار

الأزمة الاقتصادية العالمية تنعكس على الاحتفال بالأضحى في إسرائيل

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

الحجوزات لعمان وشرم الشيخ واسطنبول معدومةوالكل متشائم

الأزمة الاقتصادية العالمية تنعكس على الاحتفال بالأضحى في إسرائيل

نضال وتد من حيفا: تختلف احتفالات العرب المسلمين في الداخل (إسرائيل) عن غيرها من احتفالات المجتمعات الإسلامية كليا، فهي في الواقع غير موجودة على مستوى الجماعة، ولو حتى على مستوى أجواء عامة للعيد، فخلافا مثلا لكافة الطوائف غير الإسلامية في فلسطين التاريخية، فإنه لا يوجد للمسلمين (خلافا مثلا للطوائف المسيحية التي تتمتع بإدارة ذاتيه لوجود مجالس ملة، من بقيا نظام الحكم الإسلامي في الدولة العثمانية) أية مؤسسات عليا عامة، باستثناء المحاكم الشرعية التي تبت أساسا في الأحوال الشخصية والميراث.

من هنا لا يشعر المسلمون في الداخل بأجواء عامة للعيد، سواء كان الفطر أو الأضحى أو رمضان، وباستثناء بعض الزينة التي قد تقوم السلطات المحلية البلدية بتعليقها في الشوارع والساحات، فليس هناك ما يشير إلى العيد. فلا احتفالات رسمية كبرى، كالتي نشهدها في العالم العربي والإسلامي، ولا مسيرات احتفالية على الإطلاق، كل جل الاحتفالات تكون في الوسط العربي والإسلامي في إسرائيل، على مستوى الفرد وليس على مستوى الجماعة. ويشهد المسلمون في الأعوام الأخيرة، مهرجانات إحتفالية بالعيد تقيمها وتنظمها الحركة الإسلامية، وهي بطبيعة الحال مهرجانات توظف لقضايا الدين والدعوة، والحض على الوحدة ورص الصفوف مع رفض كل مظاهر الاحتفالات الغربية الطابع.

"يرحم أيام زمان"

بهذه العبارة يستهل الحاج إبراهيم محسن (72) عاما من قرية جت في المثلث (القريبة من طولكرم) الحديث عن أيام زمان واحتفالات العيد، قبل إسرائيل (كان عمره 12 عاما عند وقوع النكبة)، وبعدها خلال الحكم العسكري وصولا على اليوم. ويقول الحاج إبراهيم: "قبل الاحتلال، كان الناس في القرية يعيشون حية قروية هادئة وبسيطة، وكانت الأجواء والعلاقات قوية، كان العيد هو فرصة للأطفال لربح بعض القروش ، وكان الناس يتبادلون الزيارات والمباركات في العيد على مدار أيام العيد الثلاثة، وكان الاحتفال يبدأ أصلا في المسجد مع أداء صلاة العيد، والاستماع للخطب ومن ثم يخرج الناس إلى زياراتهم ، كان الكل يزور الكل، أما اليوم فأنت الزيارات مقصورة فقط على أهل البيت والأخوة، وهي زيارات أصبحت خالية من أي مضمون تقريبا، مجرد رفع عتب ولوقت قصير، فالكل على عجلة من أمره.

ما الذي تغير أسال الحاج إبراهيم فيقول: أولا الناس لا تملك اليوم الوقت، ولا المال، ولا الرحمة والتواصل فيما بينها، في الماضي كنا نتبادل الزيارات والسهر واليوم فأنت ترى الأخ يزور أخيه لبعض الوقت، فالكل يريد أن يسافر، أو يخلو إلى بيته بسبب الأوضاع.

ولكن ماذا كنتم تفعلون أيام الحكم العسكري؟

يقول أبو محمد، إبان فترة الحكم العسكري (فرضته إسرائيل على الفلسطينيين في الداخل منذ العام 48 ولغاية العام 69)، لم نكن نستطيع السفر خارج القرى والبلدات إلا بتصريح خطي من الحاكم العسكري، وعليه فقد كان الناس عمليا "مسجونون في قراهم"، وفقط بعد إلغاء الحكم العسكري ورفع القيود عن تحرك الناس، تغيرت الأوضاع بعض الشيء.

عندما يقول الحاج إبراهيم إن القيود قدر رفعت، فهي يعني إعطاء العرب في إسرائيل حرية الحركة، في مطلع السبعينات، وبدا أهالي القرى يسافرون في الأعياد على المدينة العربية الوحيدة آنذاك، الناصرة، ولكن أيضا أخذوا يصلون إلى نابلس وطولكرم وجنين، والقدس العربية بعد الاحتلال وسقوط الأقصى. ونشطت حركة "السياحة" الداخلية" من قرى ومدن الجليل والمثلث إلى مدن الضفة الغربية والقدس العربية.

لم تتغير العادات كثيرا في البداية، لكن مع الوقت ومع ازدياد التفاعل بين المجتمع الفلسطيني في إسرائيل وبين المجتمع اليهودي الإسرائيلي، بدات بوادر التأثر تظهر على الناس وتنعكس في العادات والتقاليد، فالأعياد التي كان الاحتفال بها يقتصر على صلاة العيد وزيارات الأقارب ( على الأقل في القرى الصغيرة) أخذت منحى جديد وصار السفر إلى القدس والمدن اليهودية أحد مركبات العيد ولكن لفترة من الزمن.

"النسوان والبنات في البيت"

تقول الحاجة حسنة، أم محمود، من باقة الغربية المجاورة لجدار الفصل، إن أول زيارة لها لمدينة نابلس كانت بعد الاحتلال بعدة سنوات، عندما ذهبت مع أهل زوجها للمدينة الفلسطينية في باصات شركة "الطنيب" الفلسطينية. وعن أيام العيد قالت لنا : كان العيد عندنا في السبعينات، يعني بالنسبة للمرأة إعداد البيت وتجهيز الأطعمة والمأكولات، واستقبال الأهل والأقارب، لم تكن النساء تغادر البيوت ولا البلدة إلا فيما ندر، وفقط في مطلع الثمانينات، عندما تحسن الحال وازدادت السيارات في البلدة، لكن "أيام زمان بقينا نظل النسوان والبنات في البيت، بيجي أخوي عمي خالي، وهيك يعني، كانت الناس محافظة أما اليوم فالكل يما مستعجل بدو يروح على عمان، وشرم وتركيا.

"عمان مربط خيلنا...."

اكتشف الفلسطينيون في إسرائيل أول ما اكتشفوا من حواضر العرب مدن الضفة الغربية اللعريقة مثل نابلس ورام الله والقدس وجنين، وفي الثمانينات، شدوا (من استطاع منهم وملك المال) رحالهم أولا على القاهرة، وصارت القاهرة وفيما بعد شرم الشيخ هدفا منشودا للعرب في إسرائيل لمن يريد أن يعيش أجواء عربية وإسلامية، وكان المئات وآلآف الفلسطينيين من إسرائيل يتجهون إلى القاهرة في أواسط الثمانينات سواء لحضور حفلات المطربين العرب أم للعيش لعدة أيام بأجواء عربية خالصة بعيدا عن نكد الإسرائيليين...

مع توقيع اتفاقية السلام بين الأردن وإسرائيل، خفت الحركة باتجاه مصر، وصار الآف الفلسطينيون في إسرائيل يتجهون إلى عمان لقضاء العيد وحتى الأجازات السنوية. تمكنت عمان من التعلم من أخطاء السلطات المصرية في التعامل مع العرب في إسرائيل، وعرفت القوة الشرائية الكبيرة لهم كما أن التشابه الكبير بين المجتمع الأردني والفلسطيني، مع تقارب اللهجة والقرب الجغرافي ساهم في ترجيح كفة عمان القريبة (50 دقيقة في السيارة) من مراكز الجليل والمثلث. وسافر عشرات آلاف الفلسطينيين من إسرائيل، على عمان لحضور مهرجانات جرس والفحيص، وأيضا لقضاء أيام العيد في أجواء عربية خالصة، وفي مدن وحواضر عربية غير باهظة الثمن، وأصبحت عمان مربط خيل أبناء الطبقة الوسطى والميسورين من العرب في إسرائيل، وزاد في ذلك العلاقات الطيبة التي تربط بين أعضاء الكنيست العرب وبين الاردن، فشعر العرب في إسرائيل بجو دافئ في عمان أكثر مما هو في القاهرة، لكنهم مع ذلك لم يهجروا شرم الشيخ وطابا، بل أصبحت شرم الشيخ وطابا موقع استجمام الشباب والأزواج الشابة، فيما آثرت العائلات التوجه إلى عمان المحافظة .

العيد في تل أبيب وحيفا...

العنوان هنا مضلل بطبيعة الحال لكن المقصود منه، هو اتجاه من لم يملكوا القدرة على السفر إلى عمان وشرم الشيخ وتركيا، فقد اضطر هؤلاء، وهم الغالبية الكبيرة من المسلمين في إسرائيل؛ فغالبية الناس، لا تملك ما يكفيها تدبير أمور العيد في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وبالتالي فإنهم يستعيضون عن السفر بعيدا إلى زيارة المدينة القريبة، وهي هنا المدينة الإسرائيلية اليهودية، مثل تل أبيب وحيفا، تصبح هنا يهودية، وغيرها وحيث المجمعات والمراكز التجارية اليهودية الكبيرة، لعدم توفرها في القريبة والمدن العربية، ربما باستثناء مدينة الناصرة. لكن السفر ليوم أو بعضه محفوف أحينانا بالمخاطر فالكل هنا يتأثر بمنسوب العنصرية والعداء ومدى التوتر والمواجهة بين الاحتلال وبين الفلسطينيين في الضفة والقطاع.

فبعد اندلاع الانتفاضة الثانية في العام 2000 وبعد هبة أكتوبر في الداخل ومقتل 13 شابا فلسطينيا بأيدي الشرطة الإسرائيلية، انكمش المجتمع الفلسطيني وانغلق على نفسه، ولم تعد المراكز التجارية الإسرائيلية هدفا مفضلا، خشية الإزعاج والمضايقات من جانب الشبان الإسرائيليين خصوصا مع العائلات المتدينة والمحتشمة في لباسها.

وعن ذلك يقول الصحافي سامي العلي: "إن العرب في إسرائيل، أخذوا يبتعدون عن المراكز التجارية الإسرائيلية، ويبحثون عن مكان قصي في الأحراش البعيدة عن المتنزهين اليهود، أو يتجهون مع ذلك إلى المدن العربية نفسها، فانتعشت حركة المطاعم والترفيه في مدن مثل شفاعمر والناصرة وأم الفحم، خصوصا في ظل منع الاحتلال للعرب في إسرائيل من الوصول إلى المدن الفلسطينية في الضفة الغربية بسبب الحواجز وبحجة منع دخول الإسرائيليين إلى الضفة الغربية".

ويرى سامي العلي، وهو صحافي يعمل في التلفزيون الإسرائيلي باللغة العربية أن المجتمع العربي في إسرائيل، ومنذ أحداث أكتوبر، يسعى في أعياده ومناسباته إلى توفير جو عربي دافئ بعيدا عن الاحتكاك بالإسرائيليين قدر الإمكان، إما بالتوجه إلى دول عربية قريبة وإما بالبقاء داخل البلدات العربية نفسها خلال العيد وعدم المجازفة بالسفر على مدينة يهودية، خصوصا إذا كانت الفتيات والنساء في الأسرة يلبسن الجلباب الشرعي".

الوضع الاقتصادي العالمي والداخلي يفسد على الناس العيد

" في العام الماضي، بل في العيد الماضي قبل شهور، سافر آلاف من العرب المسلمين في إسرائيل، عبر مختلف مكاتب السفر على كل من عمان وتركيا ومصر، لكن هذا العيد، لا أحد يسافر، بل إن الأسعار انخفضت مثر من 110 دولارات في بعض الفنادق إلى 65 دولار ومع ذلك فلا توجد حركة حجوزات". هذا ما يقوله لنا السيد وفيق سعيد عرو مدير شركة جت للسياحة، ويضيف عن حركة السياحة والسفر من إسرائيل إلى الأردن وتركيا والقاهرة أنخفضت منذ اندلاع الأزمة المالية العالمية بأكثر من 70%، فلا حجوزات جديدة، ولا ما يحزنون.
ويضف وفيق عرو : أنه في العام الماضي كان الناس يأخذون كل ما يعرض عليهم وفي كل مكان، أما هذا العام، وتحديدا عيد الأضحى، فإن كثيرين من زبائنه الثابتين اختفوا كليا، وقسم منهم يحاول اختصار الرحلة ويكتفي بفنادق عادية وبسيطة، بعد أن كانوا يصرون على فنادق خمسة نجوم، وهناك من يطلب اليوم رحلة لليلتين فقط بعد أن كان في العام الماضي يجري حجزا لأسبوع كامل ومع كافة أفراد الأسرة.

حركة شراء ضعيفة وغير نشطة

يقف أنس عبد الخالق غرة، أمام محله التجاري، بعد أن أعد ترتيب وتنظيم رفوف الفواكه والخضروات استعدادا للعيد، دون أن يبدو عليه القلق أو الهم، لكن سؤال واحد كان كافيا ليفتح النار، : الأوضاع هنا كارثية، الناس بالكاد تستطيع شراء مستلزمات حياتها الضرورية، القلق والخوف من المستقبل يجعل الناس يحسبون حساب كل قرش يصرفونه، في العيد الماضي، لم نكن قادرين على توفير حاجات الناس من فواكه ومستلزمات للعيد، بسبب الطلب الكبير، وعملنا لساعات طويلة ومتواصلة، أما اليوم، فكما ترى لا توجد حركة في الدكان، ونحن عشية العيد، الناس كانت تشتري بالرطل واليوم تشتري بالحبة.

قبالة دكان الفواكه والخضروات، محل يحمل اسم توب تين للرجال، صاحباه، عبد الله خلف وفطين غرة، يعملان على ترتيب الملابس الجديدة، لكن لا أحد في المحل، الناس لم تبدأ بعد بشراء ملابس العيد، خلافا لعيد الفطر، يقول عبد الله إن ما يحدث هو طبيعي جدا فالناس وفي ظل عدم اليقين، تحاول الآ تشتري إلا ما هو ضروي، وبالتالي فإن الوضع اليوم هو نتاج ركود اقتصادي وليس هناك ما يمكن القيام به.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف