القتل في موريتانيا فصل جديد من فصول القاعدة

اليج (موريتانيا) : في طريق رملي في جنوب موريتانيا يرقد ضريح يضم رفات اربعة سياح فرنسيين قتلوا بيد من يشتبه في انهم متشددون اسلاميون محطما وتتناثر حوله كتل الخرسانة.

ومثل العديد من التفاصيل المحيطة بعملية القتل عشية عيد الميلاد يظل السؤال عن من حطم الضريح لغزا. لكن دلالته تبدو واضحة وهي أن الثقافة الاسلامية المعتدلة لهذا البلد الصحراوي اخترقها العنف.

وبعد ايام من قتل السياح في وضح النهار في اليج قتل ثلاثة جنود موريتانيين ووقع هجوم على السفارة الاسرائيلية في العاصمة نواكشوط في أوائل فبراير شباط الجاري واعلن فرع تنظيم القاعدة في شمال افريقيا مسؤوليته عن الهجومين.

وأثارت الهجمات التي أدت الى تأجيل سباق دكار المخاوف من ظهور خلية منظمة داخل موريتانيا الموالية للغرب واثار القلق من ان يكون تنظيم القاعدة يتوسع باتجاه الجنوب كما توقعت المخابرات الامريكية منذ فترة طويلة.

وفي حين شهدت دول مجاورة مثل المغرب والجزائر تفجيرات كبيرة فان موريتانيا نجت بدرجة كبيرة من مثل هذه الهجمات. وكان الاستثناء الوحيد وهو كمين في موقع في الصحراء قبل ثلاثة أعوام قتل فيه 15 جنديا من الندرة بحيث لا يثير المخاوف.

وقال عمر ثيكورا ندياي نائب رئيس بلدية اليج وهو واقف بالقرب من حطام الضريح "القاعدة لا وجود لها في موريتانيا نحن شعب مسالم." وأضاف "ربما كانت عصابات هي من فعل ذلك."

لكن الدول الغربية تأخذ التهديد مأخذ الجد فقد تعهد وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنر الذي زار نواكشوط الاسبوع الماضي بتعاون أمني أكبر. وصعدت واشنطن التي تدرج موريتانيا ضمن مبادرتها لمكافحة الارهاب عبر الصحراء الكبرى التي تتكلف 500 مليون دولار مساعداتها العسكرية للبلاد.

ويقول خبراء ان موريتانيا التي يتناثر سكانها وعددهم 1.5 مليون نسمة فقط على مساحة شاسعة على طرف الصحراء الكبرى تمثل أهمية كبيرة للاسلاميين.

فهي الدولة المغاربية الوحيدة التي تقيم علاقات مع اسرائيل على الرغم من المعارضة الداخلية وشهدت تحولا ديمقراطيا منذ الاطاحة بالدكتاتور معاوية ولد سيد احمد الطايع في عام 2005 واشيد بها كنموذج للعالم الاسلامي.

وقال موسى ولد حامد رئيس تحرير احدى الصحف المحلية "نحن اخر دولة من دول شمال افريقيا العربية ليس بها فرع معلن لتنظيم القاعدة. والبعض يريد انهاء هذا الوضع."

وأضاف "من الغباء القول بأنه ليس هناك ارهاب في موريتانيا. فأيا كان اسمه القاعدة او التشدد او التطرف فانه يودي بحياة البشر."

وأثرت الهجمات بالفعل على الحياة في موريتانيا فألغيت رحلات طيران عارضة في حين ترفض العديد من المطاعم حاليا تقديم الخمور. ويقول دبلوماسيون غربيون انهم لا يغامرون بدخول الصحراء الشرقية التي تشتهر برحلات على ظهور الجمال.

وتصاعدت الدلائل على وجود نشاط اسلامي متشدد مرتبط بتجارة المخدرات في الصحراء في الاعوام القليلة الماضية. وثلاثة من المشتبه فيهم على الاقل محبوسون انفراديا فيما يتعلق بقتل السياح كان قد سبق اعتقالهم من قبل في هجمات مرتبطة بالقاعدة.

