أخبار

مدخل إلى التيبت

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

بقلم رودجر كوهن

نيويورك: هل تذكرون كيف اضطررنا إلى الاطلاع على معلومات حول الشيعة والسنة والأكراد وكلّ الفئات الأصغر حجماً التي تشكل التفكك الطائفي العراقي؟ ففي الأشهر الأربعة المقبلة، وحتى موعد افتتاح الألعاب الأولمبية في مدينة بيجينغ، سيتعلّم العالم الكثير عن مختلف الأقليات الإثنية والدينية في الصين وعن الأمور التي تثير امتعاضها.

فأعمال الاستفزاز العنيفة في التيبت ليست سوى البداية. سيحظى مسلمو الويغور في منطقة شينجيانغ الغربية شمالية، وطائفة فالون غونغ الخارجة عن القانون، والمنغوليون والكازاخستانيون وأي شخص آخر يرغب في أن تُسلط عليه الأضواء، بفرصة ثمينة ليحتج.

آمل أن يتم احتواء العنف، وأن تُظهر السلطات الصينية مرونة، إلا أنني لست متفائلا بعد التظاهرة الكبيرة التي حصلت في لندن يوم الأحد.

إذا حمل راهب من التيبت الشعلة الأولمبية في سان فرانسيسكو هذا الأسبوع، ومن ثم ضحى بنفسه، فلا يجب أن يفاجأ أحدا بذلك. غير انه يجب ان يفاجأ الجميع إذا مرّت الذكرى التاسعة عشرة على حملت القمع التي فُرضت في ساحة تيانامين في 4 حزيران (يونيو) بهدوء.

لا يعتبر البروز بين المنتخبات الأساسية أمراً سهلاً. وهذا هو ما آلت إليه الصين بعد التحول الكبير الذي أدى إلى استضافة الألعاب الأولمبية. فلا يمكن أن يحجب التطرق إلى "الانتفاضة السلمية" و"التناغم" و"التعاون المتعدد الأطراف"، وكلها تعابير صينية رنانة لمحو الذات، واقع أنه يفترض بأي قوة عظمى إطلاق نداءات صارمة واتخاذ قرار حول ما تمثل والحكم عليها.

لا تستطيع الصين بعد الآن التظاهر بأنها القوة غير الفضولية بامتياز، على عكس التطفل الأميركي. ففي بورما وأبعد منها، لن يصدق أحد ذلك.

اتصل الرئيس جورج بوش الإبن بالرئيس هو جينتاو مرتين منذ أن بدأت المشاكل تحثه على الاتصال بالدلاي لاما والتوقف عن ذمه وإرساء الحوار معه وفتح أبواب التيبت أمام الصحافيين الأجانب.

وقال لي كريستوفر هيل، مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون آسيا الشرقية، والذي نصح الرئيس بإجراء هذه المكالمات، إن حجج بوش الجديرة بالثناء لم تلق آذانا صاغية، مضيفا "لا أتوقع حدوث أي أمر جيد خلال الأشهر القليلة المقبلة".

يرمز هو، الذي قمع الاحتجاجات في التيبت عندما كان رئيس الحزب في العام 1989، إلى التوافق الوطني حول مسألة ان الصين خلّصت شعب التيبت من الإقطاعية، ودفعته نحو الحداثة من خلال إرساء البنى التحتية والاستثمار. وفي هذا الإطار، يجب أن تكون التيبت ممتنة كما ينبغي قمع المنشقين العنيدين في المنطقة.

لم أسمع في مؤتمر ويليامسبورغ الذي عقد هنا، وهو اجتماع سنوي على مستوى عال يتناول المسائل الآسيوية، كلمة واحدة من قبل الموفدين الصينيين انحرفت عن الواقع القائل بأن محرضين من الخارج أثاروا الاحتجاجات في التيبت وأن الإعلام الأجنبي كاذب وحاقد وأن الخطابات المتعلقة بحقوق الإنسان غير مقبولة وأن لا حكومة تقبل بحركة انفصالية.

باختصار، سمعت نظريات التآمر النموذجية لأي دولة يحكمها حزب واحد وغير قادرة على الذهاب إلى أبعد من المنطق الذي تمليه عليها حاجتها الوحيدة إلى السيطرة.

قال وو جيانمين رئيس جامعة العلاقات الخارجية في الصين، "لقد أعطي الأمر بإحداث فوضى. الا انه من الخطأ الفادح تسييس الألعاب الأولمبية، لأن الجميع سيتأذى جراء ذلك. كان شعب التيبت من العبيد وقد أحرز تقدما هائلا."

لا أناقش الأوجه الإقطاعية في المجتمع التيبتي. ويفاجئني عدم وجود خطط تحريضية من خارج التيبت. الا ان السلطات الصينية تحتاج إلى مواجهة بعض الحقائق الكبرى.

تشمل هذه الحقائق واقع أن نصف قرن من القمع لم ينجح وأن الصين لن تجد من تحاور في التيبت يكون أكثر اعتدالا من دالاي لاما، وأن هذا الأخير دعا إلى الحكم الذاتي ولكن ليس إلى الاستقلال وأنه شخصية عالمية محترمة.

وعوضا عن شجب المؤامرات الأجنبية، يجب أن تقرّ الصين بأن وصول أقلية هان الصينية قد غذى مخاوف التيبت من انقراض ثقافي، وأن مقاربة التوازن التي يتم اعتمادها للسماح للصحافيين الأجانب بالدخول إلى التيبت غير ملائمة.

لمدة طويلة، دار السؤال الأساسي المتعلق بالصين حول ما إذا تستطيع الديكتاتورية التي تحظى باقتصاد السوق المفتوحة أن تقاوم الاختلافات الداخلية. أما السؤال الأساسي اليوم فيدور حول كيفية تحويل مجتمع متنوع إلى فدرالية في ظل سيطرة حزب واحد.

أو كما أوضح لي رجا ماهان العالم السياسي الهندي: "كيف يمكن إيجاد مجال للأشخاص المختلفين ليعبروا عن أنفسهم في بلد لا يفرّق بين الدولة والحزب؟"

الهند الديموقراطية، بالنسبة إلى أس في نايبول هي الهند التي برزت في كتابه بعنوان "أرض المليون جندي متمرد". فكل جندي متمرد يشكل صمام الأمان. وأشار ماهان "الا ان الصين لا تستطيع أن تتحمل عبء جندي متمرد واحد".

برهنت قيادة الحزب الشيوعي في الصين أنها قادرة على التأقلم مع نمو البلد الكبير. لكنها غير قادرة على التحرك بشكل فاعل خلال فترة الأزمة. في الأشهر القليلة المقبلة، سيبرز عدد من الأزمات، وستشكل تحدّ للنموذج الرأسمالي الاستبدادي الحديث.

بوش على حق في رغبته حضور حفل افتتاح الألعاب الأولمبية. فقد تزيد مقاطعته من مشاعر الصينيين القديمة بالعدائية. ولا يخدم ذلك أحدا. إلا أن الصين بحاجة إلى أن تتخطى السلوك القمعي الذي تمارسه الدولة المحكومة من حزب واحد وأن تتكلم مع دالاي لاما وأن تدرك أن التجانس في إطار الجمود غير ممكن.

إن الديكتاتورية المتعددة الإثنيات سريعة الزوال وستزول أسرع بكثير في حال لم تلن عند عتبة التيبت.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف