حماية السفن السويسرية من القرصنة تثير الجدل
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
برن: أثارت تصريحات رئيس الكنفدرالية حول إمكانية إرسال جنود سويسريين لحماية السُّـفن التجارية السويسرية في خليج عدن، ردود فعل متفاوتة بين رفض قاطع من طرف اليمين المتشدد وأقصى اليسار وقبول مشروط من طرف اليمين والوسط وتشكيك من طرف بعض الخبراء.
وكان رئيس الكنفدرالية باسكال كوشبان أدلى نهاية الأسبوع بتصريحات صحفية، أكّـد فيها أن الحكومة مستعدّة لإرسال جنود على متن السُّـفن التجارية السويسرية المُـبحرة في خليج عدن قبالة الشواطئ الصومالية، لحمايتها من أعمال القرصنة، التي تفاقمت في المنطقة في الأشهر القليلة الماضية.
ومع أنه لم يُـتّـخذ أي قرار رسمي بهذا الخصوص، إلا أن كوشبان شدّد على أن موقِـف الحكومة واضح، حيث قال: "نحن مستعدون من حيث المبدأ لارسال جنود سويسريين الى الصومال. لا يمكنك تجاهل المشكلة. وعلينا ان نوضح الآن ماهية العواقب القانونية والمالية والعملية لهذا العمل"، مثلما جاء على لسانه في حديث أجرته معه صحيفة سونتاغس تسايتونغ، الصادرة يوم الأحد 21 ديسمبر.
في نفس الصحيفة، قال وزير الشؤون الداخلية في الحكومة الفدرالية "إن سويسرا ليس لديها خيار آخر، إذا ما تعرّضت سفُـننا للتهديد"، وتساءل: "هل يُـمكن أن نقول للقراصنة، (توقّـفوا فنحن بلد محايد من فضلكم، هاجموا سفينة أخرى)...".
ويعترف السيد كوشبان بأن مهمّـة من هذا القبيل ليست سهلة، مشدِّدا على أنه لن يشارك فيها - إذا ما اتُّـخذ القرار - إلا متطوِّعون، وأضاف يقول: "إنها ليست عملية حربية، بل تدخُّـل أمني (أو عمل شرطة)، يرمي إلى حماية سُـفُـن سويسرية".
في الوقت نفسه، تنكب الحكومة الفدرالية أيضا على دراسة إمكانية مشاركة قوات خاصة سويسرية ضمن المهمّـة العسكرية الأوروبية (Atalante)، التي تهدف إلى خفْـر السُّـفن وردعِ القراصنة. وفي مقابل ذلك، فإن الاتحاد الأوروبي قد يكون مستعدّا لتوفير الحماية للسُّـفن السويسرية.
ردود فِـعل رافضة
في كل مرة تُـطرح مسألة إرسال جنود سويسريين إلى الخارج أو مشاركة مسلّـحة سويسرية في أية منطقة في العالم، يتجدّد السِّـجال في الساحة الداخلية بين المتمسِّـكين بقراءة صارمة للحياد، وبين الداعين إلى انخراط سويسرا بشكل أكبر في الجهود الدولية لإقرار السلام أو التصدّي للإرهاب وأشكال الإجرام.
في هذا السياق، تعدّدت ردود الفعل على تصريحات رئيس الكنفدرالية وتباينت بين مؤيِّـد باحتشام ورافض بشدّة.
رئيس لجنة سياسة الأمن، التابعة لمجلس النواب، اعتبر أنه ليس من الضروري أن تكون القوات، التي ستُـرسل إلى الصومال، تابعة للجيش، وقال برونو تسوبِّـيغر من حزب الشعب السويسري (يمين متشدد في تصريحات أدلى بها يوم الأحد 21 ديسمبر إلى الإذاعة السويسرية الناطقة بالألمانية: "بالإمكان أيضا استدعاء وحدات خاصة تابعة للشرطة".
نفس هذه الفكرة وردت في بيان صادر عن حزب الشعب، اعتبر أن "الشرطة تتلاءم تماما مع مهمّـة مراقبة من هذا القبيل"، وذكّـر بأن استدعاء الجيش في هذه الحالة، يُـخالف الحياد.
البيان الصادر عن حزب الشعب، لم يتوقّـف عند هذا الحدّ، بل ذهب إلى اعتبار أن خطوة من هذا القبيل، "توازي عملا عسكريا في إطار تدخّـل دولي، ولا تقتصر على مجرّد دفاع عن مصالح سويسرا، يُـمكن أن تكون الشرطة كافية لتأمينه".
إضافة إلى ذلك، احتجّ البيان على ما اعتبرها "الإهانة" التي وجّـهتها الحكومة الفدرالية إلى أولي ماورر (عضو الحزب ووزير الدفاع الجديد)، حيث اتَّـخذ قرارا مبدئيا بشأن مهمّـة من هذا القبيل خلال جلسته الأخيرة لهذا العام وفي غياب القائد الجديد للجيش.
