ساركوزي في لبنان السبت: انفتاحه على دمشق يؤشر لتغيير بالمنطقة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
كوشنير يصل بيروت تمهيدا لزيارة ساركوزي ساركوزي يريد قبل كل شيء لقاء القادة اللبنانيين باريس: يزور لبنان السبت الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، وهو أول رئيس غربي يزور هذا البلد الذي انتخب في 24 مايو/أيار الماضي رئيسا للجمهورية بعد فراغ رئاسي دام قرابة ستة أشهر، ويصل ساركوزي مطار بيروت حيث يستقبله نظيره اللبناني ميشال سليمان وأركان الدولة. وبقدر ما تجمع الأطراف اللبنانية على أهمية هذه الزيارة، يختلف أركانها حول تفسير توقيتها ومضمونها، فمنهم من يرى فيها استمراراً لنهج فرنسا في الإصرار على دعم مطالب لبنان السيادية وموقعه في المنطقة، في حين يرى البعض الآخر في الزيارة مؤشرات إلى تبدل في مركز الثقل الدولي قد يفتح الباب أمام تقدم أوروبي وتراجع أمريكي يجعل سوريا في موقع أفضل.
ويرافق الرئيس الفرنسي وفد موسع بالحد الأقصى، يضم للمرة الأولى في تاريخ العلاقات الخارجية الفرنسية، كل من رئيس الوزراء فرنسوا فيون، ووزير الخارجية برنار كوشنير، ووزيرة الداخلية ميشيل أليو - ماري، ووزير الدفاع إرفيه موران. ويضم الوفد أيضا سياسيين من خارج السلطة دعاهم الرئيس ساركوزي إلى مشاركته في هذه الزيارة وهم رؤساء الأحزاب الفرنسية، أي كل من الأمين العام للحزب الاشتراكي فرنسوا هولند، ورئيس الحركة الديمقراطية فرنسوا بايرو، ورئيسة الحزب الشيوعي ماري جورج بوفي.
وسيمثل الحزب الحاكم "الاتحاد من اجل حركة شعبية" أمينه العام باتريك ديفيدجيان، ونائب رئيس رئيس الوزراء السابق جان - بيار رافاران، ورئيس تجمع نوابه جان - فرنسوا كوبيه، إلى رجال أعمال وعشرات المراسلين والصحافيين الفرنسيين. وتستمر الزيارة الفرنسية قرابة عشر ساعات، يقيم خلالها الرئيس اللبناني حفل غذاء على شرف ضيوفه في القصر الرئاسي، وقد دعا إليها أعضاء "هيئة الحوار" التي تضم 14 شخصية تمثل جميع التيارات السياسية اللبنانية.
ويلتقي ساركوزي عند الواحدة والنصف بعد الظهر أعضاء الجالية الفرنسية في لبنان في المركز الثقافي الفرنسي، لينتقل بعدها لتفقد الكتيبة الفرنسية العاملة من ضمن قوات حفظ السلام في الجنوب عند الحدود مع إسرائيل ويختتم زيارته بعقد مؤتمر صحافي في مطار بيروت ويغادر لبنان مساء السبت.
وتدرج السفارة الفرنسية في بيروت زيارة الرئيس الفرنسي في إطار دعم باريس للبنان، خصوصا أن ساركوزي كان أعرب عن رغبته في أن يكون أول رئيس غربي يهنيء بانتخاب رئيس لبنان بعد الأزمة التي عصفت بهذا البلد، معتبرة أن توسيع الوفد المرافق يراد منه التعبير عن دعم جميع الأطراف السياسيين الفرنسيين من دون استثناء للشعب اللبناني، وإنها بتنوعها الحكومي والسياسي والحزبي تحرص على المؤسسات الدستورية اللبنانية.
ورأت السفارة الفرنسية أن رسالة ساركوزي للرئيس اللبناني هي الوقوف بجانبه وجانب الشعب اللبناني في مواجهة التحديات المقبلة، والتأكيد على التزام فرنسا من خلال القوة الفرنسية العاملة في إطار قوات السلام في الجنوب.
وأن الزيارة لن تقتصر على التهنئة، فهناك لمواضيع عدة على جدول المحادثات الرئاسية منها اتفاق الدوحة الذي تؤيده فرنسا وتريد أن يتم تطبيق جميع بنوده وخصوصا البند الرابع الذي سيؤدي إلى دعم الحوار السياسي الذي سيؤدي إلى الاستقرار السياسي. وتحظى الزيارة الرئاسية الفرنسية بترحيب من مختلف الأطراف اللبنانية فماذا يتوقع السياسيون اللبنانيون في المعارضة والأكثرية النيابية منها وكيف يقرأونها.
وزير الاتصالات في حكومة تصريف الأعمال والنائب في كتلة الحزب الاشتراكي، مروان حمادة، وهو المعروف بصداقات قوية مع عدد من السياسيين الفرنسيين، وخصوصا وزير الخارجية برنار كوشنير رجح أن تكون فرنسا تحاول أن تستكشف آفاق علاقة مثلثة الأضلاع، فرنسية لبنانية سورية، أي العودة إلى دور تاريخي على الضفاف الشرقية للمتوسط.
وتوقع أن تكون الإدارة الفرنسية تريد هذا الدور مختلفا عن الأدوار السابقة، كتلك التي انتهجها جاك شيراك أو حتى من قبله، منذ أن تبنت فرنسا سياسة عربية خاصة مع الجنرال شارل ديغول. ولفت حمادة إلى أن السياسة الفرنسية تجاه سوريا مرت بمراحل عدة حددها كالتالي "مرحلة الانفتاح،" ثم "التشنج،" عندما مانعت دمشق انتخاب رئيس جمهورية للبنان، مذكراً بما شهدته تلك المرحلة حين قال ساركوزي كوشنير إنهما علّقا الزيارات إلى سوريا.
وأضاف: "الآن ستعاود الزيارات لسوريا على صعيد الموظفين وليس الوزراء، ولكن فرنسا أيضا محكومة بالقمة المتوسطية، وهي مضطرة أن تدعو كل الدول المحيطة بالمتوسط، واتفاق الدوحة سهل الأمور، خصوصا أن قطر حاولت دائما أن تلعب دورا توفيقيا بين فرنسا وسوريا."
ولفت حمادة إلى انه "كان لفرنسا دورا خلال الأزمة السياسية الأخيرة، وهو كان دورا تحضيريا من خلال المساعي التي أدت إلى اتفاق الدوحة،" مضيفاً أن فرنسا "دائمة الاهتمام باستقلال لبنان وسيادته، وتريد أن تقول للبنانيين إنها لن تبيعهم في أية صفقة إقليمية لأن هناك شكوك راودتهم خلال فترة وخصوصا مع الكلام عن الاتصالات مع سوريا عبر بعض كبار الموظفين وحتى مع الإشارات الحالية بان الرئيس السوري مدعو إلى حضور القمة الأورو- متوسطية في باريس."
واعتبر حمادة أن هذه الزيارة ستحدد أي حجم ستعطي فرنسا لانفتاحها على سوريا لكي لا يكون ذلك على حساب لبنان وكذلك لتأكيد وجودها في الجنوب، حيث أنها حريصة على دورها الفاعل بقوة في إطار قوة اليونيفيل، مع مخاوفها الدائمة من تعرض هذه القوة لأي اعتداء قد يأتي ثأرا لمبادرات فرنسية معينة في العالم العربي.
ويروي حمادة أنه عندما قابل ساركوزي حين كان الأخير وزيرا للداخلية قال له: "أنا مع حضور كثيف وفعال أو لا حضور " ويضيف حمادة أن ساركوزي يريد أيضا من هذه الزيارة أن يحمي هذا الوجود الكثيف والفعال بوجود سياسي كثيف وفعال أيضا."
ويشرح الوزير اللبناني معنى الوجود السياسي والفعال بأن ساركوزي، ووزير خارجيته كوشنير أيضا، "كانا حريصين على توازن ما في التعاطي مع القوى اللبنانية دون التخلي عن الإصرار على الجانب الاستقلالي والسيادي في لبنان وبالفعل فإن لقاءات "سان كلو" (التي استضافتها فرنسا بين الأطراف اللبنانيين في يوليو/تموز 2007) كانت فاتحة لإعادة حزب الله ليطيء الأرض الفرنسية وأذكر أنه كان لنا ملاحظات على ذلك."
ووجه حمادة رسالة إلى الرئيس الفرنسي، دعاها فيها إلى أن "يكون حذرا مع السوريين" وخاصة مع "الابتسامات السورية التي تخفي أحيانا ماردا من نوع آخر." ولدى سؤاله عن توقعاته حيال احتمال أن تطلب فرنسا من سوريا القيام بإصلاحات متعلقة بالحريات العامة وحقوق الإنسان قال حمادة: "لا يمكن للمشروع المتوسطي أن يتلاءم مع أنظمة ديكتاتورية، لكن المشكلة حول المتوسط ليست محصورة بسوريا فقط، بل مع دول أخرى."
وأضاف: "هناك أيضا موضوع اتفاق الشراكة بين سوريا والاتحاد الأوروبي الذي لا يزال مجمدا، والذي كان يقترن دائما بأمرين: الانفتاح السوري الذي لم يتم حتى الآن، والتعاطي الايجابي مع الأزمة اللبنانية، والذي لا يزال يحتاج إلى مزيد من البراهين والدلائل."
وعن استشرافه للدور الفرنسي قال "الدور الفرنسي كان قد سبق الدور القطري، لكن تطور المبادرة العربية جعل الدور القطري في المقدمة، بنظري إن فرنسا تنظر بعين الرضا الى الدور القطري ولكنها لا اظن انها ستتخلى بسرعة عن مقاربتها للموضوع السوري بكثير من التمهل والتعمق والحذر."
من جهته، لم ير النائب إبراهيم كنعان، عضو كتلة الإصلاح والتغيير المعارضة تحولا أو تغيرا في السياسة الفرنسية في المنطقة وتجاه سوريا، بل اعتبر أن "المواقف المتشنجة" التي كانت فرنسا اتخذتها من سوريا في مرحلة ما وبالعكس، كانت "محاولات ضغط استراتيجيه للوصول إلى الحل."
وأشار كنعان إلى أن السياسة اللبنانية السورية دخلت مرحلة جديدة مع الحديث عن قرب تأسيس علاقات دبلوماسية بين البلدين (حيث لا يوجد تبادل للسفراء بين دمشق وبيروت،) معتبراً أن فرنسا، كما غيرها من الدول الأوروبية، ترغب بأن يكون لها حضورا للحفاظ على مصالحها في المنطقة وخصوصا في لبنان.
ولفت النائب اللبناني المعارض إلى أن باريس تعتبر أن لها "دورا تاريخيا" في المنطقة، وخصوصا مع دخول الإدارة الأميركية في "مرحلة من الشلل" بسبب الانتخابات الرئاسية، وأضاف: "نحن نشهد تحركا أوروبيا قد يكون لملء المساحة التي تفسحها الولايات المتحدة في مرحلة دخولها الانتخابات الرئاسية."
ولاحظ كنعان أن الفترة التي أعقبت اتفاق الدوحة شهدت "تراجعا للرؤيا والمشروع الأميركي في السياسة اللبنانية" مرجحاً أن يكون ذلك سببا في تعديل التوازنات الحاصل في المنطقة وفي لبنان، ومبرراً لدور أوروبي متقدم في المنطقة، بالإضافة إلى تحريك مسار المفاوضات السورية الإسرائيلية. ورأى عضو كتلة الإصلاح والتغيير وجود ما يؤشر إلى "صول المنطقة عند مرحلة تسوية قد يكون للأوروبيين دور فيها وللروس أيضا،" معيداً إلى الأذهان أجواء التعاون بين باريس وموسكو خلال المرحلة التي مهّدت لاتفاق الدوحة.