خليفة بوتين يبرهن عن أسلوب أكثر ليونة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
ميدفيديف يفتقر الى خبرة سلفه الواسعة
خليفة بوتين يبرهن عن أسلوب أكثر ليونة
بقلم سي جاي شيفرز:جلس ديميتري ميدفيديف، الرجل الذي وقع الاختيار عليه كي يكون الرئيس الروسي التالي، محاطاً بالجنود. إنه يوم 23 شباط / فبراير، يوم المدافعين عن الوطن، وقد سافر ميدفيديف إلى خارج موسكو، إلى ميدان عرض " فرقة بندقيّة ( تامانسكايا ) الآليّة " العسكري. لطالما شكلت هذه الفرقة أحد ثوابت الحياة السياسيّة الروسيّة. وقد زحفت كتائبها بانتظام طوال عقود نحو " الساحة الحمراء " . منذ 8 سنوات، عندما عرّف الرئيس فلاديمير بوتين العالم عن نفسه، أرسل الجيش الروسي ليحارب في عاصمة الشيشان، ما حفر في الأذهان أنه يتمتّع بشخصيّة قياديّة ذات تصميم صلب. والآن، يحدّد ميدفيديف، خلف الرئيس الذي اختاره بوتين بنفسه، هويّته العامة الخاصة وفقا لسيناريو مدروس. وهنا، وسط مزيج من الرموز السوفيتية والروسيّة، تجنّب الرجل الذي سيتبوّأ رئاسة الكريملين المواضيع القاسية التي غالباً ما كانت ترافق ظهور بوتين.
أراد التحدّث عن الظروف المعيشية من دون التمييز بين الجنود والمدنيين. قال أمام عدد كبير من كاميرات التلفزة متوجهاً بحديثه الى الجنود الجالسين بالقرب منه: "لنتحدّث عن المشاكل الموجودة. تعالوا نجري حواراً عاديا". في الثاني من شهر آذار (مارس)، حقق ميدفيديف، البالغ من العمر 42 عاما، فوزا ساحقا رغم كونه بيروقراطيا يفتقر الى الجاذبيّة، كما أنه لم يتولَ يوما منصبا بالانتخاب، وسوف يصبح رئيس الكريملن الجديد.
قال ميدفيديف، الذي يفتقر الى خبرة سلفه الواسعة في وكالة الاستخبارات السوفيتية، إنه سيعيّن بوتين رئيسا للوزراء. وبما أن جميع الأنظار في البلاد متجهة نحوه بعد بوتين، قدّم ميدفيديف نفسه ضمنيا على أنه في الوقت عينه مناصر لبوتين ورئيس ينتظر تسلم سدة الرئاسة، سيدير دفّة الحكم بطريقة أكثر ليونة مما رآه العالم خلال عهد بوتين.
يسمح الوضع طرح سؤال ليس له جواب بعد. فقد وصفت الملاحظات، خارج نطاق الدوائر الروسيّة الرسميّة، ميدفيديف على أنه دمية، رئيس سيطيع أوامر بوتين. الا ان ميدفيديف قام بخطوات غير متوقّعة. ففي خطاب ألقاه في 25 شباط (فبراير)، قال إن الحريّة أساسيّة للدولة لتتسم بالشرعيّة بين مواطنيها. كما أنه استعرض أهداف السياسة المحليّة في ما يشبه بيانا موجهاً إلى طبقة المستهلكين المتنامية في روسيا.
كما اتخذ ميدفديف موقفاً مسلياً، عندما لها مع فرقة "ديب بوربل" البريطانيّة التي تعزف موسيقى صاخبة اشتُهرت بها في أيّام السوفيات، مما أظهر طابعا هزلياً بعيداً كل البعد عن الطابع "البوتينيّ".
لقد أثارت حديثه وسلوكه أسئلة غير متوقّعة لكنها ثاقبة. هل يعني ميدفيديف ما يقوله؟ هل يمكنه أن يخفف من شدّة القبضة على الحياة السياسيّة الروسيّة التي كانت ميزة جوهريّة خلال عهد بوتين؟ وفي حال فعل ذلك، هل سيتصادم مع بوتين، مصدر قوّته الرئيسي؟
ينقسم المحللون في الرأي حول هذه المسألة، فمايكل ماكفول، رئيس مركز الديمقراطيّة والتنمية وحكم القانون في جامعة ستانفورد، يقول إن ميدفيديف يميل نحو الغرب أكثر من أيّ شخص آخر في الكريملن. لكنه أوحى بأن اعتناقه الرسميّ للحريّة هو ظاهريّ أكثر منه فعليّ. قال: "انها علاقات عامة وليست أمورا استراتيجيّة".
من جهته، قال سيرغي ماركوف، وهو عالم سياسي مقرّب من الكريملن وعضو في البرلمان الروسي، إن ميدفيديف المحامي المتمرّس الذي تعود جذوره الى سنت بيترسبورغ، يميل الى الغرب. ويتوقّع أن يضغط ميدفيديف لمزيد من الحريّة السياسيّة ولكن بشكل محدود.
وتابع قائلا: "سيحاول ميدفيديف تشجيع المنافسة السياسيّة ضمن النظام، من دون زعزعته. كيف سيفعل ذلك؟ سنرى. لكن أظن أن الاستقرار سيكون في طليعة الأولويات". قال أيضا إن النموذج الذي اختاره بوتين كي ينتقل من أعلى منصب في روسيا، إلى جانب تلميحات ميدفيديف بالميل إلى الليبراليّة، قد تؤدّي الى انقسامات غير مقصودة في دوائر السلطة في روسيا. وأضاف ان ذلك هو السبب الذي سيدفع ميدفيديف إلى الضغط ولكن بشكل محدود.
أردف ماركوف قائلاً: "مؤسسات الحكومة الروسيّة ضعيفة. ومن شأن أي شرخ بين شخصيّتين ان يضعضع الوضع السياسي. ولأن السياسة تضطلع بدور بارز في الاقتصاد الروسي، فإن غياب الاستقرار عن الوضع السياسي قد يؤدّي إلى ضعضعة الوضع الاقتصادي أيضا. بالتالي، إنها مخاطرة كبيرة".
وفي حين يتأمّل الروسيون والمحللون بمستقبل البلد وبوتين خارج الاطار الرئاسيّ، يبدو الفرق بينه وبين الرئيس المستقبليّ، وبين الكلمات الأخيرة للكريملن وتاريخه الحديث، فرق واضح على عدّة أصعدة، أقلها في فحوى النقاش الأساسي. وفي ظل غياب أي مرشح محتمل لمنافسته، استخدم الكريملن فترة ما قبل شكليّات التعيين في المنصب لتقديم رئيس جديد. يقف ميدفيديف، الذي يشعّ منه الذكاء والهدوء، ولكن ليس القوة، على بعد خطوة واحدة من المنصب الأعلى، ولا يبقى سوى بوتين في مرتبة أعلى منه.
تقوم محطات التلفزة الوطنيّة بتغطية نشاطاته بشكل شامل وداعم. ثمة سجال بسيط بين الشعب حول الأفكار المتعلّقة بمسار روسيا، غير انه ثمة تساؤلات أقل حول أهليّة ميدفيديف ليكون الرئيس التالي لدولة تضم 140 مليون نسمة وتتمتع بترسانة نوويّة وبأكبر احتياطي هيدروكربون في العالم.
عوضا عن ذلك، استخدم ميدفيديف الحملة كمذياع مفتوح محددا جدول الأعمال الذي سيجعل من روسيا دولة نابضة بالحياة وذات اقتصاد متنوّع، بعد أن نهضت من الأزمة الماليّة في التسعينيات، لكنها عانت من مشاكل في البنى التحتيّة والصحة العامة والفساد ومن اقتصاد يعتمد على استخراج الموارد.
وعد ميدفيديف بأن يحسّن المدارس ويبني المنازل ويشجع الأعمال ويعدّل نظام الضرائب بطريقة تحثّ على تكوين الأسر وتعزيز الاستقرار الاجتماعي، بما في ذلك تقديم تخفيضات ضريبيّة لمدخرات التقاعد والهبات الخيريّة والتكاليف التربوية والطبيّة. يقول إن التغييرات آتية. كما صرح ميدفيديف أنه سيجري تعديلات على النظام الصحّي ليضيف مزيدا من الخيارات. وتحدى المنطق المهيمن بأن حكومة روسيا التي توسعت بيروقراطيتها خلال عهد بوتين وظلّت غير فعّالة وفاسدة، هي حتما خرقاء ويعجز المواطنون عن تغييرها.
تصبّ نقاط عدّة في جدول أعماله في الخطط الداخليّة التي رسمها بوتين بنفسه، وهي تشمل محاربة الفساد وتغيير وضع قطاع الصحّة العامة المذري في روسيا. وعلى عكس بوتين، تجنّب ميدفيديف في معظم إطلالاته التحدّث عن السياسة الخارجيّة أو عن العلاقات الروسيّة المتوترة مع الغرب. وتأمل العواصم الغربيّة أن تتخلّص من ثقة بوتين المبالغ بها. لكن باستثناء تصريح يدعم صربيا ويرفض الاقرار باستقلال كوسوفو، لم يعرض ميدفيديف اقتراحات مفصّلة حول كيفيّة إدارة دور روسيا في العالم خلال عهده. في هذا الصدد، يتوقّع بعض المحللون تغييرات جذريّة.
قال بوريس كاغارليتسكي، مدير مؤسسة الدراسات حول العولمة والتحركات الاجتماعيّة في موسكو: "تتغيّر الشخصيات، لكن مصالح الأمم لا تغيّر".
قال ماكفول من جامعة ستانفورد إنه يتوقّع أيضا أن تستمرّ روسيا بمواجهة الصعوبات الديبلوماسيّة مع الولايات المتحدة عندما ينتقل ميدفيديف الى الكريملن، بغض النظر عن ميوله. وأضاف: "إنه يؤيّد الغرب وتصرّفاته غربيّة أكثر من أي مرشّح آخر، لكن أداءه ضعيف".
قال ديبلوماسي غربيّ رفيع المستوى إن الذين يدرسون روسيا عن كثب قد قاموا بصياغة اختبار محتمل عن ما إذا كان ميدفيديف سيستخدم القوّة. في الصيف، سيرسل الكريملن وفدا الى اجتماع الدول الثماني المنعقد في اليابان. ويقول إن المراهنات غير الرسميّة قد بدأت، فهل سيحضر بوتين أم ميدفيديف أم الاثنان معا؟