رايس تسمي التحديات الرئيسية للولايات المتحدة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
واشنطن: في التقرير التالي سوفيتم عرض مقالة وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس، والتي تركز فيها على السياسة الأميركية تجاه منطقة الشرق الأوسط لاسيما العراق، والتحديات التي تواجه السياسة الأميركية هناك، والإجابة على تساؤل يشغل العديد، حاليا، حول مستقبل الدور الأميركي عالمياً في ظل تزايد الإخفاقات والأزمات الأميركية في الكثير من المناطق، وتحدي الدور الأميركي بقوي صاعدة ومنافسة له.
الديمقراطية والاستقرار. هل من تعارض؟
تنقل رايس في مقالتها لبحث السياسة الأميركية تجاه منطقة الشرق الأوسط الموسع، وهي حسب رايس تلك المنطقة التي تضم دولاً تقع ما بين دولتي المغرب وباكستان. وتقول أن السياسية الأميركية تجاه دول منطقة الشرق الأوسط قائمة على عقيدة قديمة في السياسة الخارجية الأميركية، وهي تلك القائمة على المزاوجة بين حقوق الإنسان وتعزيز التطور الديمقراطي. ولكن كان هناك استثناء في السياسة الأميركية بالشرق الأوسط على مدار العقود الماضية. حيث أصبحت السياسة الأميركية تركز أكثر على الاستقرار. وتشير إلي أن هناك حوار بشأن الديمقراطية بدول المنطقة، ولكنه ضعيف وبعيداً عن الدوائر العامة.
وتُشير أيضاً إلي أنه خلال الستة عقود الماضية ركزت الإدارات الأميركية (الديمقراطية والجمهورية) على مساومة تقوم على الدعم الأميركي للنظم السلطوية وفي المقابل تعمل هذه الأنظمة على تحقيق الاستقرار الذي تسعي إليه الولايات المتحدة لتحقيق مصالحها. ولكن بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر اتضح أن تلك المعادلة لا تُساعد على تحقيق الاستقرار، وإن كانت تحققه فإنه استقرار لا يفيد المصالح الأميركية؛ حيث شهدت المنطقة زيادة نفوذ المنظمات الأصولية لاسيما تنظيم القاعدة الذي أصبح يتبني مفهوم العدو البعيد Far Enemy في إشارة للولايات المتحدة والدول الغربية.
وفي ظل احتدام الجدل حول السياسة الخارجية الأميركية تجاه منطقة الشرق الأوسط، تقول رايس أن مستقبل المنطقة يؤثر على المصالح الأميركية في المنطقة، والتي تتنوع ما بين الطاقة، والأمن، والدفاع وتدعيم الحلفاء والأصدقاء، وكذلك على الصيغ الأميركية لحل النزاعات التي تموج بها منطقة الشرق الأوسط. فضلاً عن مساعدة الدول الشرق أوسيطة في الحرب الدولية ضد التطرف والإرهاب. وفي الوقت الذي تثار فيه معضلة الاختيار بين مصلحة الأمن أم القيم الأميركية، تقول رايس أنه بينهما تعارض، ولكنه تعارض على المدى القصير، وأنه على المدى الطويل سوف تتحقق مصلحة الأمن في حالة تطبيق القيم الأميركية من الحرية، وحقوق الإنسان، وحرية السوق، والديمقراطية وحكم القانون.
وتشير رايس إلي العديد من التساؤلات التي تشغل بال القيادات والمواطنين بدول الشرق الأوسط الموسع حول بناء الدولة الحديثة. ومن تلك التساؤلات: ما هي حدود استخدام الدولة القوة داخل حدودها وخارجها؟، ما هو شكل العلاقة بين الدولة ومواطنيها، والعلاقة بين الدين والسياسة؟، كيف تعيش القيم التقليدية مع وعود الديمقراطية من الحرية وحقوق الإنسان لاسيما حقوق المرأة؟، كيف سيتكيف التنوع العرقي والديني في ظل مؤسسات سياسية هشة في الوقت الذي يتجه فيه المواطن إلي المؤسسات التقليدية؟. وتقول رايس أن الإجابة على تلك الأسئلة تأتي من قبل المنطقة، ولكن مهمة الولايات المتحدة خلال تلك العملية الصعبة هي تحويل دولها إلي دول حداثية وديمقراطية.
تحديات السياسة الأميركية بالشرق الأوسط
تتطرق وزيرة الخارجية في مقالتها إلى عدد من التحديات التي تواجه السياسة الأميركية بمنطقة الشرق الأوسط. وأولى تلك التحديات تزايد الجماعات الأصولية المتطرفة بمنطقة الشرق الأوسط، ومن تلك الجماعات تنظيم القاعدة الراغب في إنشاء الخلافة الإسلامية، والانقلاب على سيادة الدولة، بالإضافة إلى تعارض أفكار ومبادئ تلك الجماعات مع قيم الديمقراطية والحداثة. وتشير إلي أن النجاح الأميركي في القضاء على تلك الجماعات يحتاج إلي مساعدة الحلفاء والأصدقاء بالمنطقة. وحسب رايس ليست الحرب على الإرهاب حرب عسكرية فقط، ولكنها ذات بعد فكري، حيث لابد من مواجهة أيديولوجية القاعدة. وتري أنه لن يتحقق إلا في حال توافر الديمقراطية والحرية، وتضرب مثالا على ذلك بأفغانستان وباكستان والبصرة بالعراق. حيث تقوم إستراتيجية النصر الأميركية على أنه عن طريق المسار الديمقراطي يستطيع الفرد تحقيق مصالحه بطريقة سليمة، وفي بيئة تتسم بالديمقراطية والحرية والعدل والمساواة يستطيع المواطن محاربة الإرهاب. أي أن رايس تربط بين الجانب العسكري المتمثل في الحرب الأميركية على الإرهاب والسعي الأميركي لتحقيق الديمقراطية والحرية كقيمة أميركية.
وتري أن المصلحة الأميركية التي تجمع بين دفع الديمقراطية ومحاربة الإرهاب والتطرف بالمنطقة خيار صعب ومعقد؛ حيث تحتاج الولايات المتحدة الأميركية إلي تعاون الأنظمة غير الديمقراطية بالمنطقة في محاربة الإرهاب والتطرف بالمنطقة، ولذا تطالب رايس بالتوازن بين الأهداف على المدى الطويل والقصير. وتقول أنه لا يمكن إنكار دور الدول غير الديمقراطية في محاربة الإرهاب، ولكنها في الوقت ذاته تدعو إلي استخدام الولايات المتحدة أدوات لتعزيز الديمقراطية بالعالم العربي من خلال مبادرات الإصلاح والدبلوماسية العامة والخاصة؛ لدفع الدول غير الديمقراطية إلي اتخاذ إجراءات ديمقراطية. وتطرح مثالا على التوازن بين محاربة الإرهاب وتعزيز الديمقراطية بالعلاقات الأميركية - الباكستانية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر.
والتحدي الثاني الذي يواجهها منطقة الشرق الأوسط يتمثل في وجود قوي ودول غير راغبة في إصلاح منطقة الشرق الأوسط، والتي تركن في سياساتها إلى وسائل عنيفة مثل الإرهاب والاغتيالات والترهيب.
وتري رايس أن السؤال ليس من تلك القوي، ولكن ما هي حدود هذا التأثير وشكله، هل هو بناء أم هدام. هذا هو السؤال المحوري بالمنطقة، وتشير إلي بعض التحديات الجيوسياسية بالمنطقة، ومنها تقويض سوريا السيادة اللبنانية، والسعي الإيراني إلي امتلاك أسلحة نووية، وأن تلك الدولتين تدعم الإرهاب.
وتشير إلي أن إيران تعتمد على قوي إيرانية في تهديد أمن المنطقة مثل الحرس الثوري الإيرانية وقوات القدس، وعلى عدد من القوي الأخرى غير الإيرانية مثل جيش المهدي بالعراق، وحماس بفلسطين، وحزب الله بلبنان. وتشير إلي التهديد الأمني الإيراني للقوات الأميركية بالعراق والمدنيين العراقيين وإسرائيل، وإلي أن السعي الإيراني لامتلاك تكنولوجيا نووية يمثل تهديداً للسلم والأمن الدوليين. وتقول رايس أنه إذا تغير السلوك الإيراني فإن نظيره الأميركي سوف يتغير، وأن على طهران أن تدرك أن الولايات المتحدة ملتزمة بحماية أصدقائها وحلفائها بالمنطقة ومصالحها إلي أن يحدث التغير في السلوك الإيراني.
والتحدي الثالث الذي تواجهه السياسة الأميركية بمنطقة الشرق الأوسط يمكن في القدرة على حل الصراعات الممتدة بالمنطقة لاسيما الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي. وقد كانت قضية الديمقراطية مرتكز أساسي في السياسة الأميركية تجاه الصراع العربي - الإسرائيلي، ويرجع ذلك إلي الرؤية الأميركية أنه بدونها لن تستطيع إسرائيل تحقيق الأمن بالدولة اليهودية، ولن تستطيع الحكومة الفلسطينية توفير حياة أفضل لمواطنيها أو القيام بالتزامات السيادة المفروضة عليها. وتري أن حل الصراع يمكن في حل الصراع على أساس دولتين تعيشان في سلام وأمن. وتري أن إقامة الدولة الفلسطينية ليس فقط خلال مفاوضات صعبة حول قضايا الحدود، المياه، واللاجئين، ولكن من خلال جهود صعبة لتحقيق مؤسسات ديمقراطية قادرة على محاربة الإرهاب والتطرف وفرض القانون ومحاربة الفساد وخلق فرص للعيش الطيب للمواطن الفلسطيني.
وتشير رايس إلي أن هناك انقسام فلسطيني في العديد من القضايا كاستخدام القوة في حل الصراع وعدم الرغبة في الوجود الإسرائيلي بالمنطقة، في حين تُعلي أطرف أخري من المفاوضات وتنبذ العنف وتتحاور مع إسرائيل، ولذا تدعو رايس إسرائيل والولايات المتحدة والمجتمع الدولي تدعيم بكل ما أوتيت من قوة الأطراف الفلسطينية الراغبة في الحوار والسلام والوصل إلي حلول وسطية في الصراع، وتقول أن إقامة الدوليتين سوف يكون أحد نتائج تطبيق الديمقراطية.
وتثير رايس العديد من التساؤلات حول تطبيق الديمقراطية في الشرق الأوسط، حيث أنها قد تؤدي إلي صعود قوى ما دون الدولة (Nonstate Actors) خلال الممارسة الديمقراطية، ولاسيما أن الجماعات المسلحة التي لم تعلن تخليها عن العنف هي أقوي الجماعات السياسية تنظيما في العالم العربي، وهو الأمر الذي يثير عدة تساؤلات مفادها ما هو دور تلك الجماعات والقوي في العملية الديمقراطية؟ وهل إنها ستنقلب على المبادئ الديمقراطية التي أتت بها؟، وهل الانتخابات في منطقة الشرق الأوسط ذات نتائج خطيرة؟. وهو ما يُشكل التحدي الرابع للسياسة الأميركية بالمنطقة
وتُشير في هذا الصدد إلي صعود حركة حماس في الانتخابات الفلسطينية، وهو الأمر الذي عقد الأمور في الشرق الأوسط الموسع من وجه نظرها، ولكنه حمل بعض الايجابيات بأن جعل حماس عليها مسؤوليات قوي سياسية وليس حركة تتبني العنف، ولكن حماس حسب رايس لم تمارس سياستها على أساس قوي سياسية والذي أظهر عدم قدرة حماس على الحكم.
وتقول أنه إذا كان هناك نظام سياسي ديمقراطي شرعي لكانت هناك بدائل لحماس، مما يوسع من حرية وفرص الاختيار، والتي قد تذهب بعيدا عن حماس، وهذا يمكن تحقيقيه لو أن الفلسطينيين قادرين على العيش الطبيعي داخل دولتهم.
وتري أن مشاركة الجماعات المسلحة في الانتخابات تُعد مشكلة كبيرة، وأن الدرس الذي تستخلصه واشنطن ليس في توقف العملية الديمقراطية والانتخابات، ولكن أن تكون هناك مقاييس كما كان حال المجتمع الدولي مع حماس بضرورة اختيارها مابين كونها جماعة سياسية أو جماعة مقاومة مسلحة. وتري أن تلك المشكلة تقع على عاتق قيادات المنطقة ومؤسساتها؛ لإيجاد حل لتلك المعضلة بالطرق السلمية بعيدا عن الكبح والقمع والاستثناء.
مدى إمكانية تطبيق السيناريو العراقي
تنتقل رايس في الجزء قبل الأخير من مقالتها إلي تناول حالة تطبيق الديمقراطية بمنطقة الشرق الأوسط الموسع وهي الحالة العراقية؛ لأنها تعتبر العراق صورة مصغرة لأوضاع المنطقة، فالعراق يموج بالتعدد الإثني والعرقي والمذهبي، وشعب طامح في الحرية بعد سقوط حكومة صدام حسين، التي لم تحدث تحولا فقط في العراق ولكن في المنطقة كلها. وتطرح تساؤل مفاده هل الإطاحة بنظام صدم حسين قرار صائب؟، وتجيب بنعم. وتستند في إجابتها على السياسة الأميركية والدولية تجاه العراق منذ حرب الخليج الثانية. وتقول إذا لم يكن صدام سيئا لما كان فرض العقوبات والحظر عليه.
وتقول أن الولايات المتحدة لم تسقط نظام صدام حسين لدمقرطة منطقة الشرق الأوسط ولكن للحفاظ على الأمن الدولي. ولكنها ترجع وتقول أن دمقرطة العراق كان هدفا أميركيا بعد تحريره. فعقب إسقاط نظام صدام حسين تساءلت الدوائر الأميركية هل ستكون واشنطن راضية بسقوط نظام صدام وتولي قيادة أقوي منه، وكانت الإجابة بالنفي، ولكنها ستكون راضية بتحقيق الديمقراطية العراقية، وبناء مجتمع ديمقراطي يُحقق الأمن والاستقرار بالمنطقة على غرار ألمانيا بعد هتلر. وتقول إن بناء نظام ديمقراطي في العراق يرتبط ببناء الديمقراطية بالشرق الأوسط الموسع. فحسب رايس من الصعوبة تصور ديمقراطية بالمنطقة في ظل استمرار ديكتاتورية صدام بالمنطقة. وتعترف بأن الجهود الأميركية في العراق كانت شاقة لتحويل دولة هشة خلال فترة حكم نظام صدام حسين إلي دولة ديمقراطية، وتعترف أيضاً بأن الولايات المتحدة ارتكبت بعض الأخطاء بالعراق.
وتري أن العلاقات الإستراتيجية الأميركية مع أفغانستان والعراق وبعض دول أسيا الوسطي والعلاقات الإستراتيجية طويلة المدى مع الدول الخليجية تُعد أرضية صلبة تستند عليها الأجيال في استكمال السياسة الأميركية من دعم أكثر للديمقراطية والازدهار بمنطقة الشرق الأوسط.
المكانة الأميركية عالمياً
وفي الجزء الأخير من المقالة تتناول رايس مكانة الولايات المتحدة الأميركية عالميا. فهذا الجزء يبحث عن إجابة لتساؤل رئيسي هل الولايات المتحدة سوف تحافظ على مكانتها عالميا، أم أنها في طريقها إلي الزوال كما يُردد الكثيرون استنادا إلي العديد من أزماتها السياسة والاقتصادية والثقافية ؟
وفي معرض الإجابة على هذا التساؤل تري رايس أن الولايات المتحدة سوف تسمر كفاعل دولي استنادا إلى توافر مصادر القوة الأميركية بصورها المتنوعة من سياسية وثقافية واقتصادية ودبلوماسية واجتماعية. ولكن هذا لا يمنع من وجود العديد من المشكلات والأزمات التي تواجه الولايات المتحدة والتي تحتاج إلي التعامل معها بجدية للحفاظ على تلك المكانة.
وتنسد في تأكيدها للقوة الأميركية على الإنفاق العسكري الأميركي بالنسبة للناتج القومي الإجمالي، وتعترف بأن الحربين الأميركتين في العراق وأفغانستان قد وضعت قيودا على الإنفاق العسكري الأميركي.
ولكنها تقول أن الانخراط الأميركي في تلك الحربين يُعد اختبارا للقوة العسكرية الأميركية، ويُعد جيل أميركي أكثر قادرة على تحمل مسئولية تحقيق الاستقرار والأمن ومحارب التمرد والعصيان. وتقول أن تلك التحديات توضح أن هناك حاجة إلي المزيد من التعاون بين المؤسستين العسكرية والمدنية.
وتقول أن الولايات المتحدة خلال السنوات القادمة سوف تكون أكثر انخراطا في بناء الأمم، ولكنها تتمني أن لا يكون عسكرياً وهو الأمر الذي يؤشر إلي زيادة الدور الذي يقع على المؤسسة الدبلوماسية الأميركية والوكالات التنموية الأميركية وغيرها من المؤسسات المالية؛ لمساعدة الدول الفاشلة والمخفقة على مواجهة تحدياتها الداخلية والخارجية، وعدم تحولها إلي دول فاشلة أو مخفقة حتى لا تكون ملاذا للإرهابيين، ولعل هذا ما علمت عليه إدارة بوش حسب رايس منذ عام 2001، عندما طلبت من الكونغرس زيادة المخصصات المالية للمؤسسات الدبلوماسية بنسبة 54%. وفي هذا العام دعي الرئيس إلي إنشاء 1100 منصب جديد لوزارة الخارجية و300 أخري للوكالة الأميركية للتنمية الدولية U.S. Agency for International Development والذي يساعد الولايات المتحدة في هذا الصدد.
وتنهي مقالتها بأن النظام الدولي يتبني القيم التي تؤمن بها الولايات المتحدة الأميركية وهذا ما يمثل مصدر قوة للولايات المتحدة لتشكيل مخرجات النظام الدولي وأن يكون لها دور محوري في هذا النظام، وأن تلك القيم هي التي تمكن الأجيال من ممارسة نفس الدور بل سيكون أكثر نجاحاً طالما استمر الإيمان الأميركي بقيمها وقوتها.