أخبار

طموح سوريا النووي في إعلام الولايات المتحدة

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

واشنطن: في الأسبوع الماضي أفصحت الإدارة الأميركية عن الظروف والملابسات التى أحاطت بالضربة الجوية التى نفذها الطيران الإسرائيلى - منذ سبعة أشهر - داخل الأراضى السورية وقامت خلالها بتدمير احد المواقع التى أعلنت الإدارة الأميركية مؤخرا انها كانت باكورة تطوير برنامج نووى عسكرى تنفذه سوريا بالتعاون مع كوريا الشمالية.

وطرحت وسائل الإعلام الأميركى العديد من علامات الاستفهام حول الأسباب التى جعلت الإدارة تنتظر كل هذه المدة قبل أن تفصح عن هذه المعلومات ، هل بالفعل كان الموقع الذى دمرته قوات الجو الإسرائيلية موقعا لإنتاج الأسلحة النووية؟ وعن الحدود التى وصل إليها التعاون السورى الكورى الشمال فى هذا الشأن.

منشأة نووية أم موقع للأغراض المدنية؟
وقد ألقى برنامج CNN Late Edition الذى يقدمه وولف بليتزر Wolf Blitzer الضوء على عدد من هذه الأسئلة. وقد تساءل بليتزر Blitzer عن مدى صحة المعلومات التى ساقتها الإدارة الأميركية لتبرير المعلومات الخاصة بما تدعيه بشروع سوريا فى بناء برنامج نووى عسكري، وبالتالي تبرير قيام إسرائيل بضربة استباقية ضد هذا البرنامج. وفى هذا السياق أشار السيناتور فاين ستاين Feinstein الذى حضر جلسة الاستماع التى عقدتها اللجنة المختصة بشئون المخابرات من المجلسين النواب والشيوخ إلى أن هذه المعلومات جاءت بناءا على تحليل قدمه عدد من الشخصيات الهامة مثل الأدميرال ماكونيل McConnell والجنرال هايدن Hayden ومستشار الأمن القومى ، والذين بدورهم أكدوا على أن هذه المنشاة - التى تم تدميرها من قبل سلاح الجو الإسرائيلى - لم تكن البته مخصصة للأغراض المدنية وإنما كان الهدف منها هو تطوير برنامج نووى عسكرى.

ولكن فى نفس الوقت أعرب السيناتور عن دهشته الكبيرة لعدم قيام الإدارة الأميركية بنقل هذه المعلومات إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية ، أيضا التوقيت لأن الإدارة أعلنت عن هذه المعلومات فى الوقت التى تشير إليه الكثير من الدلائل إلى بداية عملية تفاوض بين إسرائيل وسوريا من اجل إقرار اتفاقية سلام فيما بينهم. بالإضافة إلى ذلك أكد فاين ستاين Feinstein أنهم بالفعل يعتقدون أن الموقع الذى تم قصفه كان مخصص لأغراض تطوير برنامج نووى عسكرى اعتمادا على المعلومات والصور التى قدمتها وكالة المخابرات المركزيةCIA .

أزمة مصداقية تعانى منها الإدارة
ومن ناحية أخرى أشار بليتزر Blitzer إلى أزمة المصداقية التى تعانى منها الإدارة الأميركية برئاسة الرئيس الأميركى جورج بوش George Bush خصوصا بعد المعلومات المغلوطة التى قدمها وزير خارجيته الأسبق كولن باول Colin Powell حول الأسلحة النووية العراقية ، والتى قدمها إلى مجلس الأمن من اجل الحصول على قرار من المجلس باستخدام القوة المسلحة لنزع السلاح العراقى. وقد لفت السيناتور الجمهورى هوكسترا Hoekstra - موجه لجنة شئون المخابرات فى مجلس النواب - إلى انه يعتقد فى صحة هذه المعلومات لان جلسة الاستماع التى عقدتها اللجنة قد استغرقت وقتا طويلا وكانت الفرصة مواتية لجميع أعضائها لاستقصاء الحقيقة ، ولكنه فى نفس الوقت أكد انه بدلا من سؤال المصداقية هذا فان هناك عدد من الأسئلة الأخرى التى يجب طرحها فى هذا الصدد من قبيل من قام بتمويل هذا البرنامج لسوريا؟ خصوصا أن هذا النوع من البرامج النووية المخصص للأغراض العسكرية يحتاج إلى تمويل كبير، وإلى أى مدى وصل التعاون بين كوريا الشمالية وسوريا فى هذا المجال؟ وهل قامت كوريا الشمالية بمثل هذه الأنشطة الخاصة بالانتشار النووى فى أماكن أخرى من العالم؟

