مستقبل باكستان في إعلام أميركا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
واشنطن: في الثامن عشر من فبراير الجارى تم إجراء الانتخابات التشريعية فى باكستان بعد فترة - ليست بالقصيرة - شهدت خلالها البلاد حالة من حالات عدم الاستقرار السياسى والعنف الدموى ، والذى وصل لذروته باغتيال رئيسة الوزراء السابقة بناظير بوتو ، الأمر الذى ترك البلاد فى حالة فوضى عارمة ، يأمل الجميع داخل باكستان وبعض الأطراف الدولية فى أن تضع هذه الانتخابات حدا لهذه الفوضى التى تسود البلاد.
وعن مستقبل الرئيس الباكستانى ومستقبل البلاد السياسى فى ظل نتائج هذه الانتخابات كانت معظم تحليلات وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث الأميركية هذا الأسبوع.
ارث انتخابي غير مطمئن.؟!
"الانتخابات الباكستانية مزحة" هذا ما وصفت به شبكة ABC الانتخابات التشريعية التى تمت فى باكستان هذا الأسبوع ، حيث اعد أرون كاترسكى Aaron Katersky تقريرا فى هذا الصدد ، أكد فيه أن هذه الانتخابات يمكن وصفها - بعد الاضطرابات السياسية التى شهدتها باكستان فى الفترة الأخيرة - بأنها استفتاء على شرعية السلطة القائمة فى البلاد والتى يقف على قمتها الرئيس الباكستانى بيرفيز مشرف Pervez Musharraf.
ومن ناحية أخرى أشار التقرير إلى أن الكثيرين من أفراد الشعب الباكستانى يعتبرون الرئيس مشرف Musharraf رئيس غير شرعى ، وبالتالى فان الكثير منهم يعتقد أن إقامة انتخابات حرة ونزيهة فى ظل وجوده على قمة السلطة السياسية فى البلاد هو أمر مستحيل ، لان عملية التلاعب فى نتائج الانتخابات - على حد وصف الكاتب - هى جزء من التاريخ الانتخابى فى التجارب الديمقراطية التى شهدتها باكستان ، فضلا عن انه يسعى - بشتى الطرق - إلى الاستمرار فى منصبه خصوصا وانه - تحت ضغط المعارضة والرأى العام الداخلى - اضطر إلى التنازل عن موقعه كقائد أعلى للجيش.
الولايات المتحدة تراقب وتترقب
وبالنسبة لموقف الولايات المتحدة من هذه الانتخابات أكد التقرير على أن الولايات المتحدة عبرت عن موقفها على لسان السفيرة الأميركية فى باكستان آن باترسون Anne Patterson أنها تتوقع انتخابات حرة ونزيهة فى البلاد. وفى هذا الشأن لفت التقرير الانتباه إلى أن الولايات المتحد قد أنفقت الكثير من الأموال من اجل تدريب وتوفير المراقبين للقيام بمهمة المراقبة والإشراف على هذه الانتخابات ، فضلا عن قيام ثلاث من أعضاء الكونجرس الأميركى بهذه المهمة أيضا.
الانتخابات: والبحث عن الاستقرار المفقود
على صعيد مختلف اعتبر التقرير أن هذا الانتخابات هى وسيلة لإعادة الاستقرار إلى البلاد التى مزقتها الصراعات خلال الفترة الماضية فضلا عن استعادة جزء من الديمقراطية التى افتقدها البلاد على مدار الأعوام الماضية خصوصا عقب استيلاء مشرف على السلطة فى أواخر فى العام 1999.
الحكومة الجديدة ومشرف تعايش أم صراع؟
من جانبها اعتبرت شبكة راديو NPR أن هذه الانتخابات سوف يكون لها تأثيرات بعيدة المدى على الولايات المتحدة وعلى حربها ضدها الإرهاب. وينطلق التقرير الذى بثته الشبكة فى هذا الخصوص من انه إذا كان الرئيس الباكستانى مشرف قد تمت إعادة انتخابه كرئيس للبلاد فى نوفمبر الماضى ، فان هذه الانتخابات التشريعية قد قادت المعارضة إلى السيطرة على البرلمان ، بما قد يستتبع ذلك من إمكانية أن يحدث نوع من الصراع بين الجانبين - البرلمان والرئيس - وقد ينتهى بتوجيه اللوم للرئيس أو حتى مطالبته بالتنحى وترك منصبه ، وهذا يأتى فى ظل حقيقة أن الولايات المتحدة تعتبر الرئيس الباكستانى مشرف احد حلفائها الرئيسيين فى الحرب على الإرهاب خصوصا بعد أن قدم دعما كبيرا لإدارة الرئيس الأميركى جورج بوش فى حربها ضد حركة طالبان فى أفغانستان ، وبالتالى ستكون هناك العديد من علامات الاستفهام التى ستحوط شكل العلاقة بين الحليفين المقربين.
الانتخابات والحاجة إلى التقييم والمراجعة
من جانبها استضافت مؤسسة بروكجنز للأبحاث The Brookings Institution ندوة عن الانتخابات البرلمانية الباكستانية وكان محورها كيف تنظر الأطراف السياسية الداخلية فى باكستان لهذه الانتخابات ، خصوصا حزب الشعب الباكستانى الذى كانت تتزعمه رئيس الوزراء السابقة بناظير بوتو Benazir Bhutto قبل اغتيالها فى أواخر ديسمبر الماضى. أكدت هذه الندوة على أن هذه الانتخابات يجب أن يتتبعها عملية تقييم ومراجعة لمصداقية العملية الانتخابية من ناحية أولى ، ومصداقية الانتخابات ذاتها من ناحية ثانية ، ومصداقية الحكومة التى ستتشكل بناء على نتائجها من ناحية أخيرة. وشددت على أن هذا التقييم لن يكون فقط من جانب المجتمع الباكستانى وإنما يجب أن يكون المجتمع الدولى طرفا أساسيا فى إجرائه والتأكد من سلامته.
كيف سيكون المستقبل السياسى فى باكستان؟
كما أشارت الندوة إلى أن نتائج هذه الانتخابات سوف تكون لها تأثيرات بالغة الأهمية على مستقبل البلاد السياسى وديناميات العملية السياسية الداخلية فى البلاد ، فعلى سبيل المثال - كما تطرح الندوة - فان ما ستسفر عنه هذه الانتخابات من نتائج سوف يكون محدد أساسى لشكل العلاقة بين الرئيس الباكستانى مشرف والحكومة الجديدة ، فهل سيتمكن الطرفان من التعايش مع بعضهم البعض ، دور الجيش والقوات المسلحة الباكستانية فى العملية السياسية هناك فهل ستتمكن الحكومة الجديدة من إقامة نظام مدنى قوى وإبعاد العسكر تماما عن التأثير فى مجريات الحكم والسلطة هناك؟
نيات مبيتة للتزوير والتلاعب بالنتائج
على الجانب الأخر تطرقت الندوة إلى الشواهد التى تدل على النية المبيتة لدى الرئيس الباكستانى مشرف لتزوير نتائج هذه الانتخابات بما يضمن ضمان سيطرته على مقدرات الأمور داخل البلاد ، الأمر الذى دفع بعدد من الهيئات والمنظمات الدولية - التى كانت ستتولى مهمة الإشراف على الانتخابات - إلى الانسحاب من مهمة مراقبة الانتخابات التشريعية إلى جرت هناك وكان على رأسها المعهد الجمهورى الدولى (IRI) International Republican Institute. ولتلافى حدوث مثل هذا التزوير ، طالب الحاضرين - خصوصا ممثلى حزب الشعب الباكستانى - بتدخل المجتمع الدولى بقوة لمراقبة العملية الانتخابية - بصرف النظر عن موافقة من عدم موافقة النظام الحاكم فى البلاد. وهذا بالفعل مات تم حيث أسفرت الانتخابات عن فوز كاسح لأحزاب المعارضة فى البلاد على حساب حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية - الموالى للرئيس الباكستانى مشرف - ، الذى اقر بدوره بهذه الهزيمة وأكد انه سيجلس فى مقاعد المعارضة.
وعلى صعيد أخر أشارت الندوة إلى حاجة باكستان إلى انتخابات حرة ونزيه تعيد البلاد مرة أخرى إلى مسار الديمقراطية التى انحرفت عنه منذ فترة طويلة ، واعتبرت أن ذلك أمر حاسم وضرورى خصوصا فى ظل الحرب التى تخوضها باكستان ضد الأصولية والتشدد والإرهاب ، وبدون هذه الديمقراطية لن تكون باكستان قادرة على مكافحة مثل هذه الاتجاهات المتشددة وسوف يكون المجتمع الباكستانى فريسة سهلة لمثل هذه الاتجاهات ، لتتمكن منه وتسيطر على مختلف جوانبه وأشخاصه.
سيناريوهات ما بعد الانتخابات؟
أما المعهد الجمهورى الدولى (IRI) - وهو احد المنظمات الأميركية الغير حزبية والغير هادفة للربح ويسعى إلى تعزيز الحرية والديمقراطية حول العالم - فقد توقع عدد من السيناريوهات بالنسبة للمستقبل السياسى لباكستان عقب فوز أحزاب المعارضة - وعلى رأسها حزب الزعيمة الباكستانية الراحلة بيناظير بوتو Benazir Bhutto "حزب الشعب الباكستانى" وحزب "الرابطة الإسلامية" الذى يتزعمه رئيس وزراء باكستان السابق نواز شريف - بالانتخابات التشريعية على حساب الأحزاب الموالية للرئيس الباكستانى ، حيث أشار المعهد إلى انه من المحتمل أن يقوم هذان الحزبان بتشكيل الحكومة الباكستانية القادمة. وان هذه الحكومة من المتوقع أن تتخذ عدد من الإجراءات التى سوف يكون لها تأثير كبير على الاستقرار السياسى فى البلاد ، وعلى رأس هذه الإجراءات - كما يتوقع المعهد - أن تتم إعادة قضاة المحكمة العليا الباكستانية ، والذين قد قام الرئيس مشرف بتنحيتهم لضمان إعادة انتخابه كرئيس للدولة الباكستانية ، بالإضافة إلى تسهيل مهمة سيطرته على مقاليد الأمور فى البلاد ، وبالتالى فان مثل هذا الإجراء سوف تكون له تداعيات سياسية قد تضع منصب الرئيس الباكستانى فى مهب الريح ، حيث من الممكن فى مثل هذه الحالة أن يقوم هؤلاء القضاة بإعادة النظر فى مدى شرعية إجراءات إعادة انتخاب مشرف Musharraf ، بل أكثر من ذلك يمكن أن يدفعوه إلى التخلى عن السلطة وتركها. سيناريو آخر يطرحه المعهد وهو أن يستطيع الطرفان - حزب الشعب الباكستانى والأحزاب الموالية لمشرف Musharraf - من التوصل إلى تسوية سياسية فيما بينهم وتمكنهم معا من تشكيل الحكومة الباكستانية ، وبالتالى فمن المتوقع فى هذه الحالة أن تخف حدة المواجهة المحتملة بين الرئيس والمعارضة.
انتهاكات كثيرة ارتكبت
ومن جانبها رصدت شبكة CNN الشكاوى والتحفظات التى أعلنت عنها أحزاب المعارضة فى أثناء إجراء الانتخابات فى مختلف أنحاء البلاد ، وأعد مراسل الشبكة فى باكستان مايكل ويير Michael Ware تقريرا لبرنامج American Morning رصد فيه هذه الانتهاكات التى وقعت فى هذه الأثناء ، لفت ويير Wareالانتباه إلى أن هناك عددا من الأحزاب المشاركة فى الانتخابات قد تم منعها ومنع المؤيدين لها من الوصول إلى مراكز الاقتراع. كما أن هناك - على حد وصف التقرير - عدد من الصناديق الانتخابية قد فقدت ولم يتم العثور عليها.
الولايات المتحدة واحتمالات فقدان الحليف الاستراتيجى.
وعن احتمال أن تؤدى الانتخابات البرلمانية إلى احتمال أن يفقد الرئيس الباكستانى لنفوذه والسلطة التى يتمتع بها ، وبالتالى ما هو الأثر الذى يمكن أن يتركه هذا الأمر ذلك على علاقة باكستان بالولايات المتحدة ، خصوصا وان الإدارة الأميركية تعتبر الرئيس مشرف Musharraf احد حلفائها الرئيسيين فى الحرب على الإرهاب ، وبالتالى هل يمكن لأميركا الاعتماد شخصا آخر قد يخلف مشرف Musharraf فى السلطة؟ أكد ويير Ware أن هذا يعتمد على الشخص الذى سوف يأتى فى السلطة ، ولكنه من ناحية أخرى أشار إلى أن الولايات المتحدة - بصفة عامة - يمكن أن تعتمد على أى شخص يمسك بزمام السلطة فى باكستان أيا كان ، فالولايات المتحدة - من وجهة نظره - قد أخطأت حينما وضعت كل ثقلها ودعمها خلف رجل واحد فقد وهو الرئيس الباكستانى مشرف Musharraf والذى يوصف على انه حاكم ديكتاتور ، ووصفه ويير Ware بأنه حافظ على مكانه كرئيس لباكستان بانقلاب أخر فى نوفمبر - فى إشارة إلى إعادة انتخابه مرة أخرى كرئيس للبلاد. ومن هنا ينطلق ويير Ware إلى أن الولايات المتحدة يمكن أن تعتمد على أى شخص يبقى فى السلطة أو أى شخص يظهر نجمه فى سماء الساحة السياسية الباكستانية.