وكان قائد الخلية المزعوم سيدي ولد سيدنا واحدا من 24 مشتبها بهم تمت تبرئتهم العام الماضي من اتهامات بتلقي تدريبات على يد الجماعة السلفية للدعوة والقتال التي تغير اسمها قبل عام الى تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الاسلامي.

ويعتقد ان هذا التنظيم يضم ما بين 400 واربعة الاف عضو أغلبهم في الجزائر ولديهم معسكرات متناثرة حول ينابيع مياه في الصحراء. ووصفت مصادر امنية غربية التنظيم بانه شبكة غير مترابطة من الخلايا تتمتع بأفضل تنظيم في الجزائر.

واعتبرت تبرئة المشتبه فيهم واختفاؤهم بعد ذلك دليلا على اختلال في النظام الامني في موريتانيا بعد سقوط الطايع.

وابدى الرئيس الجديد سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله ترددا في معالجة مسألة الاسلاميين ويقول منتقدوه ان الاسلاميين يستغلون الحرية الجديدة في العمل.

ويقول زعيم المعارضة احمد ولد دادة "الارهابيون يهاجمون الضعيف وفي شمال افريقيا... موريتانيا هي أكثر الدول عرضة للخطر ليس بسبب اتساع اراضيها ولكن بسبب الافتقار الى الاتفاق على معالجة المشكلة."

لكن الرئيس قال انه لن يلجأ الى الاساليب السلطوية التي استخدمها الطايع الذي قمح الاسلاميين بالقوة خلال فترة حكمه التي استمرت 20 عاما وجاذبا بذلك مساعدات من الغرب.

وقال الرئيس "ليس هناك هيكل تنظيمي للارهاب في هذا البلد... هناك مجندون من قبل حركة اجنبية. موريتانيا... مسالمة جدا ومتسامحة."

لكن الخبراء يقولون ان المذهب المالكي السني المعتدل المتبع في موريتانيا اخترقته السلفية وهي فكر محافظ مرتبط بالمذهب الوهابي المتبع في السعودية.

وقال يحيى ولد البارا أستاذ علم الانسان انه وسط تدفقات التمويل السعودي في تسعينات القرن الماضي تزايد بشدة عدد المساجد في العاصمة ليتجاوز 900 مسجد بحلول 2002 من نحو 50 مسجدا في عام 1989.

ورغم حملة شنت بعد هجمات 11 سبتمبر ايلول عام 2001 على الولايات المتحدة استمرت هذه الصلات. واعتقلت موريتانيا أحد أكثر الاسلاميين المطلوبين في السعودية في يناير كانون الثاني وهو عبد الله ولد محمد سيديا بعد ملاحقته في أربع دول.

وقال ولد البارا ان ارتفاع معدلات البطالة وتحول موريتانيا السريع من ثقافة البدو الى ثقافة سكان المدن ترك الكثيرين في حالة من الاضطراب وعرضة للتطرف.

وفيما يمثل اختلافا كبيرا عن الطايع أضفى عبد الله شرعية على اقامة احزاب اسلامية وأسس وزارة جديدة للشؤون الاسلامية وعين اماما سلفيا لقيادتها.

وقال ولد البارا "الحكومة تواطأت مع الاسلاميين... انهم لا يتحدثون عن القاعدة لانهم يعلمون ان هذا أمر خطير. لا يمكنهم السيطرة على الحدود أو قتال القاعدة."

وقال جميل ولد محمد منصور وهو رئيس حزب اسلامي معتدل ان الدعوة الاجنبية للجهاد لاقت صدى بين الشبان الغاضبين من قمع الطايع للاسلاميين.

وقال منصور "نحن بلد كبير لنا حدود مع الجزائر والمغرب ومالي فمن المحتمل جدا ان تكون افكار أو اشخاص على صلة بالقاعدة قد دخلوا البلاد... موريتانيا مثل جيرانها يجب ان تؤمن حدودها."