على الطرف الآخر من الخارطة السياسية، عبّـرت "المجموعة من أجل سويسرا بدون جيش" GSsA عن "معارضتها الشديدة"، لإرسال عسكريين قُـبالة الشواطئ الصومالية. وقال جوزيف لانغ، إن استخدام قوة دولية، سيكون عبارة عن "تحرّك استعماري، لن يؤدّي إلى وضع حدٍّ لأعمال القرصنة على الشواطئ الصومالية"، محذِرا من أن تمرير هذه العملية الحربية على اعتبار أنها عمل أمني، ليس سوى حيلة لتجاوز الحدود الموضوعة من طرف الدستور، لاستعمال قوات سويسرية في الخارج.
حزب الخُـضر ذهب إلى نفس الموقِـف، حيث اعتبر أولي لُـويْنبيرغر، رئيس الحزب، أن سويسرا لا يُـمكن لها الاعتماد على بحرية عسكرية مجهّـزة للقيام بمهمّـة من هذا القبيل، في حين اعتبر زميله في الحزب جيري مولّـر وعضو لجنة سياسة الأمن في مجلس النواب، أن الفِـكرة "غير معقولة".
في المقابل، لا يُـعارض الراديكاليون والديمقراطيون المسيحيون بصورة مبدئية هذا المشروع، لكنهم يُـطالبون بإمكانية دراسة الملفّ بشكل معمّـق (الراديكاليون) وأن لا يُـسمح للجنود بإنجاز هذه المهمّـة إلا على أساس تطوّعي (الديمقراطيون المسيحيون).
من جهته، عبّـر الحزب الاشتراكي عن عدم معارضته لإرسال جنود لضمان أمن السُّـفن السويسرية، لكنه اشترط أن لا يكونوا من جيش الميليشا (أي أن تقتصر المشاركة على الجنود المحترفين).
"فكرة عجيبة"
ألبيرت ستاهل، الخبير في الإستراتيجية العسكرية، عبّـر عن استغرابه من الفكرة التي أطلقتها الحكومة الفدرالية، ولم يتردد في وصفها بـ "العجيبة".
وفي تصريحات أدلى بها يوم الاثنين 22 ديسمبر إلى الإذاعة السويسرية الناطقة بالألمانية، قال ستاهل، الذي يُـدرِّس في المعهد التقني الفدرالية العالي في زيورخ، إنه من الضروري العثور على "حلٍّ جدّي" من قبيل حماية السُّـفن السويسرية من طرف قوات بحرية تابعة لبلد آخر، وحينها، ستتمكّـن السفن السويسرية من رفع عَـلم البلد المعني.
وانتقد ألبيرت ستاهل "انعكاسات الإعلانات الإعلامية" للحكومة، وأضاف يقول: "بدلا من النفخ في ريح الملاحقة العسكرية ضدّ القراصنة، سيكون من الأفضل لمختلف الحكومات وللحكومة الفدرالية تقديم حلول شاملة".
سابقة أولى
يضُـم الأسطول التجاري السويسري حاليا 35 سفينة، يقوم بتشغيلها 600 بحّـار، لا يوجد من بينهم سوى 6 سويسريين. وبطبيعة الحال، تُـبحِـر هذه السُّـفن من حين لآخر في خليج عَـدن، الذي تحوّل إلى منطقة خطيرة، بحُـكم وجود قراصنة صوماليين في مياهه يستعملون زوارق سريعة جدا.
ويوم الثلاثاء 16 ديسمبر، تعرّضت سفينة سويسرية لنقل البضائع، تابعة لشركة ENZIAN للنقل البحري للمرة الأولى إلى هجوم من طرف قراصنة، مثلما أكّـد متحدث باسم الشركة لوسائل إعلام سويسرية.
وقد تعرّضت السفينة، التي غادرت ميناء Piombino الإيطالي، متوجِّـهة إلى ميناء الدمام بالمملكة العربية السعودية، إلى المطاردة من طرف العديد من سُـفن القراصنة في خليج عدن، حسبما أوردت مصادر الشركة، التي أضافت بأنها عادت إلى أعقابها بعد فترة وجيزة. وكانت السفينة السويسرية ضِـمن قافلة تضُـمّ العديد من سُـفن نقل البضائع، وقد تمّ في نفس اليوم الإعلان عن تعرُّض أربع سُـفن أخرى لهجمات.
من جهته، صرّح جون فيليب يوتسي، المتحدث باسم وزارة الخارجية، أن "هذه الحادثة تُـعتبر سابقة أولى في التاريخ السويسري الحديث".
يجدر التذكير بأن الكنفدرالية تشارك - رغم أنها تُـعتبر رسميا بلدا محايدا - في عدد من الجهود الدولية للحفاظ على السِّـلم في مناطق مختلفة من العالم، مثل كوسوفو.