الإنقسام الطائفي في لبنان بين عامي 1975 و2008
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
لندن: بعد ثمانية عشر عاما من وضع الحرب الاهلية اللبنانية اوزارها لا يبدو لبنان اقل انقساما مما كان عليه لدى اندلاع الحرب الاهلية في 13 ابريل/ نيسان من عام 1975 وان اختلفت اوجه واسباب الانقسام.
ففي هذا اليوم قبل 33 عاما اندلعت الشرارة الاولى للحرب الاهلية اللبنانية التي استمرت 15 عاما، قتل فيها 150 الف شخص واصيب مئات الآلاف بينما لا يزال مصير الآلاف مجهولا حتى الان.
انقسام اوسع
يبدو الانقسام السياسي والاجتماعي الذي يمر به لبنان حاليا اعمق مما كان كان عليه خلال الحرب الاهلية السابقة.
ورغم ان الانقسام خلال الحرب الاهلية كان ما بين المسلمين والمسيحيين لكنه كان ايضا ذا طابع سياسي واضح ما بين قوى سياسية يسارية وقومية عربية لبنانية ذات توجهات علمانية قاعدته من المسلمين الى جانب قوى سياسية عابرة للطوائف مثل الحزب الشيوعي من جهة وقوى مسيحية تمثلت بالكتائب والقوات اللبنانية ذات توجهات يمينية غربية من جهة اخرى.
اما حاليا فإن الانقسام الاعمق يبدو بين سنة لبنان وشيعته الذين برزوا كأكبر قوة سياسية وعسكرية في لبنان مع انتهاء الحرب اللبنانية وتعززت قوتهم مع انسحاب اسرائيل من جنوبي لبنان عام 2001.
اما الوجه الاخر للانقسام اللبناني الحالي فيتمثل بالانقسام في الشارع المسيحي حيث انقسم المسيحيون الى محورين رئيسيين موزعين على طرفي الانقسام الاسلامي في لبنان بين السنة والشيعة.
ويبدو ان توزع الشارع المسيحي، الذي يمثل الموارنة مركز ثقلهم العددي والسياسي والروحي، بين المعارضة والموالاة في لبنان، رغم ان موقف المرجعية الروحية للموارنة المتمثلة ببكركي يبدو اقرب الى الموالاة، يعكس تراجع الدور المسيحي في لبنان في المعادلة السياسية للبنان بسبب تراجع موقعهم الاقتصادي والعددي.
انتهاء مرحلة
انتهت الحرب الاهلية اللبنانية بموجب اتفاق الطائف الذي عكس توازن القوى على الساحتين اللبنانية والاقليمة عام 1990.
وبقي للبنان ينعم بإستقرار اقتصادي وسياسي نسبي مع استمرار قيام سورية بدور محوري في الحفاظ على هذا الاستقرار الى عام 2001 مع انسحاب اسرائيل من جنوب لبنان وبروز حزب الله كقوة سياسية وعسكرية يمثل اغلبية الطائفة الشيعية في لبنان مدعوما من قبل ايران وسورية.
وبعد الانسحاب الاسرائيلي اصبح حزب الله اكثر انخراطا في الحياة السياسية عن طريق المشاركة في الانتخابات النيابية والحكومة وبدأ الحديث عن سلاح حزب الله داخل وخارج لبنان ودور ومستقبل هذا السلاح.
ومع الاحتلال الاميركي للعراق عام 2003 واندلاع العنف الطائفي في العراق الذي القى بظلاله على الشارع العربي وخاصة في الدول المجاورة للعراق انتشر الحديث عن "الهلال الشيعي" من ايران الى العراق ولبنان متمثلا بحزب الله.
كما كان احتلال العراق بداية الصدام بين سورية والولايات المتحدة حيث اتهمت الاخيرة سورية بتشجيع العنف في العراق عن طريق السماح للمقاتلين الاجانب بدخول العراق عن طريق اراضيها بينما كانت سورية ترى انه يجب مواجهة المشروع الاميركي في العراق وعدم تركه يحقق اهدافه.
ساحة صراع
فردت الولايات المتحدة على سورية باستهدف الساحة الخلفية لسورية المتمثلة بلبنان عن طريق دعم الاصوات المنادية بانسحاب القوات السورية من لبنان وعن طريق مجلس الامن مؤذنة بذلك انتهاء التفاهم السابق بين الولايات المتحدة وسورية عشية انطلاق حرب الخليج الاولى عام 1991 والذي قضى بان يكون لسورية الدور المحوري في الشأن اللبناني.
ومع صدور قرار مجلس الامن 1759 واغتيال رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري وخروج القوات السورية من لبنان تعمق الانقسام في لبنان ما بين السنة الذين يمثلهم تيار المستقبل والقوى المتحالفة معه مثل الزعيم الدرزي وليد جنبلاط من جهة والشيعة المتمثلين بحزب الله وحركة امل بينما انقسم المسيحيون ما بين هذين المحورين.
اما القوى العلمانية واليسارية والليبرالية فتراجع وزنها كثيرا ولم يعد لديها المشروع السياسي القادر على تجاوز هذا الانقسام الطائفي والتحقت اما بهذه الجهة او تللك.
وفي ظل الازمة الحالية التي يواجهها لبنان على اكثر من صعيد يبقى الانقسام الطائفي في لبنان هو الاخطر لان الصراع لم يعد حول مشاريع سياسية بل اتخذ طابعا طائفيا وهذا سيكون له عواقب على المجتمع اللبناني مستقبلا.
تحذير
ومع كل يوم يمر دون التوصل الى حل للازمة التي يواجهه لبنان حاليا يترسخ هذا الاستقطاب الطائفي، بل برز قطاع لا بأس به من الشباب اللبناني العاطل عن العمل بسبب تردي الاوضاع الاقتصادية مهيأ نفسيا لخوض تجربة حرب اهلية جديدة بعد ان اجبرهم جو الشحن الطائفي على التمترس في الخندق الطائفي.
وتأتي محاولة عدد من منظمات المجتمع المدني التي تتجاوز الانقسام الطائفي والديني في لبنان لاقامة نشاطات للمرة الاولى مناسبة ذكرى الحرب الاهلية في لبنان لتحذير اللبنانيين من مخاطر الانزلاق الى حرب اهلية جديدة قد تكون اكثر تدميرا للبنان من الحرب السابقة نظرا لعمق الانقسام الطائفي والصراع الاقليمي الذي اصبح لبنان ساحة له.
فقد قامت الجمعية اللبنانية لحقوق الانسان بتنظيم عدد من النشاطات من بينها عرض اكثر من 600 دورة مياه متنقلة في احد الحقول وسط بيروت كتعبير يرمز الى اهوال الحرب على حياة البشر لانهم عند اندلاعها سيجبرون على الاختباء في منازلهم والتي ستتحول الى سجن لهم.
ويقول زياد خالد رئيس اللجنة القانونية في الجمعية ان هذه النشاطات هي لاخذ العبرة ويقول "ألا يكفي 15 عاما من الاختباء في دورات المياه" مناشدا الشباب اخذ العبرة من تجربة الاجيال السابقة التي كانت ضحية الحرب الاهلية.
ويدعو زياد الذين عاصروا تلك الفترة الى ان " يوضحوا لشباب اليوم ما الذين ينتظرهم لو اندلعت حرب اهلية جديدة " ويختتم حديثة محذرا السياسيين اللبنانيين بالقول "لن نسير خلفكم لخوض حرب جديدة".
مصطفى حمو- لندن