الإدارة ومشكلة التوقيت المناسب
وعن التوقيت الذى قامت فيه الإدارة الأميركية بالإفصاح عن هذه المعلومات لفت السيناتور فاينشتاين Feinstein إلى أن هناك عدد من الرسائل التى أرادت الإدارة الأميركية توصيلها ولكنها غير مفهومة فى هذا التوقيت بالذات سواء بالنسبة للمفاوضات الجارية مع كوريا الشمالية بخصوص وقف أنشطتها النووية ، وأيضا بالنسبة لمسار المفاوضات المحتملة بين سوريا وإسرائيل بخصوص عملية السلام بين البلدين، وبالتالي لو كان التعامل مع هذه المعلومات التى حصلت عليها المخابرات فى حينها وبصورة علنية فان أشياء كثيرة كانت ستتم بصورة صحيحة، مثلا المفاوضات مع كوريا الشمالية كان يمكن أن تحقق مزيدا من النجاح ، وسوريا كان يمكن أن توضع فى موقف يجعلها أكثر مرونة فى التعامل مع عملية السلام مع الدولة الإسرائيلية. الأكثر من ذلك أن الإفصاح عن هذه المعلومات فى هذا التوقيت وأمام الكونغرس الأميركى سوف يجعل الإدارة الأميركية تواجه عقبات كثيرة فى الحصول على موافقة الكونغرس على تقديم المزيد من المساعدات لكوريا الشمالية من اجل نزع أسلحتها النووية.


الضربة الجوية: تصرف صحيح أم خطأ استراتيجي
وعن مدى صحة التصرف الذى قامت به إسرائيل بقيامها بتوجيه ضربة وقائية ضد هذا المشروع النووى المحتمل لسوريا ، أكد السيناتور هوكسترا Hoekstra أن برنامجا نوويا عسكريا تقوم به سوريا فى منطقة مليئة بالصراعات مثل الشرق الأوسط سوف يكون عامل عدم استقرار هناك ، وبالتالى فان ما قامت به إسرائيل هو عمل صحيح تماما. أما السيناتور فاين ستاين Feinstein فقد لفت الانتباه إلى انه لا يمكن لإسرائيل أن تقبل وجود أسلحة نووية لدى دولة تحمل توجهات عدائية ضدها ، ولذلك فانه من المنطقى أن تقوم بتقويض الجهود السورية لامتلاك السلاح النووى.

هيلارى أوباما أيهما الأفضل؟
هذه الأزمة التى أثارتها المعلومات التى أفصحت عنها الإدارة الأميركية أثارت عدة أسئلة أخرى لها علاقة وثيقة بالانتخابات الرئاسية والصراع المحتدم فى الوقت الحالى داخل الحزب الديمقراطى بين السيناتور باراك أوباما Barack Obama والسيناتور هيلارى كلينتون Hillary Clinton ، خصوصا أيهما أقدر على الاضطلاع بمهام ومسئوليات السياسة الخارجية المعقدة مثل هذه الأزمة. وهنا استضاف بليتزر Blitzer اثنين من مستشاري السياسة الخارجية لكلا المرشحين الديمقراطيين والذين عملا فى الإدارة الأميركية برئاسة الرئيس الأميركى السابق بيل كلينتون Bill Clinton ، فمن جانبها أشارت سوزان رايس Susan Rice مستشار السياسة الخارجية لأوباما Obama ، إلى أنه لو كان الرئيس الأميركى ووصلت إليه هذه المعلومات التى تفيد بمحاولة سوريا امتلاك السلاح النووى ، وبالتالى تهديدها لأمن دولة إسرائيل فان الرئيس أوباما Obama سيعتبره تهديد للولايات المتحدة ذاتها ، ولكن المشكلة الأكبر هى التعامل بصورة خاطئة مع كوريا الشمالية التى مكنت سوريا من البدء فى بناء برنامجها النووى. أما جايمى روبن Jamie Rubin مستشار كلينتون Clintonللسياسة الخارجية الذى أشار إلى أن الولايات تحت قيادة هيلارى كلينتون Hillary Clinton سوف تتعامل مع مشكلة الانتشار النووى بصورة شاملة تعطى للعالم انطباعا بان الولايات المتحدة سوف تستخدم الأسلوب التفاوضى للتعامل مع هذه المشكلة أولا قبل طرح أى خيارات أخرى.


مزيد من الضغوط على الأطراف المعنية
أما روبن رايت Robin Wright فقد كتبت لصحيفة الواشنطن بوست مؤكدة على أن الإدارة الأميركية هدفت من كشف هذه المعلومات - بعد هذه الفترة الطويلة على الغارة الإسرائيلية - إلى الضغط على كل من سوريا وكوريا الشمالية من اجل الاعتراف بالتعاون فيما بينهم فى المجالات النووية ، حيث تدعى الإدارة الأميركية أن كوريا الشمالية كانت تساعد سوريا فى إنشاء مفاعل نووى يمكنها من إنتاج البلوتونيوم اللازم لإنتاج الأسلحة النووية.

وأشارت الكاتبة إلى أن مسئولى المخابرات أكدوا لأعضاء الكونغرس أن الإدارة تعتقد أن هناك تعاونا سريا بين كوريا الشمالية وسوريا بدأ منذ عام 1997 ولكنهم كانوا غير متأكدين من أهداف هذا التعاون ، حيث زار احد المسئولين الكبار فى المجال النووى فى كوريا الشمالية سوريا مرات كثيرة قبل أن تشرع سوريا فى بناء الموقع - الذى قامت إسرائيل بتدميره - فى مكان نائى على ضفة نهر الفرات. وكان الخبراء يعتقدوا حتى فترة قريبة أن هذه المنشأة مخصصة لأغراض إنتاج الطاقة ولكن الصور التى تمت التقاطها لهذه المنشأة أظهرت أنها تشبه إلى حد كبير احد المنشات النووية الموجود فى بيونغ يانغ - عاصمة كوريا الشمالية - والمخصصة لإنتاج البلوتونيوم.

ولكن رايت Wright لفتت الانتباه إلى أن احد مسئولى الإدارة الأميركية أكد على أن درجة ثقة خبراء وكالة المخابرات الأميركية CIA فى المعلومات لم تكن كبيرة جدا ، حيث انه تنقصه المكونات الأساسية اللازم توافرها فى المواقع النووية ومن أهمها منشآت إعادة معالجة اليورانيوم، والتي تعتبر احد أهم المراحل فى عملية إنتاج السلاح النووى ، ولكن الإدارة الأميركية بنت تخميناتها الخاصة بإمكانية أن يكون هذا الموقع قد تم تخصيصه لإنتاج الأسلحة النووية على عامل السرية التامة التى أحاطتها القيادة السورية بهذا المشروع ، وبالتالى أكدوا على أن مجرد إحاطة الموقع وما يتم فيه أنشطة مختلفة بالسرية وبعيدا عن الرقابة الدولية يمثل انتهاكا صارخا للالتزامات التى تفرضها معاهدة حظر الانتشار النووى NPT ، وبعد الضربة الجوية التى قامت بها إسرائيل ضد الموقع - المزعوم انه كان مخصص للأغراض النووية - قامت السلطات السورية بتدمير باقى أجزاء الموقع والمعدات التى تظهر الأنشطة النووية التى كانت تقوم بها.

ثورة فى الكونغرس
أما فى الكونغرس فقد أكدت رايت Wright أن أعضاء الكونغرس عبروا عن غضبهم الشديد لان الإدارة الأميركية والمخابرات لم يطلعوهم على هذه المعلومات من البداية ، الأمر الذى دفع رئيس لجنة المخابرات إلى مهاجمة اتجاه الإدارة الأميركية فى عدم الكشف عن هذه المعلومات وإحاطتها بحاجز من السرية مما يعيق قدرة الكونغرس واللجنة المختصة على مراقبة عمل هذه الأجهزة ومحاسبتها على أى أخطاء ترتكب ، وبالتالى فان مثل هذا الاتجاه _ بالنسبة لرايت Wright - يضر بالعلاقة بين الكونغرس والبيت الأبيض ويهدد إمكانية وجود أى تعاون بينهما فى المستقبل.

ماذا أرادت الإدارة.؟
أما برنامج All Things Considered الذى يبثه راديو NPR فقد قدم تقريرا أعده مراسل الشئون الدبلوماسية والعسكرية توم ججالتين Tom Gjelten حيث أكد انه بكشف مسئولى المخابرات عن هذه المعلومات المتعلقة ببرنامج نووى سوري أرادوا التأكيد على ثلاث نقاط أساسية ، أولها أن هذه المنشاة التى تمت مهاجمتها مخصصة لإنتاج البلوتونيوم ، ثانيا أن هذا المفاعل قامت سوريا ببنائه بمساعدة فنية من كوريا الشمالية وانه تم تصميمه على غرار المنشات النووية الموجودة فيها ، أن الهدف السورى من ذلك هو توفير المكونات الأساسية التى تمكنها من إنتاج السلاح النووى من ناحية ثالثة.

وعن السبب الذى جعل الإدارة الأميركية ترفض الإفصاح عن هذه المعلومات طوال هذا الفترة منذ أن هاجمت إسرائيل هذه المنشاة أن الإدارة الأميركية خافت من رد الفعل السورى على هذه الضربة وتقوم بمهاجمة إسرائيل عسكريا انتقاما منها، الأمر الذي كان سيؤدى إلى احتمال اندلاع حرب إقليمية.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف