أخبار

ساركوزي في تونس الاثنين المقبل والمجتمع المدني يترقب "تعاطفه"

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

"الاتحاد من أجل المتوسط"، الاستثمار، الهجرة والطاقة النووية ملفّات جدّ ساخنة

إيلاف تحاور خبراء ومحلّلين للكشف عن أبعاد الزيارة

ساركوزي في تونس الاثنين المقبل والمجتمع المدني يترقب "تعاطفه"

إسماعيل دبارة من تونس: تستعد تونس لاستقبال الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أيام 28/29/30 أبريل الجاري ،ويبدو أن مختلف التحضيرات التي بدأها الخبراء والمسئولون الحكوميون من الجانبين الفرنسي والتونسي على وشك النهاية تمهيدا للزيارة "التاريخية" كما يصفها بعض المتابعين.

و تأتي زيارة ساركوزي وهي الثانية إلى تونس منذ توليه رئاسة الجمهورية الفرنسية في إطار تحركات دبلوماسية واقتصادية حثيثة تشهدها المنطقة المتوسطية منذ أشهر. ومن المتوقّع أن تكون زيارة ساركوزي المرتقبة ذات طابع اقتصادي واضح ،خصوصا و انه حددّ خلال زياراته المغاربية السابقة التي قام بها في جويلية الماضي الخطوط العريضة لسياسته تجاه بلدان المنطقة.

وعلى الرّغم من أن الجولة الأولى لم تشمل سوى تونس والجزائر، فإنه عاد ليزور المغرب ثم ليبيا بشكل منفصل فيما بعد، مؤكدا بذلك خصوصية العلاقة مع هذين البلدين المهمين بالنسبة للمصالح الفرنسية في المنطقة الجنوبية للبحر المتوسط. ويمكن اختزال أهداف زيارة الرئيس الفرنسي إلى تونس في عدد من الملفات الكبرى التي ستطرح على المسئولين التونسيين ولعل أهمها قضية الإتحاد من أجل المتوسط الذي سيستأثر بقسم من المحادثات على أعلى مستوى، على الرغم من أن ساركوزي والوفد المرافق له يدركون جيدا أنهم لن يواجهوا صعوبات تذكر في هذا الملف في المحطة التونسية مقارنة بما اعترضهم في بلدان متوسطية أخرى كالمغرب والجزائر.

الملف الثاني سيكون ضمان تقدّم الاستثمارات الفرنسية على المنافسين الأوروبيينو الأمريكيين والصينييّن الذين بدؤوا في تسليط الضوء على تونس منذ مدة. كما سيتمّ التطرّق خلال هذه الزيارة إلى موضوع مساهمة فرنسا في بناء محطة نووية لتوليد الطاقة في تونس في أفق سنة 2020 ، وهو موضوع يتقدم بخطى حثيثة استنادا إلى الإجراءات المتّبعة والمعلن عنها في هذا الميدان. إذ سلّمت تونس مشروع دراسة جدوى إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية تخصّ تركيز المحطة الكهرونووية الأولى في البلاد، وذلك بالاعتماد على خبراء الشركة التونسية للكهرباء والغاز والمركز الوطني للبحوث النووية (الذي أقيم بمساعدة فرنسا). كما أن الشركة التونسية للكهرباء والغاز التي تتولى الإشراف على المشروع أجرت اتصالات مع كل من المؤسسة الفرنسية للطاقة الذرية والهيئة الكندية للطاقة الذرية لتحديد التكنولوجيات التي ستُعتمد لدى إقامة هذه المحطة الكهرونووية.

ساركوزي ...وهاجس الاستثمار

ويرى المحلل السياسي رشيد خشانة " أنه من الأرجح أن الرئيس الفرنسي وضع نصب عينيه المنافع الاقتصادية التي ستحصدها باريس من الزيارة، فقد كان حريصا في زياراته إلى البلدان العربية والإفريقية على اصطحاب وفود من رجال الأعمال ورؤساء الشركات، واستطاع أن يعقد صفقات ضخمة في كل الزيارات وخاصة في الإمارات والسعودية وليبيا والجزائر. ففي هذه الأخيرة مثلا انتزع عقدا لفائدة شركة "توتال" مع سوناتراك للمساهمة بـ1.5 مليار يورو في مشروع مصفاة يتطلب ملياري يورو، بالإضافة إلى عقد استغلال مترو الجزائر.

وصيانته بعد الإنجاز، ليضاف هذان المشروعان الى سلسلة الهياكل القاعدية التي تشرف على تسيرها المؤسسات الفرنسية في الجزائر كمطار الجزائر الدولي الذي أوكل تسييره لمطارات باريس.

ويضيف خشانة لإيلاف: ومادام حجم تونس لا يتيح التوصل إلى صفقات من ذلك الحجم، فإن المهم هو تسهيل انتشار الشركات الفرنسية جنوبا في إطار التكيف مع التغييرات التي فرضتها المستجدات الإستراتيجية بعد بروز الأسواق الآسيوية وتوسع الإتحاد الأوروبي شرقا. وتحتل تونس في هذا السياق موقعا مهما إذ أنها استقطبت 1200 مؤسسة فرنسية تُشغل 100 ألف عامل (إحصاءات 2007)، وهي مؤسسات تعمل أساسا في قطاع النسيج والملابس والأحذية والميكانيك وليست في قطاعات مُصنعة أو ناقلة للتكنولوجيا.

