روسيا.. تحدٍ شائك وحساس أمام أوباما
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
واشنطن: يشكل التحدي الروسي أحد الملفات الشائكة التي يتعين على الرئيس الأميركي المنتخب باراك أوباما أن يتعامل معها. ومع أن الحديث عن هذا التحدي ليس بجديد، حيث ترجع بدايته إلى 2006، عندما انتقد الرئيس الروسي الأسبق "فلاديمير بوتن" بشدة الولايات المتحدة الأميركية لنهجها الأحادي في مؤتمر ميونخ للأمن، لكن أزمة أوسيتيا الجنوبية الأخيرة وضعت قضية التعامل مع روسيا على رأس أولويات الإدارة القادمة، لاسيما وأن كثيرين داخل واشنطن ينظرون إليها باعتبارها بداية مساعي روسية واضحة لتغيير بنية النظام الدولي، ورغبة روسية في العودة كقطب دولي من جديد. فضلاً عن التحرك الروسي في الفناء الخلفي للولايات المتحدة، ونشاطها في الملفات التي تراجعت فيها واشنطن خلال إدارة الرئيس بوش.
وفي هذا الإطار يطرح ستيفن سيستانوفيتش ، أستاذ الدبلوماسية الدولية بجامعة كولومبيا الأميركية، عددًا من التساؤلات حول هذا الأزمة في مقال له بدورية الشئون الخارجية ، عدد نوفمبر- ديسمبر 2008، تحت عنوان "ماذا فعلت موسكو؟ إعادة بناء العلاقات الروسية الأميركية". وتدور تساؤلات سيستانوفيتش حول مدى كون أزمة أوسيتيا الجنوبية مختلفة عن غيرها من الأزمات التي اعترضت العلاقات الروسية الأمريكية من قبل؟، وهل تغيرت نظرة واشنطن إلى روسيا ؟، وما حجم هذا التغير؟
الأزمة الجورجية توتر العلاقات الأميركية - الروسية
في البداية يجيب الكاتب عن تأثير الأزمة الجورجية على العلاقات الأميركية - الروسية قائلا: إن الأزمة الجورجية التي اشتعلت صيف هذا العام أصابت العلاقات الأميركية الروسية بصدمة كبيرة أكثر من أي أزمة أخرى منذ نهاية الحرب الباردة، وهو الأمر الذي جعل العلاقات الأميركية - الروسية تحتل مكانة متقدمة في السباق الرئاسي الأميركي هذا العام في لحظاته الأخيرة.
ويرى سيستانوفيتش أن التغير في نظرة واشنطن تجاه روسيا، يبدو للوهلة الأولى تغيرًا جوهريًّا. فمنذ خمس سنوات مضت، اعتبر السفير الأميركي في موسكو، ألكسندر فيرسبو، أن العقبة الرئيسة التي تعترض العلاقات الروسية الأميركية هي "فجوة القيم". فالجانبان كانا يتعاونان في عديدٍ من القضايا العملية، وكان الخلاف منحصرًا في قضايا مثل "حكم القانون وتعزيز المؤسسات الديمقراطية".
وخلال فترة حكم الرئيس الروسي الأسبق (رئيس الوزراء حاليًّا) فلاديمير بوتن، كانت العلاقات بين الجانبين الروسي والأميركي، لحديث الأخير كثيرًا عن أن الرئيس "بوتن" يقوض الديمقراطية الروسية. وانتقلت التوترات بين الجانبين إلى مستوى آخر عندما قال الرئيس بوتن: إن الولايات المتحدة تقوض الردع النووي الروسي.
ولكن دخول الدبابات الروسية إلى جورجيا شكل تحولاً جذريًّا في العلاقات بين البلدين، الذي كان بمثابة التأكيد لما ذهب إليه الاقتصادي الإنجليزي روبرت سكيدلسكي من أن روسيا أصبحت "القوة الرئيسة الطامحة لتعديل طبيعة النظام الدولي".
ورغم هذا، تُؤكد المقالة أنه بعد الأزمة الجورجية فإن السياسة السابقة التي كانت تحكم العلاقات بين البلدين القائمة على التعاون في قضايا التهديد المشترك كالحرب على الإرهاب والانتشار النووي وأمن الطاقة وتجارة المخدرات والتغير المناخي، لم تتغير، ومن المتوقع ألا تتغير في المستقبل القريب. فالكاتب يرى أن الأزمة الجورجية أخضعت العلاقات مع موسكو إلى إعادة تقييم.
عودة سباق التسلح
ومن القضايا التي ستكون محور تقييم العلاقات الأميركية - الروسية، يرى سيستانوفيتش أن ضبط التسلح سيعود ليحتل مكانًا محوريًّا على أجندة العلاقة بين الجانبين، لعدة أسباب: أولها أن المعاهدتين المتعلقتين بالحد من الأسلحة الاستراتيجية الأميركية والروسية ستنتهي فعاليتهما في ولاية الرئيس الأميركي القادم. أما السبب الثاني يتعلق بالرؤية الروسية، التي عبر عنها الرئيس السابق لهيئة الأركان العامة الروسية يوري بالويفسكي، بالقول: إن السياسات النووية للولايات المتحدة تقود نحو نوع من الهيمنة الاستراتجية الأميركية.
وفي هذا السياق يقول الرئيس الروسي الأسبق بوتن :إن بعض الدول تحاول استغلال طبيعة روسيا السلمية لشن سباق تسلح. وعلق على هذا الأساس امتثال روسيا لمعاهدة الحد من الأسلحة التقليدية في أوروبا في ديسمبر 2007. ويصر المسئولون الروس أن نظام الدفاع الصاروخي الأميركي المخطط لنشره في شرق أوروبا عام 2012، رغم إنكار واشنطن، مصمم لتحييد قدرة الردع الاستراتيجي الروسية. ولإحباط هذا فإن على روسيا أن تنشر قواتها النووية وتستعيد موقعها على قدم المساواة مع الولايات المتحدة، فالأمن القومي، كما يقول بوتن وخليفته ميدفيديف، لا يقوم على الوعود.
الديمقراطية بعد بوش
والقضية الثانية في العلاقات الأميركية - الروسية هي قضية الديمقراطية. فقضية الديمقراطية في روسيا تُعد إحدي القضايا الشائكة الأخرى التي سيواجهها الرئيس الأميركي القادم في التعامل مع موسكو. فالرئيس بوش جعل "أجندة الحرية" أحد أداته الرئيسة لتعزيز المصالح الأميركية الضيقة. ومن جانبه بنى الرئيس بوتن جزءًا كبيرًا من شعبيته على فكرة أن الأجانب ليس لهم الحق في الحكم على النظام السياسي الروسي، رافعًا شعار "الديمقراطية السيادية"، معطيًا بذلك غطاءً قوميًّا للحكم المركزي والتعسفي. فقد عززت الانتقادات الغربية من موقف ومنطق الرئيس بوتن، وساعدته على وسم أعدائه المحليين بـ"الخائنين" و"المخربين".
ولهذا، يرى سيستانوفيتش أن اعتبار انتقاد الديمقراطية الروسية أحد المحددات لعلاقة واشنطن مع موسكو لم يعد يعزز الاحترام سواء للديمقراطية أو للولايات المتحدة في روسيا. فكثيرٌ من مستشاري أوباما سينصحونه بتجنب الخطاب الأيديولوجي الحاد مع روسيا الجديدة بقيادة الرئيس الحالي ميدفيديف، الذي ينظر إليه - بقطع النظر عن القيود المفروضة على سلطته - أنه من الداعمين فكريًّا والمنادين باستمرار سيادة القانون وغيرها من الإصلاحات الليبرالية، بل أحيانًا ما يوجه انتقادات ـ وإن كانت بلطف ـ إلى سجل بوتن في هذا الإطار. فضلاً عن ما سيسمعه أوباما من المعارضة الروسية بأنه ليس من وظيفة واشنطن، أو أي حكومة أجنبية أخرى، دعم الديمقراطية في بلادهم، فكل ما يطلبونه هو ألا تقوض واشنطن جهودهم. بجانب معارضة الأوروبيين أمركة العملية الديمقراطية.