هل الأولوية لمصالح روسيا ام لمصالح إسرائيل؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
موسكو: نشرت وكالة نوفوستي نقلا عن جريدة "هآرتس" الإسرائيلية خبرا حول اتفاقية تبادل الأسرى وقعتها إسرائيل مع حزب الله تنص على إخلاء سبيل الجنديين الإسرائيليين اللذين بدأت الحرب اللبنانية بسبب أسرهما في عام 2006. وأشارت نوفوستي إلى أن الجريدة استنادا إلى مصادر إسرائيلية لم تكشف هويتها، أفادت بأن إسرائيل ستقوم بتسليم سمير القنطار الذي يرزح في السجن الإسرائيلي منذ 20 سنة، و4 أسرى من نشطاء حزب الله وجثث 10 مقاتلين إلى الجانب اللبناني مقابل الإفراج عن الأسيرين إيلداد ريغيف وايهود غولدفاسير.
وترافق ذلك مع توصل الأطراف اللبنانية لاتفاق الدوحة، وانتخاب العماد ميشال سليمان رئيسا للبنان. ومما لاشك فيه أن هذه التطورات تعني انفراج بسيط في مسار الأزمة اللبنانية يمكن الأطراف من التقاط أنفاسهم ومراجعة حساباتهم قبل استئناف عملية التسوية.
وعلى نفس الصعيد بدأت اتصالات سورية-إسرائيلية لبحث إمكانية التوصل لاتفاق، وذلك بعد أن أبلغت تل أبيب الحكومة السورية عبر الوسيط التركي أنها على استعدادا للانسحاب من كامل مرتفعات الجولان مقابل السلام مع دمشق. واعتبر اولمرت أن استئناف المفاوضات مع سورية واجبا وطنيا بالرغم من أنه قد يتطلب تقديم تنازلات مؤلمة بهدف تحقيق السلام مع سورية.
هذه التطورات تشير إلى توفر إمكانية متواضعة لتهدئة التوتر المتصاعد في المنطقة، ولا ينقصها سوى رفع الحصار عن غزة، والأعداد لمؤتمر دولي يقوم على أساس بحث سبل التسوية الشاملة على كافة المسارات. وتحقيق ذلك سيخرج أزمة الشرق الأوسط من عنق الزجاجة. وقد أعربت الخارجية الروسية عن ترحيبها باستئناف المفاوضات السورية-الإسرائيلية، وانتخاب الرئيس اللبناني الجديد حيث أعلن الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الروسية أندري نيستيرينكو أن روسيا تدعو إلى استئناف المفاوضات على كافة اتجاهات عملية السلام، بما فيها التحرك على الاتجاه السوري الإسرائيلي، وتعتبر ذلك عنصرا هاما وضروريا للتسوية الشاملة والوطيدة في الشرق الأوسط.
ولكن يبدو أن بعض السياسيين أو المحللين الروس لا يرغبون في تحقيق ذلك، ويرفضون تهدئة التوتر وتحقق السلام في الشرق الأوسط . إذ سرعان ما بدأت المقالات والتصريحات تشكك في إمكانية تجاوز الأزمة. ويؤكد البعض يؤكد "أن السلام بين دمشق وتل أبيب لن يتحقق قريبا..لأن سورية لا تستطيع قطع العلاقات مع إيران". فيما يعتقد بعض السياسيين "أن الساحة السياسية اللبنانية ستشهد ظهور خلافات في أثناء تشكيل حكومة جديدة" باعتبار أن "مصالح قوى سياسية خارجية تتقاطع في لبنان، ولهذا فإن الخلافات التي قد تظهر في أثناء تشكيل الحكومة ستحمل طابعا خارجيا".
أما السيد ساتانوفسكي فيقول إن "انتخاب الرئيس اللبناني يدل على تحقيق الهدنة بين الطرفين المتصارعين في لبنان، التي لا ولن تؤدي بحد ذاتها إلى حل نهائي في الأزمة السياسية في البلد". وهذا أمر ندركه، ولكن الفارق في رؤية الباحث الروسي عن بقية المواقف أنه يذهب إلى مسألة لم تتحدث عنها كافة الأطراف اللبنانية وهى أنه "لا يمكن أن يتغير الوضع بصورة جذرية إلا عندما لن تبقى ميليشيات مسلحة في لبنان، باستثناء وحدات الجيش، وعندما ستمارس الحكومة سلطاتها بأكملها في كافة أنحاء البلد، وسيتخلص لبنان المستقل أخيرا من حالة الحرب الأهلية".
وبالرغم من أنني لست من أنصار الفكر الطائفي، وكنت معاصرا لنشأة حزب الله، وأعرف ما لا يعرفه السيد ساتانوفسكي، ولكنني لم أسمح لنفسي بالتدخل في شأن لبناني، لأن كافة الأطراف اللبنانية أعلنت أن سلاح المقاومة هو سلاح الوطن الذي حرر الجنوب. وإذا أراد الباحث الروسي الحديث عن مخاطر الإرهاب من جراء امتلاك القوى اللبنانية الوطنية لهذا السلاح، فليتحدث أيضا عن الإرهاب السياسي والفكري الذي يمارسه لحساب القوى اليمينية المتشددة في إسرائيل، والذي بات واضحا أنه يتعارض مع توجهات حكومة اولمرت التي بدأت تجد لغة مشتركة مع سورية وحزب الله والعرب بشكل عام.
الباحث المدافع عن إسرائيل يفغيني ساتانوفسكي الذي يستخدم لغة سياسية عفا عنها الزمن داخل إسرائيل، يرفض أن يصدق أن أية فائدة من "فوائد السلام" ستدفع إسرائيل لتفاوض لحماية أرواح ومصالح أبنائها. ولابد من التساؤل كيف أعلن اولمرت عن استعداده لتقديم تنازلات بعد أن اتخذ السيد ساتانوفسكي قرارا بأن القادة الإسرائيليين الذين سيتراجعون أمام المطالب الفلسطينية سيفقدون السلطة كما فقدها نيتانياهو وباراك على الرغم من أن اولمرت يدرك هذه الحقيقة تمام الإدراك - على حد تعبيره.
إن كافة الأطراف الدولية والإقليمية تشعر بالارتياح لانتخاب الرئيس اللبناني الجديد، لأن هذه الخطوة يجب ويمكن أن تكون بداية لتسوية الأزمة السياسية اللبنانية. كما رحبت كافة الأطراف الدولية والإقليمية باستئناف المباحثات بين دمشق وتل أبيب لأنها يمكن أن تفتح آفاقا حقيقية لتسوية شاملة في المنطقة، إلا فريق في روسيا مازال يصر على أن ما يحدث مجرد وهم!..لماذا هذا الإصرار على التشكيك في الانفراج الحاصل حتى لو كان هشا؟ ولمصلحة من؟ أنا اعرف أن من يسعى للتوتر والتفجير والصدام هو أسامة بن لادن فقط لأنه يبقى حيا على الساحة السياسية بهذا الأسلوب!
إن هذه المواقف ما هي إلا ترويج لتوجهات أوساط اليمين الإسرائيلي المتشدد الذي اغتال رابين لأنه أصر على مواصلة مسيرة التسوية السلمية، ولأنه أراد أن يحقن الدماء ويحقق الاستقرار في المنطقة، ولكن السيد ساتانوفسكي والآخرين يريدون أن يستمر القتال ضد الفلسطينيين ومن يؤيدهم حتى أخر عربي أو فرنسي أو أمريكي..وسيديرون المعركة من مكاتبهم عبر تحليلات وتصريحات نارية تلهب مشاعر المقاتلين.
لماذا يصر البعض على تأجيج الصراع في الشرق الأوسط ولحساب من؟ لماذا يسعى البعض لإقناع الرأي العام بأنه لا يمكن التوصل لسلام في المنطقة عبر تسوية سلمية، وإنما السبيل هو فرض موقف اليمين الإسرائيلي المتشدد الذي يهدر دماء الإسرائيليين قبل العرب؟ والأهم من كل هذا، وباعتبار أن هذه الآراء تنطلق من باحثين روس.. هل هذا يعبر عن مصلحة روسيا؟
ومرة أخرى أكرر أنني لست من هواة التدخل في شؤون الآخرين، ولكنني المس بوضوح موقفا ناضجا مبدئيا لروسيا تجاه هذه الملفات الساخنة في المنطقة، وتحركات هامة ترتكز أساسا على أنه لا سبيل لحل الأزمة إلا عبر التفاوض والحوار السلمي. وفي نفس الوقت الذي تشوش المواقف التي أشرت لها من جانب هؤلاء الباحثين - التي تروج لتوجهات أوساط اليمين الإسرائيلي المتشدد - على الجهود الروسية الرسمية.
وبدلا من أن يدعم هؤلاء جهود موسكو ومساعيها لعقد مؤتمر دولي لتسوية الأزمة، ويعملوا على تذليل العقبات التي تواجه هذا المشروع الهام، والتي كشف عنها لافروف مؤخرا عندما أعلن أن الأمم المتحدة والأطراف العربية ترحب بعقد المؤتمر الدولي بموسكو، وتدعو لتحديد موعده وجدول أعماله، بينما تعيق إسرائيل هذه الخطوة - أي بعبارة غير دبلوماسية ترفض عقد هذا المؤتمر.