مستقبل العلاقات المصرية الإسرائيلية في خطر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
واشنطن: عبرت إسرائيل عن قلقها مراراً إزاء الوضع الأمني على الحدود بين مصر وقطاع غزة، وذلك منذ أن فككت الدولة العبرية مستوطناتها وسحبت قواتها من القطاع في أغسطس 2005. وهذا القلق مرده أن عمليات تهريب الأسلحة المستمرة إلى غزة - وفقاً للإدعاءات الإسرائيلية- قد تؤدي إلى تغيير ميزان القوى لصالح حركة حماس. وبعد أن سيطرت حماس على قطاع غزة في يونيو من العام الماضي، اعتبر المسئولون الإسرائيليون أن الإجراءات الأمنية المصرية على طول محور فيلادليفيا غير مناسبة بالمرة، مما يسمح بتهريب الأسلحة المتطورة إلى غزة ومن ثم تهديد الأمن القومي الإسرائيلي.
ومن جانبها، ترى القاهرة أن تل أبيب تبالغ في الخطر الذي يهددها جراء الأسلحة المهربة، بل أنها (أي إسرائيل) تمادت وعملت على الإضرار بالعلاقات المصرية ـ الأميركية بطلبها من واشنطن ربط جزء من المساعدات السنوية لمصر والتي تقدر قيمتها بنحو 1.3 مليار دولار بالخطوات التي تتخذها الأخيرة للقضاء على شبكات التهريب والأنفاق التي تربط بين مصر وغزة. وتعد هذه هي المرة الأولي التي يضع فيها الكونجرس شروطاً على المساعدات العسكرية لمصر. أما الولايات المتحدة فهي تحاول بين الحين والآخر إيجاد حل لمشكلة التهريب باعتبارها تقع على مسئولية جميع الأطراف، وفي هذا الصدد اقترحت الإدارة الأمريكية توفير معدات متطورة تساعد على اكتشاف الأنفاق مثل أجهزة الرقابة والتحكم الالكترونية.
"الأنفاق" . مصدر قلق لإسرائيل
توضح الدراسة أن مدينة رفح الحدودية تم تقسيمها طبقاً لاتفاقية السلام المبرمة بين مصر وإسرائيل عام 1979، حيث ألحقت الاتفاقية الجزء ذو الكثافة السكانية العالية من المدينة بقطاع غزة الذي احتلته إسرائيل لاحقاً، بينما تم وضع الجزء الآخر الأصغر من المدينة تحت السيادة المصرية. وتضيف الدراسة أنه في عام 1982 طالب رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق "آرييل شارون" السلطات المصرية بإجراء تعديل على الحدود الدولية لمصر مع إسرائيل على نحو يجعل مدينة رفح كلها تحت السيطرة الإسرائيلية، حيث حذر "شارون" من أن تقسيم رفح من شأنه أن يجعلها منبع لانتشار الإرهاب وتهريب الأسلحة، ولكن السلطات المصرية رفضت مطالبة.
ولقد لجأ سكان مدينة رفح إلى حفر الخنادق تحت الأرض باعتبارها وسيلة للاتصال والحفاظ على أواصر العلاقات بين كافة أفراد العائلات الممتدة بين غزة ومصر، واستغل المهربون هذه الأنفاق في أغراض اقتصادية تدر لهم أرباح كبيرة من خلال إعادة بيع الجازولين المصري المدعم بأسعار عالية، وكان من بين أهداف المهربين أيضاً الحصول على بضائع مثل السجائر والمخدرات و الذهب وقطع غيار السيارات.
ومع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987 بدأت إسرائيل تدرك بشكل كبير الخطر الأمني الذي تمثله أنفاق التهريب، فبعد سلسلة الهجمات التي شنها الفلسطينيون عبر الحدود بين مصر وغزة خلال أواخر العقد الثامن من القرن الماضي وأوائل العقد الأخير من ذات القرن أدركت الدولة العبرية أن الميلشيات الفلسطينية كانت تستخدم الإنفاق لتهريب الأسلحة والمقاتلين إلى قطاع غزة. وحتى عندما تأسست السلطة الفلسطينية عام 1994 وفقاً لاتفاقية أوسلو انتاب الحكومة الإسرائيلية شعوراً بالقلق من تواطؤ قوات الأمن التابعة للسلطة مع عمليات التهريب.
وزادت عمليات تهريب الأسلحة عبر الأنفاق مع بدء الانتفاضة الثانية عام 2000 وصادرت القوات الإسرائيلية والمصرية وأجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية كميات كبيرة من المواد المتفجرة والآلاف من بنادق الكلاشينكوف وأطنان من الذخائر الحربية، كما قامت إسرائيل بتشييد جدار خرساني بطول الحدود يمتد إلى 10 أقدام تحت الأرض، ومع ذلك ظلت الدوافع الاستراتيجية والاقتصادية لعمليات التهريب قائمة.
وتشير الدراسة إلى كيفية حفر تلك الإنفاق، موضحة أن العائلات الغنية في رفح والذين يطلق عليهم "رؤوس الثعبان" يقومون بتمويل عمليات حفر الأنفاق ثم يؤجرونها إلى أعضاء حماس وفتح وجماعة الجهاد الإسلامي، على أن يحصل هؤلاء المستثمرون وأقاربهم على نسبة من كل شحنة تمر عبر هذه الأنفاق.
أما عن كيفية تعامل إسرائيل مع هذه الإشكالية، فتشير الدراسة إلى أنه قبل الانسحاب الإسرائيلي أحادي الجانب من غزة، نفذت القوات الإسرائيلية سلسلة عمليات لمنع تدفق الأسلحة، وكان من أبرزها عملية "قوس قزح" في عام 2004 والتي شنتها إسرائيل بعد مقتل 11 من جنودها، وهدفت إلى إيجاد منطقة أمنة بجوار محور فيلادليفيا، وحماية القوات الإسرائيلية، وبالإضافة إلى هذا وذاك منع الفلسطينيين من حفر الأنفاق تحت الأرض. وأدت هذه العملية إلى تدمير العديد من المنازل التي يشتبه في وجود أنفاق مخبأة تحتها، فضلاً عن مقتل العديد من المسلحين الفلسطينيين.
وبعد الانسحاب الإسرائيلي من غزة في أغسطس 2005، شرعت الحكومة الإسرائيلية في الدخول في مفاوضات مع نظيرتها في القاهرة من أجل التوصل إلى ترتيبات أمنية جديدة تؤمن الجزء الواقع من مدينة رفح تحت السيطرة المصرية، وبالفعل أثمرت المحادثات عن نشر 750 جندي مصر لتأمين محور فيلادليفيا.
إشكالية التهريب والتوتر المصري - الإسرائيلي
تحت هذا البند تركز الدراسة على الاتهامات التي وجهتها إسرائيل إلى مصر فيما يتعلق بتهريب الأسلحة عبر قطاع غزة، إذ ألقي العديد من مسئولي الاستخبارات الإسرائيلية باللوم على مصر بشأن عمليات التهريب التي تتم عبر الأنفاق. وتجلى هذا في العديد من التصريحات الصادرة عن المسئولين في تل أبيب، ففي سبتمبر 2006 قال مدير "الشين بيت" ـ جهاز الاستخبارات الداخلي ـ "يوفال ديسكن" أن "المصريين يعرفون من هم هؤلاء المهربين ولكنهم لم يتصدون لهم، كما تسلمت القاهرة تقرير استخباراتي منا لكنها لم تستفيد منه". كما أعلنت "ميري إيزين" ـ المتحدثة باسم رئيس الوزراء "أيهود أولمرت" ـ أن "الذي يحدث الآن أن الفلسطينيين يحاولون تهريب المزيد من الأسلحة المتطورة مثل الأسلحة المضادة للدبابات التي استخدمها حزب الله في لبنان وبعضها روسي الصنع والآخر إيراني، وهناك أيضاً الأسلحة المضادة للطائرات التي تمثل خطراً كبيراً".
واتهم عضو حزب الليكود المعارض والرئيس السابق للجنة الدفاع والشئون الخارجية بالكنيست "يوفال ستنيتز"، مصر بالسماح لحماس بالحصول على 120 ألف بندقية و6 ألاف صاروخ مضاد للدبابات و100 طن متفجرات والعديد من صواريخ الكاتيوشا والقذائف المضادة للطائرات. وفي نوفمبر 2007 طالب "ستنيتز" أعضاء الكونجرس بدعم مقترح يقضي بتجميد جزء من المساعدات العسكرية لمصر.
ووصل منحنى الاتهامات الإسرائيلية للقاهرة أعلاه في ديسمبر الماضي عندما ذكرت وزير الخارجية "تسيبي ليفني"، في شهادتها أمام الكنيست، أن "الفشل المصري في تأمين الحدود مع غزة يمثل معضلة خطيرة ستلقي بتداعياتها السلبية على عملية السلام". وبعدها كشف تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية عن أن مسئولين إسرائيليين أرسلوا للإدارة الأميركية شرائط فيديو تظهر أن قوات حرس الحدود المصرية ليس فقط تتجاهل عمليات التهريب، بل أنها كذلك تدعم المهربين وتساعدهم.
أما عن رد الفعل المصري على هذه الاتهامات، فتوضح الدراسة أن تزامن تصريحات وزيرة الخارجية الإسرائيلية مع تعليق جزء من المعونة الأميركية لمصر، قد أثار ردود فعل عنيفة في القاهرة، إذا صرح الرئيس "مبارك" في أحد مقابلته الصحفية قائلاً: "ليفني تجاوزت الخطوط الحمراء معي"، كذلك تواصلت الاتهامات المصرية لبعض المسئولين في تل أبيب باستخدام قضية التهريب كوسيلة للإضرار بالعلاقات بين واشنطن والقاهرة، وحذر وزير الخارجية المصري "أحمد أبو الغيط" إسرائيل من أنه في حال استمرارها في التأثير سلباً على العلاقات المصرية ـ الأميركية ومن ثم على مصالح مصر بصفة عامة، فإن بلاده (أي القاهرة) ستعمل هي الأخرى على إحداث ضرر بالمصالح الإسرائيلية.
وطالبت السلطات المصرية الحكومة الإسرائيلية بإجراء تعديل على مذكرة التفاهم المبرمة بين البلدين عام 2005، وذلك لإعادة نشر المزيد من الجنود المصريين على الحدود مع غزة، حيث ترى القاهرة أن العدد الحالي (750) جندي فقط والذي يحدده هذا الاتفاق، غير كافي لتأمين الحدود. وقد لاقي هذا المطلب رفضاً من جانب القادة الإسرائيليين الذين دعوا السلطات المصرية إلى تفعيل القوات الحالية والاستفادة المثلى من وجودها بدلاً من نشر جنود إضافيين. ورغم هذا الرفض كشف تقرير لصحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية عن أن تل أبيب والقاهرة يجرون محادثات وصلت إلى مراحل متقدمة لوضع قوات مصرية إضافية في سيناء لتأمين الحدود مع غزة.
وانخفضت حدة التوترات بين البلدين بعدما قام وزير الدفاع الإسرائيلي "إيهود باراك" في زيارة للقاهرة أواخر ديسمبر الماضي، شدد خلالها على أهمية السلام مع مصر، واصفاً إياه بأنه "مسألة إستراتيجية". وتبعه رئيس الوزراء "إيهود أولمرت" بتصريحات أكد خلالها رغبة بلاده في الحفاظ على اتفاقية السلام مع القاهرة رغم كل الصعوبات التي تشهدها علاقات البلدين. ثم تنتقل الدراسة إلى الحديث عن الدور الأميركي في هذه الأزمة، لافتة إلى أن واشنطن عملت على تخفيف حدة التوتر بين القاهرة وتل أبيب، وفي هذا الصدد أرسلت الحكومة الأمريكية وفداً يضم مساعد وزير الخارجية "روبرت دانين" ومساعد وزير الدفاع "مارك كيميت" لمصر في نوفمبر من العام الماضي لدراسة المشكلة، وقدم المسئولان التوصيات التالية:
1ـ أن تقوم الولايات المتحدة بتزويد مصر بأجهزة ومعدات تساعدها على رصد وتدمير الأنفاق.
2ـ أن تنشئ مصر قناة مائية على طول الحدود، وهي الفكرة التي طرحتها إسرائيل منذ عامين.
3ـ تأسيس لجنة أمنية ثلاثية بين مصر وأميركا وإسرائيل لمعالجة كافة القضايا ذات الصلة بالحدود بين مصر وغزة مثل تهريب الأسلحة وتسلل المقاتلين والسيطرة على الحدود، لكن الدولة العبرية عارضت تشكيل مثل هذه اللجنة.
وفي إطار الجهود الأميركية أيضاً لمعالجة مشكلة الأنفاق، سافر فريق أخر من المهندسين العسكريين الأميركيين إلى مصر وعرض على السلطات المصرية مساعدتها بالمشورة الفنية.
رفح وغزة . إشكالية المعبر والحصار
بعد أن انسحبت إسرائيل من قطاع غزة في 2005، أبرمت وزيرة الخارجية الأميركية "كونداليزا رايس" اتفاقية بين إسرائيل ومصر والسلطة الفلسطينية للسماح لسكان غزة بالدخول والتحرك عبر معبر رفح، ووافقت تل أبيب بموجب هذه الاتفاقية على السماح للاتحاد الأوروبي بمراقبة المعبر. وعلى الرغم من عدم الوجود المادي (العسكري) لها على الحدود، بيد أن إسرائيل تراقب المعبر من خلال كاميرات تليفزيونية، بل والشيء الأكثر الأهمية هو أن الدولة العبرية في يدها السلطة الحقيقية لفتح أو غلق المعبر بناء على تقديراتها للوضع الأمني.
وبعد الانقلاب الذي قادته حماس وسيطرتها على قطاع غزة في يونيو 2007، عملت مصر مع إسرائيل على غلق معبر رفح، وإن كانت هناك بعض الحالات الاستثنائية التي حدثت، منها سماح مصر في يناير الماضي لنحو 2200 من الحجاج الفلسطينيين، معظمهم من حركة حماس، بالخروج من غزة والعودة إليها أيضاً عن طريق معبر رفح، وهو القرار الذي أصاب إسرائيل ومعها رئيس السلطة الفلسطينية "محمود عباس" بخيبة أمل. كما وافقت السلطات المصرية في أكتوبر 2007 على دخول 45 من أعضاء حماس وبعض الجماعات الأخرى المطلوبين جميعاً من قبل إسرائيل، بالدخول إلى غزة من خلال رفح. ويشار كذلك إلى أنه قبل سيطرة حماس على القطاع، كانت مصر وإسرائيل قد سمحتا لـ 500 شخص من المحسوبين على حركة فتح بالدخول إلى مصر لتلقي تدريبات أمريكية.
وتنتقل الدراسة إلى إلقاء الضوء على الحصار الذي فرضته إسرائيل على غزة والذي كان يهدف إلى إجبار حركة حماس على وقف هجماتها الصاروخية على إسرائيل، فبعد أسبوع من الحصار قام أنصار حماس بإحداث ثقوب في السياح الحدودي على الجانب الفلسطيني من رفح، مما سمح لأكثر من 200 ألف من الغزاويين بالدخول إلى مصر، وعقّب الرئيس المصري على هذا الاقتحام الحدودي قائلاً: "إنه طلب من قوات الأمن المصرية السماح للفلسطينيين بالدخول عبر معبر رفح لشراء احتياجاتهم الأساسية ثم العودة إلى غزة طالما أنهم لا يحملون أسلحة أو أشياء غير مشروعة". وعلى الجانب الإسرائيلي آثار هذا الاقتحام قلق العسكريين خوفاً من أن يعبر أيضاً إرهابيين فلسطينيين مع المدنيين إلى مصر.
وختاماً، ترى الدراسة أنه رغم المحاولات المبذولة من قبل مصر وإسرائيل لتخفيف حدة التوتر بين الدولتين فيما يتعلق بالحدود، فإن ثمة مخاوف من الآتي:
ـ أن يكون لسيطرة حماس على غزة انعكاسات سلبية على العلاقات بين القاهرة وتل أبيب. تلك العلاقات التي تعتبر دليلاً على نجاح الدبلوماسية الشرق أوسطية للولايات المتحدة على مدى ثلاثة عقود ماضية.
ـ أن تؤدي الخلافات حول إدارة حدود غزة إلى تأثير سلبي على التعاون المصري ـ الإسرائيلي في القضايا الهامة التي تمس الأمن القومي الأميركي، مثل مواجهة الجماعات الإسلامية المتطرفة، ودعم عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين.
ـ أن تنعكس العلاقات المتوترة بين القاهرة وتل أبيب على مسار المفاوضات الإسرائيلية ـ الفلسطينية بعد مؤتمر أنابولس للسلام.
وحسب الدراسة، من المتوقع أن تشهد الفترة القادمة استمرار التوترات المصرية ـ الإسرائيلية حول أمن الحدود، مع تصاعد العنف بين الدولة العبرية وحركة حماس والجماعات الفلسطينية الأخرى في غزة. كذلك فإنه في ظل غياب أي مؤشرات على اعتراف حماس بدولة إسرائيل، تستبعد الدراسة رؤية المنطقة التي تربط بين مصر وإسرائيل وغزة يسودها السلام.