من جهتها ترى خبيرة اقتصادية رفضت الكشف عن اسمها أن حجم الاستثمارات الفرنسية قد بلغ في السنة الماضية الـ 137 مليار دينار، مما جعل فرنسا تحافظ على تقدمها على الإيطاليين والألمان والأسبان، وإن كانت المشاريع الصغيرة والمتوسطة هي الطاغية على تلك الاستثمارات خلافا لبريطانيا مثلا.

وتفسّر ذات الخبيرة :نفس الصورة نتلمّسها في المجال التجاري، ففرنسا هي الزبون والمُزود الأول لتونس، بل إن حجم المبادلات معها قد تضاعف بين عامي 2006 و2007 طبقا لتقديرات "الغرفة الاقتصادية التونسية الفرنسية".

فرنسا و...الهجرة غير القانونية

من جهته يعتبر السيد كمال بن يونس أستاذ العلوم السياسية بالجامعة التونسية انه" من حق دول جنوب المتوسط ومن بينهم تونس أن توظف وتستثمر علاقاتها الطيبة مع العواصم الأوروبية بهدف فرض أولوياتها و أجنداتها ،خصوصا فيما يتعلق بملفّات الاستثمار الاقتصادي و جلب رؤوس الأموال والمشاريع الضخمة التي تحتاجها هذه الدول ، علاوة على محاولة معالجة الهجرة غير القانونية وحرية تنقل المسافرين في الاتجاهين لإنهاء حالة الاحتقان الأمني التي فرضت في عديد المطارات و القنصليات الأوروبية ضد المهاجرين والمسافرين القادمين من الضفة الجنوبية للمتوسط".

ويرى بن يونس أن :"تونس قد تستفيد كثيرا من الاتحاد من أجل المتوسط الذي سيقنّن ويحدّد نصيب فرنسا من المهاجرين التونسيين، كما انه سيساهم في امتصاص ردود الفعل السلبية على غرار انتشار مفاهيم خاطئة عن الهوية والاعتزاز بالذات في مجتمعات ضفتي المتوسّط وفي أحياء المهاجرين في أوروبا، الأمر الذي ساعد على انتشار التطرف والغلوّ عوضا عن تكريس مبادئ مسار برشلونة الداعية إلى الحوار الثقافي والسياسي الشامل، إذ أنه لا حوار في ضلّ مناخ الإقصاء المتبادل."

ساركوزي...وحقوق الإنسان

ولا توجد خلافات تذكر بين كل من فرنسا وتونس في مشروع ساركوزي المتوسطي - رسميّا على الأقل - إذ أن الحكومة التونسية كانت من أولى الحكومات التي أعطت موافقة غير مشروطة على المشروع الفرنسي الرامي لإنشاء "اتحاد من أجل المتوسط" يكون استكمالا لمسار برشلونة الذي مني بالفشل.

ومن المتوقع أن تحتضن تونس مركز الأمانة العامة لهذا الاتحاد المتوسطي استنادا إلى عدد من التقارير الإعلامية الفرنسية والتونسية.

ويقول السيد رشيد خشانة في هذا الصدد :الاختلاف بين كل من تونس وفرنسا لم يكن في مشروع الاتحاد من أجل المتوسط الذي أتى به الرئيس ساركوزي و إنما في ملف آخر يبدو محرجا للحكومة التونسية ولا يمكن للفرنسيين التغاضي عنه وهو كل ما يتعلّق بسجل حقوق الإنسان والحريات العامة والفردية والمؤسسات المنتخبة والمنظمات غير الحكومية و حرّية الإعلام والتعبير.

فالرئيس السابق شيراك كان يكلف أحد المسئولين الذين يرافقونه في زياراته لتونس بالتحاور مع بعض ممثلي المجتمع المدني، على الأقل من باب الحرص على التعرف على جميع ألوان الطيف، وعادة ما تكون تلك اللقاءات محل مساومات مع الحكومة التونسية. ولم يفعل ساركوزي ذلك في زيارته السابقة متعللا بقصر مدتها، إلا أن كاتبة الدولة لحقوق الإنسان السيدة "راما ياد" سترافقه في الزيارة المقبلة. ولم يُعرف إن كانت ستلتقي وجوها من المجتمع المدني أم لا، لكن يبدو أن هناك اتفاقا على السيطرة على هذه الملفات "الحساسة" كي لا تطفو على السطح، وإن كانت الحرية التي تتمتع بها الصحافة الفرنسية في هذا المجال تجعلها بعيدة عن السيطرة الكاملة للفريق السياسي الذي يرمز له ساركوزي".

هذا وتعوّل عدد من الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني بشدة على زيارة ساركوزي المرتقبة ،لكسب تعاطف الفرنسيين ضدّ ما يسمونه "استقواء النظام التونسي عليهم".

كما تأمل عدد من المنظمات والجمعيات الحقوقية أن "تنحاز" وسائل الإعلام الفرنسية المعروفة بجرأتها إلى قضاياهم والانتهاكات التي ترتكب في حقهم ، على الرغم من قناعة العديد منهم بأن السياسة والاقتصاد يطغيان اليوم على الأصوت التي تنادي بحقوق الإنسان وقضايا الحرية والانتقال الديمقراطي و هو ما عبّر عنه حقوقي بالقول:نأمل خيرا من دعم الرأي العام الفرنسي الرسمي والشعبي لنا ،لكن الاقتصاد والاستثمار قد يعمي ساركوزي و مرافقيه عن التقاط الانتهاكات العديدة التي تحصل في تونس والوقوف ضدّ من يمارسها".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف