أخبار

سفارة أميركية مصغرة في طهران

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

موسكو: على مدار كل السنوات الثماني من ولايته الرئاسية ردد بوش دون كلل أن الولايات المتحدة لن تجلس إلى طاولة المفاوضات مع إيران ما دامت الأخيرة تواصل تخصيب اليورانيوم. ولكن قبل نصف عام من انقضاء فترة ولايته أرسل بوش ممثلا دبلوماسيا أميركيا رفيع المستوى إلى سويسرا حيث سيجلس لأول مرة إلى طاولة واحدة مع المبعوث الإيراني.

وقد غادر نائب وزير الخارجية الأميركي ويليام بيرنس إلى جنيف حيث ينعقد في 19 يوليو لقاء يجمع "السداسي الإيراني" (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين وألمانيا بالإضافة إلى خافيير سولانا الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية والأمن) والمفاوض الإيراني الرئيسي - سكرتير مجلس الأمن القومي الأعلى سعيد جليلي.

وجدير بالذكر أن السفراء الأميركان سبق أن جلسوا وراء طاولة واحدة مع الإيرانيين أثناء اجتماعات السداسي ولكن هذه المرة سيكون الاجتماع على مستوى أعلى من السابق.

ويضم جدول أعمال اللقاء بندا واحدا فقط هو الجواب الملموس الذي ينبغي أن يقدمه جليلي على اقتراحات الحل الوسط الموسعة الأخيرة بشأن تسوية المسألة النووية الإيرانية.

وبالإضافة إلى ذلك عقد البيت الأبيض، على ما يبدو، عزيمته الراسخة على افتتاح "قسم لرعاية المصالح الأميركية" لدى السفارة السويسرية في طهران. ولا يعني ذلك البتة استئناف العلاقات الدبلوماسية ولكنه خطوة في هذا الاتجاه.

علما أن الولايات المتحدة قطعت العلاقات الدبلوماسية مع إيران بعد اقتحام الإيرانيين السفارة الأميركية في طهران عام 1979 واحتجاز 52 دبلوماسيا كرهائن لغاية عام 1981.

وقد نبهت واشنطن إلى أن الحديث لا يدور عن أي انعطاف حاسم في سياستها تجاه إيران. ولكن يصعب على المرء أن يصدق هذا الكلام علما أن ويليام بيرنس الذي كان، بالمناسبة، سفيرا أميركيا في موسكو حتى مايو الماضي، يشغل المرتبة الثالثة من هرم الدبلوماسية الأميركية حاليا. ومثل هذا المسؤول العالي المستوى لا يذهب إلى جنيف لمجرد الجلوس والاستماع إلى جوابات قد يقدمها الجانب الإيراني.

ودعونا نتذكر ما الذي عرض على طهران لكي تكف عن "لعبتها النووية". تكمن في أساس الاقتراحات التي قدمها "السداسي" في مايو الماضي معادلة "تجميد لقاء تجميد" (freeze-for-freeze). أو صفوة الكلمة، يطلب من طهران أن تجمد أعمال تخصيب اليورانيوم على أن يتم إمدادها بالوقود لمحطاتها الكهروذرية، وتقدم لها المساعدة التكنولوجية على تطوير قطاع الطاقة الذرية المدني والمعونة الاقتصادية والاستثمارات. وبالمقابل "يجمد" المجتمع الدولي كل خطواته اللاحقة الرامية إلى صياغة عقوبات جديدة ضد إيران. وبعدها ستبدأ مفاوضات ملموسة حول المشكلة بعينها.

وجدير بالذكر أن طهران تطالب منذ زمن بعيد الشروع بالمفاوضات المباشرة مع واشنطن بدلا من التخاطب مع من تلقبه بـ"بدل أميركا" وبالذات لندن وباريس وبون. ولكن الأخيرة لا تستحق هذا اللقب المسيء لأنها تواظب منذ فترة طويلة على إقناع بوش بأنه لم تبق في اليد أية حيلة سوى الدخول في المفاوضات المباشرة بين واشنطن وطهران. وتعبت أوروبا من تعنت الولايات المتحدة لاسيما في ظل الغلاء الفاحش للنفط وحالة النرفزة المتزايدة التي تتملك إسرائيل. فقد أعلنت تل أبيب أكثر من مرة أنها لن تنتظر إنتاج المواد النووية العسكرية على أجهزة الطرد المركزي الإيرانية وستوجه ضربة وقائية إلى ناتانز وأصفهان وأراك ("المعامل النووية" الرئيسية في إيران).

لم يكن إقناع بوش مهمة سهلة، بلا شك، كما لم يسهل على بوش نفسه أن يوافق على افتتاح "قسم لرعاية المصالح الأميركية" في عاصمة الدولة التي نعتها بـ "مركز محور الشر"، خاصة وأن نائب الرئيس ريتشارد تشيني ووزير الدفاع دونالد رامسفلد أعاقا كل محاولات التأثير في موقف بوش المتصلب.

لا نعرف، طبعا، كيف ستجيب طهران على اقتراحات "السداسي". فإذا أجابت سلبا فما زال يوجد في يد واشنطن العديد من الأوراق التي تستطيع أن تواصل اللعبة بها. لأن "لا" الإيراني سيطلق أيدي الإدارة الأميركية التي تستطيع أن تلجأ إلى قطع كل التعاملات المالية مع البنوك الإيرانية والاستثمارات في الاقتصاد الإيراني أو حتى إلى اتخاذ أكثر الإجراءات أذى ألا وهو منع تأمين السفن الإيرانية أو السفن التي تحمل الشحنات الإيرانية من قبل شركات التأمين العالمية. ويدور الحديث بالدرجة الأولى عن ناقلات النفط التي ستحرم عليها دخول أي ميناء في العالم بدون بوليسة تأمين.

إذا، ليس نبأ افتتاح واشنطن المحتمل لـ"قسم رعاية المصالح الأميركية" في طهران نبأ مثيرا إلا ظاهريا لأن هذه الخطوة تتصف في الحقيقة بطابع براغماتي صرف. علما أن وزارة الخارجية دعت الرئيس لتحقيقها منذ زمن بعيد. وجدير بالذكر أن نفس وليام بيرنس أعلن ذلك على الملأ أثناء جلسة الاستماع في الكونغرس منذ أسبوع ولكن أحدا لم يأبه لذلك آنذاك. وسيعمل القسم على غرار القسم المماثل في هافانا التي قطعت واشنطن العلاقات الدبلوماسية معها منذ عام 1961. وتعمل مثل هذه البعثات كسفارات "مصغرة" للبلد الذي يفتحها ولكنها تعتبر رسميا جزءا من السفارة التي تتبناها وهي في هذه الحالة السفارة السويسرية في طهران.

أندري فيدياشين

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف