هل جورجيا موجودة على الخرائط السياسية الغربية؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
طلال سلامة من روما: يسود التوتر العلاقات بين حكومتي تبليسي وموسكو، منذ عدة سنوات. إنما لا أحد من الدول الغربية التفت إليهما لتحليل هذه التوترات وأبعادها المستقبلية. يعود هذا الإهمال الغربي الى عدم الاهتمام أساساً بمنطقة الصراع الحالية. مع ذلك، أضحت منطقة القوقاز ساحة حرب تتصارع في قلبها القوى الدولية الكبرى، بصورة غير مباشرة. في أي حال، تلقت جورجيا وعوداً كثيرة من رئيسها الذي لم ينجح في تحقيق أي منها. هكذا، طلب الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي من الدول الغربية يد العون. لم تتأخر هذه الدول عن التعاطف معه ولاحقاً دخلت جورجيا قائمة الدول المرشحة للانضمام في الناتو. يتمتع الرئيس الجورجي برأس "ساخن" ويعلم الجميع أن مستقبله، في حال خسرت جورجيا الحرب مع روسيا، لن يكون براقاً جداً.
من جانب آخر، ارتفعت شعبية بوتين من 2 الى 60 في المئة عقب خوض القوات الروسية الحرب للمرة الثانية مع الجيش الشيشاني، في العام 2000. ولا يأسف بوتين كثيراً لما يحصل اليوم مع جورجيا. فالوطن بحاجة لاندلاع حروب صغيرة بين الفينة والفينة. للأسف إنها حاجة قذرة كونها تحصد مئات الضحايا وتشر الآلاف وتسبب أضراراً مادية بملايين الدولارات. على الأرجح ستنتهي الحرب الحالية عن طريق اتفاقية يتم الإعلان عنها في مؤتمر صحفي طويل ليعود الجميع ليصبحوا أعداء مجدداً، كما في السابق.
في منطقة القوقاز، يكفي اليوم شن حملة استفزازية ارتجالية لإشعال فتيلة الحرب الإقليمية التي اندلعت هذه السنة في شهر أغسطس(آب)، وهو شهر ينظر إليه جميع السياسيين حول العالم بأنه شهر المفاجآت المشؤومة. في الواقع، لا تستطيع جورجيا الصمود أمام الجيش الروسي، ويبقى احتمال نشر قوات الطوارئ الدولية في منطقة القوقاز حلماً جورجياً صعب المنال لا بل مستحيل.
منذ فجر الزمان، تعيش منطقة القوقاز أزمات انفصالية. في العام 1930 مثلاً، هيمنت جورجيا (أغلبية سكانها مسيحيين) على دويلة أبخازيا المسلمة (تقع شمال غرب جورجيا على البحر الأسود). هكذا، فصل الحقد الطائفي جورجيا عن روسيا وأبخازيا.
بعد انهيار حائط برلين، تسلح الانفصاليون في أبخازيا بيد أن حكومة تبليسي(جورجيا) غضت النظر عن ذلك لغاية شهر يوليو(تموز) من العام 1992 عندما جرى التصويت في سوكومي(عاصمة أبخازيا) حول إعلان الاستقلال عن جورجيا.
لكن الجالية الدولية لم تعترف بهذا الاستقلال مما دفع الأبخازيين الى إبادة الآلاف من الجورجيين. هذا ما يبرزه أمامنا التاريخ الذي يحتضن ولادة جمهورية روسيا، خليفة الاتحاد السوفييتي، التي لم تتمتع قط بروح الحيادية. بالفعل، انتقل الصراع الروسي الجورجي اليوم الى أبخازيا مما ينذر الجميع بولادة "كوسوفو" ثاني في قلب روسيا وربما عودة الحرب الباردة بين روسيا وأميركا عبر وسطاء.