أخبار

الديمقراطية تخيّب أمل كثيرين في الكويت

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك


بقلم روبرت ف. وورث

نيويورك: طغى الحزن على لهجة علي الراشد وهو يلقي خطابه الأول في حملته للوصول إلى البرلمان، في خيمة فسيحة مرتفعة السقف. فقال وصوته يطفو في جو المساء الدافئ، ويصل إلى مئات الناخبين المحتملين الجالسين على مقاعد بيضاء مزركشة: "لطالما كانت الكويت في الطليعة في مجالات الاقتصاد، والسياسة، والرياضة، والثقافة، والمجالات الأخرى. فما الذي حدث؟".

كثرٌ يطرحون هذا السؤال فيما تقف على أبواب الانتخابات هذه الدولةُ الصغيرةُ الغنيةُ بالنفط، والتي لا يتخطى عدد سكّانها 2،6 مليون نسمة. أما الجواب غير المتوقّع الذي يُهمس به في الكويت كما في البلدان المجاورة في الخليج الفارسي فهو: ثمة فرط في الديمقراطية.

ففي منطقة يُعتبَر الحكم الاستبدادي فيها هو القاعدة، تبرزُ الكويت استثناءً مذهلاً بفضل برلمانها المنتَخَب القوي والمشاكس الذي يحدّد راتب الأمير، والذي يُعَدّ مصدر التشريع الوحيد في البلاد. ناهيك عن أنّ المرأة حصلت على حقّها في الانتخاب والترشّح منذ عامين، وتوصّلت حركةٌ شعبيةٌ إلى إحداث مزيد من التغييرات في قانون الانتخاب.

لكن على الرغم من التحسينات هذه، لا تزال الكويت متأخّرةً عن جاراتها النشيطة، دبي، وأبو ظبي، وقطر حيث الاقتصادات في ازدهار هائل في ظلّ حكم ملكي مطلق. فالجهود الرامية إلى إصلاح وضع الكويت تعثّرت في مجلس الأمة الشكس والمنقسم، كما دفعت الفضائحُ الضاجة بالأمير إلى حلّ المجلس الشهر الفائت للمرة الثانية في أقلّ من عامين فارضاً إجراء انتخابات جديدة أمراً واقعاً.

هذه العوامل كلُّها خيّبت ظنّ العديد من الكويتيين في أعضاء برلمانهم الخمسين الذين انتخبوهم. وقد ساهم كلٌّ من تداعي جهود إدارة بوش لتعزيز الديمقراطية في المنطقة، والفوضى القائمة في العراق الواقع شمال الكويت، والذي أُعلِن في ما مضى محطّ انطلاقِ نموذجٍ ديمقراطيٍّ جديدٍ، في ولادة إحساس لدى الشعب بأنّ الديمقراطية بحدّ ذاتها منتوجٌ مستوردٌ من الغرب لم يرقَ إلى مستوى الدعاية التي أقيمت له.

فوفقاً لوليد الصقر، ابن الرابعة والعشرين الذي يدير حملة والده الانتخابية، "يرى الناس أنّ الديمقراطية تبطئهم، وأنّ أوضاعهم لكانت أحسن حالاً لو شابهت الكويت دبي".

إلا أنّ الصقر سرعان ما تخلّى عن وجهة النظر هذه، مثله مثل العديد من الكويتيين. ولكن مع اقتراب انتخابات السابع عشر من أيار (مايو) النيابية، ومع التغطية شبه الدائمة للحدث في عشرات الصحف الجديدة، وعلى المحطات الفضائية، يشير المرشّحون مراراً وتكراراً إلى حالة من الإحباط.

فوالدُه محمد الصقر الذي شغل منصب نائب لفترة طويلة افتتح حملته الانتخابية بخطاب ألقاه منذ أسبوعين، بعد خطاب الراشد بفترة قصيرة، مخصصاً معظمه لينبّه مستمعيه ويذكّرهم بالحاجة إلى مجلس منتخَب.

أطلّ الصقر عبر شاشة عملاقة على حشد غفير خارج الخيمة مخاطباً إياه بالقول إنّ "البعض دعا إلى حلّ دائم لمجلس الأمة، لكنّ الشعوب في أرجاء العالم كافة، في أفريقيا، وفلسطين، والاتحاد السوفياتي السابق، اتّجهت نحو الانتخابات، لا بعيداً عنها، لتحلّ مشاكلها. فأياً تكن المشاكل التي نواجهها في مجلس أمتنا، علينا أن نتذكّر أنّ وضعنا هذا أفضل بكثير من عدم وجود مجلس".

وأحد الأسباب التي زرعت في الكويتيين شعوراً بالإحباط كان الفشل في إصلاح الاقتصاد التي تهيمن عليه الدولة. فبعد انتخابات العام 2006، أمل الكثير من الكويتيين أن تلحق التغييرات بقوانين الحكومة المعقّدة التي تجيز تخصيص الأراضي للمشاريع التجارية. لكن البرلمان أحبط هذا السعي. كما أنّ بطء الجهود التي بُذلت لخصخصة شركة الخطوط الجوية الكويتية، وأجزاء من قطاع النفط ساهم بدوره في الإحباط السائد.

فضلاً عن ذلك، يتذمّر العديد من الكويتيين بسبب إهمال الحكومة المستشفيات والمدارسَ الحكومية، علماً أنّ مشكلات في شبكة الكهرباء كانت قد أدّت إلى انقطاع في التيار الصيف الماضي.

وعلى الرغم من إعادة بناء أجزاء من مدينة الكويت بعد الاجتياح العراقي في العام 1990، ما زال معظم المدينة يبدو شاحباً ورديء الهيئة مقارنةً بالحداثة النابضة المبهرة لكلّ من دبي، وأبو ظبي، وقطر. لذلك يسود في الكويت شعارٌ يستخفّ بقدرها وهو: كويت الماضي، ودبي الحاضر، وقطر المستقبل.

يبدو التوعّك السياسي الحالي ملفتاً بشكل خاص نظراً إلى أنّ معظم الكويتيين يفاخر بتقاليد أمّته الديمقراطية نسبياً. فأسرة الصباح الحاكمة لم تصل إلى السلطة بالاستيلاء عليها بالقوة، بل من خلال اتفاق أبرمته مع تجار المنطقة الساحليين في منتصف القرن الثامن عشر. ناهيك عن أنّ الأمير صادق على دستور مكتوب يحدّ بشكل كبير من سلطته أمام مجلس الأمة، وذلك عقب نيل الكويت استقلالها من بريطانيا في العام 1961.

في هذا الإطار، يرى غانم النجار، الكاتب الصحفي وأستاذ العلوم السياسية في جامعة كويت، أنّ "هذه الأسرة الحاكمة تختلف عن أيّ أسرة حاكمة أخرى في المنطقة، ذلك أنّها جزء من العملية السياسية، وليست فوقها".

في الواقع، تُعَدّ الكويت بشكل أو بآخر أكثر الدول ديمقراطيةً في العالم العربي إلى جانب لبنان. فثمة جمهوريات عربية في اليمن، ومصر، والجزائر، وسوريا، والعراق، وتونس، إلا أنّه على الرغم من شكلها الديمقراطي، مارست هذه الدول استبداداً وقمعاً أكثر مما مارست الأنظمة الملكية في المنطقة. حتى أنّ الديمقراطية في لبنان تبقى مقيّدةً بنظام طائفي لتقاسم السلطة.

أما التوترات في الكويت بين السنّة وهم غالبية، والشيعة وهم أقلية، فتُعتَبَر قليلةً جداً، ذلك أنّ الكويتيين على تنوّع خلفيّاتهم يتخالطون اجتماعياً في الديوانيات. والديوانيات هي لقاءات مسائية تقليدية يتناقش الكويتيون أثناءها في القضايا السياسية والاجتماعية وهم يرتشفون الشاي والقهوة. وفي حين يُسَجَّل صراعٌ بسيطٌ بين الإسلاميين والليبراليين في البرلمان، يساهم غيابُ الأحزاب السياسية المعترَف بها رسمياً في إبقاء الإيديولوجيا مرنةً ومتغيّرةً.

لقد شهدت الكويت بعض الانتكاسات مثل حلّ الأسرة الحاكمة مجلسَ الأمة في أواخر سبعينات القرن الماضي، ثم في أواخر الثمانينات، إلا أنّ هذه الانتكاسات لم تحُل دون نموّ الديمقراطية فيها بثبات. ومنذ عامين، أجبر الضغط الشعبي الحكومة على تغيير نظام الدوائر الانتخابية بحيث أصبح من الأصعب شراء الأصوات. كما حصلت المرأة على حق التصويت والترشّح في الانتخابات (مع أنّه لم تصل أي امرأة إلى مقعد نيابي). وفي منتصف نيسان) أبريل(، كسب الديمقراطيون الكويتيون معركةً أخرى بعد أن حاولت الحكومة تمرير قانون يحظّر التجمّعات العامة. فنُظّمت تظاهرات للاحتجاج على الاقتراح، ما دفع بالحكومة إلى التراجع عنه.

بيد أنّ هذه الحريات المدنية ترافقت وإشارات على وجود إحباط فعلي. فعلى الرغم من امتلاك الكويت احتياطياً هائلاً من النفط هو خامس أكبر احتياطي في العالم، يشعر كثير من الكويتيين بالاستياء نظراً إلى غياب فرص العمل والاستثمار، على الأقل مقارنةً بالدول المجاورة.

على الرغم من ذلك، من المستبعد أن يكون في نية العديد من الكويتيين التنازل عن حقوقهم السياسية وحرياتهم لمزيد من الفرص الاقتصادية، لكن الفكرة القائلة بأنّ الديمقراطية تعيق الكويت إلى حدّ ما تسود في أوساطهم.

وهنا يقول المحلّل النفطي كامل حرمي إنّه "مما لا شك فيه أنّ خلافاتنا السياسية تعيق سير الأمور. يستطيع شيخ أبو ظبي مثلاً أن يأمر ببناء مشروع ما، فينَفَّذ أمرُه على الفور. فما من محلّلين أمثالي، أو صحافة، أو محطات تلفزة، أو برلمان يقف في دربه. ولكن ما على الناس أن يفهموا هو أنّ المشكلة لا تكمن في الديمقراطية بحدّ ذاتها، بل في سوء ممارستها".

كذلك أصبح الشكّ يعتري اليوم العديدَ من الشباب الكويتيين الذين شاركوا، منذ عامين، في ما يطلقون عليه اسم الثورة البرتقالية، حين أجبرت التظاهراتُ الحكومةَ على إصلاح قانون الدوائر الانتخابية. وقد نشر أحدُ المواقع الكويتية المعروفة على الانترنت قصيدةً يرثي فيها ناظمُها غياب التغيير الفعلي على الساحة السياسية، ويختمها بالأبيات التالية: "لا نفع من المباشرة من جديد/ لا نفع من التوقّف/ ولا يمكن أن نترك البلد في حالته الراهنة".

لكن فيما يتنقّل المرشّحون من ديوانية إلى أخرى سعياً وراء الأصوات، من غير المحتمل التراجع بأي شكل من الأشكال عن القيم الديمقراطية.
يعتبر نواف المطيري، الطالب في إدارة الأعمال أنّه "ثمة مَن يريد أن يقول: "أنظروا إلى الديمقراطية. أنظروا إلى ما تفعله بنا". لكننا نعلم أنّ الديمقراطية ملاذنا الأخير. والمشكلة أنّ الديمقراطية زائدة".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف